1ـ لحظة التأسيس الاولى
مر مفهوم الجماعة ومصطلحه الاسلامي في أطوار تكوينه بدور حضانة سياسية ابتدأت منذ ان ابتكر معاوية بن أبي سفيان ت60 هـ عند تسلمه مقاليد الحكم في الدولة الاسلامية اسلوبا من السياسة ارتهن نجاحه بوسيلة تكتيل المواقف وترسيم حدود الفصل بين هذه المواقف، مما سهل عملية الانفصال في جسد الامة. فقد استعان بمفاهيم تنتمي الى النص وتعود الى عصر الوحي وهو يمارس تأسيس ازمنته وتكوين امته، واستخدم معاوية مصطلحات تعود بالجذر الى منظومة هذه المفاهيم وتوظف في مجال السياسة بذرائعية جعلت في أخطر تطور لها من السياسة مصدرا في التشريع يزاحم النص ويستبدل المتبادر منه باطار من التأويل والتوظيف ـ وهناك اشتقاق للتأويل من الايالة بمعنى السياسة (1)، وفي لسان العرب في باب اول، حديث الاحنف بن قيس: قد بلونا فلانا فلم نجد عنده إيالة للملك، والايالة السياسة(2).
وهي ما اقتضت ان يباشر معاوية ويبدأ التأويل للخروج من الزامات التنزيل، إذ تنسب لحظة التأويل الاولى الى مجادلة ابي ذر الغفاري في تفسير اية كنز الذهب، فذهب الى انها نزلت في اهل الكتاب دون اهل الاسلام تمهيدا للاستئثار بالمال وسلطته، بينما كان ابو ذر يرى انها نزلت في المسلمين واهل الكتاب(3) الا ان د. نصر حامد يرى ان لحظة التأويل انقدحت في رفع المصاحف في معركة صفين، فقد نقلت تلك اللحظة الحاسمة الوعي بالصراع من مجال تاريخي، اجتماعي، سياسي، الى مجال الصراع حول تأويل النص الديني وادراك المعنى فيه(4)، بل سعى التأويل وتوظيفه الى تجاوز المعنى في النص فاستبدل معاوية اسم المهاجرين والانصار الذي حمله النص الى متون العقيدة في الاسلام بمصطلح الصحابة في كتبه ورسائله (5)، واستبدل اسم الامة ومسمى النص الذي اوحى به (وكنتم خير امة اخرجت للناس) بمصطلح الجماعة ومفهومه ذو البعد السياسي، عندما اطلق اسم عام الجماعة على عام ملكه وتقلده امور السلطة في سنة 41 للهجرة، وفي اخطر افراغ للمحتوى الديني لهذا المفهوم ومصطلحه يقول ابن خلدون، و(هو غير عامد الى ذلك لأنه لا يرى منافاة بين الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة وبين الخلافة والنبوة(6).
يقول (واتفقت الجماعة على بيعة معاوية سنة احدى واربعين عندما نسي الناس شأن النبوة والخوارج ورجعوا الى امر العصبية والتغالب)(7). ونسيان شأن النبوة ورجوع العصبية والتغالب، هو مؤشر على هذا الافراغ في مفهوم الجماعة فأدى الى نقيضه من الخلاف والتناحر والفرقة، مما دعى الجاحظ ان يصف عام الجماعة هذا بأنه عام فرقة وقهر وجبرية (8).
وفي هذه الجبرية السياسية ظهرت عقيدة الجبر الدينية، ورافقت في نشأتها ظهور مفهوم الجماعة ومصطلحه ولحظة تأسيسه الاولى، وسعت تلك العقيدة في التنظير الى أصول الحكم الاموي والتأويل والتبرير في سياسته، الذي اوجب ارجاء مسؤوليته الى يوم المعاد في عقيدة الارجاء، على الرغم من كونها ظهرت في الدفاع عن اسلام اولئك الذين رفض سلطان بني أمية اسلامهم طمعا في الخراج واستئثارا بعوائد الفتوحات.
ان مساعي معاوية بإرساء اسس مفهوم الجماعة ذات البعد التأويلي والتوظيفي، وعلى الضد من رأي ابن خلدون، لم يكتب لها النجاح في عصره لأسباب تتعلق بحضور النص الاول بشفافية الاصل، وقوة الحضور بحداثة العهد به، ولازال في القوم بقية تذب عنه امام تحريفه وتوظيفه بما ينحرف عن المراد من التنزيل، مما ادى الى حيلولة توحد المجتمع في السلطة، فلازال مفهوم الأمة ومصطلحه الذي تأسس عليه هذا المجتمع وحمله النص في لحظة التأسيس الاولى، له حضور فاعل ومؤثر في تحريك مسار الحياة في الاسلام.
هذا التوظيف لمفهوم الجماعة وتأويله معنى الأمة في دائرة هذا المفهوم الضيق بعد أضافته الى عقيدة السلف الذي بدا التنظير لها لاحقا، وجد ظروفا مناسبة وبيئة حاضنة في عصر المتوكل العباسي (ت 247) في النصف الاول من القرن الثالث الهجري، فاستقبلت ذهنية المجتمع في هذا العصر وثقافته هذا المفهوم بقبول رهن امر الدين بقدر السياسة ووجوب الاجماع على امير برّ كان او فاجر، بعد تبرير فقه الجماعة واسترخاء العقل الاسلامي بثقافة النقل الذي تزايد ونما اتجاهه في الثقافة الاسلامية.
2ـ ظاهرة العامة والحشد وحامل الجماعة
في النصف الاول من القرن الثالث الهجري بدأ منهج النقل يفرض سيطرته على مدرسة الفقه (اذ استقدم المتوكل المحدثين الى سامراء واجزل عطاياهم واكرمهم وامرهم بان يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤيا)(9). وكان أسلوب المحدثين هو الأقرب الى اسلوب القصاصين الذين استعان به معاوية ت(60 هـ) في أرساء سياسته وملكه، وهو بطبيعته يستهوي جمهور العامة وينسجم مع سطحية تفكيرهم، اذ يعتمد جاهزية المعلومة وبديهية الصحة، فلا حاجة الى اعمال الذهن او اثارة الجدل، حيث يدور منهج النقل في نظام معرفي يتكون او ينبني في ثقافة المسموع والشفاهية وهو طريق الرواية في علوم الاسلام، وهي ثقافة تورث او أورثت حضورا دائما للمحـَدّث بالمنقول او المسموع وغيابا للمحدث في تماه ذهني مع المأثور والمنقول له بالسمع او الحديث والعنعنة، فتورث او أورثت الطاعة في السياسة وتتركب بالسمع في الدين، وهو ما يؤدي الى ارتباك المعادلة في دلالة مفردات حفل بها القرآن ـ التدبر ـ التفكر ـ التبصر ـ وهي تؤشر مكانة العقل واهميته في نظم المعرفة الدينية ـ الاسلامية باعتبار مصدرية القرآن الكريم لهذه المعرفة.
