د . فراس صالح خضر
د . مثنى فائق مرعي
لا شك ان التوجه الخليجي نحو العراق لم يكن على منوال واحد ، وانما تشكل بحسب المتغيرات والعوامل السياسية والاقتصادية والامنية التي احاطت به ، وعلى المستويات المختلفة محلياً واقليمياً ودوليأ .
ويجد المتتبع للمواقف الخليجية ازاء العراق انها اتصفت بالاندفاع حينا ، وفي احيان اخرى اتسمت بالانكفاء والابتعاد عن العراق وما يمر به من احداث وتطورات ، التي لابد ان تنعكس نتائجها ايجاباً أو سلباً على دول الخليج العربية ، سواء اندفعت نحو العراق ام اختارت الانكفاء والابتعاد عنه .
وفي ظل الاوضاع الراهنة التي سيطر فيها تنظيم داعش على مناطق عدة من العراق بعد 10 حزيران 2014 وما تلاها ، برز توجه خليجي جديد حيال العراق ، وذلك التوجه في حقيقته له وجهان : الاول هو التوجه العام لدول الخليج العربية والمتمثل بتوجه مجلس التعاون الخليجي، والثاني توجه خاص بكل دولة من دوله على حدة ، وتتحرك فيه للتعامل مع العراق وما يمر به من احداث وتطورات .
لم يكن هذا التوجه نابعاً من فراغ بقدر ما كان ناتجا عن مجموعة من المتغيرات والعوامل التي تخص التطورات الداخلية لدول الخليج العربية والعراق معاً ، او التي تخص العلاقات الخليجية ـــــــ الخليجية ، او التي تخص التأثير الاقليمي على العراق او تلك التي تتعلق بالتأثيرات الدولية على دول الخليج العربية والعراق معاً ، لاسيما تأثير الولايات المتحدة الامريكية .
اذ اتسمت سياسة دول الخليج العربية تجاه العراق خلال مدة الحرب العراقية الإيرانية (1980 -1988) بالتعاون والتقارب ، وتبنت دول الخليج العربية سياسة قائمة على تقديم الدعم المادي والمعنوي للعراق في حربه مع إيران ، وقد تفاوت ذلك الدعم وفقاً للمصالح العليا لكل دولة ، وتميزت كل من المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة في سياستها الداعمة للعراق ، وكانت تقف خلف ذلك الدعم مصالح خفيفة ، اذ كان العراق يخوض حرباً بالنيابة عن تلك الدول ضد خصم مشترك يمكنه ان يهدد مصالحهم ، لاسيما ان ايران تشرف على مضيق هرمز الذي يعد ممراً استراتيجياً مهماً لتلك الدول على مختلف المستويات وأهمها المستوى الاقتصادي .
حدث تغيير خطير ومهم في سياسة الدول الخليجية تجاه العراق بعد نشوب أزمة الخليج الثانية عام 1990، والتي تمخضت عن حرب عام 1991، إذ قطعت اغلب دول الخليج العربية علاقاتها الدبلوماسية مع العراق ، كما ساهمت بشكل كبير في تنفيذ الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق من قبل مجلس الأمن بموجب القرار المرقم (661) ، وعدت مرحلة التسعينات من القرن العشرين من أخطر المراحل في تاريخ العلاقات السياسية بين دول الخليج العربية والعراق ، إذ مرت بالعديد من الاحداث والتطورات التي كانت من الخطورة إنها أثرت بشكل مباشر على طبيعة السياسة الخليجية تجاه العراق ، والتي اتسمت بالعداء والسلبية.
أستمرت سياسة دول الخليج العربية إزاء العراق على ذلك النحو حتى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ، إذ انتهجت بعض دول الخليج العربية سياسة متحفظة تجاه العراق بعد الاحتلال الامريكي ، واخذت بعض الدول الخليجية تصوغ سياستها تجاه العراق على خلفية طائفية ، وعلى الرغم من الزيارات المتبادلة بين تلك الدول والعراق ، إلا ان سياسة تلك الدول تجاه العراق لم تتطور أو تتحسن ، لاسيما سياسة المملكة العربية السعودية ازاء العراق ، التي بقيت غير متفاعلة مع الحكومات العراقية المتعاقبة التي تشكلت بعد الاحتلال الامريكي ، وكذلك الكويت التي تبنت سياسة قائمة على رفض التنازل عن التعويضات المفروضة على العراق والديون التي بذمة العراق لها ، و وقوفها بوجه المساعي التي بذلها العراق من أجل الخروج من البند السابع والوصاية على العراق بشتى الحجج .
