فشل مخرجات النظام الانتخابي العراقي في التعبير الحقيقي عن إرادة الناخبين الذي أدى الى تزايد نسب العازفين عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، يتعين على المشرع العراقي وضع سياسة عامة لإصلاح النظام الانتخابي بما يحقق تمثيل حقيقي لإرادة الناخبين لضمان تحقّق الشرعية. وكذلك القيام اجراء تعديل...
المقدمة
أكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 على ان ارادة الشعوب هي أساس شرعية الحكم، ويجري التعبير عن تلك الارادة من خلال الانتخابات العامة الدورية، والحرة، والعادلة، والنزيهة [1]. وعلى الرغم من عدم الزامية هذا الاعلان للدول الاطراف في الامم المتحدة من وجهة نظر البعض حتى وإن صدر بقرار عن الجمعية العامة، إلاّ أن له إلزاماً أخلاقياً يقع على عاتق جميع دول العالم، لاسيما تلك التي ضمنت الكثير من نصوصه في دساتيرها الوطنية، ولعل من ضمنها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والنافذ سنة 2006.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تضمنت قرارات مجلس الامن الخاصة بالعراق، ومنها القرار رقم (1546)/2004 تأكيدات في ديباجته والمتن على حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي، وفي ممارسة كامل سلطته، ووضع جدولاً زمنياً للانتقال السياسي الى الحكم الديمقراطي[2].
وتكمن المشكلة في الانتخابات النيابية العراقية، أنه قد تم تطبيق طريقة سانت لاغو الأصلية والمعدلة (Method Sainte Laguë) في توزيع المقاعد النيابية على المرشحين الفائزين، بأسلوب مُحرَّف وسيئ لا ينسجم مع قواعدها العامة الأصلية أو المعدلة التي وضعها عالم الرياضيات سانت لاغو، وذلك ابتداء من عملية انتخاب مجالس المحافظات العراقية التي جرت في: 20 نيسان 2013 بموجب قانون رقم (114) لعام 2012 التعديل الرابع لقانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 المعدل، ثم تم اعتماد طريقة سانت لاغو المعدلة بموجب قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013، بدءاً من الدورة الثالثة التي جرت في 30 نيسان 2014، وتبعتها الدورة الرابعة التي جرت في 12أيار2018.
ولابد من القول أن هذه الطريقة تعد أحدى طرق توزيع البواقي من المقاعد النيابية في اطار نظام التمثيل النسبي التقريبي، وهي تستند على نواتج القسمة وليس على القاسم الانتخابي، أي أنها ليست نظاماً انتخابياً وانما يمكن استخدامها ضمن إطار النظام الانتخابي وفي مرحلة احتساب البواقي من الأصوات غير الموزعة على المرشحين المتنافسين في الانتخابات، وفيها خطوات لم يعتمدها المشرع العراقي للحد من السلبيات المرافقة للنتائج الانتخابية الناجمة عن تطبيقها، وخاصة تشويه إرادة الناخبين، وبروز التعددية السياسية والحزبية المفرطة، وكثرة الفائزين التي تؤدي الى التوافقات في تشكيل حكومة ائتلافية ضعيفة ومعارضة ضعيفة مقابل تحكم أحزاب أو كيانات سياسية كبرى في مجمل تفاعلات هيئات النظام السياسي.
ومن هنا ظهر العديد من المؤشرات عند تطبيق هذه الطريقة، التي تدل على وجود خلل في النظام الانتخابي المعتمد، خاصة وأن هنالك أصوات قد منحت لمرشحين محددين في الاقتراع وأعطيت لغيرهم عند احتساب النتائج، مما ترتب على ذلك: حرمان المرشح من أصوات ناخبيه، ومنح أصوات ناخبين لمرشح آخر لم ينتخبوه أصلاً. وفي هذا مجافاة للعدالة ومخالفة لأهداف القانون ذاته، مما أدى إلى تشويه النتائج النهائية للانتخابات بسبب تحريف الإرادة الحقيقية للناخبين. ومثلّ كل ذلك مخالفة لقواعد طريقة سانت لاغو الأصلية والمعدلة، ولقرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (67) في 22/ 10/ 2012.
وعلى هذا الاساس، تم تقسيم هذه المقالة (المخصصة إلى شبكة النبأ المعلوماتية) في هذا الموضوع على مبحثين، تناول المبحث الأول المشروعية القانونية لانتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018، فيما تناول المبحث الثاني الشرعية الشعبية في نتائج تلك العملية الانتخابية.
المبحث الأول
المشروعية القانونية لانتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018
نتناول في هذا المبحث نبذة مختصرة عن مفهوم المشروعية القانونية، وقياسها على انتخابات مجلس النواب العراقي لسنة 2018، التي شابها الكثير من الإشكاليات السياسية والقانونية والفنية.
