لا يخفى الدور الذي لعبته السعودية وبعض دول الخليج الاخرى في تثبيت اركان الحكم المصري الحالي، فقد كانت السعودية في عهد الملك عبد الله من اكثر الداعمين للتحول في مصر والذي اطاح بحكم الاخوان المسلمين وصعود المؤسسة العسكرية للحكم، اذ كان وراء التوجه السعودي هذا مجموعة من الاعتبارات تتصل بعدم سيطرة الاخوان المسلمين على السلطة وايضاً لمنع اي تحول في سياسة مصر الخارجية باتجاهات قد لا تخدم المصالح الخليجية، لهذا قدم الدعم المالي والسياسي للتحول السياسي ذات الصبغة العسكرية في مصر وصولاً الى وصول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للحكم.
ولعل التغيير الذي اصاب المملكة العربية السعودية في سياساتها وتوجهاتها لاحقاً بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز ومجيء الملك سلمان بن عبد العزيز، القى ببعض المؤثرات السلبية على العلاقات السعودية–المصرية، فالتوجهات الجديدة للملك الجديد اختلفت عن ما كان متبع في زمن الملك السابق، الا ان مصالح السعودية في مصر لم تتغير بل ازدادت حاجة السعودية لمصر بعد توسع ادوار المملكة، لهذا فالدعم السعودي المالي لمصر لم ينقطع بل ازداد بوتيرة متسارعة، اذ تم فتح مشروعات استثمارية ضخمة تمولها السعودية والامارات، فضلاً عن المساعدات والهبات المالية وغيرها، وهنا قد يتساءل المتابع ما الذي تغير؟ ولماذا وصلت العلاقات بين الدولتين لحالة من الجمود السياسي؟
لاشك ان هناك تغيرات كبيرة ألمت في السياسات الاقليمية لطرفي العلاقة أدت الى إحداث تغيير في حجم وطبيعة المصالح والادوار التي تقوم بها السعودية في المنطقة، فالسياسة التي تحاول السعودية انجازها في المنطقة تتطلب اسناد مصري غير محدود، ابتداءاً من ملف اليمن وسوريا وانتهاءاً بالصراع مع ايران وصولاً لمصالح سعودية اخرى وصلت حد احراج مصر في كثير من المسائل واهمها مسألة جزيرتي تيران وصنافير والتي رأى النظام السياسي المصري في البداية بأنهما جزر سعودية، مما اوقعه في حالة حرج داخلي كبير وازمة جديدة تضاف الى ازمات الداخل والعلاقة مع الرأي العام المصري الناقم اصلاً على السلطة نتيجة الاوضاع الاقتصادية وبعض السياسات المتبعة.
يضاف الى ذلك صور للداخل المصري بأن القيادة المصرية الحالية اصبحت تابعة للسياسات السعودية ولاسيما بعد المواقف التي بدت للمواطن البسيط على انها مواطن ضعف ازاء السعودية، مثال ذلك مقاطعة وزير الخارجية السعودية السابق كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العربية السابقة في القاهرة عندما كان يلقي على مسامع الحاضرين رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، اذ قاطع الوزير السعودي الرئيس المصري وانتقد السياسة الروسية في سوريا بشكل لافت، وغيرها من المواقف الاخرى.
يضاف الى كل ذلك برز للسطح مواقف مصرية تحمل سمة التردد في تأييد بعض السياسات التي تحاول السعودية السير في مساراتها، فالسعودية كانت تتوقع من النظام السياسي المصري الحالي دعم غير محدود لسياساتها، وفق معادلة الدعم السياسي والمالي الكبير لمصر يقابل بدعم سياسي وعسكري مقابل من القاهرة، ولاسيما في موضوع الازمة في اليمن والصراع في سوريا، فضلاً عن التنافس مع ايران.
لكن جاءت المشاركة المصرية المحدودة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كبداية مؤشر اولي على عدم رغبة مصر في خوض حروب قد تكون مكلفة وليس لها مصلحة ستراتيجية فيها. وان الدعم المالي لايمكن ان يقابل بدعم عسكري واسع النطاق، فالحرب كما يرى المصريون بانها ليست حربهم.
