الاستقراء والتجربة يدلاننا على ان المؤمن الملتزم أسعد من غيره في أسرته ومجتمعه فان الصدق والوفاء النزاهة وحب الأهل والوطن ومواساة الجار والقريب والبعيد والصلاة والصوم وغيرها مما أمر به الشارع الأقدس كلها عوامل سعادة وسلام وتقدم ورفاه وأمن وطمأنينة...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
قال الله العظيم في كتابه الكريم: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)(1)
سبق الجواب عن السؤال التالي: (ولكن لماذا لم يقل جل اسمه (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) مع ان الطريق مفردة واضحة جليّة الدلالة والمعنى؟) بالأجوبة التالية: ("الصراط" تحمل إرثاً تاريخياً وكنزاً من البطون) و(ب- الصراط فيه نوع إبهام، فناسب "أهدنا") و(ج- لا مثنى للصراط، عكس الطريق) ونضيف:
د- الصراط أعم من الطريق والغاية
رابعاً: ان الطريق يقع في مقابل ذي الطريق أو الغاية أو الهدف وهي (المدينة) أو (السعادة) مثلاً، عكس الصراط فانه يعم الطريق وذا الطريق جميعاً، ولعل ذلك من النوادر أو الغرائب وذلك لأن (للثنائيات) المتضادة في واقعها، أسماء متباينة أيضاً، فمثلاً (المقدمة وذو المقدمة) فانها ثنائية متضادة إذ المقدمة بما هي مقدمة مغايرة لذي المقدمة بما هو ذو المقدمة، ولذلك وضع لكل منهما اسم أو صفة فوضع عنوان المقدمة لها واما ذوها فوضع له عنوان الغاية أو الهدف أو ذو المقدمة، وكذلك ثنائية الانتزاعي ومنشأ الانتزاع كالأربعة والزوجية فانه لا يطلق على أحدهما وصف الآخر، وهذه هي القاعدة العامة في الثنائيات ومنها المقام فان لنا غاية ولنا طريق إلى الغاية فالغاية هي معرفة الله تعالى والطريق إليها هو التفكر والتدبر في القرآن الكريم مثلاً، ولكن الصراط هو الاستثناء الوحيد الذي يطلق على الطريق وعلى ذي الطريق أيضاً فكل منهما صراط مستقيم فان القرآن الكريم مثلاً صراط مستقيم ومعرفة وحدانية الله تعالى وعدله ورحمته صراط مستقيم أيضاً مع ان الأول طريق إلى الثاني، والإمام المعصوم عليه السلام بنفسه هو صراط مستقيم كما ان معرفته صراط مستقيم كما ان حبه أيضاً صراط مستقيم مع ان الأخيرين هما في طول الأول ومع ان المعرفة تقع طريقاً إلى المحبة وقد يصح العكس أيضاً.
وقد دلت على ذلك الروايات أيضاً، فقد ورد في تعريف الصراط المستقيم:
- ((الطريق ومعرفة الإمام))(2) فالطريق إلى معرفة الإمام صراط، ومعرفته هي صراط.
- ((صِرَاطَ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ))(3) وقال الإمام الصادق عليه السلام:
- ((نَحْنُ وَاللَّهِ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ))(4).
- (حب محمد وآله).
فهم عليهم السلام بأنفسهم صراط مستقيم وحبهم صراط مستقيم ومعرفتهم صراط مستقيم وصراطهم وصراط الأنبياء والطريق إليهم صراط مستقيم... وذلك من الأسرار المحتملة في وجه اختيار مفردة الصراط، والتي يمكن ان نقول انه لا يشبهها في ذلك إلا (الدين) نفسه، حيث انه يعم الطريق وذا الطريق أيضاً!
وقد سبق (دوائر الهداية في المفردات المتجددة ان الهداية لدى مواجهة المصاديق المتجددة والمفردات المستجدة، لهي ذات دوائر عديدة:
الدائرة الأولى: دائرة الأحكام.
الدائرة الثانية: دائرة الموضوعات.
الدائرة الثالثة: دائرة النظريات العامة.
الدائرة الرابعة: دائرة القيادة الإسلامية.