المطلب الأول
مفهوم المشروعية القانونية
تعني المشروعية القانونية خضوع نشاط السلطات الإدارية الى القانون، إذ أنه لا يمكن لأي هيئة في الدولة اتخاذ قرار او القيام بتصرف غير منسجم مع القواعد القانونية التي تنظم اختصاصاتها، فالمشروعية تدرك من خلال علاقة السلطة بالقانون، لذا فهي مفهوماً قانونياً [3].
ولاشك في ان الالتزام بمبدأ المشروعية هو الذي يمثل خضوع الحكام والمحكومين للقوانين المطبقة داخل الدولة، والالتزام بهذا المبدأ يعد ضمانة هامة للانتخابات، لأن مبدأ المشروعية يعني الالتزام الكامل بنصوص القانون بمعناه العام، اي النصوص الدستورية والتشريعية والأنظمة. وفي حالة عدم الالتزام بهذا المبدأ توصف الإجراءات المتبعة في سياق العملية الانتخابية بكونها غير مشروعة وتتعرض للإلغاء في إطار السياقات القانونية النافذة [4].
المطلب الثاني
أسس المشروعية القانونية لانتخاب مجلس النواب العراقي
تتجسد أسس المشروعية القانونية لانتخاب مجلس النواب العراقي في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وقانون انتخاب مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 المعدل حتى كتابة هذه السطور ثلاث مرات.
أولاً-دستور جمهورية العراق لسنة 2005:
يعد وجود الدستور بمثابة التشريع الاساسي للدولة القانونية وهو الضمانة الاولى لخضوعها للقانون، لأنه يقيم السلطة فيها، ويؤسس وجودها القانوني، كما يؤطر نشاطها بالصفة القانونية [5]. ويحدد الدستور طريقة ممارسة السلطة في الدولة، وهو المنطلق للمشروعية التي تجد أساسها في الشرعية، وهذا يعني أن تأهيل أفراد أو هيئات معينة لوضع القواعد القانونية يجد أساسه في دستور السلطة الشرعية [6].
وقد نصت المادة (5) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان[7]: (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام والمباشر وعبر مؤسساته الدستورية).
ومن الواضح أن المشرع الدستوري العراقي لم يكن موفقا بصياغة هذه المادة، إذ خلط ما بين مبدأ سيادة القانون، ومبدأ سيادة الشعب، وهما مبدئان مختلفان، إذ يخص المبدأ الأول بناء الدولة القانونية وتنظيم السلطات العامة فيها، بينما يخص المبدأ الثاني تحديد صاحب السيادة في الدولة [8].
وعلى الرغم من ذلك الخلط بين المبدأين، يلاحظ في هذا النص ان المشرع الدستوري العراقي قد جعل الشرعية في الشعب، ومن ثم أصبح لا يجوز للحاكم ان يكون فوق القانون، وانما يجب أن يكون خاضعا لمسائلة الشعب او من يمثله او ينوب عنه.
وأوجب الدستور ان: (يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور)[9]. وتداول السلطة هنا لا ينحصر بين الكيانات السياسية المسيطرة على العملية السياسية والمتنفذة عن طريق النواب التابعين لها، وعن طريق رموزها المُعينّة في المناصب العليا والسيادية بطريقة المحاصصة او التوافق فيما بينها، وانما يجب يشتمل على تجديد وتطوير البرامج التنموية والتطويرية الفاشلة كلياً او جزئياً من جهة، وتبديل الشخصيات السياسية وعدم تكرارها وثباتها في الهيئتين التشريعية والتنفيذية، وذلك لأنه لا فائدة من تداول السلطة السياسية بين الفاشلين في تحقيق المصالح العامة المتزامن مع عدم رضى الشعب عن أدائهم لاختصاصاتهم وحنثهم في اليمين الدستورية أو القانونية، إذ أنهم في هذه الحالة فاقدين للشرعية الشعبية، فضلا عن توجب مسائلتهم قانونياً.
وأكد الدستور على ان: (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح) [10]. ولاشك في أن الانتخابات هي من اهم الوسائل الديمقراطية التي تسند السلطة او اختيار الحكام، فلا يمكن تصور وجود ديمقراطية حقيقية من دون اجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة وعادلة، ولكن الوقائع العملية والمادية تشير إلى أن جميع العمليات الانتخابية التي جرت في العراق قد شابها العديد من المشكلات التي تطعن في نزاهتها وعدالتها، وخير دليل على ذلك الشكاوى والطعون غير المردودة، واعترافات مسؤولين كبار بهذا الصدد نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت في متناول الجميع.
