في الوقت الذي تُصارع فيه حكومات العالم من أجل إيجاد طرق ووسائل لإصلاح أنظمة الطاقة بما يساعدها على الوفاء بالتزاماتها المناخية، يظهر الهيدروجين بوصفه خيارًا واعدًا. حيث يُنظر حاليًا إلى هذا الوقود على أنه ركيزة أساسية لمعظم السيناريوهات الرامية للوصول إلى تصفير صافي الانبعاثات الكربونية...
في الوقت الذي تُصارع فيه حكومات العالم من أجل إيجاد طرق ووسائل لإصلاح أنظمة الطاقة بما يساعدها على الوفاء بالتزاماتها المناخية، يظهر الهيدروجين بوصفه خيارًا واعدًا. حيث يُنظر حاليًا إلى هذا الوقود على أنه ركيزة أساسية لمعظم السيناريوهات الرامية للوصول إلى تصفير صافي الانبعاثات الكربونية. ومن المتوقع زيادة حجم إنتاج وقود الهيدروجين بمقدار خمسة أمثاله الآن على الأقل بحلول منتصف القرن الحالي.
من ناحية، هذا الحماس مفهوم؛ فإذا كان الهيدروجين متاحًا بالمجان، فسوف يكون حلًّا سحريًا للحد من الانبعاثات الكربونية، إذ يمكن الاعتماد عليه في إنتاج وقود خالٍ من الكربون لاستخدامه في وسائل النقل والتدفئة، إلى جانب توفير الطاقة اللازمة لتشغيل بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، التي لا يمكن تشغيلها بالكهرباء بسهولة، مثل صناعة الصلب أو الأسمدة.
المشكلة إنما تكمن في أن الهيدروجين ليس متاحًا بالمجان. ففي كوكب الأرض، يوجد هذا العنصر عادةً في الجزيئات المرتبطة بعناصر أخرى، حيث يجب استخراجه منها بتكلفة عالية من حيث الطاقة. ويجب على صنّاع السياسات الحذر من التبعات السلبية المحتملة، والتي قد لا يُحمد عُقباها على البشر وكوكب الأرض، من مغبَّة الاندفاع المحموم نحو الهيدروجين.
أغلب الهيدروجين يُنتَج حاليًا عبر سلسلة عمليات معينة – مثل إعادة تشكيل الغاز الطبيعي (الميثان) بالبخار – وهي عمليات تنتُج عنها كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، بوصفه أحد النواتج الفرعية. وعلى الرغم من أن الهيدروجين «الأخضر» يمكن إنتاجه باستخدام الكهرباء من مصادر متجددة لتفكيك جزيئات المياه، إلا أن هذه العملية عالية التكلفة مقارنةً بطرق الإنتاج التقليدية الأخرى.
ثم إن ذلك يمكن أن يكون بمثابة استغلال غير مُجدٍ للموارد المتجددة. فاستهلاك الكهرباء الخضراء لإنتاج الهيدروجين في وقت ارتفاع الطلب إلى ذروته، في حين يمكن توجيه تلك الطاقة إلى تغذية الشبكات لتحل محل الكهرباء المولَّدة من الوقود الأحفوري، قد يُفضي إلى ارتفاع الحصيلة الكلية للانبعاثات بأعلى من النسبة المتوقعة. والأسوأ من ذلك هو أن يُنتَج الهيدروجين عبر توليد الكهرباء من خلال الاستخدام المتواصل وغير الحصيف للوقود الأحفوري.
كل هذا يعني حتمية التحلِّي بالحكمة في استخدام الهيدروجين، لمعالجة الانبعاثات التي لا يمكن القضاء عليها بوسائل أخرى. والحق أن العديد من استخدامات الهيدروجين التي يروَّج لها لا تفي بهذا الغرض. فعلى سبيل المثال، بعض المجموعات تنادي بحرق الهيدروجين من أجل تدفئة المنازل، كبديل للغاز الطبيعي، إلا أن هذا الحل سيكون أقل فاعلية بكثير من استخدام الكهرباء مباشرةً؛ نظرًا لما سوف يترتب على ذلك من ارتفاعٍ فوري للتكلفة على المستهلكين. زد على ذلك أن هذا الحل يعني أن استخدام الهيدروجين – إذا كان أخضر بحق – لتدفئة المنازل سيحل محل جزء بسيط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية، أقل مما لو تم استخدامه في مهام أخرى لا توجد له فيها بدائل.