الدائرة الخامسة: دائرة الأدلة والحجج والبراهين)(5) وبعض الحديث عن الدائرة الأخيرة:
5- دائرة الأدلة والحجج والبراهين:
الدائرة الخامسة: دائرة الحجج والبراهين:
وتوضيح ذلك: ان الإنسان بحاجة إلى هداية الله تعالى له كي يقع على الحجج الصحيحة المنتجة الموصلة إلى لُباب الواقع وذات الحقيقة ونفس الأمر؛ وذلك لأن الأقسام ثلاثة:
الفارق بين البرهان والجدل والمغالطة
أ- فقد يكون الدليل صحيحاً والمستدَلّ عليه صحيحاً أيضاً.
ب- وقد يكون الدليل باطلاً والمستدَلّ عليه صحيحاً.
ج- وقد يكون كلاهما باطلاً.
والأول: هو المسمى في علم المنطق بالبرهان، والثاني: هو المسمى بالجدل، والثالث: هو المسمى بالمغالطة في مباحث الصناعات الخمس.
والمقصود ان جوهر الفارق بين الصناعات الثلاث هو بما ذكر، وليس الكلام عن الإطراد وعدمه أو ان النسبة بينها هي التباين أو من وجه حقيقةً أو توسعاً كـ(وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ)(6) كما ليس في التعريفات الفنية لكل منها والتي قد تكون بها الصناعة المنطقية أوسع مما ذكرناه أو أضيق نظير تخصيص البرهان مثلاً (بالمقدمات اليقينية التي تنتج بنفسها يقيناً آخر)
وعلى أي فموطن تحقيق ذلك وقبوله أو رفضه هو مباحث المنطق، إنما الكلام في جوهر فلسفة هذه الصناعات الثلاث، فيما نرى، عندما نحاول ان نرجع إلى الوراء لندخل في عقل واضع علم المنطق لنكتشف ان من العقلائي ان يرى ذلك التقسيم الثلاثيّ:
فان بعض الأدلة هي أدلة صحيحة مستوفية لشروط إحدى الأشكال الأربعة مثلاً من ناحية العِلّة الصورية كما انها سليمة من حيث مادتها فتوصل إلى الحقيقية كما هي، فهذا هو الجدير بان يسمى البرهان، واما المغالطة فالجدير ان توضع على الأدلة السقيمة الفاقدة لشرائط الإنتاج والخاطئة من حيث المادة أيضاً بان أوصلت إلى الخطأ المحض فهذا الدليل هو المغالطة (أو هو أعلى درجاتها) وبعض الأدلة سقيم من حيث شرائط الاستدلال والدليلية لكنه يوصل – ولو في نظر السامع – إلى الواقع لاعتماده على مقدمات مسلمة لديه وإن كانت باطلة واقعاً لكنها صادف ان تكون موصلة للواقع فهذا هو الجدل (حصراً أو في صورته الراقية) فتدبر.
وموطن الشاهد اننا نطلب من الله تعالى ان يهدينا إلى الصراط المستقيم في مراحل الاستدلال والاحتجاج بان يرشدنا للبراهين الصحيحة الموصلة إلى النتائج السليمة أيضاً.
استدلال الإمام الصادق عليه السلام على الملحد: لقد سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ، أو اسْتَوَيْتُمْ!