ونخلص مما تقدم أن دستور جمهورية العراق لسنة 2005، قد وضع أسس المشروعية والشرعية، إلاّ أن تطبيقها عملياً لم يكن سليماً من قبل هيئات سلطة الدولة المعينة عامة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات خاصة، فضلاً عن بعض الكيانات السياسية، مما أعاق تحقيق الشرعية لعمل ونشاط كل هذه الجهات، وزاد من عدم رضا الشعب العراقي تجاههم، إذ كانت المظاهرات المليونية خير شاهد على ذلك.
ولابد من القول أن عمل السياسيين العراقيين منذ عام 2003 على إضعاف إنفاذ القانون، وإضعاف عمليات المسائلة القانونية، وجعل الجهات الرقابية متعددة، قد ساعدت على إفلات الكثير ممن فشلوا في أداء مهامهم من المسائلة والعقاب، وفتحوا الباب واسعاً أمام استشراء عمليات الفساد الإداري والمالي دون وازع من ضمير او من خوف، فضلاً عن إتاحة الفرصة لهم في البقاء والاستمرار بمواقعهم النيابية والسياسية لفترات طويلة جداً رغم فقدانهم للشرعية الشعبية.
ثانياً-قانون انتخاب مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 المعدل:
ابتداءً لابد من القول أن القاعدة القانونية تكون ملزمة ومن ثم مشروعة إذا صدرت عن سلطة شرعية، تمارس اختصاصاتها وفق قواعد وافق عليها المواطنون[11]. فالأصل أن تتمتع الحكومات المنتخبة بتفويض شعبي حقيقي من المحكومين ومن ثم بمشروعية قانونية، لذا يكون ضعف المشاركة في الانتخابات النيابية مؤشراً على أن السلطة السياسية غير معبرة عن توجهات الرأي العام الوطني، إذ أن شرعية السلطة السياسية تستوجب المشاركة الواسعة في الانتخابات[12].
وتتضمن قوانين الانتخاب قواعد قانونية ذات صبغة سياسية لأنها تنظم نشاطات لها تأثير على طريقة تولي السلطة، وترسم طبيعة العلاقة بين الحكام والمحكومين سواء أكانوا ناخبين أم مرشحين، فضلا عن تعلقها بضمان الحقوق السياسية للمواطنين، لان معظم تلك القواعد القانونية موجهة اليهم، فإذا وضع المشرع بشأن الانتخاب قواعد قانونية مخالفة للدستور يكون قد أخل بشرعية عمله، إذ أن القانون يبقى مشروعا إلاّ أنه غير شرعي ومن ثم صبح غير واجب الطاعة، وبهذا يكون لفكرة الشرعية دورا كبيرا في نفاذ القانون وطاعته[13].
وفيما يخص انتخاب مجلس النواب العراقي بدورته الرابعة فقد ترشح (6990) مرشحا بواقع (4979) من الذكور و(2011) من الاناث للتنافس على مقاعده النيابية البالغة (329) مقعداً نيابياً خصص (9) منها للمكونات، وقد توزع هؤلاء المرشحين على (45) حزبا سياسيا، كونت فيما بينها (23) تحالف انتخابي، بينما كان عدد المستقلين (19) مرشح فقط [14].
وفيما يخص قانون انتخاب مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 المعدل[15]، فقد تمت مخالفة أهدافه في عملية انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018، مما يعد انتهاكاً واضحاً لأسس الشرعية الشعبية، فضلا عن عدم مشروعية تلك الانتهاكات من الناحية القانونية.
لقد أكد الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب (تثبيت تجاوزات بالدليل القطعي اساءت لمجمل العملية الانتخابية وشككت بمجمل نتائجها وخاصة ماجرى في بعض عمليات التصويت المشروط والخاص والخارج، موضحا بان نقل النتائج الالكترونية بعكس ارادة الناخبين امر بالغ الخطورة كون الخروقات ثبتت امام انظار المراقبين الامر مما يعرض سمعة العملية السياسية الى حرج كبير امام المجتمع الدولي) [16].
وقد نظمت المادة(2) من هذا القانون تلك الاهداف التي يفترض أن تتجسد في تحقيق مشاركة الناخبين على قِدم المساواة في اختيار ممثليهم في مجلس النواب، وضمان عدالة الانتخابات وحريتها ونزاهتها وحقوق الناخبين والمرشحين، وتوفير الحماية القانونية لجميع مراحل واجراءات العملية الانتخابية.
ومما يلاحظ في اجراءات العملية الانتخابية لسنة 2018 الخاصة بانتخاب مجلس النواب العراقي ما يأتي:
- ظهور حالات تزوير في عملية الاقتراع أكدته جهات عديدة رسمية وغير رسمية، وتم ذكرها في قرار مجلس النواب الخاص بشان نتائج الانتخابات المتخذ في جلسة استثنائية عقدت بتاريخ 28/5/ 2018، وبحضور (198) نائباً [17].
- حصول (عبث في صناديق الاقتراع وشبهات تزوير في اقليم كردستان) [18].
