ربما يكون كوكب أورانوس على موعد مع زيارة، ستكون الأولى منذ عقود، بعدما بقي غائبًا عن اهتمام العلماء فترةً طويلة، فحسبما يفيد تقرير صادر عن لجنة من علماء الكواكب الأمريكيين، فإنه من المفترض أن ترسل وكالة ناسا بعثة رائدة لدراسة الكوكب العملاق...
بقلم: ألكسندرا ويتزي
ربما يكون كوكب أورانوس على موعد مع زيارة، ستكون الأولى منذ عقود، بعدما بقي غائبًا عن اهتمام العلماء فترةً طويلة، فحسبما يفيد تقرير صادر عن لجنة من علماء الكواكب الأمريكيين، فإنه من المفترض أن ترسل وكالة «ناسا» بعثة رائدة لدراسة الكوكب العملاق. وقد جرت العادة أن تتبع الوكالة توصيات هذه اللجنة في معظم الأحيان، إن لم يكن على الدوام.
وحال انطلاقها، ستكون بعثة أورانوس المزمعة أوّل بعثة تزور هذا الكوكب قارس البرودة منذ أن مرَّ به مسبار» فويدجر 2«مرورًا خاطفًا عام 1986. وقد يكون من شأن الرحلة الاستكشافية المنوطة بهذه البعثة أن تكشف النقاب عن مسار تشكُّل هذا الكوكب وحلقاته وأقماره، وتطوّرها جميعًا على مدار مليارات السنين.
تقول إيمي سايمون، عالمة الكواكب بـ«مركز جودارد لرحلات الفضاء» التابع لوكالة «ناسا،» والكائن في مدينة جرينبيلت بولاية ميريلاند، وهي التي عملت على إعداد التقرير الصادر يوم 19 من أبريل عن الأكاديميات الوطنية الأمريكية للعلوم والهندسة والطب في العاصمة واشنطن: "ستُحدِث هذه البعثة تحولًا كبيرًا". إن كوكب أورانوس حافل بالأسرار العلمية، ومنها سرّ دورانه على جانبه في محور شبه أفقي، وكذلك سر نشأة مجاله المغناطيسي المُعقّد. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تمُدنا دراسة كوكب أورانوس بمعلومات تُعمِّق من فهمنا للكواكب التي تدور حول نجوم أخرى غير الشمس، ذلك أن معظم الكواكب التي استطعنا رصدها خارج المجموعة الشمسية حتى الآن، وعددها أكثر من 5000 كوكب، مقارِبة في حجمها لحجم كوكب أورانوس.
وكان بعض علماء الكواكب قد دعوا وكالات الفضاء في السنوات القليلة الماضية إلى إرسال بعثات كبرى إلى أورانوس أو نبتون، عِلمًا بأن آخر زوار نبتون، على غرار أورانوس، كان مسبار »فويدجر 2«، عام 1989. ومع ذلك، ورغم أن الكوكبين مصنفان على أنهما "عملاقان جليديان"؛ إذ يتكون كلاهما من لُب صخري ضئيل يتوسّط دوامة قوامها كميات كبيرة من المواد الجليدية، فإن الاختيار لم يقع على نبتون في التقرير الأخير الذي أوصى بزيارة أورانوس. وتقول سايمون مُعلِّلة: "تقدَّم أورانوس [على نبتون] في الترتيب نظرًا إلى أن زيارته تمثل هدفًا يمكن تحقيقه تقنيًا بمعطيات الوقت الحاليّ".
من الممكن إطلاق بعثة إلى أورانوس على متن أحد صواريخ » فالكون هيفي« التجارية Falcon Heavy ، وهي مركبة قيد التشغيل حاليًا بالفعل. كما يمكن وضع موعد إطلاق مبكر للبعثة، لتنطلق عام 2031 مثلًا، وهو أقرب وقت يمكن لعملية تصميم مركبة فضائية وبنائها أن تكون قد اكتملت بحلوله، في حال كانت هذه العملية مموَّلة بالكامل. أمّا نبتون، الأبعد من أورانوس عن الأرض، فمن الوارد أن يتطلَّب إرسال بعثة إليه صاروخًا أكبر حجمًا من صواريخ «فالكون هيفي»، كصاروخ » نظام الإطلاق إلى الفضاء« Space Launch System التابع لوكالة «ناسا»، والذي لم يُطلَق قبلًا.