وقد نشأت على اثر ذلك ازمة في هذه المعرفة بعد ان حكم على العقل بالردة في ثقافة هذا العصر، وهي ثقافة النقل تحت مسميات اهل الاهواء والبدع، فقد حرم فقيه النقل ورمز ثقافته احمد بن حنبل تـ 241هـ علم الكلام الذي هو منهج العقل في التنظير لعقائد الاسلام، وامر أصحابه ان لا يجالسوا اهل الكلام وان ذبّوا عن السنة(10) في أخطر اقصاء مارسته هذه الثقافة للعقل، وحكمت على المعتزلي داعية العقل ومن تمذهب برأيه بأنه (لا تجوز الصلاة عليه وان دمائهم واموالهم حلال للمسلمين وفيه الخمس وليس على قاتل الواحد منهم قود ولا ديّة ولا كفارة)(11) ذلك انه اتى بما لم يأت به السلف والحديث المنقول عنهم من القول بخلق القرآن.
إن تراجع العقل وانكفائه بعد دحر المعتزلة في حقل السياسة، واستحواذ فقيه النقل على ثقافة هذا العصر في بغداد، فسحت المجال امام محاولة توحيد الانا الجماعي السياسي بوجه ظواهر اهتزاز الدولة والسلطة بسبب تنامي وتعدد القوى السياسية التي باتت تهدد مركز الخلافة، وتحاول الاستحواذ على مقاليد السلطة في الامر والنهي، من عناصر الترك الذين سيطروا على المؤسسة العسكرية في الدولة العباسية.
ان مناخات السياسة هذه انتجت وصنعت ظاهرة الحشد التي عرفها هذا العصر وضجت بها شوارع بغداد في خلافة المتوكل (ت 5247) في مسيرات احتجاج او اعتداء او تشييع جنازات، وهي مسيرات اظهرت قوة العامة وتحولت الى اداة بيد السلطة والفقيه، فأفرزت ظاهرة اخرى ترافقت وتداخلت في الحشد هي تهذيب الوجدان الجماعي باتجاه السلطة بفضل حديث تبنت روايته مدرسة النقل وهو ينص حسب رواية احمد بن حنبل على ان (من رأى من اميره ما يكره فليصبر)، وتبني هذه المدرسة هذا الحديث وامثاله مايصب في مصلحة ويندرج في مسؤولية تلك المدرسة باتجاه زيادة وزخم هذا الوجدان الجماعي بضمير ديني، عدت ايام الخليفة المتوكل في نظرها احسن الايام وانظرها من استقامة الملك وشمول الناس بالأمن وبالعدل(12) رغم ان ايامه لاتوصف بجود ولابخل حسب عبارة المؤرخ المسعودي، وهي تؤشر عدم تطور احوال المعيشة وتحسن اوضاع الناس، ورغم قمعه للحريات الدينية للمسلمين وغيرهم من النصارى وقمعه ايضا لحرية الفكر وحرية الرأي وفي منعه للجدل والكلام دليل واضح على ذلك، الا ان توحد "الرعية ـ العامة" في الانا الجماعي مع السلطة في الدولة في هذا العصر، اوجبت هذا الشعور بالعدل والامن وصنعته في ظل الضمير الديني تجاه السلطة ومؤسسة الخلافة، الذي اشرف فقهاء النقل وائمة مدرسة الحديث الحنابلة على تكوينه وترويضه، وقد احكم هذا الضمير وسيطر عليه تصلب الاعتقاد، فانتج سلوك التشدد والحشد بعد ان اخذ رؤساء الحنابلة (يوجهون اتباعهم الى الشغب والفوضى ورمي الخصوم بقطع الطابوق والآجر ـ في مسيرات متعددة ـ فكانوا يدخلون المساجد والمدارس ـ بالحشود ـ التي تلقى من على منابرها خطب الوعظ وتعقد فيها المناظرات محملين بالحجارة)(13). ان تزايد هذا السلوك وانتشاره بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الاسلام وخلافته، ادى الى بروز قوة العامة، وهي شريحة مهمة وفاعلة منذ الآن في بغداد وستترك اثارا كبيرة على واقع المجتمع والدين في العصور اللاحقة.
وكان اولى ارهاصات هذه الصيرورة هو ظهور مصطلح العامة وبشكل يلفت نظر الباحث في تزايد استخدامه عند المؤرخين في ذكر حوادث هذه السنين وخصوصا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري.
3ـ ظهور مصطلح العامة ووجهته المذهبية:
تفاقمت ظاهرة العامة وسلوك الحشد الذي مارسته في ظل واقع اجتماعي ومناخ ثقافي، بدأت فيه حضارة الاسلام تدخل في حالة من الصراع مع البداوة، بعد ان اجتمعت اعداد هائلة من بدو الترك في بغداد عاصمة الخلافة وحاضرة الدولة اربت على الخمسين ألف على اثر استقدام المعتصم لهم واستخدامه هؤلاء الترك في ادارة شؤون العسكر في الدولة ثم في ادارة شؤون الدولة.
فتأثرت معالم الحضارة وأنكفأ مذهب المعتزلة في العقل فاختفت مجالس الجدل والمناظرات التي كانت رائجة في عصر المأمون وبعض من سبقه من الخلفاء، ومال الناس الى (مجالس اللعب والمضاحك والهزل والمحدث لذلك وكان المتوكل (ت247هـ) على راس دولة المسلمين فاتبعه الاغلب من خواصه واكثر رعيته) (14) وفي ايام خلافته انتشر الحديث عن الخوارق والغرائب، مثل صيحات عظيمة تظهر في جو السماء ويموت منها خلق كثير، ووقوع الطائر الابيض وهو يصيح في الناس محذرا من عاقبة امرهم ويشهد على ذلك خمسمائة منهم، ورجم القرى بالحجر زنة كل حجر عشرة ارطال. وانتشر الحديث في تلك الايام عن الرؤى والمنامات وقد اعتمدت حكما ومصدرا في عقائد الناس(15).
وهي دلالات تعكس هزيمة العقل وتراجعه في اوساط هذه العامة الذين انقادوا الى النقل واخباره في مجالس المحدثين، مما ترك بصمات واضحة على الثقافة السائدة في هذا العصر وطبيعة الميول فيها نحو اللامعقول وقبول المنقول مهما كان لونه المعرفي في ظل انحدار حضاري قادت الدولة المجتمع اليه.
وقد اورثت تلك الميول اجتماع الاعداد الهائلة في مجالس الخبر والحديث وانشغالهم بما رووا دون اي اهتمام بما يروون، مما نتج عن انطباع الاذهان على الرواية واعتياد الافهام على صحة النقل.
فقد ذكر السيوطي انه اجتمع نحو ثلاثين ألف نفس في جامع الرصافة عندما جلس فيه المحدث ابي بكر بن شيبة، وكذلك جلس اخوه عثمان في جامع المنصور فاجتمع اليه مثل هذا العدد(16). ان هذه العامة في بغداد وكما يظهر من نصوص المؤرخين ورواياتهم امتثلت سلوك الحشد ـ القطيع وخضعت للتوجيه الذي يمارسه رؤساء العامة من الفقهاء، فأنتجت هذه السيرة ما أصطلح عليه اسلاميا بـ(اخلاق العامة) وهو امر لم يكن موضع اهتمام المؤرخين وعنايتهم في تناول هذا المصطلح او حتى مصطلح العامة بهذا القدر من الاهتمام في رواياتهم واخبارهم عن حوادث السنين واخبار الملوك والامم.
