توصلت ورقة بحثية صدرت مؤخرًا إلى أن لب الأرض الداخلي ربما أخذت سرعة دورانه في التباطؤ، لتتوانى بوتيرة أكبر منها بين الطبقات العليا للكوكب، وهو ما قد يؤثر في سرعة دوران الكوكب بأكمله، وعلى التطورات التي تطرأ على لب الأرض بمرور الوقت...
بقلم: ستيفاني باباس
توصلت ورقة بحثية صدرت مؤخرًا إلى أن لب الأرض الداخلي ربما أخذت سرعة دورانه في التباطؤ، لتتوانى بوتيرة أكبر منها بين الطبقات العليا للكوكب، وهو ما قد يؤثر في سرعة دوران الكوكب بأكمله، وعلى التطورات التي تطرأ على لب الأرض بمرور الوقت.
وفي هذه الورقة البحثية التي نُشرت في دورية نيتشر جيوساينس Nature Geoscience، استند فريق من العلماء إلى قاعدة بيانات للزلازل الأرضية بهدف دراسة سلوك لب الأرض الداخلي وتقصِّيه على مر الأزمان، تجدر الإشارة إلى أن لب الأرض الداخلي يطفو كركيزة كروية في قلب اللب الخارجي للأرض الزاخر بمعادن منصهرة، وبسبب هذه الطبقة السائلة العازلة خارجه، قد لا يتمكن اللب الداخلي من الدوران بمعدل الدوران نفسه الذي يتسم به باقي الكوكب، وتجدر الإشارة إلى أنه على مدار السنوات الماضية، اكتشف عدد من العلماء أن لب الأرض تربو سرعة دورانه بعض الشيء على سرعة دوران طبقتي الأرض الأُخريين، الوشاح والقشرة الأرضية، في ظاهرة تُعرف باسم "الدوران الفائق"، بيد أن الدراسات في هذا الصدد أظهرت أرقامًا متضاربة؛ فمن جانب، تُقدر أولى الدراسات في هذا الصدد أن السرعة التفاضلية لدوران لب الأرض الداخلي تربو بما يزيد على درجة مئوية سنويًّا عن سرعة دوران باقي الكوكب، في حين وجدت دراسات أخرى أن سرعة دورانه أكبر منها لدى سائر الكوكب، بما لا يتخطى كسورًا صغيرة من الدرجة المئوية.
على أن هذا الاختلاف بين سرعة دوران قسمي الكوكب هذين طفيف للغاية ولا يُذكر، ولا يمثل الاختلاف بينهما أيَّ تهديد للحياة على سطح أرضنا، فعلى النقيض من سيناريو فيلم الخيال العلمي الشهير »ذا كور« The core لعام 2003، لسنا بحاجة إلى الاستعانة بفريق من الجيوفيزيائيين ورواد الفضاء لحفر أعماق مركز الكوكب، والبدء في تفجير بعض أجزائه للنجاة؛ إذ على أقصى تقدير، يمكن القول إنه من المحتمل أن يؤثر دوران هذا اللب في حركة دوران الأرض الإجمالية، ليسهم في التغيرات التي تطرأ على مجالها المغناطيسي، فكل عام، حسبما أظهرت دراسات الزلازل، يتمدد لب الأرض الداخلي بمقدار يبلغ حوالي ملليمتر واحد، في الوقت الذي يتصلب فيه جزءٌ من الحديد المنصهر في لبها الخارجي، ويتحكم هذا التصلب أيضًا في دوران اللب الخارجي، وهو كذلك ما يتسبب في تشكيل المجال المغناطيسي للكوكب، وقد يؤثر دوران اللب الداخلي للأرض على عملية التصلب تلك بطرق ما زال فهمنا لها إلى اليوم يشوبه بعض القصور، ليؤثر تباعًا في شكل المجال المغناطيسي للأرض، وفق ما صرح شياودونج سونج، واضع الدراسة والجيوفيزيائي من جامعة بكين في الصين.
كذلك قد يؤدي هذا الدوران دورًا مهمًّا في نمو لب الأرض الداخلي عبر مليارات السنين، وفق ما يضيف جون فيدال، اختصاصي علم الجيوفيزياء من جامعة جنوب كاليفورنيا، الذي تقصَّى دوران هذا اللب، لكنه لم يشارك في وضع الدراسة.
غير أن المعضلة تكمن في أن سرعة دوران لب الأرض الداخلي لم يمكن من قبل الوقوف عليها بدقة، وفي هذه الدراسة الحديثة، وجد كلٌّ من سونج واختصاصي علم الجيوفيزياء يي يانج من جامعة بكين أنه في الفترة ما بين سبعينيات القرن العشرين وبدايات العقد الأول من الألفية الجديدة، بدا أن اللب الداخلي احتفظ بسرعة دوران ثابتة، أكبر من المعدل الإجمالي لسرعة دوران الأرض، لكن هذه السرعة تباطأت بدرجة كبيرة فجأةً قرابة عام 2009 لتضاهي سرعة دوران باقي الكوكب، ويُحتمل أن تكون قد انخفضت انخفاضًا حادًّا عقب ذلك، لتصبح سرعة دوران سائر الكوكب أكبر منها عند لُبه الداخلي، وفق ما أفاد سونج.
