مخطئ من يظن أن الحشرات هي كائنات وديعة ومسالمة، حروب الحشرات تحدث على الدوام، وتستخدم الكثير من الحشرات أساليب شديدة الوحشية في حروبها الدائمة كما سنرى. قد تظن أن عالم الحشرات الصغيرة يعم بالهدوء والطمأنينة، بعيداً عن الحروب والصراعات في عالم الحيوانات الأعلى، إذاً أنت لا تعرف شيئاً عن حروب الحشرات. إنها حروب شرسة لا رحمة فيها، وتترك ألاف القتلى خلفها، حروب الحشرات يتم استخدام الكثير من الأسلحة فيها، بل وأسلحة خطيرة جداً، ومن كل الأنواع. فمنها الأسلحة الكيماوية، وأحياناً باستخدام قوة الجسد، وفي كل الأحوال هي أسلحة مدمرة وفتاكة. تعرف أكثر عن حروب الحشرات وأسلحتهم في هذا التقرير.
فيما يتجه جمع من الناشطين والمهتمين إلى تربية الديدان والحشرات لاستخدامها مستقبلاً كمصدر للغذاء البشري، وذلك بسبب تخوفهم من تراجع قدرات المحاصيل الزراعية وأعداد المواشي وغيرها من مصادر الغذاء لعالمنا الحديث.
مما لا شك أن حصر عدد الحشرات التي تطن فوق الرؤوس يبدو ضربا من المستحيل، لكن باحثين بريطانيين أكملوا أكبر عملية حصر من نوعها على الإطلاق، وأنجزوا إحصاء الحشرات المهاجرة، وتلعب الحشرات أدوارا مهمة منها تلقيح النباتات وتعزيز إنتاج التربة عن طريق التحلل وهي أيضا مصادر غذائية للطيور والخفافيش وتعد من آفات المحاصيل وتتغذى على آفات المحاصيل في آن واحد. ومن أضرارها نشر الأمراض.
على صعيد ذي صلة، كيف يمكن لذبابة صغيرة لا يتعدى حجمها ستة مليمترات الصيد بتلك المهارة؟ هذا ما عكف باحثون من أكثر من دولة على دراسته، لاكتشاف أسرار وخبايا ذبابة العنتر في اصطياد فرائسها. وستُنشر نتائج هذه الأبحاث في مجلة "كارانت بيولوجي" المتخصصة في دراسات الأحياء. ويشير الباحثون إلى أن هذه الذبابة تستخدم استراتيجية بالغة الذكاء في الطيران لاعتراض فرائسها المحلقة في الجو.
وأوضح الباحثون أن هذه الذبابة تعتمد بشكل خاص على حدة بصرها المتناهية، ذلك أنها تستطيع رؤية فريستها، التي يقل طولها عن مليمترين، من مسافة أكثر من نصف متر. كما اكتشف الباحثون أمراً غير متوقع، إذ تبين لهم أنه عندما تقترب هذه الذبابة من فريستها وتصبح على مسافة نحو 30 سنتيمتراً منها، فإنها تكبح سرعتها وتغير مسار طيرانها قبل أن تنقض على الفريسة. لكن لم يكن ذلك هو الاكتشاف الوحيد غير المتوقع لهؤلاء الباحثين.
الى ذلك أصبح الاهتمام بتربية الحشرات من أولويات بلدان كثيرة وشركات كبرى متخصصة في الصناعات الغذائية باعتبار أن تنمية هذا القطاع من شأنه أن يساهم في المستقبل في تلبية جزء من الحاجات الغذائية لدى سكان بعض المناطق العالمية حيث توجد تقاليد غذائية قديمة فيها مكان لبعض الحشرات لا كلها، وهو مثلا حال عدد من دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل إن الصين الشعبية بدأت تهتم منذ قرابة عقدين بالاستثمار في هذا القطاع على أمل أن تصبح عما قريب من أهم البلدان المصدرة للأغذية الحيوانية والبشرية المعتمدة على تربية الحشرات. وفي فرنسا على سبيل المثال، أنشئت عدة شركات تهتم بالتقنيات والمعارف التي تسمح بتطوير قطاع تربية الحشرات واستخدامها في الصناعات الغذائية.