فقد تحدث المؤرخ الطبري قبل ذلك في حوادث 197 هـ وحوادث سنة 201 هـ وقبل منتصف هذا القرن الثالث الهجري عن فساق الحربية والعيّارين والشطار والغوغاء وسفلة الناس واهل بغداد وما يمكن ان يشتمل عليه مصطلح العامة واخبارهم، وعن الفتنة بين الامين والمأمون ودور تلك المجموعات فيها، ولم يذكر وصفهم لهم بالعامة سوى ما ذكره عن إسم باب من أبواب بغداد يعرف بباب العامة وقد دخل منه رجلان في حوادث سنة 235 هـ وادعوا في النيسابوري محمود بن الفرج انه نبي وانه ذو القرنين، وكذلك ما ذكره عن المأمون العباسي في حوادث 205هـ من قوله للطاهر بن الحسين بعد ان قال له ليس لصاحب الشرطة ان يجلس بين يدي سيده، فقال له المأمون ذلك في مجلس العامة فأما مجلس الخاصة فطلق(17) وكذلك بعض رسائل الخاصة وكتبهم.
ولكن الحديث عن العامة واخبارهم بهذا المصطلح (العامة) يظهر في هذا العصر واخباره، فقد ذكر الطبري في حوادث سنة 238هـ ان المتوكل العباسي ترك انزال احمد بن نصر من خشبته التي صلب عليها بعد ان امر بأنزاله لما بلغه تكثير العامة في امره، وان صاحب البريد ببغداد كتب الى المتوكل بخبر العامة وماكان من اجتماعها ـ احتشادها ـ وتمسكها بجنازة احمد بن نصر، وان المتوكل امر بالكتاب الى محمد بن عبد الله بن طاهر يمنع العامة من الاجتماع ـ الاحتشاد ـ والحركة ـ السلوك ـ في مثل هذا وشبهه (18).
وهذا اول ظهور عند الطبري لاسم العامة يصف بها الغوغاء والرعاع على حد قوله في هؤلاء الناس.
واهم نص ورد في وصف العامة واخلاقهم جاء بقلم المؤرخ المسعودي بعنوان (اخلاق العامة) في تاريخه المعروف بمروج الذهب ومعادن الجوهر، وهو ممن عاصر هذه الظاهرة وعاش ايام رواجها في بغداد في القرن الرابع الهجري، حيث بلغ الحشد اقصى مديات سلوكه. يقول المسعودي (من اخلاق العامة ان يسود غير السيد، ويفضلوا غير الفضل، ويقولوا بعلم غير العالم، وهم اتباع من سبق اليهم من غير تمييز بين الفاضل والمفضول والفضل والنقصان، ولا معرفة للحق من الباطل. ثم انظر هل ترى اذا اعتبرت ما ذكرنا ونظرت في مجالس العلماء هل تشاهدها الا مشحونة بالخاصة من اولي التمييز والمروءة؟ وتفقد العامة في احتشادها وجموعها فلا تراهم الدهر الا مرقلين ـ مسرعين ـ الى قائد دب وضارب بدف على سياسة قرد او متشوقين الى اللهو واللعب... او مستمعين الى قاص كذاب ـ ينعق بهم فيتبعون ويصاح بهم فلا يرتدعون...لا يبالون ان يلحقوا البر بالفاجر والمؤمن بالكافر) (19).
وهذا النص على اهميته ننقل منه جزاء كبيرا، فهو يشرح احوال هذه العامة ويشير بوضوح الى سلوك الحشد فيه، وهو نص مهم يؤشر حالة الحشد هذه في المجتمع الاسلامي.
وكان لكل مذهب وفرقة "عامة" من هؤلاء، الا ان اكثر هذه العامة من الحنابلة ولهم السطوة بينهم في بغداد في منتصف القرن الثالث الهجري والعقود الاولى من القرن الرابع الهجري، حيث عظم امر الحنابلة واشتدت شوكتهم في سنة 323 هـ فاخذوا يكبسون دور القواد العامة وان وجدوا نبيذا اراقوه، وان وجدوا مغنية ضربوها وكسروا الة الغناء، واعترضوا في البيع والشراء وفرضوا الرقابة على الناس حتى اذا مشى الرجال مع النساء والصبيان سألوا عن الذي معه وحملوه الى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة اذا لم يخبرهم بجواب صحيح(20)، وكان الحنابلة لايحصون كثرة في بغداد (21) فأغلب العامة لهم وانه لم يصل على ابي عبد الله الحارث بن اسد المحاسبي الصوفي الا اربعة نفر بسبب تعصب العامة عليه، وكان المحاسبي قد اختفى عن الانظار بسبب ميله الى علم الكلام (22) وهو ما كان يرفضه الحنابلة ويكفّرون من يتناوله ويتعاطاه من اهل العلم، وبه يستدل على حجم التأييد الذي كان يحظى به مذهب احمد بن حنبل بمؤازرة السلطة والدولة له في هذا العصر. ومن صور نفوذه وقوة تأثير فرقته بين العامة من اهل بغداد، انه حين سال محمد بن جرير الطبري المؤرخ ت 310هـ عندما الف كتابا باختلاف الفقهاء ولم يذكر فيه احمد بن حنبل عن ذلك قال: لم يكن احمد فقيها وانما كان محدثا، وما رأيت صحابا له يعول عليهم، فأساء ذلك الحنابلة واتهموه بالرفض ومنعوا مجالسه ورموه بالمحابر والحجارة حتى تكدست فاضطر صاحب الشرطة ان يركب في الوف من الجند، لا يستحضر الا اذا كان هناك ما يفوقهم عددا او كثرة من العامة حتى يستطيعوا وقف شغبهم والحد من احتشادهم المتكاثر في مثل هذه المواقف والاحداث. ولما توفي محمد بن جرير الطبري نفسه دفن بداره ليلا لأن (العامة اجتمعت ـ احتشدت ـ ومنعت من دفنه نهارا وكان ذلك بتأثير الحنابلة وقد تعصب عليه هؤلاء)(24).
ونتيجة عامية هذا المذهب لم يصنف بين مذاهب حتى اهل الحديث، فقد نقل عن السباعي انه في سنة 306هـ ذكر اصحاب المذاهب فكانوا الشافعية والمالكية والثورية اصحاب سفيان الثوري الداودية ولم يكن بينهم الحنابلة اصحاب احمد بن حنبل واتباعه(25).
ولكن من جانب اخر وبفعل سلطة الجماهير التي يمارسها الحنابلة في المجتمع الاسلامي كانوا اقوى المذاهب في بغداد واكثر تعبيرا عن الاتجاه الثقافي والمعرفي السائد.