ولنتوقف ههنا عند مثال كلامي – تطبيقي هام في إحدى أهم استدلالاتنا على الملحدين وعلى مغالطة بعضهم لردّ هذا الدليل، ثم الجواب عن المغالطة:
فقد استدل الإمام الصادق عليه السلام على بعض أكابر الملحدين ببرهان احتمالات الربح والخسارة، ثم جاء بعد أكثر من ألف سنة أحد الفلاسفة ليصوغ ذلك البرهان في صيغة أخرى عبروا عنها بـ(برهان باسكال) وجاء من بعده بعض الملحدين ليناقش رهانه ومن ثَمَّ استدلالَ الإمام الصادق عليه السلام (وإن لم يطلّع على ان جوهر استدلال باسكال يعود لاستدلال صادق أهل البيت عليهم السلام) ثم نذكر بعض الأجوبة الدامغة على مناقشة أولئك الملحدين:
استدلال الإمام الصادق عليه السلام:
فقد ورد في التاريخ: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا... قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ هَذَا الِاسْمَ لِهَذَا الشَّيْخِ دُونَ هَؤُلَاءِ
قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ
فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لَا بُدَّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ
قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ
فَقَالَ لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ وَلَكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلَالِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ
فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هَذَا فَقُمْ إِلَيْهِ وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَلَا تَثْنِي عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ فَيُسَلِّمَكَ إِلَى عِقَالٍ وَسِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ
قَالَ: فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَالَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَلِكَ؟
قَالَ: جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ابْتَدَأَنِي فَقَالَ إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ وَهُوَ عَلَى مَا يَقُولُونَ، يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ، فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ وَهُمْ
فَقُلْتُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَيَّ شَيْءٍ نَقُولُ وَأَيَّ شَيْءٍ يَقُولُونَ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلَّا وَاحِدٌ؟
فَقَالَ وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلَهاً وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَد...))(7)
رهان باسكال
ثم جاء (باسكال) وصاغ هذا الاستدلال بعبارة أخرى فقال بما حاصله:
1- إن آمنتَ بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في الجنة، وهذا ربح لامحدود.
2- إن لم تؤمن بالله وكان الله موجوداً، فسيكون جزاؤك الخلود في جهنم، وهذه خسارة لامحدودة.
3- إن آمنتَ بالله وكان الله غير موجود، فلن تُجزى على ذلك، وهذه خسارة محدودة.
4- إن لم تؤمن بالله وكان الله غير موجود، فلن تُعاقب لكنك ستكون قد عشت حياتك، وهذا ربح محدود).
وإذا وضعنا الرهان في جدول، سيتضح لنا أن الإيمان يعطينا اما الربح اللامحدود أو خسارة عادية جداً في حين أن عدم الإيمان يعطينا اما الخسارة اللامحدودة أو ربحاً عادياً فقط.
|
الله موجود |
الله غير موجود |
الإيمان بالله |
خسارة لا محدودة في النار |
خسارة غير مهمة |
عدم الإيمان بالله |
ربح غير محدود في الجنة |
ربح غير مهم |
بل نقول: ان الإنسان إذا آمن بالله تعالى وبالمعاد والثواب والعقاب وكان الله موجوداً وله رسل وثواب وعقاب، فأطاعَهُ رَبِحَ الربّحَ اللامحدود إذ ان الدنيا مجرد سنوات معدودة أما الآخرة فهي تمتد على مساحة ملايين السنين بل المليارات بل الترليونات بل ما لا يتناهى من السنين، كما ان نعيمها: ((وَفِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))(8) وإذا كفر فانه يخسر الآخرة ويبتلى بـ((نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ))(9) و(إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ)(10)
تطوير رهان باسكال
ولكن – وهذا تطوير لاستدلال باسكال – إن آمن الإنسان بالله والآخرة والمعاد والثواب والعقاب ولم يكن الله تعالى فرضاً موجوداً فاننا – كمتدينين – لا نخسر – كما توهم باسكال – شيئاً، ولا يربح المنكر شيئاً (وهو الذي سماه انه يعيش حياته) وذلك لأن المؤمنين الملتزمين هم عموماً أسعد حالاً من غيرهم من الكفرة العصاة؛ وذلك لأن المحرمات إنما حرمت لمفاسد واقعية وأضرار حقيقية فيها فالمؤمن المتدين يتجنب شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والزنا مثلاً وغير المؤمن لا يرى سبباً لتجنبها، وقد ثبت في العلم أيضاً ان الخمرة تضر العقل والبدن وتتسبب في الكثير من الأمراض الخطرة وكذلك لحم الخنزير، كما ان الزنا يهدم العوائل ويدمر المجمعات ويتسبب في مجموعة من أخطر الأمراض كالسفلس والسيلان وغيرهما.
من أضرار شرب الخمر
ولنذكر كنموذج على ذلك ما ذكره بعض الباحثين عن أضرار الخمرة:
(الآثار الصحية للخمرة على المدى القصير:
1- التأثير السلبي على المخ ومسارات التواصل العصبية، مما يؤدي إلى إعاقة القدرة على الحكم على الأمور.
