د. محمد ياس خضير/مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
اتفقت توقعات الكثيرين على ان الرئيس القادم للبيت الأبيض (دونالد ترامب) يختلف في النهج والسياسات عن الرئيس السابق (باراك أوباما)، فقد كان واضحاً ومن خلال التصريحات التي أعلنها (دونالد ترامب) عن ان برنامجه الحكومي يحتوي في جعبته على الكثير من السياسات التي تختلف عما اتبعه سابقه.
فبعد ان فاز في السباق الرئاسي واستلم مقاليد السلطة في الولايات المتحدة، عمل على البدء سريعاً في تطبيق العديد من سياساته التي اعلن عنها خلال حملته الانتخابية، فقد كان سريعاً في اتخاذ قرارات تنفيذية شملت بعض القضايا المهمة وكان اخرها موضوع تقييد الهجرة الى الولايات المتحدة من دول يعدها تمثل خطراً على الامن القومي الأمريكي، وعمل على اختيار فريق حكومي يسانده في تطبيق برنامجه الانتخابي، إذ تم اختيارهم بعناية لاسيما مستشار الامن القومي (مايكل فلين)، وهو كان جنرال في الجيش الأمريكي وكان للمدة من 2012-2014 رئيساً لوكالة استخبارات الدفاع وكان له دور مهم في الحرب على أفغانستان والعراق في مجال الاستخبارات –الذي استقال مؤخراً- وتعيين الفريق هربرت مكماستر الذي شارك في حرب الخليج الثانية وحرب أفغانستان واحتلال العراق.
وايضاً تعيين (جيمس ماتيس) وزيراً للدفاع والذي يلقب بـ(الكلب المجنون) او (الراهب) وهو قائد عسكري معروف له خدمة في الجيش الأمريكي تصل لأربعة عقود وكان له دور مهم في الحرب على أفغانستان والعراق، وكان قائدا لمعركتي الفلوجة الأولى والثانية، وتقاعد في عام 2013، وهو كما تشير التقارير يعد ثاني جنرال امريكي بعد الجنرال جورج مارشال (1950- 1951) والذي يقود وزارة الدفاع بعد حصوله على تفويض خاص من الكونغرس الأمريكي.
وايضاً تعيين (ستيفن بانون) عضواً دائما لمجلس الامن القومي وهو في اغلب الأوقات حاضراً مع (دونالد ترامب) في لقاءاته ومؤتمراته الصحفية وحتى اتصالاته مع قادة دول العالم وهو كان مديراً لموقع (برايتبارت) (Breitbart) اليميني المتطرف، يضاف الى ذلك كله تعيين وزير خارجية (ريكس تيلرسون) رئيس شركة (اكسون موبيل).
لقد كانت العلاقات الامريكية–الروسية في عهد الرئيس السابق (باراك أوباما) تتسم بالتأرجح وعدم الاستقرار، فعدد القضايا الخلافية بين الطرفين فاقت القضايا التي تم التعاون فيها، فعلى الرغم من اتفاقهم حول موضوع حسم البرنامج النووي الايراني، الا ان قضايا الاختلاف كانت أوسع وازدادت بشكل لافت، فالأزمة الأوكرانية والصراع في سوريا وموضوع نشر الدرع الصاروخي وتوسيع حلف شمال الأطلسي والحرب في جورجيا وغيرها، كانت من القضايا التي اثارت خلافات في وجهات النظر وطريقة الإدارة بين الدولتين، فقد وصل الامر الى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاسيما فيما يتعلق بموقفها من احداث أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
مثل ما هو معروف كانت إدارة الرئيس السابق (باراك أوباما) حذرة ومتأنية في طريقة التعامل مع الكثير من القضايا، ولعل هذا التأني أثر بشكل سلبي على وضع الولايات المتحدة الامريكية ومكانتها في النظام الدولي، والتي تقاس بالضرورة بالأدوار التي يمكن ان تضطلع بها والقضايا التي يمكن ان تحسمها، فسياسة عدم التدخل والحسم لكثير من الملفات، أدى بالنتيجة الى فسح المجال امام روسيا لأداء دور مهم في الساحة الدولية، ولعل هذا الدور المتصاعد اثار بشكل وبآخر بعض الجهات في الولايات المتحدة والتي تدافع وبشراسه عن عدم حتمية فرضية الافول للقوة الامريكية العظمى نتيجة لسعة الالتزامات والكلف الباهظة.
ولعل للرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) وفريقه هم من المؤيدين لهذه الفكرة، اي ضرورة استمرار الولايات المتحدة القوة العظمى المهيمنة في النظام الدولي، ويؤيدون فكرة استعادة الولايات المتحدة زمام المبادرة وزيادة قوة التأثير والحضور في الملفات الدولية.