وبلغوا حدا في السلطة الاجتماعية والدينية استفز الخلفاء واخافهم، فأرادوا التقرب منهم وهم اعلى قمة في الهرم الاجتماعي والسياسي للدولة، وفي هذا روى ابن الجوزي عن الخليفة المطيع ت 363هـ انه (وقد احدق خلق كثير من الحنابلة حرزوا ثلاثين الفا فأراد ان يتقرب اليهم)(26) وكان اشد ما يخشاه الخلفاء والسلاطين ويخافونه ابتداء من هذا العصر اي القرن الثالث الهجري وما بعده ويرون فيه تهديدا خطيرا ومنافسا قويا على السلطة في المجتمع، هو احتشاد العامة واجتماعهم وما تثيره تلك الاجتماعات من غوغاء اقترنت بتسمية العامة. والسبب في تسميتهم بالغوغاء في تراث الثقافة الاسلامية ان (هم الذين اذا اجتمعوا غلبوا واذا افترقوا لم يعرفوا)(27). وعليه فان اجتماع الحشد هو اسلوب وسلوك يعني التعريف بهوية سلطوية والية في انتاج هذه السلطة بطريقة اظهار القوة والغلبة بالكثرة والحشد، وقد اربكت هذه الاحتشادات السلطة وقادة الدولة في بغداد وسعوا بوسائل تحذر من المواجهة وتتجنب الصدام الى تفريق صفوف العامة اذا استغرقت في الحشد وتبديد اجتماع زمرهم خوفا من غلبة امرهم اذا اجتمعوا.
وسيبدأ المؤرخون ومنذ هذه اللحظة في الحديث عن الفتن والحروب الداخلية وحرق الاماكن وحتى المقدسة منها مثل احراق مشهد الامامين الكاظمين(ع) في حوادث سنة 443هـ والعراك والهجمات المتبادلة بين المحلات وأهلها في بغداد، وهي ظاهرة لازمت الحالة الاجتماعية والسياسية في هذه المدينة في عصور لاحقة. وأخذت هذه المعارك آنذاك طابعا ً دينيا ً ومذهبيا ً حيث شنت هجمات على أتباع المذاهب الأخرى من شيعة وشافعية وأشاعرة ومعتزلة. ولم يسلم العلماء والفقهاء من هذه المواجهة واجبارهم على التوبة والقول بما لم يعتقدوا واجراء الامتحان لأرائهم ومقالاتهم. يقول أبن قتيبة (ربما ورد الشيخ المصر فقعد للحديث فيبدؤونه قبل الكتابة بالمحنة فالويل له أن تلعثم أو تمكث، أو سعل أو تنحنح قبل أن يعطيهم ما يريدون فيحمله الخوف من قدحهم فيه واسقاطهم له على أن يعطيهم الرضا فيتكلم بغير علم ويقول بغير فهم فيتباعد من الله في المجلس الذي أمل أن يتقرب فيه وإن كان ممن يعقد على مخالفتهم سام نفسه إظهار ما يحبون ليكتبوا عنه) 28.
وكذلك يصنعون مع كل حدث مسترشد وكهل متعلم، وهي أحداث وفتن واختبارات كانت تحدث بمناسبة أو بغير مناسبة حسب هوى العامة وتعبيرا ً عن رغبة جامحة في السلطة على المجتمع والآخر الذي لا مجال له في مفاهيم وثقافة العامة وسلوك الحشد، وهي تعكس بداية انحطاط ثقافي وتدهور حضاري سيلازم المجتمع الإسلامي رغم بروز علامات مضيئة في تاريخه الحضاري والاجتماعي وفرتها قواعد التأسيس الحضاري والديني التي اشتملت عليها تعاليم الإسلام ومبادئه عبر تاريخ إجتماعي حافل ببناء الإنسان المسلم وتوجيه قدراته وإمكاناته نحو التحضر وتكوين حضارته.
4- سلطة العامة والبعث الديني والمذهبي فيها:
يرى بعض المفكرين والكتاب إن القرن الرابع الهجري نقطة تحول مهمة في تاريخ الفقه الإسلامي حيث توقفت حركة (التكوين المستقل للتشريع الإسلامي المبني على الاجتهاد المطلق وعلى الحكم بالرأي في فهم القرآن والحديث)29.
وفي مناخاته الفكرية وثقافته النقلية واجهت مدرسة العقل ومنجزه في الاجتهاد انتكاسة بتأثير موجة التقليد في الفقه والاعتقاد باكتمال الإنجاز الفقهي الإسلامي في مذاهب المجتهدين الأربعة أبو حنيفة (ت115هـ) ومالك (ت179هـ) والشافعي (ت198هـ) وأحمد بن حنبل (ت241هـ) فأدى ذلك الى ظهور التسميات المذهبية من شافعية وأحناف وحنابلة في هذا العصر بعد إن كانت تلك التسميات المذهبية مخصوصة بالمذاهب والفرق الإسلامية المعارضة والثائرة على السلطة الإسلامية من شيعة وخوارج.
إن تراجع حركة المعتزلة الفكرية وإنحسار دورهم وتأثيرهم في الحضارة والعلوم الإسلامية في نهايات النصف الأول من القرن الثالث الهجري وتحديدا ً في عصر المتوكل العباسي (ت247هـ) واختفاء الاهتمام الرسمي الذي كانت تحظى به حركة العلم والعلماء (من فقهاء ولغويين وفلاسفة ومتكلمين وأدباء) وتعطيل الترجمة والعناية بالمفكرين وهو ما كان من أولويات الاهتمام في أوساط الخلافة ورجال الدولة وهو ما تفرضه أيضا ً وقائع وأحوال دولة الخلافة هذه، وقد دخلت في طور الرفاهية والغنى وانفتحت عليها خزائن الدول وثروات الشعوب المجاورة غزوا أو تجارة مغرما ً أو مغنما ً، وكان هذا الاختفاء والتعطيل ناتج عن بدايات تغير ملحوظ في أحوال الخلافة وميول الخليفة المتوكل الشخصية وعزوفه عن العلم والمعرفة. فقد أمر لما أفضت اليه الخلافة بـ (ترك النظر والمباحثة في الجدال، والترك لما كان عليه الناس في أيام المعتصم والواثق والمأمون وأمر الناس بالتسليم والتقليد)30. فاهتزت الحركة العلمية في الدولة الإسلامية وارتبك الجانب الحضاري في حياة المجتمع فأوقع (الناس تحت سلطة المحدثين النقليين- وأمثالهم من الفقهاء وظلوا تحت هذا السلطان –وإلى هذا اليوم– ومنذ عهد المتوكل)31 ولا زالت الأمة تعاني من وطأته وآثاره حتى عصرنا الراهن.
إن تراجع العقل ومدرسته ودحر الإعتزال في سياسة الدولة حتى كادت أن تقضي عليه، سمح بالنمو والتوسعة لسلطة فقيه النقل وسيطرته على أذهان العامة وإنجذاب العامة إليه، وهو انجذاب شهد تأسيسا ً أوليا ً لظاهرة الحشد وسلوكه، فأخذت هذه ِ الجموع المحتشدة وبطبيعة الحشد الذي تحكمه قوة الاعتقاد فيما ينقل إليه أو يحدث به ولا يطلب عليه دليلا ً بل وأحيانا ً لا يطلب حتى توضيحات، تنتظم في مسيرات من الإحتشاد الديني والسير الجماعي الذي يهدف الى تحقيق الحشد لجماعة دينية مذهبية مخصوصة ومحددة وتكمن غايته في التأسيس لمذهب وسلطة هذه ِ الجماعة.