2- عدم القدرة على تنسيق حركات الجسم مثل المشي أو القيادة.
3- الاضطراب. 4- صعوبة التركيز. 5- التلعثم في الكلام.
6- تراجع الرادع الاخلاقي والعقلائي، إذ قد يكسر المخمور القوانين ويسرق أو يرتكب الجرائم كالاغتصاب مثلاً.
كما ان الإسراف في الخمر قد يؤدي إلى صعوبات في التنفس، والغيبوبة والموت نتيجة الإفراط في الكحول.
الآثار الصحية في المدى الطويل:
1- تشير المؤسسات الوطنية للصحة في الولايات المتحدة إلى أن الخمر يؤثر على النسيج الدماغي وقد يؤدي إلى انكماشه، كما يؤدي إلى:
2- صعوبات في الذاكرة. 3- بطء في التفكير. 4- تغييرات في المزاج والسلوك كالاكتئاب.
5- زيادة مخاطر اعتلال عضلة القلب. 6- اضطرابات في نبضات القلب.
7- ارتفاع ضغط الدم. 8- السكتة الدماغية.
9- تغيرات دهنية في الكبد، مما قد يقود في بعض الحالات إلى حدوث فشل في الكبد.
10- التهاب الكبد الكحولي. 11- تشمع الكبد. 12- سرطان الكبد. 13- التهاب البنكرياس.
14- سرطان الفم. 15- سرطان الحلق. 16- سرطان المريء. 17- سرطان الثدي.
18- إضعاف جهاز المناعة مما يزيد من احتمالية إصابة الشخص بالأمراض مثل التهابات الرئة)(11).
والحاصل: ان من أضرار تناول الخمور: التهاب البنكرياس وسرطان الرئة والحلق، كما انه يؤدي إلى ضعف في التفكير وزيادة مخاطر إصابة عضلة القلب وارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية وبطء شديد في التفكير وسرطان المريء وسرطان الثدى كما يؤدي إلى التهاب الكبد الكحولي وتشمع الكبد وسرطان الكبد وضعف جهاز المناعة، وفي المقابل فان المؤمن الملتزم بمنأى عن ذلك كله.
والحاصل: ان الاستقراء والتجربة يدلاننا على ان المؤمن الملتزم أسعد من غيره في أسرته ومجتمعه فان الصدق والوفاء النزاهة وحب الأهل والوطن ومواساة الجار والقريب والبعيد والصلاة والصوم وغيرها مما أمر به الشارع الأقدس كلها عوامل سعادة وسلام وتقدم ورفاه وأمن وطمأنينة.
لا يقال: يوجد في المؤمنين الكثير من الفقراء والمرضى؟
إذ يقال: وكذلك يوجد في الكفار الكثير من الفقراء والمرضى! فكما في الكفار أغنياء وفقراء وعلماء وجهال فكذلك في المؤمنين!، وإنما الكلام هو في ان المؤمن من حيث إيمانه والتزامه بتجنب المعاصي وبفعل الطاعات رابحٌ، عكس الكافر من حيث كفره وعصيانه، وأقل ما في الأمر ان المؤمن لأطمئنانه بالآخرة والجنة والثواب العظيم، أقدر على تحمل المصائب والنوازل من الكافر ولذلك تراه – على حسب درجات إيمانه – يمتلك الهدوء النفسي والطمأنينة والسكينة إذ يرى كل ذلك بعين الله، عكس الكافر الذي لا يؤمن به جل اسمه، كما ان الكافر إذا تعرض أبوه أو أخوه أو ابنه لحادث مؤلم أودى بحياته، فانه لا سلوان له ولا مستند يتكأ عليه إذ يراه قد تحوَّل إلى عدمٍ محض، اما المؤمن فانه يرى حبيبه قد انتقل إلى عالم أرحب وأوسع وأجمل وأفضل فَلِئن حزن عليه ساعة أو أياماً اطمأن بعظيم لطف الله تعالى ساعات وأسابيع.
