هل تساءلت يومًا عن حال النجوم والكواكب البعيدة التي تراها حين تتأمل السماء ليلًا؟ وهل تشبه الكواكب أرضنا؟ وهل هي باردة أم ساخنة؟ وهل يمكن أن نعيش فيها؟ ويحاول الباحثون في علوم الفضاء الإجابة عن تلك الأسئلة من خلال دراسة الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية في محاولة لفهم كيف تشكَّل كوكبنا...
بقلم: سمر أشرف
يحتل الجنس البشري نقطةً زرقاء شاحبة صغيرة في الكون الشاسع منذ بدأت الحياة على كوكب الأرض قبل أكثر من 3.2 مليارات سنة، ويومًا بعد يوم، يواصل البشر صنع التلسكوبات والأجهزة لكشف ألغاز الكون، وإشباع فضولنا الذي لا ينتهي، ودعم رغبتنا في المعرفة التي تدفعنا إلى خلق التكنولوجيا لاستكشاف الكون، فهل تساءلت يومًا عن حال النجوم والكواكب البعيدة التي تراها حين تتأمل السماء ليلًا؟ وهل تشبه الكواكب أرضنا؟ وهل هي باردة أم ساخنة؟ وهل يمكن أن نعيش فيها؟
ويحاول الباحثون في علوم الفضاء الإجابة عن تلك الأسئلة من خلال دراسة الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية في محاولة لفهم كيف تشكَّل كوكبنا، وبحثًا عن نُظم أخرى صالحة للحياة، في السياق، بدأ العلماء دراسة كوكب "كانري آي 55" المعروف أيضًا باسم "يانسن"، ويُعد أحد الكواكب المثيرة للاهتمام، ويدور حول نجمه بسرعة، حتى إن العام الأرضي عليه يساوي 17.5 ساعة فقط.
يُعرف كوكب "يانسن" بأنه أحد كواكب "الأرض الفائقة"، ويدور حول نجم بعيد يسمى "كوبرنيكوس أو 55 Cnc"، ويقع على بُعد 40 سنة ضوئية من أرضنا ضمن كوكبة السرطان، وكواكب الأرض الفائقة (Super-Earth) هي نوع من الكواكب الصخرية الخارجية التي تدور حول نجوم غير الشمس، وحجمها أكبر بكثير من حجم الأرض، لذا يطلق عليها الأرض الكبيرة أو الأرض الفائقة.
يدور "يانسن" على مسافة قريبة جدًّا، لدرجة أن سطحه بالكامل عبارة عن محيط من الحمم يصل إلى درجات حرارة تبلغ حوالي 2000 درجة مئوية، لهذا لُقب بـ"كوكب الجحيم"، ويُعتقد أن باطن هذا الكوكب ممتلئ بالماس، ولقربه الشديد من نجمه فإن العام على هذا الكوكب يستغرق 18 ساعة فقط.
في السياق، نشرت دورية "نيتشر أسترونومي" (Nature Astronomy) دراسة جديدة تبحث الأسباب التي جعلت "كوكب الجحيم" شديد السخونة، وكيف يمكن أن تصبح الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية مناسبةً للحياة، وتوفر الدراسة قياساتٍ جديدةً فائقة الدقة تكشف عن المسار المداري للكوكب وكيف انتهى به الحال في موقعه الحالي.
استخدم الباحثون في هذه الدراسة جهاز قياس طيفي دقيقًا للغاية يُعرف باسم "إكسبريس" "EXPRES"، موجود في تلسكوب مرصد لويل الفلكي في ولاية أريزونا الأمريكية، ويعمل على تحليل الضوء القادم من النجوم للتعرف على النجم وأي شيء قد يؤثر في الضوء القادم منه، مثل الكواكب التي تدور حوله.
وبفضل الدقة العالية للقياسات التي قدمها هذا الجهاز لضوء النجم "كوبرنيكوس"، رصد الباحثون تغيرات طفيفة في ضوء النجم مع تحرك كوكب "يانسن" بين الأرض والنجم، في تأثير مشابه لحجب الضوء الذي يصلنا من الشمس بواسطة القمر في أثناء ظاهرة الكسوف.