- وجدت اللجنة القانونية واللجنة النيابية الخاصة بتقصي الحقائق عن الانتخابات (ان الانظمة الالكترونية فيها انتهاك لخصوصية الناخب كونها تستطيع ان تكشف اتجاه الناخب بالتصويت، وأن مفوضية الانتخابات الغت اصوات 155 الف ناخب في محافظة كركوك) [19].
- كثرة الشكاوى والطعون الموجهة الى اجراءات هذه العملية الانتخابية، إذ اوضح مجلس القضاء الاعلى ان عدد الشكاوى المقدمة الى مجلس المفوضين بخصوص الاعتراض على نتائج الانتخابات بلغ (1881) شكوى، اما الطعون على القرارات الصادرة في تلك الشكاوى التي وصلت الى الهيئة القضائية للانتخابات لغاية يوم 4/6/2018 بلغت (1221) على يتم حسمها خلال المدة القانونية البالغة (10) ايام من تأريخ احالتها على الهيئة القضائية، اما بخصوص بقية الطعون المتبقية فان الهيئة القضائية للانتخابات بانتظار احالتها اليها من مجلس المفوضين ليتم حسمها وفقاً لنص الفقرة (سادساً) من المادة (8) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007 المعدل[20]. هذا مع العلم ان قرارات الهيئة القضائية للانتخابات نهائية وغير قابلة للطعن بأي شكل من الأشكال[21]، ولكنه بصدور قانون التعديل الثالث لقانون انتخاب مجلس النواب، قام مجلس القضاء الاعلى بإيقاف عمل الهيئة القضائية للانتخابات المختصة بالنظر في الطعون المقدمة على نتائج العد والفرز الالكتروني لحين حسم اجراءات العد والفرز اليدوي وتقديم الطعون الجديدة بخصوصها [22].
- تم استغلال الابنية الحكومية ومؤسسات الدولة والرموز الدينية في الدعاية والانشطة الانتخابية للكيانات السياسية والمرشحين، وهو مخالفة صريحة للمادة (25) من القانون.
-تم انفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام المسروق، أو من أموال الدعم الاجنبي، وهو يعد مخالفة صريحة للحظر الوارد في المادة (29) من القانون. وقد بينت الدكتورة سلام سميسم ان (المبلغ الذي صرفته الاحزاب والكتل السياسية المختلفة على الدعايات الانتخابية بلغ نحو 7 مليارات دولار على أقل تقدير على اعتبار ان المبلغ الذي حدد كحد اقصى للدعاية الانتخابية هو مليون دولار ونحن لدينا 7000 الاف مرشح...وان جميع تلك الاموال تعد من اموال الشعب والتي استحوذت عليها تلك الاحزاب عن طريق الفساد) [23].
ان تلك الممارسات غير الشرعية قد أفرغت الاسباب الموجبة لصدور هذا القانون فضلاً عن أهدافه من محتواها، والتي أكدت على (اجراء انتخابات حرة ونزيهة وتجرى بشفافية عالية ولغرض تمثيل إرادة الناخب تمثيلا حقيقياً)، إذ يلاحظ انه على الرغم من حرية الانتخاب إلاّ أنها لم تكن نزيهة ومن ثم لم تكن شفافة وبالتالي لم تعبر عن إرادة الناخبين بصورة حقيقية، وكان كل ذلك هدم واضح لأسس الشرعية الشعبية في عملية انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018.
المبحث الثاني
الشرعية الشعبية في نتائج انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018
نتناول في هذا المبحث مفهوم المشروعية الشعبية، وقياسها على انتخابات مجلس النواب العراقي لسنة 2018، التي أثبت انخفاض نسبة المشاركة الشعبية فيها على الطعن في مدى تعبير نتائجها عن توجهات الرأي العام العراقي، ومن ثم في مشروعيتها الشعبية.
المطلب الأول
مفهوم الشرعية الشعبية
أن من أهم التعاريف التي قدمت للشرعية هو تعريف الأستاذ الدكتور منذر الشاوي، إذ عدّها (ايمان غالبية أعضاء المجتمع ايمانا حقيقيا بأن السلطة يجب أن تمارس بطريقة معينة دون غيرها وإلاّ فقدت مبرر طاعتها). ويتبين من هذا التعريف ان الشعب هو الذي يسند السلطة، وأن يمارسها الحكام بطريقة تحقق مصالحه وأهدافه، وان طاعة هذه السلطة مرتبطة بشرعيتها، فمتى ما فقدت تلك الشرعية لم تجب طاعتها من قبل المحكومين.
لاشك في أن أساس وجوهر كل تنظيم سياسي هو شرعية السلطة فيه، والشرعية فكرة سياسية لأنها تتعلق بالسلطة وممارستها، إذ تكون السلطة شرعية عندما تنسجم ممارستها مع الرأي العام السائد في المجتمع، وعندما تتجاوب مع معتقداته الاخلاقية والدينية والقيم السائدة فيه[24].