وعلى الرغم من مخاوف الدول الخليجية من انعكاسات الشأن العراقي على أوضاعها الداخلية، إلا انها كانت حريصة على انتهاج سياسة قائمة على الرفض القاطع لأية دعوات من شأنها تجزئة وتقسيم العراق على أسس مذهبية وطائفية ، ودعت ساسة العراق الى الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة العراق .
ان التوجه الخليجي الراهن إزاء العراق هو ليس وليد اللحظة او الظروف والاوضاع والتطورات الخليجية والعراقية الداخلية والخارجية الحالية بقدر ما هو توجه تعود جذوره الى سنوات سابقة وبالأخص قبيل الانسحاب الامريكي من العراق عام 2011 ، عندما ظهرت آراء واصوات في عدد من دول الخليج العربي تدعو الى تحكيم العقل والمصلحة الوطنية من اجل بناء علاقات ايجابية ومتوازنة مع العراق وذلك نابعاً من ادراك ان اي تغيرات وتطورات في الساحة العراقية تنعكس سلباً وايجاباً على الساحة الخليجية ، وان استقرار العراق على الصعيدين السياسي والامني من شانه ان يسهل اي تواجد عربي او خليجي بشكل خاص في الساحة العراقية. مثلما ظهرت طروحات خليجية تدعو الى ان تبادر دول مجلس التعاون الخليجي الى الاخذ بزمام المبادرة الحقيقية لاعتبار عراق ما بعد الانسحاب الامريكي الجزء الحيوي في المعادلة الامنية الخليجية في ردائها الاتحادي ، الامر الذي يتطلب اعتماد استراتيجية خليجية جديدة إزاء العراق بعد تخلصه من الوجود العسكري الامريكي على اراضيه. هذا الانسحاب كان يشوبه الغموض والحذر في الرؤية الخليجية التي رأت ان هذهِ المرحلة التي يشهدها العراق ما بعد الانسحاب الامريكي هي مرحلة حرجة وتتوجب القيام بدور فاعل ومؤثر لضمان امن واستقرار العراق والخروج بحلول مناسبة للمشكلات والازمات التي تعانيها الساحة العراقية على الصعد المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، لا سيما ان دول مجلس التعاون الخليجي لديها الرغبة لتأدية دور ايجابي في العراق مرتكزاً على مقومات عدة سياسية وعسكرية واقتصادية وقيمية.
الا ان التوجه الخليجي نحو العراق بشكله الحالي قطع تردده ليأخذ نوع من الجدية في عام 2014 في ظل متغيرات امنية وسياسية داخلية وخارجية تمثلت باستيلاء تنظيم داعش على عدد من المحافظات العراقية اهمها نينوى وصلاح الدين والانبار ، الامر الذي يتبعه تحرك عربي واقليمي ودولي لمواجهته لما يمثله من تهديدات امنية لا يقتصر تأثيرها على العراق فحسب بل له تداعيات متعددة على مختلف الدول كون تنظيم داعش من التنظيمات الارهابية العابرة للحدود وله امتدادات في الدول الخليجية والعربية والعديد من دول العالم ايضاً .
ترافقت هذهِ التطورات مع تغيرات سياسية شهدتها الساحة العراقية بوصول حكومة السيد حيدر العبادي الى الحكم التي تبنت خطاباً اصلاحياً ولاقت دعماً عربياً ودولياً ، متزامناً مع عودة الاهتمام الامريكي بترتيب الوضع العراقي ومعالجة آثار وتداعيات استيلاء داعش على مدن عراقية عدة.
وساهمت مجموعة من المحددات والعوامل في رسم وتحديد معالم التوجه لدول مجلس التعاون الخليجي حيال العراق في المرحلة الراهنة ، لعل اهمها :
1- اهمية العراق الاستراتيجية ، ويتمثل بإدراك دول الخليج العربي بأن العراق يُعد محور جيوسياسي مهم وفعال على الصعيد العربي والاقليمي والاسلامي ويؤثر على معادلة التوازن الدولي وتوازن المصالح ويشكل جسر الوصل السياسي والاقتصادي والامني والعسكري بين اوروبا ودول الخليج العربي ، مثلما يعد العراق حجر الزاوية في الجسد العربي ومن المفترض ان تتعامل الدول الخليجية مع العراق وفقاً لتلك الحقائق والمعطيات.