ومن مظاهر إحتشاد هذه الجموع من العامة وهم على الأغلب حنابلة المذهب، هو تشييع الجنائز في بغداد، وكان يحمل دلالة قوية ورمزية على ظاهرة الحشد ونشأة اتجاه الجماعة الناجية فيه، وعندما توفي أحمد بن حنبل إمام مذهبهم وزعيم جماعتهم الديني (حضر جنازته خلق من الناس لم ير مثلهم ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف من قبله)32 وهي شهادة من مؤرخ كبير هو المسعودي على بروز هذه ِ الظاهرة في عصر المتوكل هذا وبشكل يكشف عن طروء هذه ِ الظاهرة على الساحة الإسلامية. ويحدّث أحد الذين شهدوا هذهِ الجنازة أنه مكث أسبوعا ً رجاء أن يصل الى القبر فلم يتمكن إلا بشق الأنفس لكثرة إزدحام الناس عليه.
والحدث الأهم في هذا المشهد هو الطعن على أهل البدع –من المخالفين ومن غير الجماعة– ولعنهم، واللعن في مصطلحه الديني إبعاد عن رحمة الله وهو إقصاء عن النجاة الموعود بها فرقة واحدة وبدلالة هذا اللعن فإن الفرقة اللاعنة قد أسقطت هذا اللعن على الفرق الأخرى وتخلصت بهذا الإسقاط منه، وبذلك أحرزت وإنفردت بهذه ِ النجاة التي يخبر عنها حديث ضعيف في سنده خطير في متنه. ويجيء حشد الحنابلة في جنازة أحمد بن حنبل وبهذا الشكل الذي لم يسبق له مثيل إعلانا ً عن إحتكار النجاة وإستحواذا ً عليها بوسيلة اللعن هذه ِ مما أوجب ردا ً بالضد عليها وإنقساما ً فرضته صيغة هذا الإحتكار ومفهوم الجماعة المتأسس عليه، فتدخلت السلطة وأرسلت حامية الى ذلك الموضع منعا ً لوقوع الفتنة 33 التي ستلازم واقع المسلمين منذ لحظة اللعن هذه ِ وإنشداده الى فكرة النجاة الكافلة للخلاص من اللعن الذي تتقاذفه دائرة الثقافة الإسلامية داخل محيطها.
وعلى خلفية تكون فكرة النجاة المخصوصة بهذه ِ الفرقة والجماعة وتبريرها بأنها تأخذ حكم النص والسنة حرفيا ً دون تأويل أو معنى يضيفه العقل وهو ما يعد في نظر هذه ِالجماعة من بدع الإعتزال وأهواء الفرق الضالة.
وعلى خلفية ذلك ايضا، أخذت جموع الحنابلة وبما توفرت عليه من قناعة بتعهد الإسلام النقي والبسيط وبصورته الأولى الخالية من تعقيدات التأويل وتوسعات التفسير، تفرض ما تراه من الدين وتحكم به على عامة المسلمين، فمن دخل في إعتقادهم فهو منهم ومن خالفهم تخلع عنه ربقة الإسلام ويحكم عليه بالكفر والإرتداد، رغم أن أحمد بن حنبل لا يرى في إرتكاب الكبيرة بإستثناء الشرك خروجا ً عن الإسلام وإنما خروجا ً عن الإيمان فقط، أما إنكار الفرائض جحودا ً بها يخرج عن الإسلام أيضا ً إلا أن تركها تهاونا ً وكسلا ً يكون في مشيئة الله إن شاء عذب وإن شاء عفا 34. وحين أمر الشريف أبي جعفر عبد الخالق بن عيسى وهو من كبار شيوخ الحنابلة - وله قصة يوم موته في دفنه مع أحمد بن حنبل في قبره – إبن عقيل وهو من شيوخ الحنابلة أيضا ً بقطع صلته بشيوخ المعتزلة والأشاعرة وحلقات الدرس والعلم عندهم ولم يطعه، أهدر الشريف أبي جعفر دمه بفتوى أمرت بقتله، وقد هرب على أثر ذلك خوفا ً على نفسه من حشد الحنابلة والجماعة الغاضبة على من خالفهم، ولكنه عاد بعد ذلك عندما سمع وهو في السفينة التي كان مسافرا ً عليها بين بغداد والبصرة رجلا ً لا يعرفه يتمنى قتل هذا الزنديق إبن عقيل حتى يتقرب به الى الله تعالى، فأسرع الى بغداد عائدا ً لإعلان توبته أمام الحشد من الناس 35. وهو ما يشهد به على بعث ديني لسلطة العامة، وكان من نتائجه إحتكار فكرة النجاة في هذه ِ الفرقة وحصر الدين في مذهب فقيه هذه الفرقة بعد أن تم تكفير أكثر أهل الإسلام وفرقة (من الجهمية أصحاب الجهم بن صفوان بقولهم بخلق القرآن ونفي القدر وكفّروا الواقفية لقولهم القران كلام الله وتوقفوا ولم يقولوا أنه غير مخلوق، وكفروا اللفظية لقولهم ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وكفروا الشيعة لقولهم إن عليا ً أفضل من أبي بكر وحرموا إستشارة أهل البدع ومرافقتهم في السفر ومن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضائه ولا يؤكل ذبيحته) 36.
وانعكس على سلوكهم اليومي وصفات تعاملهم الشخصي أثار الانحباس في حدود حرفية المنقول وحديث يدور أكثره في الحرمة والبدعة وعدم الحلية، حتى روي عن أحمد بن حنبل أنه تمنى عدم النظر الى وجه النصراني تحرجا ً من النظر الى من أفترى على الله كذبا ً 37 وإعتباره السؤال بدعة. وقد وصفهم إبن عقيل وهو من شيوخ الحنابلة بقوله (هم قوم خشن تقلصت أخلاقهم عن المخالطة وغلظت طباعهم عن المداخلة غلب عليهم الجد وقل عندهم الهزل وغربت نفوسهم عن ذل المراءاة وفزعوا من الآراء الى الروايات وتمسكوا بالظاهر تحرجا ً عن التأويل 38.