وعوداً إلى برهان باسكال نقول:
جوهر فكرة رهان باسكال
لقد صاغ باسكال معادلة الخسارة والربح السابقة بصيغة يتقبلها العقل المعاصر بشكل أكبر، وهي انه أدخل تلك المعادلة في دائرة المراهنة: وذلك كما لو فرضنا وجود حلبة سباق للخيول وشاهدنا الحصان الأبيض هو الفائز في كافة المسابقات الماضية ولنفرضها مائة سباق، ووجدنا الحصان الأسود هو الخاسر في كل المسابقات الماضية، بل لو وجدنا الحصان الأبيض فاز في 99% من المسابقات الماضية والحصان الأسود فاز في 1% منها، والآن إذا أردت الرهان على الفائز في السباق القادم، فعلى أي حصان تراهن؟ إن من الواضح انك تراهن على الحصان الأبيض، وذلك على الرغم من انه عقلاً يحتمل ان يكون هو الحصان الرابح هذه المرة، ولكن العقلاء بالإجماع يرون من السفاهة ان تراهن على الحصان الأسود (الخاسر دائماً أو في 99% من الموارد أو حتى في 90% منها) ويرون من الحكمة والمنطق ان تراهن على الحصان الفائز دائماً أو غالباً.
والحاصل: ان العقل وإن احتمل العكس لكن العقلاء بما هم عقلاء يلغون احتمال الخلاف ويعتبرون الحجة في اقتفاء أثر التجارب الناجحة السابقة.
وكذلك تماماً رهاننا على وجود الخالق تماماً، وإن كان بصيغة أخرى، فاننا إن راهنا على وجوده ووجود الثواب والعقاب وكان موجوداً كان الثواب العظيم بما لا يتناهى شدةً ومدةً وعِدةً، وإذا راهنا على عدم وجوده وعدم الجنة والنار وكان موجوداً كان الخسارة هائلة مذهلة، وفي المقابل لو لم يكن موجوداً فان الكافر غاية الأمر انه سيربح حياته المحدودة، وقد سبق ان المؤمن هو الرابح حتى في هذه الحياة إذ يتجنب السرقة والغش والزنا وغير ذلك فيزداد مكانةً ومصداقيةً لدى الناس كما سيحظى بالصحة والسلامة وغير ذلك!
فأي الرهانين يجب عليك ان تختاره: رهان الربح اللامتناهي أو رهان الربح المحدود جداً؟
نقد بعض الحداثويين لرهان باسكال
ولكن بعض الحداثويين من الملاحدة المتفلسفين، هاجم هذا البرهان بضراوة بل استهزأ به واعتبره ضعيفاً هشاً باطلاً من الأساس!.
والغريب انني عندما لاحظت الإشكالات وجدت مدى ضحالتها وضعفها وهشاشتها بما لا ينبغي ان يصدر من طالب في المتوسطة فكيف بفيلسوف علماني!. قال بعضهم: (يفترض الرهان أن الإله الحقيقي هو بصورة الإله الإبراهيمي الذي يجازي أتباعه. يمكننا هنا تخيل أن الإله الحقيقي هو عكس ذلك تماماً: فقد يقوم على سبيل السخرية بزج بالمؤمنين به في الجحيم وبجزاء غير المؤمنين به بالجنة. أو قد يكون الإله الحقيقي هو إله الفكرة المالثيسية والتي تقول بأن الآلهة تأكل أرواح المؤمنين بعد موتهم).
وقال: (الرهان المعاكس إحدى الطرق التي نرد بها على الرهان تكون بافتراض إله آخر في محل إله باسكال (إله المسيحية). الإله الآخر يعاقب هؤلاء الذين يؤمنون بوجوده من دون دليل ويجزي من سواهم!! لاحظ أن هذه الفرضية لا تفترض مسبقاً أن الإنجيل أو القرآن أو ما شابههم من الكتب المقدسة ليست من مصدر إلهي، فقد يكون الإله قد أنزلهم بالضبط لاختبار مدى سذاجة البشر.