كما جاءت المواقف المصرية بنوع واضح من عدم الانسجام فيما يتعلق بالسياسات السعودية في سوريا، فقد التزم الجانب المصري في بعض الاحيان الصمت وكان دائما يدعو الى ضرورة الحل السياسي والى محاربة الارهاب في سوريا، وهو موقف لايختلف عن الموقف الروسي، بل جاء منسجماً مع ما تطرحه موسكو، وقد جاء هذا الانسجام في المواقف والرؤى بين الرئيس المصري والرئيس الروسي بعد زيارات متبادلة بينهما والتي ادت الى توثيق الصلات السياسية والاقتصادية فضلاً عن العسكرية، كما كان للتردد الامريكي في دعم النظام السياسي المصري الحالي من قبل الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما وتحفظه على طريقة الانتقال السياسي في مصر دور في دفع النظام السياسي المصري الى محاولة ايجاد حليف يمكن الاستناد عليه في المستقبل، هذه المتغيرات بالنتيجة اثرت بشكل او بأخر في سياسات وتوجهات مصر الخارجية التي جاءت منسجمة مع المواقف الروسية.
وهذا مالم ترده السعودية من مصر في المرحلة الحالية، لهذا بدت بوادر الاختلاف واضحة لاسيما بعد تصويت مصر في جلسة مجلس الامن الاخيرة الخاصة بسوريا تأييدا للقرار الروسي، والذي ادى بالنتيجة الى انتقاد وعتب رسمي من السعودية على لسان المبعوث السعودي الدائم في الامم المتحدة والذي قوبل بتصريحات مباشرة من الرئيس المصري مفادها بان مصر لن تغير مواقفها انسجاماً مع رغبات الغير وانها (لن تركع الا لله)، وتبع ذلك قرار القضاء المصري الذي رأى ببطلان ضم الجزيرتين للسعودية، وتبع ذلك اجراء سعودي تمثل في قطع شركة ارامكو حصة مصر من النفط الذي كان يصدر لها، مما دفع بمصر الى البحث عن مصادر جديدة وكان العراق الوجهة الاولى لمصر، فقد زار وفد رسمي مصري والتقى برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وتم التباحث حول موضوع تجهيز مصر بالنفط.
ان الدعم الخليجي ولاسيما السعودي لمصر لم يأت لتوظيف القدرات المصرية لحماية امن ومصالح دول الخليج فقط، بل كان ايضا يتصل بموضوع التوازن الستراتيجي في المنطقة، فالحاجة الخليجية لقدرات مصر العسكرية هو لإحداث توازن مع ايران وتشكيل تحالف يمكن ان يسند سياسات السعودية في المنطقة، فالأخيرة تسعى الى تشكيل تحالفات ستراتيجية بدأتها بالتحالف العربي ومن ثم الدعوة الى التحالف الاسلامي بضم دول اخرى غير عربية كباكستان وتركيا وغيرها من الدول الاخرى، ومرد ذلك ان البيئة الاقليمية لا تسمح بحدوث هزات جديدة قد تضعف بقدرات ومكانة دول الخليج بالمقابل يمكن ان تقوي ايران، لهذا مثلاً لوحظ بعد حالة التوتر الاخيرة مع مصر توجه الدول الخليجية الى توطيد العلاقات مع تركيا، فقد اجريت مصالحة تركية–اماراتية بعد التعارض في المواقف نتيجة دعم الامارات للرئيس عبد الفتاح السيسي بوساطة سعودية كمحاولة لإحداث نوع من التماسك الاقليمي بعد مواقف مصر الاخيرة التي اثارت شكوك دول الخليج حول دورها المستقبلي.
ولكن بالرغم من كل ذلك فان الاتجاهات المستقبلية للعلاقات السعودية-المصرية قد يسهل فهمها من خلال إدراك ان حجم الاموال الخليجية ولاسيما السعودية في السوق المصري كبيرة، كما ان العمالة المصرية في الخليج تحظى بنوع من التفضيل، ولعل حاجة مصر الاقتصادية للأموال الخليجية وعدم قدرة دول الخليج عن التخلي عن مصر لمحدودية الخيارات وخوفاً من تحول مصر للمحور الروسي الايراني، يفرض على الدولتين الوصول الى حلول وسط وهذا ما يمكن توقعه في الايام القادمة.
اضف تعليق