من خلال تحليل هذه القياسات، اكتشف الباحثون أن كوكب "يانسن" يدور حول النجم "كوبرنيكوس" على طول خط استواء النجم، على عكس كواكب كوبرنيكوس الأخرى، التي تقع في مسارات مدارية مختلفة تجعلها لا تَعبر أبدًا بين النجم والأرض.
تقول ليلي تشاو -الباحثة في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية التابع لمعهد فلاتيرون في مدينة نيويورك، والباحثة الرئيسية في الدراسة- في تصريحات لـ"للعلم": لطالما كنا مهتمين بـكوكب "يانسن" لأنه كوكب مثير للاهتمام؛ لكونه قريب الشبه من الأرض، وتبلغ كتلته 8 أضعاف كتلة الأرض، وهو الكوكب الوحيد -من ضمن خمسة كواكب في نظامه النجمي نفسه- الذي يعبر بين كوبرنيكوس والأرض، ويوفر لنا فرصةً لاستكشاف سيناريوهات هجرة الكواكب لتصبح قريبةً جدًّا من نجومها.
ويمكن أن تساعد النتائج الجديدة العلماء على فهمٍ أفضل لكيفية تشكُّل الكواكب وتحرُّكها بمرور الوقت، ومثل هذه المعلومات ضرورية لمعرفة مدى شيوع البيئات الشبيهة بالأرض في الكون، تُلقي الدراسة الضوء على المسار الديناميكي الفريد الذي يُحتمل أن تكون الكواكب القريبة من النجوم -مثل "يانسن"- قد اتخذته لتصل إلى هذا القرب من نجومها.
وتُرجح نتائج الدراسة أن كوكب "يانسن" تشكَّل في مدارٍ أكثر برودةً نسبيًّا، وسقط ببطء نحو كوبرنيكوس بمرور الوقت؛ إذ أدت قوة الجاذبية الخاصة بكوبرنيكوس إلى تغيير مدار الكوكب، وتشير "تشاو" إلى أن التفاعلات مع الكواكب الأخرى في النظام نفسه وظاهرة تسخين المد والجزر قد يكون لها دورٌ في ذلك المسار.
وظاهرة "تسخين المد والجزر" أو (Tidal heating) هي زيادة المحتوى الحراري الداخلي لكوكب أو قمر مرتبط بقوة الجاذبية التفاضلية (أو المد) بين جسمين في مدار حول مركز كتلتهما المشترك، أي أن قوى الجاذبية غير المتساوية هي مصدر محتمل لحرارة الكواكب خارج المجموعة الشمسية في المدارات القريبة من النجوم.
تضيف "تشاو": حاولنا الحصول على هذه القياسات عدة سنوات، ولكن واجهنا صعوبة في الحصول على بيانات مؤكدة، الأمر الذي أصبح ممكنًا الآن بفضل "إكسبريس"، نظرًا للتطورات التي أجراها الباحثون من جامعة ييل الأمريكية في ذلك الجهاز والبرمجيات المتقدمة المستخدمة فيه، أصبحت القياسات الناتجة عنه أكثر دقةً وأصبح قادرًا على قياس أصغر الإشارات والتغيرات الطفيفة في الضوء.
تضيف "تشاو": النتائج التي توصلنا إليها هي مجرد مثال على ما يمكن الوصول إليه باستخدام أجهزة قياس أكثر دقة، ونخطط لدراسة أنظمة كوكبية أخرى، ونأمل العثور على أنظمة كوكبية مماثلة لنظامنا.
وتتابع: نعمل على أوراق بحثية حول تطورات الأجهزة التي ساعدت في إجراء مثل هذه القياسات، وحول اكتشاف الكواكب التي لم نعثر عليها من قبل؛ إذ كنا نعثر –في السابق-على الكواكب الأكبر أو الأقرب إلى النجوم فقط.
اضف تعليق