وأن ما يحكم الشرعية يعود الى آراء المواطنين في ممارسة السلطة من قبل الحكام، لتقرر فيما إذا كانت تلك الممارسة شرعية أو غير شرعية، وبذلك يكون مفهوم الشرعية مفهوماً سياسياً[25]، فالشرعية مفهوم يرمز الى العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم المتضمنة توافق العمل او النهج السياسي للحكم مع المصالح والقيم الاجتماعية للمواطنين بما يؤدي الى القبول الطوعي من قبل الشعب بقوانين وتشريعات النظام السياسي، فإذا كانت الشرعية تعني التزام القائمين على السلطة بالأهداف والقيم والمبادئ الاساسية للمجتمع، فإن المشروعية تقاس بمدى التزام السلطة السياسية بالنظام القانوني[26].
وترتبط الشرعية بعلاقة طردية مع الطاعة، فعندما تكون السلطة السياسية القائمة شرعية عندئذ تكون أوامرها واجبة الطاعة[27]. وتستند الشرعية الى حقيقة أن الشعب هو مصدر كل سلطة وأساس شرعيها وهو صاحب السيادة، لذا فإن كل سلطة لا يكون مصدرها الشعب ولا يقبل غالبيته بها وبتصرفاتها هي سلطة غير شرعية [28].
ويعد الانتخاب أحد صور الشرعية الرئيسة، إذ أنه يسبغها على سلطة الحكام[29]. وان انحياز الهيئات المشرفة على الانتخابات قد جعل مبدأ سيادة الشعب يمارسه النواب وليس الشعب مما أضعف العلاقة بين الطرفين، وشكل انتهاكا للشرعية الشعبية [30].
ولاشك في أن أهم الآليات التي تضمن حماية شرعية الحكومات وتؤمنها ضد الانقلابات والتغييرات العنيفة وغير الديمقراطية، هي تكريس المبادئ القانونية والديمقراطية ممارسة على أرض الواقع، ورفع ثقافة الوعي السياسي لدى الشعوب، ونشر قيم مفاهيم الحرية والديمقراطية، والتي تجعل من الشعب الآلية الأهم في ردع وإفشال حركات الانقلاب على الشرعية [31].
والشرعية سواء أكانت طريقة معينة لتسلم السلطة أو إيماناً راسخاً لدى أغلبية أفراد الجماعة بضرورة ممارسة السلطة على وفق طريقة معينة، فهي لا تتعدى كونها مجموعة من الإجراءات واجبة الاتباع لإسناد السلطة أو التعبير عنها، فتلك الاجراءات تتجسد عادة في صورة نصوص دستورية أو قانونية مكتوبة، وقد تكون في صورة قواعد عرفية، ويكون اتباعها واجب في كلتا الصورتين، إذ ان الشرعية تضفي صفة الإلزامية لإرادة الحكام، فمن كانت ارادته قبل الشرعية وبعد انتهائها غير مطاعة، فيجب أن تطاع عن رضى في أثناء الشرعية، أما اذا انتفت الشرعية أو فقدت، زالت الالزامية عن تلك الارادة، وأصبح المحكومون في حل من الخضوع لها [32].
ويتناقض تمديد الشرعية أيضاَ مع مقتضيات الديمقراطية، لأنه يؤدي الى الاخلال بالاتفاق الاساس المبرم ما بين الحكام والمحكومين، وبالتالي يسفر عنه تجاهل واضح للإرادة الأصلية المانحة الشرعية الأولى، فيتعارض بذلك مع حكم الشعب وارادته[33].
المطلب الثاني
أزمة الشرعية الشعبية في نتائج انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018
يساهم تفشي الانحراف والفساد الاداري في الاجهزة الحكومية والادارية في التقليل من شرعية النظام السياسي، حيث يدرك المواطنون ان الموظفين الحكوميين على مستوياتهم المختلفة مجرد عناصر متورطة بالفساد ولا يعنيها سوى تحقيق مصالحها الخاصة، ونتيجة لذلك الادراك يكون النظام السياسي محروماً من الناحية الواقعية من اي مساندة شعبية، بل تظهر السلبية وعدم اقبال المواطنين على التعاون مع النظام القائم ويتمسك النظام بتأييد محدود يستمده مثلاً من الاسرة او العشيرة لحمايته من ضغوط المجتمع وفقدان المواطن للثقة في السياسات العامة وما ينتج عنها من تداعيات خطيرة في الفقدان التدريجي لشرعية النظام السياسي [34].
وتعد فترات أزمة الشرعية الشعبية في حياة الشعوب خطيرة جدا لأنها تهدد قيمها ومعتقداتها الخاصة بإسناد السلطة وطريقة ممارستها [35].