وإليك مثالًا آخر، هو هذه السيارات والحافلات التي تعمل بالهيدروجين. فقد انضم الاتحاد الأوروبي مؤخرًا للعديد من الدول في التوصل إلى اتفاق يقضي بمنع بيع السيارات والحافلات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. وبحلول عام 2035، ستكون جميع السيارات الجديدة في الاتحاد دون انبعاثات كربونية، في إطار الاتجاه نحو برنامج «مؤهَّل لخطة 55» Fit For 55، التي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 55% بحلول عام 2030. ولكن هناك عددًا من أرباب الصناعات والحكومات يرغب في الإبقاء على المركبات التي تعمل بالوقود الكهربائي القائم على الهيدروجين. وصحيحٌ أن هذه الأنواع من الوقود يمكن أن تكون أداة فعالة يومًا ما في إزالة الكربون من أنواع معينة من الشاحنات الثقيلة، والسفن العملاقة، والطائرات، إلى جانب وسائل النقل الأخرى التي لا تناسبها حاليًا تقنية البطاريات، إلا أنها تصبح وسيلة عديمة الجدوى بالنسبة إلى المركبات الشخصية، التي تتوافر لها بالفعل بطاريات فعالة للاستخدام.
أضف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي يواجه ضغوطًا من القطاع الصناعي للتخفيف من غلواء مصطلح الهيدروجين الأخضر، ولدعم وإعانة طرق إنتاج الغاز، الذي يظل مصدرًا لمعدلات من الانبعاثات لا تتسق مع برنامج «مؤهَّل لخطة 55». هذا الأمر يعيد إلى الأذهان مناسبات سابقة تبنّى فيها الاتحاد سياسات بدت على الورق صحيحة من المنظور البيئي، إلا أن تأثيرها على أرض الواقع كان واهيًا للغاية. وقد رأينا كيف أن تصنيف الطاقة المستخرَجة من مشتقات الأخشاب على أنها مصدر متجدد، على سبيل المثال، قد أدى إلى تدمير الغابات في أوروبا ومناطق أخرى، دون إحداث تأثير إيجابي على الانبعاثات الكربونية.
الولايات المتحدة قدمت مثالًا أفضل بتمريرها «قانون خفض التضخم» في أغسطس الماضي، وهو القانون الذي يقدم دعمًا ماديًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر تمامًا بقيمة تصل إلى 3 دولارات أمريكية لكل كيلوجرام، مع تقديم إعانة مادية أقل البدائل الأقل نظافة. أما على المستوى العالمي، فسوف يستفيد إنتاج وتجارة الهيدروجين كلاهما من وجود قواعد واضحة ومتطابقة توضح كيفية صناعة الهيدروجين، وأي بيئة يمكن الاستفادة من استخدامه فيها. ويضغط «مجلس الهيدروجين» Hydrogen Council، وهو مجموعة صناعية مقرها بروكسل، نحو وضع معايير دولية وأنظمة لمنح شهادات الاعتماد لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
على أنه يجب الإسراع في وضع وإقرار تلك المعايير. وعند وضع الاستراتيجيات الخاصة بتصفير الانبعاثات الكربونية، يجب على واضعي السياسات ألا يغفَلوا عن الهدف الرئيس: البقاء تحت الحد المسموح للانبعاثات الكربونية طبقًا لاتفاق باريس للمناخ. ومع أن الاعتماد على الهيدروجين يبدو خيارًا جذابًا، ومع كون بعض تلك الفُرَص حقيقية – في إزالة الكربون من الصناعات الثقيلة مثلًا – يبقى أن الهيدروجين في أغلب الأحيان ليس هو الحل.
اضف تعليق