تحت هذه الافتراضات، والتي تستمد بأدلة عقلية لا تزيد ولا تقل على وجود الإله الذي يفترضه باسكال، نرى أن السيناريو يعطي الملحدين ربحاً في كلا الحالتين سواء كان الله موجوداً أو لا، بينما نجد المؤمنين في خسارة في الحالتين. بما أن احتمالية وجود الإلهين (الإله هنا وإله باسكال) متساوية بالاحتمالات، يظهر أن الإلحاد يوفر الفرصة الأكبر للربح، وهذا يقلب حجة باسكال رأساً على عقب).
الجواب: احتمال عقوبة المطيع غير عقلائي!
والجواب واضح وبديهي بل ان نفس رهان باسكال يستبطن الجواب عنه بوضوح، وذلك لأن احتمال ان يعاقب الله (المفترض) عباده الذين يؤمنون به وان يثيب المنكرين له والمعارضين بالجنة، هو صفر لدى العقلاء، وهو وإن كان احتمالاً عقلياً إلا انه ليس بعقلائي أبداً بل لا تجد عاقلاً في حياته العملية ينساق مع مثل هذا الاحتمال الهش.. فمثلاً: هل تجد عاقلاً يقول: بان الجندي في الجيش إذا أطاع الضابط أو الموظف في الشركة إذا أطاع المدير والتزم بأوامره ونفذ التعليمات كلها كما طلبت منه فانه من المحتمل ان يعاقبه المسؤول أشد العقاب ويسجنه ويعذبه، على سبيل السخرية مثلاً!!، وانه إذا عصى المدير ودمر شركته وممتلكاته، أو خالف قرارات الجيش وأفسد خططه العسكرية فانه حينئذٍ سيقرِّبُه إليه أكثر وسوف يمنحه ترقية كبرى في الشركة أو الجيش!
ان هذا الاحتمال وإن كان عقلاً ممكناً، لكنه عقلائياً صفر، وهل يلتزم هذا الفيلسوف بمقتضى كلامه؟ فمثلاً إذا وجد هذا الفيلسوف شرطي المرور يأمره بالوقوف عند الإشارة الحمراء فهل يعصيه ويعارضه متذرِّعاً بانه من يدري(!) فلعلني إذا عصيته اعطاني هدية رائعة(!) اما إذا أطعته ووقفت عند الإشارة ضربني بالهراوة الغليظة على أمّ راسي وقادني إلى السجن المظلم وفي أشد أنواع التعذيب(!).
مثال آخر: تصور ان هنالك غابة تقع في وسط بلدتين (أ وب) وان فيها عصابة من الأشرار يعتدون على كل من يمرّ عبرها ويسلبونه كافة أمواله ثم يقتلونه شر قتلة، وان هناك طريقاً آخر للوصول إلى البلدة (ب) وهو طريق آمن، فهل تجد عاقلاً يعكس الرهان ويقول سأسلك طريق الغابة إذ من المحتمل ان هؤلاء الأشرار إذا رأوني ان يحتضونني ويكرموني ثم يهبونني كل أموالهم؟ ومن المحتمل انني إذا سلكت الطريق الآمن ان تهاجمني الشرطة (المعروفة بالنزاهة) وتسلبني حتى ثيابي ثم تقتلني شر قتلة؟
من البديهي ان العقلاء يراهنون على خيار الطريق الآمن وإن احتمل عقلاً ان يتحول الشرطة الأخيار (وهم تحت رقابة صارمة) فجأة إلى أشرار!! وانهم يَعُدُّون من يسلك طريق الغابة الخطر لمجرد ذلك الاحتمال العقلي الواهي (ان الأشرار فجأة يتحولون إلى أخيار عشاق له ويكرمونه) من السفهاء بل من أكثر السفهاء سفاهة ويرون تفكيره أشد الأفكار تفاهةً!
وهناك شبهات أخرى لا تقل ضعفاً وهشاشة، لدى التدبر، عن هذه الشبهة التي أوردت على هذا البرهان، فهذا أولاً..