أولاً- الخروقات القانونية والفنية في عملية انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018:
1-الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب:
نظراً للخروقات القانونية والفنية التي شابت العملية الانتخابية التي جرت يوم 12/5/2018، وبعد استلام هيئة رئاسة مجلس النواب[36] طلبا مقدما من (81) نائباً يتضمن الدعوة لعقد جلسة استثنائية لمناقشة الواقع الانتخابي. وبالفعل تم عقد جلسة تداولية بتاريخ 19/5/2018 برئاسة الدكتور سليم الجبوري رئيس المجلس وبحضور(105) نواب. وقد تمخض عن هذه الجلسة أن تقوم هيئة الرئاسة بتوجيه كتابا يتضمن المطالبة بقيام المفوضية العليا للانتخابات باتخاذ جميع الوسائل التي تضمن توفر الثقة بالعملية الانتخابية ومنها اجراء العد والفرز العشوائي، وإحالة القضايا الجنائية الى الجهات المختصة في الحالات التي شابها سوء التصرف بنزاهة العملية الانتخابية، وتزويد الكيانات السياسية بنسخة الكترونية للنتائج المرسلة عبر الاقمار الصناعية، والتأكد من عملية مطابقة البيانات المرسلة الكترونيا مع بيانات الصناديق من خلال عد الصناديق، فضلا عن الطلب من الهيئة القضائية للانتخابات التعامل مع الطعون بإمعان وحيادية للوصول الى العدالة، مع قيام اللجنة القانونية بمتابعة العملية الانتخابية وما رافقها من اشكالات تم ذكرها من بعض الاطراف السياسية فضلا عن معالجة ما يتعلق بالانتخابات في كركوك وكوتا المسيحيين[37].
2-التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013:
بعد تقدير جهود اللجنة المشكلة من مجلس النواب والمكلفة بتقصي الحقائق واللجنة التي شكلها مجلس الوزراء بشان العملية الانتخابية، والقرار الحكومي الذي دعا الى القيام بالإجراءات التي من شأنها تصويب الوضع الانتخابي، ومن أجل حماية العملية الديمقراطية بما يؤمن الثقة بنزاهة الانتخابات وعدالتها، ولتمكين المفوضية من اجراء العد والفرز اليدوي تحقيقا للشفافية في نتائج الانتخابات لثبوت عدم صلاحية جهاز تسريع النتائج الالكترونية وتسببه في عدم ظهور النتائج بصورة حقيقية، قام مجلس النواب في الجلسة الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 6/6/2018 برئاسة الدكتور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب بحضور (173) نائبا، بالتصويت بالموافقة على قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013، إذ جاء في المادة (1) منه [38]: (تعدل المادة (38) من قانون انتخابات مجلس النواب المعدل رقم (45) لسنة 2013 وتقرأ كالتالي:تلتزم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإعادة العد والفرز اليدوي لكل المراكز الانتخابية في عموم العراق وبحضور وكلاء الكيانات السياسية ويلغى العمل بجهاز تسريع النتائج الالكترونية وتعتمد النتائج على اساس العد والفرز اليدوي ويشمل هذا العد والفرز كافة المحطات حتى المحطات الملغاة منها). ويلاحظ أن مجلس النواب قد طور موقفه في هذه المادة في إعادة عملية العد والفرز يدويا لجميع المراكز الانتخابية بدلاً من اختيار نسبة عشوائية، وهو موقف جيد.
وأوجبت المادة (2) من هذا التعديل: (على المفوضية اجراء مطابقة اوراق الاقتراع مع التقرير الصادر من جهاز التحقق الالكتروني الخاص بار كود اوراق الاقتراع وباتخاذ القرارات اللازمة لذلك). وهذا موقف يعزز عملية التدقيق والتحقق من مدى تطابق النتائج الاليكترونية مع أوراق الاقتراع الفعلية المحتسبة يدوياً.
وجاء في المادة (3) من هذا التعديل: (باستثناء اصوات الاقليات المشمولة بنظام الكوتا تلغى نتائج الخارج لجميع المحافظات وانتخابات التصويت المشروط في مخيمات النازحين والحركة السكانية لمحافظات الانبار، صلاح الدين، نينوى، ديالى، واصوات النزلاء في السجون، وانتخابات التصويت الخاص في اقليم كوردستان. في حال وجود مخالفات تتطلب الغاء لبعض نتائج بعض المراكز الانتخابية فللهيئة القضائية المشرفة والمنصوص عليها في المادة 8 البند 3 قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 المعدل صلاحية الغاء هذه النتائج). ولاشك أن تطبيق نص هذه المادة سوف يسد منافذ التزوير الخصبة التي من المحتمل أن تكون قد تمت لصالح بعض المرشحين الذين لم ينتخبهم المواطنون في داخل العراق وحققوا الفوز بأصوات العراقيين الموجودين في الخارج.