وهو منهج في المعرفة يرفع عنهم مسؤولية الوعي، ويرفع عن إتجاه الحشد وجموعه مسؤولية العمل في التغيير نحو نظام يكفل لهم العدل في الرعية والقسمة بين الناس بالسوية، ويهدف الى تحسين أحوال المجتمع الإسلامي وعلى كافة المستويات، وهو ما دأب عليه فقهاء العدل وليس متكلمي العدل وأنصار المستضعفين في الأرض مثل زيد بن علي الشهيد 39 وأبي حنيفة النعمان إبن ثابت فقيه العراق والذي نسب موقفه الى أهل الرأي في مقابل أهل الحديث والسنة عند أبن تيمية 40 والزاهد طاووس اليماني وكثير من الفقهاء وعبّاد الخوارج، الذين خرجوا عن طاعة ولاة الأمر ونقموا سياسة الخلفاء، بينما لم يستهدف حشد الحنابلة في كل حوادثه وشغب العامة فيه خليفة أو سلطة سياسية. وإنما اتجهت حركته نحو المجتمع وفرض سلطته عليه وصنعت فيه الاضطرابات وعدم الاستقرار، وهو ما أدى الى نفي شروط نهضة العلم وحركة العقل في تأسيس حضارته وريادة الإبداع فيه، وهو موقف يحمل في صلبه ازدواجية معهودة في مثل هذه ِ الاتجاهات الفكرية، فهي بقدر الخضوع المؤدلج للسلطان والمتفرع عن عقيدتها، فإنها تنهج وفق ما تمليه هذه ِ العقيدة ذاتها نهجا ً آخر في ممارسة السلطة بالكامل على المجتمع والاستلاب له وتطويعه باتجاه إرادة السلطان وخدمة مصالح السياسة ومنافع الحكم 41، وهو موقف يتأسس على السمع في الدين والطاعة في السياسة، وفيه يتنازل الفقيه عن سلطة الفقه لصالح سلطة السياسة، وهو ما نصت عليه رسالة أحمد بن حنبل فقد حصرت وأوجبت هذا (السمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين، البر والفاجر، من ولي الخلافة فاجتمع عليه الناس، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين)42.
وهذا ما أحكم علاقته بالمتوكل ولي الأمر وأمير المؤمنين وصاحب السلطة في هذا العصر التي استثمرت إنعاش منهج النقل ومدرسة الحديث في السياسة والملك وسلكت به سبيلا ً نالت به رضا العامة، وأسست مفهوم طاعة ولي الأمر وعدم جواز الخروج عليه، بل عدم جواز الشك الذي ينتاب النفوس بسبب أفعال ولاة الأمر هؤلاء (فالسنّة تقضي أن تصلي معهم ركعتين وتدين بأنها تامة لا يكن في صدرك شك) 43.
وأما الخروج عليه فإنه من بوائق الإثم ومن فعله فإنه (شق عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" وتطارده تلك الموبقة حتى موته فإن مات هذا الخارج عليه فإنه يموت ميتة الجاهلية) 44.
إنعكست آثار هذا التقنين الفقهي – السياسي على حياة المجتمع الإسلامي، فأمست قيمة الطاعة إحدى أكبر ركائزه في التوجيه والإدارة ومفصلا ً أساسيا ً في تنظيم شبكة علاقاته الاجتماعية والسياسية، وكانت قيمة الطاعة المتأسسة على مصلحة السياسة هي محور اجتماع الناس وضرورة هذا الإجماع ووجوبه على من ولي الخلافة.
إن ترسيخ مبدأ ضرورة الاجتماع وتبريره في الإجماع على أمير بر كان أو فاجر، وهو ما تزخر بالإستدلال عليه وتقعيده كتب ومصادر السياسة الشرعية في الفقه السياسي الإسلامي وما إنتجه في بناء نظرية في النظام السياسي في الإسلام، قد تكونت أصوله وترسخت في إنبثاق وتجدد فكرة الجماعة المشتقة من الإجتماع السياسي والإجماع الديني، وقد تحولت الى عقيدة دينية بفضل الدور الذي نهض به المتوكل العباسي بأحياء السنة وترويج منهج النقل في النظام المعرفي الإسلامي فأصدر أمره الى المحدثين والشيوخ بالحديث وإظهار السنة والجماعة) 45.
وتداخلت مرجعية الفقه المتغلب وسياسة الدولة الغالبة في تأسيس ثقافة إجتماعية ودينية إستقبلت مفهوم الجماعة السياسي وحشرته في أصول الهوية الإسلامية بعد أن أزاحت شروطه التأريخية وصنعت منه مصطلحا ً دينيا ً عقائدية وفقهيا ً.
5. إضافة السنة إلى الجماعة ومنحى السياسة:
بقدر إنقياد العامة الى تبني فكرة الجماعة والنسبة إليها في عقيدة المذهب الذي مالت اليه، فإنها إنتسبت الى السنّية وتداخلت في التعريف بها بمصطلح السنّة، وقد أشار المأمون العباسي "ت218 هـ" الى هذا التداخل في رسالته الى عامله على بغداد إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدثين فهو يقول إن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة... نسبوا أنفسهم الى السنّة... ثم أظهروا..... أنهم أهل الحق والجماعة46.
ولعل تقييم المأمون هذا، وازرائه على العامة مقالاتها وادعاءاتها ناتج عن رؤية نخبوية وإستعلائية تأخذ على العامة رداءة الفكر فيها ولا منطقيته، وكذلك تنتج عن هواجس أو يقين عند المأمون بميل هذه ِ العامة الى الأموية، وقد كان هدف سياسته وأحكامه هذه تجاه العامة هو التصدي الى إنبعاث الأموية بالضد من العباسية والعلوية التي عرفت بالعداء التقليدي التأريخي للأموية، ورغم الخلاف والعداء أحيانا ً بين العباسية والعلوية إلا أن التحالف الهاشمي لهذين البيتين بدا واضحا ً في عصر المأمون وعلى يد المأمون نفسه حين عهد بولاية العهد الى علي بن موسى الرضا "عليه السلام" وسياسته المتسامحة والمترضية للعلويين التي إستمرت من بعده وإنتهت في عصر المتوكل العباسي.
إن ميل العامة الى الأموية وعلاقتها بالسنّية ومرور هذه ِ العلاقة بالأموية في تصورات العامة حسب ما تقتضيه البنية الإعتقادية للسنية وتتأسس عليه في رؤيتين أساسيتين في هذه ِ البنية هما الجماعة والسلف، بلحاظ دور معاوية في التأسيس لفكرة الجماعة وكونه من السلف، وهي علاقة في تصور المأمون مرت بها الأموية عبر السنية وليس العكس، إستغلالا ً لها في مخطط سياسي يسعى الى الإطاحة بحكم بني العباس وخلافتهم، والتداخل هذا بين الأموية والسنية التي انتهجت معارضة المأمون وصنفت على أنها خصم وتهديد سياسي للمأمون عند الجابري، دفعت بالمأمون الى إقدامه سنة 211هـ بأمر المنادي أن ينادي أن برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير أو فضله على أحد من أصحاب رسول الله بل وهمّ بلعنه على المنابر) 47 وفي إلغاء فضله محاولة في إزاحته عن قداسة السلف فيقطع على الأموية في دخول السنّية وما ترويه من أحاديث في فضل الصحابة... وباللعن إقصاء عن جماعة المسلمين. فاللعن إبعاد أو إقصاء أو إخراج عن رحمة الله تعالى المتجسد إعتقاديا ً عند المسلمين في الجماعة الإسلامية، ولكن موقف العامة من سياسة المأمون تلك أبقت معاوية متربعا ً في دائرة الجماعة وقداسة السلف، فتداخلت العامة أكثر بالأموية وعبرت عن هذا التداخل بالسنية وكان هذا مبدأ اتصال العامة بالسنية.