وثانياً: ان كل برهان إنما يتكفل البرهنة على ما هو في حدود مقتضاه ولا يتكفل الأكثر من ذلك، فهذا البرهان الصادقي عليه السلام ثم البرهان الباسكالي مثلاً إنما يتكفل أصل احتمال وجود إله خالق للكون وان البناء عليه هو الأسلم الأفضل بلا شك، وهو على تقدير التنزّل، والخطاب فيه موجه لمن يشك في وجوده تعالى ولا يطمئن للأدلة كبرهان إبطال الدور والتسلسل فرضاً، فنقول له حينئذٍ: لكن هذا الرهان هو الرهان الرابح وذاك الرهان هو الخاسر – حسبما مضى – ولكنه – بصيغته الحالية – لا يتكفل الأكثر من ذلك أي لا يتكفل بمجرده إثبات عدم وجود شريك للباري وعدم التثليث مثلاً، إلا إذا جرى تطويره، كما لا يتكفل إثبات ان الله مجرد مثلاً.. بل ذلك يحتاج إلى تتميم أو ضمائم من أدلة أخرى، وذلك ككافة الحقائق التي تفتقر إلى إقامة العديد من البراهين على أصل وجودها تارة ثم على تفاصيل حقائقها، وبذلك تندفع بعض الإشكالات الأخرى على هذا البرهان، ولا حاجة للإطالة باستعراضها مع الأجوبة عليها.
الوجه الخامس: الهداية الشهودية بعد الهداية العلمية
سبقت الإجابة عن شبهة ان طلب الهداية من الله تعالى في قولنا (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) إنما هو طلب للحاصل، خاصة وإن هذا الطلب في هذه السورة جاء بعد التصريح بالإذعان بالله تعالى وبصفات جماله (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وبحمده والثناء عليه (الْحَمْدُ للّهِ) وبكونه المربي للعوالم كلها (رَبِّ الْعَالَمِينَ) وبعد التصريح بالإيمان بالآخرة وانه تعالى مالك لها (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ )ثم بعد كل تلك الاعترافات تقول (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) أفليس ذلك طلباً للحاصل؟
وقد أجبنا عن ذلك بأجوبة عديدة عناوينها هي:
(من البصائر في آية الصراط وقد سبق: (ان المراد من الهداية في الآية الكريمة قد يكون هو الهداية في مرحلة العِلّة المبقية فيكون الطلب طلباً لديمومة الهداية واستمراريتها فهو طلب يتعلق بالهداية في عمود الزمن وامتداداته، وقد يكون طلباً للمراتب العليا من الهداية فهو طلب يتعلق بالجانب الكيفي ودرجات الإيمان والهداية والاهتداء، وقد يكون طلباً للهداية التكوينية بعد التشريعية التي تعني الإيصال للمطلوب لا مجرد إراءة الطريق، وقد يكون طلباً للهداية بحسب تجلياتها في المفردات المتجددة والمصاديق المستحدثة، والكلام الآن يدور حول القسم الرابع فنقول...)(12)
ونضيف: ان الهداية على قسمين: الهداية العلمية أو العقلية والهداية القلبية أو الشهودية، فيكون من مصاديق الآية الشريفة الدعاء بالهداية القلبية والشهودية بعد حصول العلمية العقلية، وتوضيح ذلك:
ان الهداية العقلية – العلمية تعتمد على البراهين والأرقام الجافة وعلى المعادلات الجامدة، وذلك كبرهان إبطال الدور أو التسلسل لإثبات ان الممكن لا بدّ له من خالق هو واجب الوجود بالذات وإلا للزم أحدهما، وهذه البراهين تفيد العلم لكن العلم جافّ بطبعه فانه يتعامل مع الحقائق كما هي ومع منطقة العقل فقط، اما القلب فانه منطقه المحبة والعاطفة والتفاعل الوجداني، فقد يعتقد الإنسان بوجود الله تعالى وقد يتعلق لُبُّهُ به فيستشعر محبته في أعماق كيانه ويخفق قلبه عند ذكر اسمه تعالى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)(13) وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ))(14) وعندما سأل عليه السلام عن معناه ذلك أجاب ((وَيْلَكَ لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ)).