قاس العالِمان سونج ويانج سرعة دوران الأرض استنادًا إلى قراءات زلزالين شبه متطابقين، نشآ في البقعة نفسها لكن على فترات زمنية مختلفة، وبسبب هذا الشبه الشديد بينهما، يُفترض أن يظهر كذلك تطابق في موجاتهما الصدمية، حين تشق طريقها عبر اللب لترتد عائدةً من جديد، كي ترصدها أجهزة قياس الزلازل حول الأرض، عدا في حال تغيُّر اللب نفسه؛ إذ يتبدل عندئذٍ مسار موجات أحد الزلزالين مقارنةً بالآخر، وفي حال اختلاف سرعة دوران اللب الداخلي للأرض عن سرعة دوران سائر الكوكب، من المتوقع أن موجات الزلزالين -المتطابقين، باستثناء الفاصل الزمني بينهما، والذي يتراوح من عدة شهور إلى سنوات- ستضرب اللب الداخلي في مكانين مختلفين ، لتظهر تغيرات طفيفة في هذه الموجات عندما ترتد، وقد عقد العالِمان مقارنةً بين موجات الزلازل منذ عام 1964 بهدف رصد التغيرات التي طرأت على حركة لب الأرض الداخلي عبر الزمن، وتَبيَّن أن سرعة حركة دوران اللب الداخلي للأرض تقل بمقدار طفيف للغاية عنها في سائر طبقات الأرض.
تعقيبًا على ذلك يقول سونج: "نتبنى فرضية مفادها أن هذا ]التباطؤ في الدوران[ سيستمر خلال السنوات والعقود المقبلة، بل قد نشهده على المدى القصير نسبيًّا ]لنا[ كبشر على ظهر هذا الكوكب".
ويرجح أن هذه الاكتشافات الحديثة لن تحسم الجدل حول خصائص اللب الداخلي للأرض، على سبيل المثال، يعلق فيدال على الدراسة قائلًا: إنها تتسم بدقة بالغة، بل أشاد ببراعتها في جمع البيانات على اختلافها، واصفًا الإستراتيجية التي استخدمتها لذلك بأنها مثيرةٌ للإعجاب، بيد أن ثمة عدة تفسيرات متضاربة لهذه الظاهرة، على سبيل المثال، يشير بحث فيدال إلى أن نمط دوران اللب الداخلي قد يتغير كل ست سنوات تقريبًا، وهو ما يتناقض مع ما أورده الباحثان جوانينج بانج وكيث كوبر في دراستهما لعام 2022، والتي أفادا فيها بأن اللب الداخلي للأرض "انحرف ميلانه" مرةً واحدةً فقط منذ مطلع الألفية الجديدة، وهو ما يلفت إليه فيدال قائلًا: "لا أرى نتائج ]الدراسة الحديثة[ قاطعةً تمامًا".
ويتقصى باحثون آخرون حركة دوران لب الأرض، مثل العالم ليانشينج وين، المتخصص في الجيوديناميكا من جامعة ستوني بروك، والذي لم يشارك في هذه الدراسة الحديثة، فهو لا يرى اختلافًا في وتيرة دوران لب الأرض الداخلي عن وتيرة سائر الكوكب، ويرى أن ثمة تفسيرًا أفضل للتغيرات التي تطرأ على موجات الزلازل المخترِقة للب الأرض، يتمثل في أن لب الأرض الداخلي لا يأخذ شكلًا كرويًّا أملسَ، بل يتسم بكروية غير منتظمة، تتغير باستمرار، وهو ما يوضحه قائلًا: "نرى أن اللب الداخلي للأرض يتمتع بخصائص طوبوغرافية متغيرة، يمكنها أن تقدم التفسير الأمثل للاختلافات الملحوظة في موجات الزلازل المرتدة عن اللب، والمتغيرة عبر الأزمان"، ويعتقد وين أن الدراسة الجديدة محل البحث قد جانبها الصواب في عَزوها هذه التغيرات إلى حركة اللب في دورانه، وليس طبيعة سطحه المتغيرة.
ولحسن الحظ، وفق ما أشار سونج، فإن أرصاد الزلازل على الأرض صارت أكثر دقةً من أي وقت مضى، وهو ما يتيح إثراء البيانات المتوافرة عن باطن الأرض مقارنةً بعقود مضت، ومع الاستمرار في رصد موجات الزلازل، يُفترض أن تسنح لفريق الدراسة فرصة إثبات صحة فرضيته بشأن دوران اللب الداخلي للأرض، وهو ما يستبشر به سونج قائلًا: "السار هو أننا لن نضطر إلى الانتظار طويلًا لاكتشاف الجواب".
اضف تعليق