وانتدب مجلس القضاء الأعلى بموجب المادة (4) من هذا التعديل: (تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتتولى صلاحية مجلس المفوضين بدلا من مجلس المفوضين الحالي وقاضيا لكل مكتب من مكاتب المفوضية العليا في المحافظات بدلا من المدراء الحاليين وتنتهي مهام القضاة المنتدبين عند مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات ويوقف اعضاء مجلس المفوضين الحاليين ومدراء مكاتب المحافظات عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق في جرائم التزوير التي اشار اليها قرار مجلس الوزراء).
وأكد مجلس النواب سريان احكام هذا القانون على انتخابات مجلس النواب العراقي لسنة 2018[39]، وقرر ان لا يعمل باي نص يتعارض مع احكامه[40]، وأن يكون نافذا من تاريخ التصويت عليه [41].
3-بيان مجلس المفوضين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات:
إزاء التشكيك في نتائج الانتخابات النيابية، أصدر مجلس المفوضين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بياناً بتاريخ 7/6/2018 أكد فيه على ما يأتي[42]:
أ-في الوقت الذي يحرص فيه المجلس على تطبيق الدستور والقوانين النافذة فإن المجلس سوف يستخدم حقه الدستوري والقانوني بالطعن بقانون التعديل الثالث لقانون انتخاب مجلس النواب رقم (45) لسنة 2013 المعدل، وذلك لاحتوائه على عدد من المخالفات في فقراته والتي لا تنسجم مع الدستور وتتعارض مع قانون المفوضية رقم (11) لسنة 2007 المعدل.
ب-يؤكد المجلس على تعاونه المطلق مع مجلس القضاء الأعلى في تسهيل مهمة عمله وفق ما يتخذ من إجراءات قضائية كفلها القانون.
ج- يوضح المجلس بأنه ليس ضد إعادة عمليات العد والفرز اليدوي إذا ما توفر فيها الجانب القانوني.
د-يجدد مجلس المفوضين الثقة بسلامة عمله في ما يخص الجوانب الفنية والقانونية في إدارة العملية الانتخابية.
هـ- اتخاذ المجلس إجراءات عديدة ضد المقصرين في أداء واجباتهم منها تقديم ملفاتهم للقضاء على خلفية ثبوت ارتكابهم خروقات داخل محطات الاقتراع.
و-إن مجلس المفوضين أدى واجبه الرسمي بصورة مهنية وشفافة ولم يسمح لأي جهة بالتدخل والتأثير في صلب قراراته خصوصا بإدارة العملية الانتخابية والتي أثبتت الوقائع نزاهتها وكفاءتها رغم التحديات.
4- قرار رئيس مجلس القضاء الاعلى:
تنفيذا لقانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات لسنة 2018 الصادر بتاريخ 6 /6 /2018 قرر السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى ما يأتي [43]:
أ-دعوة أعضاء مجلس القضاء الاعلى كافة للاجتماع بتاريخ 10 /6 /2018 لتسمية القضاة الذين سوف يتم انتدابهم للقيام بأعمال مجلس المفوضين والاشراف على عملية اعادة العد والفرز اليدوي لنتائج الانتخابات وتسمية القضاة الذين سوف يتولون مهمة إدارة مكاتب مفوضية الانتخابات في المحافظات.
ب- تشكيل لجنة من السادة رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي وأحد المشرفين القضائيين للانتقال الفوري الى مبنى مفوضية الانتخابات للتمهيد لتنفيذ المهمة الموكلة للقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على صناديق الاقتراع والاجهزة والأوليات الخاصة بعملية الاقتراع.
ج- بصدور قانون تعديل قانون الانتخابات يتوقف عمل الهيئة القضائية للانتخابات المختصة بالنظر في الطعون المقدمة على نتائج العد والفرز الالكتروني لحين حسم اجراءات العد والفرز اليدوي وتقديم الطعون الجديدة بخصوصها.
د- بالنظر لحساسية المهمة الموكلة للقضاء بموجب القانون المذكور، وبغية إعطاء رسالة اطمئنان للراي العام ولجميع السادة المتنافسين، ولعدم السماح لأي جهة كانت بمختلف مسمياتها من التدخل او محاولة التأثير على عمل القضاء بخصوص موضوع الانتخابات، أعلن مجلس القضاء عن عدم السماح لأي مشارك في الانتخابات او اَي شخص له صلة بذلك من الحضور الى مجلس القضاء او مفوضية الانتخابات او الاتصال باي قاضي معني بهذا الموضوع بدءا من رئيس مجلس القضاء وبقية السادة القضاة المعنيين.