ويتضح الفارق بين لغة العقل والعلم من جهة وبين لغة القلب والعاطفة والمحبة والشهود من جهة أخرى، في مثال (الضيافة):
(الضيافة) بين لغة الأرقام ولغة القلب
فان استضافة الغرباء بل حتى الأقرباء بمنطق القلب والحب ميّزة وفضيلة وكمال وقوة، لكنها بمنطق العقل والأرقام خسارة في خسارة: إذ انها خسارة في الوقت وخسارة في المال (إلا فيمن يستضيف الآخرين ليستدرجهم إلى توظيفه أو قضاء حوائجه مثلاً!) فان من كان من ذوي الدخل المحدود الذي يغطي بالكاد نفقات معيشته أو إذا كان يعاني من عجز شهري، فان استضافته للآخرين عمل خاطئ بمقياس الأرقام الجامدة والفكر المادي الصرف، لكنه بمقياس العقل والعاطفة والمحبة والوشائج الاجتماعية قيمة من أسمى القيم وكمال من أفضل أنواعه وهو الرصيد والربح الأكيد.. وقد شاهد الكثيرون في الغرب الكثير من الماديين الذين يكرهون الضيوف لأنهم يقيسون الأمور بمقياس عقلي – علمي صرف ويتعاملون بلغة الأرقام فقط.
وكذلك الاعتقاد بالله تعالى فقد يكون معتقداً به على حسب ما أدى إليه الدليل الجاف الجامد، وقد يترقى اعتقاده ليستشعر هيمنة الله تعالى وحضوره وكونه (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)(15) و(وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)(16) وأين هذا من ذاك؟ والحديث عن ذلك رائع وطويل ولكن:
العلامة الاميني حافياً حاسِراً ذاهلاً!
لنختم بمثال رائع معبر وقصة مميزة من العلامة الأميني قدس سره فقد كان قدس سره مُتيَّماً وَلهَان بأمير المؤمنين عليه السلام إذ لم يكن ممن يعتقد به فحسب بل كان العاشق الحقيقي له، وكان ذلك هو الباعث له ليسحق كافة ملذات الجسد متفرغاً للكتابة والتحقيق عنه صلوات الله عليه حتى انه كان في الكثير من الأيام لا ينام في اليوم والليلة إلا ساعتين أو ثلاثة ويقضي 21 ساعة تقريباً في الاستنساخ والتحقيق والكتابة وما إلى ذلك.
والقصة التالية تعبر عن مدى محبته لسيد الأوصياء عليه السلام فقد نقل بعض الأكارم انه قرّر جمع من الوجهاء زيارة العلامة الأميني أيام كان في طهران، وكان معهم رادود (مدّاح) ممن يعرف عمق محبة العلامة الأميني لأمير الكائنات عليه السلام.. فتحركوا جميعاً إلى منزله وعندما اقتربوا من زقاق الدار قال لهم المداح هل تريدون أفعل شيئاً يفقد معه العلامة رزانته وهيبته المعهودة ويخرج راكضاً إلى الشارع كالذاهل! قالوا: لـِمَ؟ وكيف؟ قال: لِسرّ رائع عظيم سأكشفه لكم بذلك، وبطريقة مبتكرة... قالوا: أفعل ما شئت! فرع صوته الشجي منشداً أشعاراً في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وإذا بهم يفاجأون بالعلامة خارجاً من منزله مسرعاً نحو مصدر الصوت ذاهلاً حاسراً حافياً وقد أنشدّ إلى تلك المدائح كما ينشدَّ الحديد إلى المغناطيس!
قال لهم الرادود: أوجدتم كيف انه العاشق حقاً للأمير عليه السلام حيث شدّهُ المديح إليه بلا اختيار حتى ذهل عما كان يعمله وخرج مسرعاً نحو مصدر الصوت الذي يصدح بذكر الحبيب!!
.. وهكذا.. الهداية قسمان: قلبية شهودية ينبض معها القلب بالحب ويتموج بالعشق، وعقلية علمية تصلح لقطع الشك باليقين ولإفحام المعاندين، لكنها إذا جمدت على هذا المستوى بقيت أرقاماً مجردة وهياكل متقنة ولكنها بلا روح أو عاطفة أو هيام.
وهكذا نتلوا وندعوا (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) ليري المولى جل اسمه قلوبَنا الصراطَ وروعتَه وجمالَه بعد ان رأت عقولنا صوابيتَه وصحتَه.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق