ما الجديد في عالم الفضاء على مستوى العالم؟ هذا السؤال يراود كل شخص مولع بالفضاء ويأمل تصل استكشاف الفضاء الى مستويات خالية، فمثلا البعض يتخيل الأرض محاطة بفنادق فضائية مضيئة، ورحلات الطيران تنتقل جيئة وذهابًا إلى القمر، والمستوطنون الأوائل يستعمرون سهول المريخ المغطاة بالأتربة.
ولكن حتى الآن، على الرغم من الجهود المضنية التي يبذلها علماء الفضاء، إلا أن مستقبلنا الفضائي البرّاق لا يزال يستعصي على التحقيق في الوقت الراهن، لا سيما وان الكون يحتوي على مليارات المجرات كمجرتنا درب التبانة، وتضم كل مجرة مليارات النجوم كالشمس، فلا زلنا نرهف السمع لعقود من الزمن ترقبًا لأي رسالة من الفضاء. وتحلّل منظمات من قبيل معهد البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض (سيتي) الإشارات اللاسكلية غير المألوفة لالتقاط أي رسائل محتملة قادمة من حضارة لكائنات فضائية ذكية، ولكن ماذا سيحدث لو سمعوا إشارة بالفعل؟، في سياق منفصل، انطلقت مركبة فضاء أوروبية إلى المريخ في مهمة يأمل العلماء في أن تساعد في الإجابة على أحد أهم الأسئلة في تاريخ علم الفضاء، وهو هل هناك حياة على كواكب أخرى غير الأرض أم لا؟، ضمن الاطار نفسه نجح باحثون في جامعة هولندية من استخدام تربة تحاكي في تركيبتها تلك الموجودة على سطح المريخ لزرع نباتات يستعملها الإنسان في غذائه، بحوث قد تزيح عقبة جديدة من طريق "استيطان" البشر لكوكب المريخ.
من جهة أخرى، وعلى مدار السنوات الأربعين الأخيرة، يسير التقدم البشري خارج المدار الأرضي بخطى وئيدة للغاية، ويعجّ التاريخ الفضائي بمئات المشروعات والمفاهيم التي لم تُستكمل. ولكن ربما كان سيتحقق نمط بديل من الاستكشافات الفضائية يختلف تمامًا عن النمط الحالي، في حال إعطاء الضوء الأخضر لبعض البعثات إبان الحرب الباردة، حطم مقراب (تلسكوب) هابل رقما قياسيا بتمكنه من رصد أبعد مجرة يتم اكتشافها حتى الآن، بفضل أبحاث فريق عالمي من الفيزيائيين الفلكيين. ويُعتقد أن هذا الإنجاز هو أقصى ما يمكن لمقراب هابل تحقيقه قبل أن يترك مكانه لتلسكوب جديد بعد أن قضى أكثر من 26 عاما يدور حول الأرض ويكتشف عوالم الكون.
وكما كل مرة، تكمن جمالية الاكتشافات العلمية بكونها غير نهائية وتضع تحديات جديدة للعلماء للتأكد من المعطيات والغوص أكثر في كتاب مفتوح لا يتطلب من الإنسان إلا أن يزيد سطورا جديدة فيه. لكن بشرط : ألا ترفع أقلام البشر، ويمكن لعشاق عالم الفضاء متابعة أهم الأحداث خلال التقارير ادناه.
ماذا سيحدث لو تواصلت كائنات فضائية بكوكب الأرض؟
في سياق متصل منذ 40 سنة خلت، كان جيري إيهمان، عالم الفلك الإشعاعي، يمسّح جزءًا من السماء على أمل الكشف عن إشارة قادمة من حضارة كائنات فضائية. وفجأة، التقط شيئًا، إنها إشارة قصيرة بشكل لا يصدق، مجرد تدفق موجات، ولكنها سُجلت في صورة موجة مرتفعة أو شكل من أشكال الإرسال الذي لم يدم إلا لحظة. وعلى الورقة المطبوعة، رسم دائرة بالقلم الأحمر حول الإشارة الصوتية وأعرب عن فرط دهشتة بكلمة "واو!".
ولم تُفسر الإشارة التي عرفت فيما بعد باسم "إشارة واو"، قطّ، ولم يُسمع لها مثيل على الإطلاق. ولكن ظل معهد البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض يُلقي السمع لعله يلتقط إشارة قد تصدر عن أشكال لحياة ذكية في المجرة وما بعدها.
وماذا لو سمع معهد سيتي إشارة من هذا النوع؟ وكيف سيتأكد أن الإشارات أُرسلت إلينا بالفعل من كائنات فضائية؟ فقد بيّن تقرير وثائقي جديد على قناة "ساينس" كيف سمع رواد الفضاء في بعثة "أبوللو 10" "موسيقى فضائية" غريبة في السماعات التي يضعونها في أذنيهم عندما كانوا يدورون حول الجانب الآخر من القمر. وفي حين يرى كثير من العلماء أن السبب يرجع إلى تداخل موجات الراديو، إلا أن هذه التجربة أثارت تساؤلًا حول كيفية التمييز بين الصوت القادم من الفضاء عن غيره في خضم بحثنا عن أثر لوجود حياة.
يقول جون إليوت، أستاذ بجامعة ليدز بيكيت بالمملكة المتحدة: "لقد بات سماع شيء ما ثم التشكيك في صحته أمرًا معتادًا للغاية، وقلّما تصل الأمور إلى مجموعة العمل المكلفة بدراسة مرحلة ما بعد الكشف"، ويقول إليوت إنه يعمل مع معهد سيتي منذ 1999، وطوال هذا الوقت، لا تجدّ مجموعة العمل إلا اشارة واحدة فقط تستحق التقييم كل عامين أو ما يقرب من العامين. وعلى الرغم من الكشف عن إشارات أخرى يوميًا، إلا إنها تُستبعد على أساس أنها تداخُل موجات أو إشارات من صنع الإنسان. فقد تأتي بلاغات عن وجود إشارات من أي مكان، حتى إنه توجد شبكة من المتطوعين لديهم أجهزة استقبال خاصة بهم، يطلق عليهم اسم رابطة سيتي، يلقون السمع لعلّهم يجدون دليلًا. بحسب البي بي سي.
ويقول إليوت مفسرًا: "فإذا وجدنا نمطًا متكررًا من الإشارات، فسنولي هذا الأمر اهتمامًا بالغًا. وربما نسأل حينذاك، هل يكشف هذا النمط المتكرر عن بعض التعقيد، وكأن شخصًا ما يحاول أن يرسل لي لغة ما أو رياضيات أو أي شيء ينطوي على معلومات".
وليس من الوارد أن نعرف ما الذي تقوله لنا الكائنات الفضائية على الفور، ولكننا قد نستشف أنهم كانوا يقولون شيئًا ما، وتحتفط سيتي بقائمة من "الإشارات المحتملة" بل ويوجد نظام يعرف باسم جدول ريو لتصنيف الإشارات بحسب الأهمية. ويستند ترتيب الإشارات وفقًا للأولوية إلى سمات الإشارات، وكيف جرى الكشف عنها ومن أين صدرت.
ولسنوات عديدة أخفى رواد الفضاء على متن مركبة أبوللو 10 أمر "الموسيقى الفضائية" التي سمعوها، وفي واقع الأمر، لم يُعلن عن تجربتهم إلا مؤخرًا، في سنة 2008، حين أماطت وكالة الناسا اللثام عن تسجيلات الواقعة، فحين تلتقط سيتي أي إشارات ذات أهمية حقيقية، يُعلن عنها على الملأ، ولكن بعد تطبيق إجراءات صارمة للتحقق من صحة هذه الإشارات.
ولدى سيتي قائمة خاصة من بروتوكولات الكشف في هذا الصدد، تتضمن هذه البروتوكولات نشر بيانات ليحللها الغير. ويشير دان ويرثايمرفي جامعة كاليفورنيا بيركلي، وهو عضو أيضًا في مجموعة العمل المكلفة بدراسة مرحلة ما بعد الكشف، إلى أن الفريق يجب أن يكون حذرًا حيال أي إنذارات كاذبة محتملة.
وبالطبع، نحن نولي اهتمامًا بالغًا بأي إشارة يُحتمل أن تكون قادمة من كائنات فضائية، ففي سنة 2004، كان على رواد الفضاء أن يهدؤوا الضجة التي أُثيرت حول تقارير خاطئة عبر الإنترنت تفيد باكتشاف "إشارة من خارج كوكب الأرض".
وفي العام الماضي، التقطت سيتي المزيد في صورة مجموعة من "تدفقات الموجات اللاسلكية السريعة" التي حيّرت العلماء لبعض الوقت. ولا يوجد تفسير معروف لهذه الظاهرة، مما حدا بالكثيرين إلى التساؤل إن كانت هذه الإشارات قادمة من حضارة لكائنات فضائية، كيف يمكننا إذن أن نتيقن من هذا الأمر؟ من بين الأشياء المهمة التي يجب أن نثبتها هي المسافة التي قطعتها الإشارة. فغني عن القول، إن كانت الإشارة قد ارتدّت من قمراصطناعي أو حطام فضائي يدور حول كوكب الأرض، لن تعدّ حينئذ مؤشرًا على وجود اتصالات من الكائنات الفضائية. وتستعين سيتي لغرض إجراء التحليل، بتلسكوب ثان لتسجيل نتائج القياس.
يقول ويرثايمر: "عندما يكون لديك تلسكوبان موجهان صوب إشارة ما فيمكنك تقسيم المساحة إلى مثلثات وقياس مسافتها لمعرفة ما إن كانت قادمة من مصدر قريب أم لا" ولكن حتى الآن لم توجد حالة مُلحة بعد، "فلم نجد أي شيء قطّ يثير حماسنا ليجعلنا نستدعي مدير المرصد ونقول له، ‘علينا أن نذهب إلى التلسكوب الأن‘"، ويطرح إليوت وكثيرون غيره سؤالًا آخر ظل بلا إجابات، وهو ماذا عسانا أن نفعل بشأن الردّ على إشارة نعتقد بالفعل أنها قادمة من حضارة لكائنات فضائية. وهل نرغب في الردّ من الأساس؟.
جودريل بانك هو تليسكوب إشعاعي شهير في بريطانيا، وقد درس، ضمن أشياء أخرى، النجوم النابضة، وهي نجوم تدور وترسل إشارة إشعاعية، ينص بروتوكول سيتي على أنه "لا يجوز الردّ على أي إشارة أو غيرها من الأدلة التي تشير إلى وجود كائنات ذكية خارج كوكب الأرض، إلا بعد التشاور وتبادل الآراء على المستوى الدولي كما ينبغي".
يقول إليوت: "لا يزال ثمة انقسام في الرأي بشأن ما الذي يمكن أن نفعله، ففي حين يؤيد المعسكران الرئيسيان الردّ على الإشارة، يرى الآخرون أن عليك ألّا تردّ على الإشارة"، وأضاف أنه يعتقد أننا سنفوّت على أنفسنا فرصة سانحة إن لم نحاول الردّ على الإشارة.
مع ذلك، تبقى مشكلة أخرى وهي كيفية التواصل مع الكائنات الفضائية من دون وجود لغة مشتركة؟ ويشير إليوت إلى أن ربما علينا محاولة وضع إشارات للدلالة على أشياء في الكون تكون مشتركة بين الحضارتين، ويقول: "يمكن أن نشير إلى الظواهر التي نكون على علم أنهم يشهدوها ونستعين بها كمفتاح لبدء حوارنا معهم".
وهذا قد يعني تخصيص إشارة مشتركة تمثل "نجمة" أو "مجرة" أو إحصاء الأجسام السماوية، على سبيل المثال. ولكن علينا أن نأخذ في الاعتبار التأخير في إرسال الإشارات، إذ يبعد عنا أقرب نظام نجمي يحتوي على كوكب 10.5 سنة ضوئية، أي ما يعادل 21 سنة أرضية لإرسال رسالة والحصول على ردّ.
ويقول ويرثايمر: "أشعر بالتفاؤل، وأعتقد أن الكون يعج بالحياة، ولكن سكان الأرض بدأوا لتوّهم التفاعل مع الأمر، ونحن نتعلم كيف نشارك بفعالية"، وتابع: "أعتقد أننا لا يزال أمامنا فترة من الزمن حتى نعرف ما إن كنا وحدنا في الكون أم لا".
رحلة فضاء أوروبية للتأكد من وجود حياة على المريخ
انطلقت مركبة فضاء أوروبية إلى المريخ في مهمة يأمل العلماء في أن تساعد في الإجابة على أحد أهم الأسئلة في تاريخ علم الفضاء، وهو هل هناك حياة على كواكب أخرى غير الأرض أم لا؟، وقد انطلقت المركبة - التي تعد رحلتها جزءا من برنامج " إكسو مارس" الأوروبي الروسي المشترك - من قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان على متن صاروخ "بروتون" في الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش الاثنين، وتستغرق الرحلة سبعة أشهر عبر الفضاء.
وتحمل المهمة مسبارا فضائيا لدراسة الغازات النزرة مثل الميثان حول المريخ ومسبارا آخر لاختبار التقنيات المطلوبة لمركبة أخرى تابعة للبرنامج نفسه من المقرر أن تزور المريخ في 2018.
وكان مسبار الفضاء "كيوريوسيتي" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" قد عثر في نهاية 2014 على آثار غاز الميثان في الغلاف الجوي، وهي المادة التي تعني بقوة إمكانية وجود حياة على الكوكب الأحمر، ويعتقد العلماء أن الميثان ربما أنه نتج عن كائنات حية دقيقة انتهى وجودها قبل ملايين السنين وتركت غازا مجمدا أسفل سطح الكوكب، أو أن بعض الكائنات المنتجة للميثان لا تزال على قيد الحياة.
وقال رولف دي غروت، رئيس مكتب تنسيق استكشاف الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، لرويترز إن "إثبات وجود حياة أو أنه كانت هناك حياة على المريخ سيظهر أن الأرض ليست منفردة في وجود حياة عليها، وهذا سيزيد بكثير من احتمال أن هناك أماكن أخرى في الكون يوجد عليها حياة أيضا".
ومن المقرر أن تنطلق المهمة الثانية "لاكسو مارس" في عام 2018 وستحمل مسبارا أوروبيا على سطح المريخ، وسيكون المسبار الأول الذي بإمكانه الانتقال عبر سطح الكوكب والحفر في الأرض لجميع وتحليل عينات من الكوكب الأحمر.
تربة المريخ القاحلة قد تُنبت الطماطم و9 غلال أخرى
نجح باحثون في جامعة هولندية من استخدام تربة تحاكي في تركيبتها تلك الموجودة على سطح المريخ لزرع نباتات يستعملها الإنسان في غذائه. بحوث قد تزيح عقبة جديدة من طريق "استيطان" البشر لكوكب المريخ.
لكل من شاهد فيلم "المريخي" (The Martian - 2015) ومحاولات رائد الفضاء مارك واتني (الذي أدى دوره مات ديمون) لزرع بطاطا على سطح المريخ قد تتحقق فعلا على أرض الواقع، والخيال العلمي الذي جاء به الفيلم قد يصبح حقيقة علمية بفضل جهود باحثين من جامعة واغنينغن الهولندية. بحسب فرانس برس.
وقام هذا الفريق من الباحثين بزراعة نباتات في تربة تشبه في تركيبتها تلك الموجودة على أقرب جُرمين للأرض: المريخ والقمر. وشملت التجربة عشرة نباتات من بينها الطماطم والبازلاء والشيلم المزروع (أو حبوب الجاودار) وغيرها. وبدأت التجربة في أبريل/نيسان من العام الماضي ودامت ستة أشهر.
وتحمل النتائج بشرى لكل من يريد "استيطان" المريخ، فإنتاج الكتلة الحيوية في التربة التي تحاكي تربة المريخ كان أقل مما تنتجه تربة كوكب الأرض، لكن الفرق يبقى ضئيلا بحسب قائد فريق البحث، الدكتور فيغر واملينك.
ويضيف واملينك "شكل الأمر مفاجأة حقيقية بالنسبة لنا. لقد أظهرنا أن التربة التي تشبه تلك المتواجدة في المريخ تملك قدرات واعدة إذا تم تحضيرها وسقيها بالطريقة الصحيحة"، ولمحاكاة التركيبة الكيميائية لتربة المريخ والقمر، استقى فريق البحث عينات كافية من أوعر المناطق على سطح الأرض: من بركان في جزر هاواي يشبه المريخ ومن صحراء أريزونا الأمريكية التي تضاهي قحولة القمر. تم خلط هذه الأتربة بعشب مقصوص ثم وضعت في صواني لتسهيل سقي النباتات المزروعة فيها. وتضمنت صواني أخرى عيناتِ مقارنة تحتوي على تربة أرضية عادية مع سماد.
وتمكن الباحثون من زرع تسع غلال غير الطماطم وهي الفجل والسبانخ والبازلاء والرشاد والثوم المعمر والشيلم المزروع (أو حبوب الجاودار) والكينوا والجرجير المزروع (أو الكثأ) والكراث (أو البقل)، لكن، على الإنسان أن يتريث قبل أن يرى فعلا نباتات تنمو على سطح المريخ أو القمر، فالتجربة يجب أن تمر بسلسلة من التحقيقات والاختبارات كما هو معهود في عالم الاكتشافات والعلوم. إذ لم تنشر بعد جامعة واغنينغن وفريق البحث نتائج التجربة في مجلة علمية متخصصة، رغم أن الإعلان جاء من مركز بحث واغنينغن ذي المصداقية الكبيرة والسباق في المجال. ويفرض المنهج العلمي التحقق من نتائج أي تجربة من طرف ثلاثة زملاء متخصصين قبل نشرها في مجلة علمية. هذا المسار قد يأخذ عدة أشهر.
بالإضافة إلى ذلك، الدراسة تحاكي تركيبة تُربتيْ المريخ والقمر فقط، ولا تهتم بالظروف الأخرى على سطح الجُرمين كالإشعاعات الفضائية القوية ودرجات الحرارة التي قد تكون عالية أو منخفضة بشكل كبير. فقد نمت النباتات خلال الدراسة في دفيئة من زجاج وضمن الغلاف الجوي للأرض مع احترام درجات حرارة ورطوبة وإضاءة مستقرة. لكن فيغر واملينك يشرح : "عندما تتم عملية زرع تلك النباتات في المريخ والقمر، نتوقع أن تكون في غرف تحت السطح لحماية النباتات من الظروف القاسية هناك". غير أنه يبقى من الصعب توقع مدى تأثير ظروف كوكب آخر على العملية، ويظل الهاجس الأكبر أمام هذه التجربة هو تحديد ما إذا كانت النباتات التي زرعت قابلة للأكل أم لا "فتربة المريخ تحتوي على معادن ثقيلة كالرصاص والزئبق والكثير من الحديد" يقول فيغر واملينك.
وتكمن أهمية تجربة جامعة واغنينغن، ورغم المشاكل التي ما زالت معلقة، في أنها تثبت مرة أخرى أن الإنسان يقترب بخطى ثابتة نحو توفير غذائه في المريخ وزرع خضر ونباتات في الفضاء. وكان فريق من العلماء نجح العام الماضي في زراعة خضراوات في المزرعة الفضائية المتواجدة في محطة الفضاء الدولية، والتي بدأت العمل في 2002 في مهمة هي الأولى من نوعها، وهي دراسة وتطوير التكنولوجيات اللازمة لنمو النباتات في ظروف خاصة متعلقة بالجاذبية والمتغيرات الأخرى في مدار الأرض.
صراع الفضاء إبان الحرب الباردة
من مركبة فضائية مزودة بمدفع إلى سفن المريخ التي تدار بالطاقة النووي، كادت بعض البعثات الفضائية أن تُحلق في الفضاء إبان الحرب الباردة قبل أن يتوقف تنفيذها، ولكن، أخيرًا، ستتحول إحدى هذه البعثات إلى حقيقة.
وعلى مدار السنوات الأربعين الأخيرة، يسير التقدم البشري خارج المدار الأرضي بخطى وئيدة للغاية، ويعجّ التاريخ الفضائي بمئات المشروعات والمفاهيم التي لم تُستكمل. ولكن ربما كان سيتحقق نمط بديل من الاستكشافات الفضائية يختلف تمامًا عن النمط الحالي، في حال إعطاء الضوء الأخضر لبعض البعثات إبان الحرب الباردة.
في ساحة العرض الخارجية الصغيرة لمركز مارشال للرحلات الفضائية التابع لوكالة ناسا بولاية ألاباما، يوجد على الأسمنت الرمادي أحد أكثر المحركات غرابةّ من بين جميع المحركات التي صنعتها الوكالة، وقد وُضِع المحرك على إطار، جنبًا إلى جنب مع معزز دفع صاروخي طويل ورفيع يعمل بوقود صلب للمكوك الفضائي (كُتبت كلمة "فارغ" على الناحية الجانبية لطمأنة الزائرين)، وقد صُمِم محرك "نيرفا" قُمعيّ الشكل لنقل رواد الفضاء إلى المريخ.
ويتكون محرك "نيرفا"، أو المحرك النووي، المخصص للاستخدام في المركبات الصاروخية، والذي طُوِّر في ستينيات القرن الماضي، من مفاعل انشطار نووي لمادة اليورانيوم اسطواني الشكل يعمل على تسخين الهيدروجين السائل.
ثم يُطرد الغاز من خلال إحدى فوهات الصاروخ لتوليد مستويات عالية من قوة الدفع، وكان من المتوقع أن تطلق وكالة ناسا أول بعثة إلى كوكب المريخ في 1979، وفقًا لخطة "فيرنر فون براون"، بحيث يُرسل رواد الفضاء على متن صاروخ تقليدي قبل تشغيل نيرفا في المدار لنقلهم قدمًا إلى الكوكب الأحمر (المريخ).
وقد اجتاز 20 محركًا نوويًا الاختبارات بنجاح، إذ كانت النتائج تشي بأنها تكنولوجيا واعدة للانتقال بين الكواكب. وربما كان سيغدو هذا المحرك المعروض في مركز مارشال للرحلات الفضائية أقوى المحركات لو لم يُلغ المشروع سنة 1973 قبل أن يُجرّبه أحد، وبينما لا يزال الكثير من مهندسي الصواريخ يرون أن الدفع النووي له مستقبل واعد، فلا عجب من أن فكرة إطلاق مفاعل مملوء بيورانيوم ذي نشاط إشعاعي عالي على قمة صاروخ مملوء بدوره بغازات متفجرة، كان لها منتقدوها أيضًا.
أسفر البرنامج الروسي لإعداد المركبة الفضائية "سويوز" لأغراض عسكرية في ستينيات القرن العشرين عن إحدى أكثر المركبات الفضائية إثارةً للرعب على الإطلاق، وكان الهدف تطوير مركبة فضائية تحمل طاقمًا لمراقبة أراضي العدو وتدمير أقماره الصناعية.
خطط السوفييت لتجهيز المركبة الفضائية "سويوز" بمدفع لضرب الأقمار الصناعية الأمريكية
وكانت الخطة التي أُفصِح عنها آنذاك أن تُطلق طائرة مسلّحة مأهولة في الفضاء، تكون قادرة على مباغتة سفينة فضائية أخرى وإطلاق قذيفة لتفجيرها وتدميرها، وسيكون الهدف الرئيسي أقمار التجسس الصناعية الأمريكية فضلًا عن أي مركبة فضائية أمريكية مجهزة بأسلحة، وكان على رائد الفضاء السوفييتي أن يصوّب السلاح من خلال توجيه السفينة الفضائية ووضع الهدف أمام فوهة البندقية. ولكي يضمنوا أن مركبة "سويوز" لن ترتدّ للخلف أو تبدأ في الدوران حول نفسها على نحو خارج عن السيطرة، عندما يطلقوا القذيفة، تم تثبيت المدفع على منصة مستقلة منخفضة الاحتكاك.
وعلى الرغم من أنه بدا أن الآلات التكنولوجية قد طُوِّرت بالفعل ورواد الفضاء الروس تدربوا على استخدامها، إلا أنه أوقف تنفيذ البرنامج العسكري ليحل محلّه برنامج محطة فضائية مدنية. ومع ظهور أقمار تجسس صناعية أكثر تعقيدًا، تقرر أيضًا أنه لم تعد ثمة ضرورة لوجود إنسان لالتقاط الصور.
تميز برنامج جيميني في منتصف الستينيات بوجود بعض أكثر البعثات جرأة على الإطلاق. وعلى الرغم من دخول رائدي فضاء بصعوبة في مقصورة قيادة ضيقة في حجم المقعدين الأمامين لسيارة عائلية صغيرة تقريبًا، إلا أن برنامج جيميني حقق العديد من الإنجازات الفضائية التي لم يسبقه إليها أحد من قبل، مثل أول أمريكي يسير في الفضاء، وأول رحلة في الفضاء تستغرق وقتًا طويلًا، وأول لقاء بين مركبتين فضائيتين في مدار واحد حول الأرض واقترانهما معًا، وأول مرة تُجهز مركبة فضائية بخلايا وقود وأجهزة كمبيوتر قابلة للبرمجة.
كانت المحطة الفضائية "فريدوم" تشبه محطات الفضاء في قصص الخيال العلمي، فلم يكن من المفترض أن تضم معامل فحسب، بل كانت أيضًا ستتضمن غرفة للمرضى مجهزة بالكامل ومرافق ترفيهية، بل والأكثر إثارة للإعجاب أن تصميمها يتميز بوجود مرفق للصيانة والإصلاح، حيث يمكن إحضار الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية لإصلاحها قبل إطلاقها مرة أخرى إلى الفضاء.
وإيجازًا، فإن المحطة الفضائية "فريدوم" تشبه محطات الفضاء في قصص الخيال العلمي أكثر مما تشبه المجموعة غير المنسقة من الاسطوانات التي انتهى بنا المطاف إليها. وللأسف اتضح أن محطة "فريدوم" باهظة التكلفة، وغير عملية، ثم مع نهاية الحرب الباردة، اتضح أنها غير ضرورية، بيد أن محطة الفضاء الدولية لديها القليل من السمات التي تميزت بها محطة "فريدوم"، إذ تمكنت من جمع شمل خصمي الحرب الباردة سابقًا، بل في الواقع، لم تكن محطة الفضاء الدولية ستكتمل من دون الخبرة الروسية في المحطات الفضائية.
في ستينيات القرن العشرين، طورت القوتان العظميان سفينتين فضائيتين مختلفتين تمامًا، من حيث الشكل، لحل المشاكل نفسها. ففيما فضّل الأمريكان الكبسولات مخروطية الشكل، مثل أبوللو، كان يروق للروس الشكل الكروي لكبسولاتهم، إلا أن في العقد اللاحق، ازداد "الاقتباس"، إن جاز لنا التعبير، في المجال التكنولوجي.
فكان تصميم المركبة الفضائية الروسية "بوران"، على سبيل المثال، تقليدًا صريحًا لتصميم المكوك الفضائي. غير أن الأمريكان لم يكونوا محصنين من تقليد التكنولوجيا الروسية.
فقد كان أحد أكثر التصميمات المقتبسة غرابةً مأخوذًا من المركبة "إم أي جي- 105" الذي كان على شكل خُفّ.
وكانت المركبة "إم أي جي- 105"، التي طُوّرت في منتصف ستينيات القرن العشرين، هي أول محاولة روسية لتصنيع مركبة فضائية ذات جناحين. وتمثلت فكرتها في إطلاق مكوك صغير إلى المدار من على قمة صاروخ تقليدي، ثم يعود عندئذ إلى الأرض على مدرج لهبوط الطائرات. وقد أثبتت بضع رحلات جوية ناجحة رجاحة الفكرة، ولم يمض وقت طويل حتى "حصلت" الولايات المتحدة على التكنولوجيا وطورت نموذجًا خاصًا بها.
وكان من الممكن أن يغدو هذا بسهولة أحد مفاهيم الحرب الباردة التي لم تكن لتصل أبدًا إلى الفضاء، ولكن في المقابل، عُدِل التصميم الأصلي ليصبح مركبة "دريم تشيسر" الفضائية التي طورتها شركة "سييرا نيفادا كوربوريشن".