2- التقبل العراقي للتوجه الخليجي ، ظهرت مؤخراً دعوات وتوجهات في الساحة العراقية لتعزز علاقة العراق مع دول الخليج والدول العربية ، وكانت هذه التوجهات على الصعيدين الشعبي ويمثله شخصيات سياسية ومرجعيات دينية وعشائرية تجسدت بابرزها زيارة السيد مقتدى الصدر لكل من السعودية والامارات مؤخراً ، وعلى الرغم مما واجهت من الانتقادات الا ان هناك من يؤيد ويساند هذا التوجه ، اما على الصعيد الرسمي فقد تبنت حكومة العبادي منذ توليها السلطة في عام 2014 نهج الانفتاح على المحيط العربي وبخاصة دول الخليج العربي التي رحبت بدورها بهذه الحكومة ، لإعادة تفعيل العلاقات العراقية الخليجية وللحصول على الدعم في ظل الحرب على الارهاب.
3- المحدد الامني ، احتوت البيئة الامنية الاستراتيجية في منطقت الشرق الاوسط عامة والخليج العربي خاصة على تطورات جيو استراتيجية بالغة الخطورة على امن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي ، ويأتي في مقدمة هذه المخاطر تحول تنظيم داعش من تهديد محتمل الى خطر داهم لأمن الخليج ، اذ بلغ التنظيم المتطرف مداه في التوسع الجغرافي في الجوار المباشر والقريب لدول الخليج ، في العراق وسوريا وصولاً الى تهديده لامن دول عربية محورية من منظور الامن الخليجي والعربي ، ، وفي مقدمتها مصر ، اذ تمكن تنظيم داعش في منتصف العام 2015 من التمدد جغرافياً في الشرق الاوسط من العراق وسوريا في آسيا الى ليبيا في شمال افريقيا ، كما اعلن عن نفسه في باكستان مقترباً من قلب القارة الآسيوية ، فضلاً عن اعلان التنظيم عن وصوله الى دول مجلس التعاون الخليجي عندما تبنى تفجيرين ارهابيين في السعودية مرتين متتاليتين ، وتفجيراً ارهابياً ثالثاً في الكويت.
ومن هنا كانت الدوافع التي ادت بالتوجه الخليجي نحو العراق وانطلاقاً من اهمية دعم العراق في حربه ضد الارهاب وزيادة التنسيق الامني والاستخباراتي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبينها وبين القوى العالمية المؤثرة وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية من أجل منع وتحجيم خطر الارهاب الداعشي على امن واستقرار الدول الخليجية .
4- المحدد الامريكي ، تُعد الولايات المتحدة الامريكية حليف استراتيجي لدول الخليج العربي وبينهم مصالح متبادلة سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ومواقف مشتركة تجاه العديد من القضايا الاقليمية والدولية ، مثلما يرتبط العراق وثيقاً بالولايات المتحدة الامريكية وبينهما مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية وامنية واتفاقيات متعددة ، يجعل من امكانية التأثير الامريكي على الطرفين كبيرة وفاعلة .
ويُعد الرئيس الامريكي دونالد ترامب عاملاً مهماً في التقارب الخليجي والسعودي مع العراق ، والعمل على اقناع دول مجلس التعاون الخليجي بأن هناك دوراً حيوياً ينبغي لهم تأديته لتحقيق استقرار العراق واعادة ترتيب التوازنات الجيوسياسية في المنطقة ، وان ابتعاد دول الخليج العربي وتركهم للعراق يؤدي الى زيادة نفوذ الاطراف الخارجية فيه وامكانية تراجع العلاقات العراقية الخليجية.
5- المحدد الايراني ، ترتبط ايران مع العراق بحكم الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية مع العديد من القوى السياسية العراقية المؤثرة في العملية السياسية ، والمصالح والعلاقات التجارية والاقتصادية التي تربط العراق وايران ، فضلاً عن العلاقات الثقافية والدينية والاجتماعية بين الدولتين ، وتسعى ايران الى تعزيز نفوذها وتأثيرها في المنطقة والعراق بشكل خاص لما يمتلكه من اهمية في دائرة النفوذ والمصالح الاستراتيجية الايرانية في المنطقة .
اضف تعليق