على ان الجابري يعقد علاقة وثيقة من وجهة نظره بين الأموية والسنية وبذات المبنى الذي تأسست عليه من جهة البنية الإعتقادية في الجماعة والسلف ومتطورا ًعنه في جدل الكلام حول خلق القرآن وتوظيفه في حقل السياسة.
فالتداخل في العلاقة بين الأموية بما تحمله من معنى سياسي والسنية بما تمثله من تبرير ديني وتسويغ فقهي حدث وتأصل من خلال فكرة السفياني وتبنى القول بها العاطفون على بني أمية من أهل السنة 48.
وتحولت في رأي الجابري من مجرد رمز ميثولوجي يتعلق بالإمامة الى مشروع سياسي عملي، ويبدو أن هذا السفياني كان يعتقد بالقول أن القرآن غير مخلوق لا سيما وإنه من أهل الحديث ورجاله، ونقل الحديث عنه قبل خروجه فلما خرج وأساء السيرة تركوا ما نقلوا عنه 49 ويدل على قوله في القرآن أن المأمون استدل على موالاة أبي مسهر الدمشقي للزعيم الأموي الملقب بالسفياني بقوله بأن القرآن غير مخلوق طلبا ً للعمل معه وتقربا ً إليه، ولا سيما وإن السفياني قد ولاه قضاء دمشق عند خروجه. يقول المأمون (يا أبا مسهر والله لا حبسك في أقصى عملي أو تقول القرآن مخلوق... تريد العمل للسفياني)50 وأبي مسهر هذا من أهل السنة ومن كبار رجال الحديث وتصنفه المؤلفات السنية والحنبلية بدرجة أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وأحمد الخزاعي وتلقبه بعض تلك المؤلفات بالإمام 51 ومشاركته في مشروع السفياني السياسي من خلال تأييده في خروجه وتولي القضاء له وإصراره بجرأة الفقيه وحرصه على عقديته في القول بأن القرآن غير مخلوق وهو في مواجهة سياسية أكثر منها دينية، تعكس حقيقة هذا التداخل بين الأموية والسنّية وحامل السياسة فيها.
وما يخلص إليه د. الجابري من (إن عقيدة أهل السنة والجماعة... في مضمونها الديني عقيدة ومعارضة على طول الخط للعقيدة التي قالت بها المعارضة زمن الأمويين وبالتالي فمضمونها السياسي ينصرف الى رفع الإدانة عن الأمويين وتوجيهها الى العباسيين)52 وتوثيقه في الضمير السني من خلال بنيته الإعتقادية في السلف والجماعة وهو ما مهد إلى الترادف بين مفهوم السنة ومفهوم الجماعة وتطوره الى مصطلح أهل السنة والجماعة.
جاءت إضافة مفهوم الجماعة الى السنة مقصودة في تطوير هذا المفهوم وتحوله الى مصطلح ديني – فقهي – حصري، وعلى ضوء ممارسة تجريد لكل ما هو تاريخي – دنيوي في بنية الإعتقادات الدينية، وفي هذا يرى أبو المظفر الأسفراييني ت470 هـ إن إضافة لفظ الجماعة الى السنة جاء نتيجة إستعمال السنة الأدلة الشرعية وهي كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة والقياس وإعتبارها أصولاً53.
وأخطر تطوير لهذا المصطلح ظهرت آثاره على الأمة عندما رسم حدود الفصل في الذات الإسلامية بحصره وإختصاصه 54 بإتباع المذاهب الأربعة من حنفية ومالكية وشافعية وحنبلية، وأصبح هذا اللفظ والمعنى الفقهي له (لا يتناول الخوارج والروافض والمعتزلة لأنهم لا يرون صحة الإجماع ولا يعتبرونه حجة) 55 والإجماع الذي لم يثبت في تعريفه وتحقيقه كان يتأسس بموازاة المتغير السياسي في الدولة العباسية وما أفرزه من مفهوم سياسي وإصطلاح فقهي للجماعة، وقد نتج عن إحتكار الشريعة بمسمى الإجماع والقيمومة على الإسلام بإسم الجماعة، انقسام الأمة وافتراق الإسلام حتى أمسى فرقا ً بعد أن قالت الشيعة والخوارج والمعتزلة بمقالات وردت بمثل ما قالت به السنة والجماعة، وانتشر الفرق بين الفرق وصار عنوانا ً في الآداب والكتب، وتعضد الفرق أكثر بذيوع حديث الفرقة الناجية. فغابت أو غيبت أكثر الفرق أو كلها في عقيدة الفرقة الناجية عن الإسلام واصطلحوا عليها وبالتبادل بين هذه الفرق إسم أهل الأهواء الضالة والبدع.
وكان من صور هذا التغييب والتهميش مصادرة كل إنجاز ثقافي ومعرفي أسهمت به تلك الفرق والمذاهب في حضارة الإسلام وبناء ثقافته وتأسيس علومه، فلم يكن في رأي عبد القاهر البغدادي (بحمد الله ومنه - في زعمه - في الخوارج ولا في الروافض ولا في الجهمية ولا في القدرية... ولا في سائر أهل الأهواء الضالة إمام في الفقه ولا إمام في الرواية ولا إمام اللغة والنحو ولا موثوق به في نقل المغازي والسير والتواريخ ولا إمام في الوعظ والتذكير ولا إمام في التفسير والتأويل) 56.
ونتيجة القبض على السلطة السياسية وما تقدمه للتوافق معها وإحتكار الفوز بالنجاة في الدين وطريق علوم الشريعة الى هذه النجاة (كان أئمة هذه العلوم على الخصوص والعموم من أهل السنة والجماعة) 57 فانحصرت بهم النجاة. وقد أفرد عبد القاهر البغدادي إضافة الى عنوان كتابه – الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منها – فصلا ً مستقلا ً في كتابه هذا بعنوان – في بيان تحقيق النجاة لأهل السنة والجماعة... ويبدو أن ولادته ونشأته في بغداد في القرن الرابع الهجري كان له تأثير في تكوين وجهة نظره هذه تحت تأثير الإختلافات المذهبية وعمق الأزمة بين الفرق الإسلامية الناتجة عن مفهوم وحديث الفرقة الناجية، وكانت بغداد من أبرز مسارح تلك الأزمة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري والرابع الهجري، وأما الشهرستاني صاحب الملل والنحل فأنه يقيم تناظرا بين السنة والجماعة بإعتبار السنة – موضوعا ً إتفقت عليه الجماعة – ذاتا ً فيقول إن الإتفاق على السنة هي الجماعة 58 ولذلك يستعمل لفظ أهل السنة دون أن يضيف إليها لفظ الجماعة حيث يعقد مقارنة ومقابلة بين ما يقول به أهل السنة في الأصول الخمسة المختلف عليها في التوحيد والعدل والوعد والسمع والعقل وبين ما يقوله أهل العدل والمعتزلة.
