يكشف الاهتمام المتزايد بعلم آثار الطفولة، تفاصيلَ العمل الحِرفي والمضني جسديًا في بعض الأحيان، الذي كان يؤديه صغار السن في فترات ماضية تعود إلى مئات وآلاف السنين، تضمَّنت مهام الأطفال، تعدين الملح، وتشكيل الطوب، وكان تعلّم بعض الأطفال يتعلمون طرق صناعة أواني الصلصال بالفعل عند بلوغهم السادسة من العمر...
بقلم: تريسي واتسون
يكشف الاهتمام المتزايد بعلم آثار الطفولة، تفاصيلَ العمل الحِرفي والمضني جسديًا في بعض الأحيان، الذي كان يؤديه صغار السن في فترات ماضية تعود إلى مئات وآلاف السنين.
تضمَّنت مهام الأطفال، تعدين الملح، وتشكيل الطوب، وكان تعلّم بعض الأطفال يتعلمون طرق صناعة أواني الصلصال بالفعل عند بلوغهم السادسة من العمر، قدَّم الباحثون عددًا من هذه النتائج، في اجتماع لاتحاد الأثريين الأوروبيين EAA بمدينة برشلونة بإسبانيا، نهاية العام الماضي.
لا تزال القطع الأثرية وبقايا الهياكل العظمية، التي تُقدِّم تفاصيل عن عمالة الأطفال منذ وقت بعيد، شحيحة نسبيًا، لكن الدارسين يُبدون اهتمامًا متزايدًا بالموضوع، حسبما ترى عالمة الآثار ميلا لو روا، من مختبر البحر الأبيض المتوسط لعصور ما قبل التاريخ في أفريقيا وأوروبا UMR 7269، بمدينة آكس أون بروفانس في فرنسا، والتي كانت واحدة من منظمي الجلسة.
وتقول: "سوف نعثر خلال السنوات المقبلة على المزيد من الأدلة، على مشاركة الأطفال في المجتمع الاقتصادي، في مرحلة باكرة من حياتهم".
أعمال مضنية
حتى عهد قريب، كان الباحثون يُولّون القليل من الاهتمام للأطفال في السجلات الأثرية، ولكن بداية من التسعينيات، بدأ مزيد من علماء الآثار دراسة دور المرأة في الماضي، ما دفع بعضهم للبدء في دراسة فئات مهملة أخرى، كالأطفال.
وتشير آخر الأبحاث، إلى أن بعض صغار السن في عصور ما قبل التاريخ كدحوا في بيئات قاسية بما في ذلك المناجم.
يقول هانز ريشكرايتر، عالم الآثار بمتحف فيينا للتاريخ الطبيعي، إن الباحثين الذين يُنقِّبون في مناجم الملح القديمة بهالشتات في النمسا، اكتشفوا قبعة بقياس طفل، مصنوعة من الجلد، تعود إلى ما بين 1000 إلى 1300 قبل الميلاد، وبجوارها معاوِل صغيرة للغاية، تُستَخدم في المناجم. يشير هذا إلى أن الأطفال كانوا يعملون في هذه المناجم في وقت أبكر، بقرنين على الأقل، عما كان العلماء يظنون.
لتأكيد ذلك، يخطط ريشرايتر وزملاؤه، لفحص أكوام من الفضلات البشرية الموجودة في قسم العصر البرونزي من المنجم، بحثًا عن الهرمونات الجنسية، التي سيفتقر الأطفال الأصغر سنًا إلى وجودها.
لكن عمالة الأطفال في العصور القديمة لم تكن دومًا مضنية جسديًا إلى هذا الحد، فعندما حلّلت لو روا خليطًا من بقايا الهياكل العظمية، تنتمي إلى مقابر عصور ما قبل التاريخ بفرنسا، وجدت ثلاث أسنان لبنية بها تجاويف على شكل أسطواني، نفس علامات التآكل التي تظهر عندما يستخدم أشخاص أسنانهم بشكل عنيف ومتكرّر لمطِّ وتليين الأوتار الحيوانية أو المواد النباتية، وتضيف أن هذه المواد، على الأرجح، كانت تُستخدم في الحياكة أو صنع السلال (M. Le Roy Ardèche Archéol. 35, 12–18; 2018).
تنتمي الأسنان إلى طفلين يتراوح عمراهما ما بين سنة وتسع سنوات، ويعود تاريخها إلى ما بين أعوام 2100 – 3500 قبل الميلاد، مما يجعلها بعض أقدم الأدلة، على انخراط الأطفال في الأعمال الحرفية.
لو روا على وشك البدء في مسح بقايا بشرية، من أكثر من 30 موقع دفن فرنسيًّا، تنتمي إلى نفس الفترة الزمنية، وتتوقع العثور على مزيد من الأدلة التي تخص أطفالًا صغارًا في أثناء العمل.
تاركون آثارهم
يهتم باحثون آخرون بفحص القطع الأثرية بدلًا من الهياكل العظمية، بحثًا عن معلومات تخص عمالة الأطفال. عندما فحص عالم الآثار ستيفن دورلاند، بجامعة تورونتو في كندا، شظايا خزفية من قرية تنتمي إلى عصور ما قبل التاريخ، كانت تقع في ما نعرفه الآن بجنوب كندا، رأى علامات أظافر ضئيلة الحجم، في حطام يعود إلى القرن الخامس عشر، أظهر حجم الفجوات أن أطفالًا بعمر السادسة أو أصغر، كانوا يشكّلون الأواني الصلصالية (S. G. H. Dorland J. Archaeol. Sci. Rep. 21, 298–304; 2018).
في بعض المجتمعات المُعاصرة، تصل أوانٍ ذات جودة معينة فقط إلى الفرن، ولكن في موقع دورلاند، كان يجري كذلك إنضاج قدور الصغار البدائية والمشوّهة، ويقول: "هذا يبيِّن أنه كان للأطفال في تلك الجماعات مستوى معيّن من القيمة المجتمعية".
وحتى بعد ظهور السجلات المكتوبة ـ-التي يمكنها توثيق وجود الصغار ضمن قوة العمل- يمكن أن تسلّط الأدلة الأثرية ضوءًا قويًا على الدور الذي لعبه الأطفال، وما زال الطوب وبلاطات الأسطح المستخرجة من إحدى القلاع الليتوانية -تعود إلى ما بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر- تحمل بصمات صانعيها الصِغار.
وحسب قول عالم الآثار بوفيلاس بلازيفيشيوس، الذي يعمل بالمتحف الوطني في قصر دوق لتوانيا الكبير في مدينة فيلنيوس، فإن تحليل حواف البصمات يشير إلى أن الأطفال ما بين عمر الـ8 والـ13، صنعوا أكثر من 10% من مواد البناء التي أمكن استعادتها، في أثناء العرض الذي قدمه باجتماع اتحاد الأثريين الأوروبيين.
يقول بلاجيفيتشيوس إن ليتوانيا تفتقر إلى مصادر كتابية بخصوص وجود الأطفال ضمن قوة العمل التاريخية، وهذا يجعل من الآثار المادية الدليلَ الوحيد على جهودهم هناك منذ قرون مضت، ويستطرد: "عندما تكون لدينا بصمات أصابع طفل داخل أحد الأواني، فإننا نستبين بالتأكيد أن طفلًا قد صنعها"، وأضاف: "بالنسبة لي كعالم آثار، هذه وسيلة أخرى للعثور على الأطفال في مجتمعات الماضي".
اضف تعليق