وعلى هذا الأساس فإن لجنة قضائية تألفت من السادة رئيس جهاز الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد السادة المشرفين القضائيين، انتقلت الى مبنى مفوضية الانتخابات، لتهيئة الأعمال المناطة بالقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات تنفيذا لأمر السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى، للبدء بالإجراءات الموكلة إليها بتهيئة المستلزمات اللوجستية لقيام السادة القضاة بالأعمال المناطة بهم بموجب القانون المذكور[44].
ثانياً- انتهاك مبادئ التحول إلى النظام الديمقراطي في العراق:
تعد الديمقراطية مذهباً سياسياً، يتجسد أساسه في ان الشعب هو مصدر السلطة وصاحب السيادة. ويقوم كل نظام ديمقراطي على المبادئ التالية [45]:
1-مبدأ سيادة الشعب.
2- مبدأ توزيع اختصاصات هيئات السلطة الرئيسة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، فضلا عن الهيئات المستقلة، وعدم تركيزها في جهة واحدة في النظم التي تدمج بين هيئات السلطة او التي لا تعتمد مبدأ الفصل المرن بينها.
3-مبدأ احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
وعلى العكس من ذلك نلاحظ أن عملية انتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018 قد وجهت ضربة قاصمة الى تلك المبادئ، إذ توضح أن الشعب لم يكن هو صاحب السيادة، وان هنالك تداخل في اختصاصات هيئات سلطة الدولة لصالح الأطراف السياسية المتنفذة، ولم تحترم الحقوق السياسية للكثير من المواطنين العراقيين لان هذه الانتخابات لم تكن نزيهة ولا عادلة.
ومن الجدير بالذكر أن النظام الديمقراطي يؤكد حق المحكومين في اختيار الحكام، ومراقبة مدى خضوعهم للقانون ونزولهم على احكامه[46]، وذلك لأن مصلحة الشعب الحالية والمستقبلية هي التي تمثل الهدف الرئيسي من ايجاد السلطة السياسية وممارستها، إذ أن الحكام يعملون باسمه ولصالحه، لذا يتوجب عليهم احترام حقوقه وكسب رضاه لإسباغ الشرعية على سلطتهم [47].
ومن هنا تبرز قوة الراي العام في اطار النظام الديمقراطي في الحد من مخالفة الحكام للقواعد القانونية، بما يمتلك من وسائل متنوعة كالصحافة والاذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، والتظاهر والاعتصام واللجوء الى القضاء في التأثير على سلوك الحكام، ومن ثم الدفع بمحاسبتهم في حالة عدم احترامهم للقانون[48].
ثالثاً- اعاقة تطوير أسس انشاء الدولة القانونية في العراق:
يعني مبدأ خضوع الدولة للقانون خضوع جميع السلطات العامة في الدولة للقانون، وان اهم ما يميز الدولة القانونية، هو ان السلطات الادارية لا يمكنها ان تلزم الافراد بشيء خارج نطاق القوانين المعمول بها في الدولة، وهذا يؤدي إلى تقييد الادارة من ناحيتين: فمن ناحية لا تستطيع الادارة حينما تدخل في معاملات مع الافراد، ان تخالف القانون، او تخرج عليه، ومن ناحية اخرى لا تستطيع ان تفرض عليهم شيئا الاّ أعمالاً لنص القانون أو بموجب قانون [49].
وهكذا أن عدم الالتزام بالقانون يؤدي إلى تحقق عدم المشروعية للفعل أو التصرف، وأن تحريف إرادة الشعب والعمل دون رضاه يؤدي إلى حالة عدم تحقق الشرعية الشعبية للسلطة الحاكمة، ومن ثم يكون خروجها على القانون وعدم احترامها لحقوق المواطنين هدماً لأهم أركان انشاء الدولة القانونية في العراق.
الخاتمة
من خلال كل ما تقدم يتبين، ان العملية الانتخابية التي جرت لانتخاب مجلس النواب العراقي لسنة 2018، قد أضرت بالشرعية لعدم نزاهتها وعدالتها، وقبل ذلك تكون قد أضرت بالمشروعية لعدم التزامها بنصوص دستورية وقانونية محددة كان الأولى بمجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الالتزام بها وتطبيقها بصورة دقيقة وسليمة.
ولعل من أهم النتائج التي تم التوصل اليها هي أنه إزاء فشل مخرجات النظام الانتخابي العراقي في التعبير الحقيقي عن إرادة الناخبين الذي أدى الى تزايد نسب العازفين عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، يتعين على المشرع العراقي وضع سياسة عامة لإصلاح النظام الانتخابي بما يحقق تمثيل حقيقي لإرادة الناخبين لضمان تحقّق الشرعية. وكذلك القيام اجراء تعديل في الإطار القانوني للعمليات الانتخابية في العراق وعلى المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية.
اضف تعليق