ولعل نشأته بعيدا ً عن بغداد وأحداث الصراع فيها رغم مكوثه ثلاث سنوات مدرسا ً في النظامية وهي مدة قصيرة عن التأثير عليه، وإقامته في ظل إمارة علوية قضى واجب الخدمة لها بتأليف بعض من كتبه لأبي القاسم علي بن جعفر الموسوي حاكم نرمذ ومنها كتاب الملل والنحل في جزئه الأول الذي يشتمل على عباراته تلك، هي أسباب تقف خلف إقامته هذا التناظر بين السنة والجماعة دون مماهاة أو دمج، فالجماعة لا تحمل في رأيه مضمونا ً دينيا ً بل هي مجرد إتفاق على مضمون ديني تحمله السنة وهو إتفاق يحيل به السنة أو الشرعة أو المنهاج حسب تسميته الى ضرورة الإجتماع الذي تمارسه الجماعة 59 وتستوجب هيئته هذا الإتفاق بجماعة ما أو فرقة واحدة بعينها. لذلك جاءت عبارته مقصورة على لفظ أهل السنة دون لفظ الجماعة.
رغم إن إبن حزم يتمسك بالسنية ويمسك بمصطلح أهل السنة في التعريف بمذهبه ويتشدد في رمي من خالف أهل السنة بالبدعة والظلال.
فإنه حين يتحدث وينظر في عقيدة أهل السنة لا يضيف اليها لفظ الجماعة، وفي تشدده عند شروعه في قياس فرق أهل الإسلام ومذاهبه على عقائد أهل السنة ومذهبه، ينسب أحد أكبر أئمة مذاهب أهل السنة والجماعة وهو أبو حنيفة الفقيه الى المرجئة لكنه يقربه من أهل السنة ويستخدم لفظ أقرب (فرق المرجئة الى أهل السنة من ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه الى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معا ً)60، وبإستخدام ذات اللفظ يقرب بعضا ً من المعتزلة من أصحاب الحسين بن محمد النجار وبشر بن غياث المريسي وأصحاب ضرار بن عمرو من أهل السنة، وكذلك يصنع في بعض قليل من الشيعة هم أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمذاني فهم أقرب حسب عبارته الى أهل السنة في ما يقولون به من أن الإمامة في جميع قريش وتولي جميع الصحابة رضي الله عنهم) 61 إلا إنه ينسب الخلاف مع أهل السنة الى عدد من كبار أئمة أهل السنة والجماعة ومن تؤخذ عنهم عقائد أهل السنة والجماعة، فهو يعد أبو الحسن الأشعري المتكلم – السني ومحمد بن كرام السجستاني من المرجئة الذين لا يتفقون مع أهل السنة في القول بأن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بل وعبد الصليب في دار الإسلام. وهي مفارقة تبدو واضحة في التفريق بين مذهب أهل السنة ومنظر العقيدة في المذهب السني وبآرائه في العقيدة تقول مذاهب السنة، وهو ما دعى إبن السبكي الى التشكيك في تحقيق إبن حزم في مذهب الأشعري ومعرفته ويعتبر من الإغترار الوقوف عند إعتراضه هذا فالأشعري إمام أهل السنة والجماعة 62.
يعرّف إبن حزم أهل السنة بأنهم (الصحابة رضي الله عنهم وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم من أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلا ً فجيل الى يومنا هذا ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم) 63 ويكتفي بهذا الحد من التعريف دون إضافة لفظ الجماعة اليه. ويشير إبن حزم الى ظهور فرقة يصفها بأنها محدثة بعد الثلاث مائة من الهجرة، ويعتبر القول بآرائها خروج على الإسلام وترك للإجماع المتيقن على حد وصفه مثل ما ينسبه اليهم من القول بأن (علم الله تعالى هو غير الله تعالى وخلافه وأنه لم يزل مع الله تعالى) 64. ولم يصدق في زعمه إن من ينتمي الى الإسلام يأتي بمثل هذه المقالات لولا أنه شاهد ورأى ذلك صريحا ً من كتب لها أهمية في العقيدة والسنة مثل كتاب السماني قاضي الموصل وكتاب المجالس للأشعري وكتب أخرى لهذه الفرقة لم يصرح بها.
ويعجب من الأشعري الباقلاني وأبن فورك في قولهما إن علم الله تعالى واقع مع علمنا تحت حد واحد، ويصفه بأنه حمق ممزوج بهوس.
ويبدو واضحا ً من اقواله واحكامه إنه يتناول آراء الإشاعرة وأحكامهم، وإشارته الى فترة ظهور فرقتهم بعد إنتهاء المائة الثالثة من الهجرة توحي الى بداية تكون أساسيات وعقائد أهل السنة والجماعة وفق ما قال أبو الحسن الأشعري بعد تحوله من الإعتزال الى عقيدة أصحاب الحديث وأهل السنة، ونقض إبن حزم على الأشاعرة آرائهم وهو فقيه سني ينقض دعوى الإجماع السني على محتوى هذه العقدية والأصل الذي عبرت عنه مقولة (أهل السنة والجماعة) وإعتذار البعض لإبن حزم بأنه أندلسي من أقصى المغرب وبعيد عن البصرة موطن الأشعري والأزمنة المتفاوتة فلم تنقل تحقيقات مذهب الأشعري الى تلك البلاد، يرافقه التبرير في عدم انتقال تلك الصراعات المذهبية – السياسية في بغداد والشرق الى بلاد الأندلس، فلم تسيطر مناخات هذا الصراع – السياسي على توجيهات إبن حزم الأندلسي الدينية والفكرية، فيلجأ الى الجماعة وينتسب الى تكتل يضيف الى بعده الاجتماعي والسياسي بعدا ً دينيا ً فيؤمن بمقولة أهل السنة والجماعة أو يستعمله إصطلاحا ً، لا سيما وإن الأندلس لاحظّ فيها لغير السنّية. وحتى أبو الحسن الأشعري الذي يوصف بأنه إمام أهل السنة والجماعة فإنه لم يستعمل هذا المصطلح بل إستعمل عبارة أصحاب الحديث وأهل السنة 65.
في الحكاية عما قالوا في مقالات الإسلاميين وهو عنوان كتابه المهم، ويبدو أن الأشعري أراد أن يتخلص من حملة الحنابلة الموجهة ضده بسبب خوضه في علم الكلام، وهو ما كان ينهى عنه أحمد بن حنبل ويقول لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة، فانتسب في القول والعقيدة الى مذهب أحمد بن حنبل. يقول الأشعري (وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان عليه أحمد بن حنبل نظر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله مجانبون)66. وهو إقرار بمرجعيته الدينية والفكرية وتأصيل لعقيدته في مذهب أحمد بن حنبل، وقد تسالم أهل السنة والجماعة على إنتماء عقيدتهم في الأصول الى أبي الحسن الأشعري وفي الفروع يتعبدون بفقه مذاهب السنة الأربعة المعروفة وهي التي إجتمعت تحت إصطلاح أهل السنة والجماعة.
اضف تعليق