ان التوجهات الجديدة للرئيس الأمريكي تختلف عن سابقيه من حيث انه يركز على مسألة اعلاء مكانة الولايات المتحدة والتقليص التدريجي للقيم الليبرالية القائمة على الانفتاح والتعاون والتي حولت الولايات المتحدة الى اشبه بالقاطرة التي يمكن لأي جهة ان تستفيد منها وبشكل مجاني، وكما تشير مجلة Foreign Policy في ان ترامب عام 1990 أشار في مقابلة له الى "الناس بحاجة للأنا، والدول كلها تحتاج الأنا، اعتقد ان بلدنا يحتاج الى مزيد من الأنا، لأنه ممزق تحت ما يسمى بتحالفاتنا"، ولهذا جاء اعلان ترامب في عام 2015 مكملاً لهذا الامر فقد أشار الى ان "بلدنا يحتاج إلى قائد عظيم حقا، ونحن بحاجة إلى قائد عظيم حقا الآن. نحن بحاجة إلى زعيم يجيد فن الصفقة".
وأشار في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري 2016 عند قبول ترشيح الحزب للرئاسة، "أنا وحدي يمكن إصلاحه" أي الوضع في الولايات المتحدة الامريكية كما تشير مجلة Foreign Policy، لهذا يرى الرئيس الأمريكي ان الولايات المتحدة يجب ان تستفيد من الفرص فمن دون معنى ان تخوض الحروب ولا تجني أرباحها كما حصل في حرب الخليج الثانية وما قدمته لدول الخليج بشكل مجاني واحتلال العراق عام 2003، اذ خرجت الولايات المتحدة الامريكية دون ان تحقق مصالحها ولاسيما السيطرة على النفط، فضلًا عن سياسات الانفتاح في اطار الليبرالية الجديدة والتي استفادت منها الصين ودول أخرى.
ان الصعود الروسي من خلال دورها العالمي المتنامي في أوكرانيا وفي سوريا وفي قضايا دولية أخرى، جاء نتيجة التراخي الأمريكي في عهد الإدارة السابقة -كما اشرنا سابقاً-، وهذا ما يراه الرئيس الأمريكي الحالي، فهو يضع في الحسبان هذا الامر وكما اشارت مجلة Foreign Policy في ان الرئيس الأمريكي وخلال اتصاله بالرئيس الروسي في الشهر الماضي تباحث معه حول قضايا عده ولاسيما اتفاقية (New Start 2010) المتعلقة بالحد من انتشار الأسلحة النووية وخلال الاتصال طلب بوتن تمديدها حتى عام 2021، الا ان الرئيس الأمريكي انتقدها وأشار الى انها معاهدة سيئة، ويرى الكثير من المراقبين ان ترامب موقفه غير واضح فيما يتعلق بسباق التسلح النووي وهو الذي أشار خلال حملته الانتخابية الى انه بحث مسألة استخدام الأسلحة النووية في المعارك وتشجيع حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية على امتلاك القنبلة النووية وأشار صراحة الى "فليكن سباق تسلح".
ان العلاقات الامريكية الروسية في ضوء الإدارة الامريكية الجديدة يمكن ان تتطور إيجابيا وهذا ما أشار اليه الرئيس فعلاً الروسي (فلاديمير بوتين) في ان العلاقات مع الولايات المتحدة سوف تستأنف بشكل كامل، بالرغم من انه في وقت مضى أشار الرئيس ترامب الى ان سوف يتم تأجيل رفع العقوبات عن روسيا الى حين التوصل لاتفاق في مسألة الانتشار النووي، فضلاً عن ذلك ان استقالة مستشار الامن القومي الأمريكي (مايكل فلن)، جاءت نتيجة اتصالاته مع السفير الروسي في الولايات المتحدة والذي تعهد له بانه سوف يتم تخفيف العقوبات عن روسيا، وهذا الامر يعبر عن ان هناك توجه واضح في أوساط الإدارة الحالية في تغيير طريقة التعامل مع روسيا، لهذا فان توسيع العلاقات والتنسيق بين الدولتين قد يكون فعلاً هو الاتجاه المحتمل للعلاقات بين الدولتين ولعل اهم ما يدعم هذا الاتجاه هو الآتي:
1- التطابق في الرؤية لدور حلف شمال الأطلسي فقد أشار سابقاً الرئيس الأمريكي ان هذا الحلف قد عفى عليه الزمن، وهذا الامر تؤيده بلا شك روسيا.
2- كما ان هناك تطابق في الرؤية الامريكية والرؤية الروسية في مسألة محاربة الإرهاب في سوريا والعراق.
3- يضاف الى ذلك جاء تعيين وزير الخارجية الأمريكي الجديد (ريكس تيلرسون) الذي لديه علاقات جيدة مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، يمكن ان يعزز العلاقات بين الدولتين.
اضف تعليق