وبتمويل من وكالة ناسا الفضائية، من المقرر أن تُحلق أول مركبة فضائية من هذا النوع، من دون قائد، في مهمة إعادة إمداد محطة الطاقة الدولية بنهاية العِقد الحالي. وفي حال اهتمام سائر البلدان والعاملين في مجال النقل الجوي التجاري، ربما يتمكن نموذج مأهول من هذه المركبة الفضائية من الوصول إلى المدار، تثبت مركبة "دريم تشيسر" الفضائية أنه يجدر في بعض الأحيان إعادة النظر في الأفكار غير المعتادة والطموحة التي ظهرت في أوّج الحرب الباردة. وفيما نضع نصب أعيينا الوصول إلى المريخ، ربما يعود إنتاج المحركات النووية مرة أخرى، أما عن المدفع الفضائي، فإذا وصلنا إلى الحدّ النهائي الذي يفصلنا عن العالم الذي لم يُستكشف بعد، ربما سنحتاج إلى كل ما يمكننا الوصول إليه من أفكار طائشة.
هابل "العجوز" يكتشف أبعد وأقدم مجرة في الكون
حطم مقراب (تلسكوب) هابل رقما قياسيا بتمكنه من رصد أبعد مجرة يتم اكتشافها حتى الآن، بفضل أبحاث فريق عالمي من الفيزيائيين الفلكيين. ويُعتقد أن هذا الإنجاز هو أقصى ما يمكن لمقراب هابل تحقيقه قبل أن يترك مكانه لتلسكوب جديد بعد أن قضى أكثر من 26 عاما يدور حول الأرض ويكتشف عوالم الكون.
"أنظروا إلى السماء كأنها كتاب مفتوح على الماضي"، يقول الفلكيون دائما للمهتمين بأسرار الكون. هم يتحدثون عن ماضٍ يُقاس بمليارات السنين. الاكتشاف الجديد يزيد سطرا آخر في ذلك "الكتاب المفتوح"، هي مجرة متناهية البعد عنا، لم ير الإنسان أبعد منها. يستغرق سفر الضوء من تلك المجموعة من النجوم حتى يصل إلينا 13.4 مليار سنة. لأول مرة، اكتشف فريق بحث مشترك من العلماء من جامعة فلوريدا وجامعة ييل الأمريكيتين عبر مقراب "هابل" (مرصد فضائي يدور حول الأرض، تديره وكالتي الفضاء الأمريكية والأوروبية أطلق عام 1990)، مجرة تعود لحقبة كان يبلغ فيها عُمر الكون قرابة 400 مليون سنة بعد الانفجار العظيم Big Bang، ما يمثل 3 في المئة فقط من عُمر الكون الإجمالي. أطلق على المجرة تسمية GN-z11، وتم رصدها في اتجاه كوكبة الدب الأكبر. بحسب فرانس برس.
وأظهرت حسابات العلماء أن مجرة GN-z11 صغيرة بالمقارنة بمجرتنا، درب التبانة. لكنها نمت بسرعة، لأن النجوم داخلها تكونت بمعدل يفوق عشرين مرة سرعة تشكّل النجوم داخل مجرة درب التبانة. المعلومات المتوفرة لا يمكنها إظهار حجم النجوم داخل المجرة المُكتشفة، لكن الاعتقاد السائد أن تلك النجوم أضخم بكثير من نجمنا، الشمس، وأكثر حرارة منه بأضعاف مضاعفة، "هذا يمثل فعلا ذروة استكشاف تلسكوب هابل للمجرات عبر التاريخ الكوني"، يقول عالم الفلك باسكال أويسش من جامعة ييل الأمريكية والذي قاد الدراسة الجديدة. ويضيف : "مقراب هابل برهن من جديد كم هو مميز. فرغم مرور 26 عاما على إرساله إلى الفضاء، ما زال يبرهن بطاقاته. عندما أطلقنا تلسكوب هابل، كنا نستكشف مجرات لا تبعد إلا بالنصف من "التاريخ الكوني". الآن رجعنا بـ 97 في المئة إلى الوراء. هو إنجاز عظيم".
اضف تعليق