ويقترح التقرير إطلاق بعثة تُسقط مسبارًا باتجاه أورانوس بغية تقصي أسرار الكوكب، ومن ذلك التقصّي عن العوامل المسؤولة عن تدفق الرياح القوية التي تهُب عبر غلافه الجوي المكوَّن من الهيدروجين والهيليوم والميثان. وفي حال الأخذ بهذا الاقتراح، فإن المركبة الفضائية الرئيسية ستحوم حول الكوكب لسنوات، بغرض جمع ملاحظات عن عدد من خصائص الكوكب، مثل مجاله المغناطيسي المُحتمل أن تكون له يد في تزويد الشفق القطبي المتوهج للكوكب بالطاقة. يقول مارك هوفستادر، عالِم الكواكب بـ«مختبر الدفع النفاث» بمدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا: "البعثة التي نتحدث عنها تهدف لدراسة نظام أورانوس بأكمله".
وهكذا، سوف تستكشف البعثة المقترحة أيضًا بعضَ أقمار أورانوس المعروفة لنا، وعددها 27 قمرًا، وربما يقع الاختيار على قمري» تيتانيا« Titania و»أوبيرون« Oberon، وكلاهما كبير بالقدر الذي يسمح بوجود مياه أسفل سطحه الجليدي، أو قمر »فيبي« Phoebe المليء بالثقوب وقمر»باك« Puck المُرقَّش. وتتوقع هايدي هامل، نائبة رئيس قسم العلوم بـ«رابطة الجامعات لأبحاث علم الفلك» بالعاصمة واشنطن، أن المركبة المدارية الرئيسية والمسبار المصاحب لها "سوف يزوداننا بوابل من المعلومات والأفكار العلمية الجديدة". وتضيف: "بإمكاني الاستفاضة في الحديث [عن مزايا البعثة] أكثر وأكثر".
كوكب عملاق وثمن باهظ
إذا عزمت وكالة «ناسا» على مباشرة بعثة أورانوس، التي قد تصل تكلفتها إلى 4.2 مليار دولار، فعلها تجد شريكًا في وكالة الفضاء الأوروبية (ESA). وكانت وكالة الفضاء الأوروبية قد نشرت دراسة طويلة المدى عام 2021، لتحديد أولوياتها، وجاء فيها اقتراح بتدشين شراكة مع وكالة فضائية أخرى لدراسة أحد العملاقين الجليديين.
لي فليتشر، عالِم الكواكب في جامعة ليستر بالمملكة المتحدة، يقول إن "السؤال الأهم حاليًا يكمن فيما إذا كان هناك متسع لعقد شراكة طموح كهذه، بالنظر إلى حجم الميزانيات الوطنية المحدودة المتوافرة لدى الدول، وخطة البرنامج العلمي المُكدسة لوكالة الفضاء الأوروبية". ويردف: "سيكون علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث".
يغطِّي التقرير الأمريكي الصادر في أبريل الماضي عديدًا من جوانب استكشاف الكواكب، ومن المرجّح أن يوجِّه هذا التقرير القرارات التي ستتخذها «ناسا» ومؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية لسنوات قادمة. وقد وضع التقرير في المرتبة الثانية على قائمة أولوياته في مجال إرسال البعثات الكوكبية الرائدة، التي تتصدَّرها بعثة أورانوس المقترحة، إرسالَ مسبار إلى قمر «إنسيلادوس» Enceladus، التابع لكوكب زحل، وهو قمر يَنفُث نوافير من المياه التي تتدفق من محيط مدفون في باطنه. وسترسل تلك البعثة مركبة إنزال إلى سطح «إنسيلادوس» لجمع المواد المترسّبة من إحدى نوافيره، وفحصها بحثًا عن أي دلائل على وجود حياة هناك.
جهود «ناسا» في مراقبة الصخور الفضائية تخضع للتدقيق
حلَّل التقرير لأول مرة استعدادات وكالة «ناسا» لحماية الأرض من الكويكبات القاتلة. ونصح التقرير الوكالة بإطلاق بعثة للكشف عن الكويكبات القريبة من الأرض في أقرب وقت ممكن، وهو مشروع أعلنت وكالة «ناسا» أنها سترجيه لعامين، حتى عام 2028، حتى تتمكن من توفير المال.
ويسلّط التقرير الضوء أيضًا على ما يشهده مجال علوم الكواكب الأمريكي من تردٍ مؤسف في قيم الإنصاف والشمول، ويشير إلى أن العلماء المنتمين للأقليات العرقية والإثنية يواجهون التمييز بصفة دائمة، وأن بعثات استكشاف الكواكب لا تعكس التنوّع الثقافي اللازم في اختيار قادتها. كما أن نسبة العلماء الذين تقدّموا لوكالة «ناسا» بمقترحات لإطلاق بعثات كوكبية ما بين الأعوام 2014 و2020، وعرَّفوا أنفسهم على أنهم ينتمون لفئات غير مُمثَّلة بالقدر الكافي في هذا المجال، لا تتعدى 5%. ويشير التقرير إلى أن العقد الماضي "شهد ركودًا صادمًا في الجهود الرامية لإحداث تغيير".
اضف تعليق