وتتابع المنظمة العالمية للأغذية والزارعة " الفاو" منذ سنوات هذا الملف. وهي ترى أن هذا القطاع قادر فعلا في المستقبل على المساهمة في ضمان الأمن الغذائي بمفهومه الشامل. فبإمكان الحشرات أن تعوض اللحوم والأسماك لأنها غنية بالبروتينات والأحماض الدهنية وفيتامين B بالإضافة إلى أن تربيتها لا تتطلب كميات كبيرة من المياه وأن بصمات هذا النشاط السلبية على البيئة أقل بكثير مما هو عليه الأمر بالنسبة إلى قطاعي الزراعة وتربية الماشية.
وما يلفت الانتباه في الاستراتيجية التي تدعو منظمة " الفاو " لاعتمادها في هذا المجال، أن تربية الحشرات يمكن أن تساهم على الأقل في مرحلة أولى في إنتاج أعلاف للحيوانات والأسماك التي تُربى.
حروب الحشرات
حروب الحشرات وانعدام الرحمة بين الكائنات الصغيرة فيها 1.1 فصيلة الحشرات الرضوفيات 1.2 فن نصب الفخاخ في حروب الحشرات 1.3 حربة يرقات اليعسوب 1.4 القذائف الكيميائية 1.5 حشرة الألف قدم 1.6 فن الروائح الكريهة 1.7 الصيد بالشباك 1.8 التعاون الجماعي 1.9 الضحية من أجل حياة الجماعة حروب الحشرات وانعدام الرحمة بين الكائنات الصغيرة فيها 1فصيلة الحشرات الرضوفيات تلك الفصيلة تمتلك 7000 نوع، وكلهم مسلحين بقوة من ذوي نصفيات الأجنحة. هذه الحشرات متمرسة في فنون حروب الحشرات، لأنها تعيش على القتل ومص محتويات الحشرات الخاسرة لتغذي نفسها. لديها خرطوم في فمها وهو السلاح الأقوى في حربها. هو خرطوم متخصص في طعن العدو، وطعنة واحدة كفيلة بقتل الحشرة بمفردها. إلا إنها تمتلك سلاح أخر خطير، فبعد الطعنة يفرز ذلك الخرطوم بداخل الحشرة لعاب سام جداً. هذا اللعاب يحتوي على أنزيمات تتخصص في تحليل كل أعضاء الحشرة. وعلى الفور تصبح مثل الشوربة الغنية والدسمة، وسهلة الامتصاص. 2فن نصب الفخاخ في حروب الحشرات الحشرات من فصيلة ليث عفرين لديهم طريقة مميزة لنصب الفخاخ، خاصة الحشرات التي لم تكتمل بعد في النمو، كفن من فنون حروب الحشرات الاستراتيجية. فهي تندس في الأرض، لتصنع حفرة مخروطية الشكل. وعندما تسقط فيها النملة أو أي حشرة أخرى، تنقض عليها فوراً وتجرها إلى التراب. وهي تمتلك فك قوي مزود بغدد سامة جداً، حتى تتمكن من أكل الفريسة بدون أي مقاومة إضافية وبشهية كبيرة جداً. - إعلانات - 3حربة يرقات اليعسوب يرقات اليعسوب لا تمتلك مهارة الطيران مثل الحشرات الناضجة. وكبديل تعتمد على فنها في الفوز بحروب الحشرات لتأكل. فهي تعيش في الماء حتى تأكل صغار الضفادع أو الأسماك أو الحشرات التي قد تصل لها. هي هادئة جداً في حركتها، وتقترب كالصغيرة البريئة من الفريسة. وعند الوقت المناسب تطلق فكها السفلي بقوة نحوها، وهو قوي جداً وينطلق بسرعة كبيرة جداً. في نهاية الفك يوجد خطافين حادين مثل الرمح، ومهمتهما تثبيت الفريسة حتى لا تتحرك وتموت. بعد ذلك الانتصار تعود لتأكل الفريسة بكل هدوء. 4القذائف الكيميائية الخنفساء القاذفة هي فصيلة من فصائل الخنافس، وهي الحشرة الوحيدة بهذا العالم الذي تستطيع إنتاج مواد كيميائية متفجرة عند الإحساس بالخطر أو الدخول في حروب الحشرات. هذه الفصيلة يندرج تحتها 500 نوع، وكل الأنواع تتمكن من إبقاء من تريده بعيداً بقذائفها المتفجرة. تلك المواد الكيميائية المتفجرة تتكون من هيدرو كينون وهيدروجينيات البيروكسيد. تلك المادتان يتم إنتاجهم من خلال غدتين مختلفتين متواجدتين في مؤخرة الحشرة. بعد ذلك تنتقل تلك المواد إلى غرفة واحدة ليتم خلطهم عند مؤخرة الحشرة كذلك. في تلك الغرفة يوجد أنزيم يعمل على رفع درجة الحرارة إلى درجة الغليان مرة واحدة في أجزاء من الثانية. درجة الحرارة العالية تسبب ضغط عالي في الغرفة، والتي تمتلك فتحة صغيرة في الأعلى. مع الحرارة والضغط العالي تصبح الغرفة مثل الإسبراي، لينطلق منها رذاذ كيميائي حامضي شديد السمية ويغلي. تلك العملية لا تستهلك سوى أجزاء من الثانية، فتكون الحشرة قادرة على إطلاق 500 قذيفة في كل ثانية، لتبدو وكأنها صنبور من القذائف الكيميائية المتفجرة التي لا ينتهي. كما أنها لديها القدرة على التحكم وتحديد اتجاه انطلاق القذيفة، لأنها تمتلك القدرة بتحريك وتوجيه فتحة الغرفة التي تخرج منها القذائف. هي أفضل من الأسلحة البشرية في دقة توجيه الصواريخ الخاصة بها. 5حشرة الألف قدم الكثير من الحشرات تستطيع إطلاق المواد الكيميائية الحامضية الحارقة، والتي تمتلك روائح كريهة جداً، وسامة جداً، ولكن لا تستطيع أي حشرة أن تنافس حشرة الألف قدم. تلك الحشرة بطيئة جداً فلو وجدت نفسها تدخل حرب من حروب الحشرات الكثيرة، ستكون السموم أفضل دفاع للبقاء على قيد الحياة. هي تمتلك غدد كثيرة، ففي كل حلقة من جسمها تمتلك غدتين. وعند الخطر تفرز الغدد سائل أزرق اللون شديد الحامضية ويمتلك رائحة كريهة جداً. مهما كان المفترس جائع ويبحث عن أي طعام، سينفر من الحشرة ويبتعد عنها، وقد يتقيأ إذا ابتلعها. 6فن الروائح الكريهة هو فن من فنون حروب الحشرات مشهور جداً، من الواضح أن حشرات أخرى تمتلك القدرة على إبعاد العدو من خلال روائح منفرة تطلقها. واحدة من تلك الحشرات هي الجراد من نوع “Phymateus morbillosus” والتي تنفث بعض الهواء عند الشعور بالخطر. ذلك الهواء يمر من خلال إفرازات لغدتين تمتلكهما، وعند المرور ينتج رغوة من المواد الكيميائية كريهة الرائحة. فيبتعد مصدر الخطر حتى لو كان إنساناً، رغم أن الإنسان يتملك حاسة شم ضعيفة مقارنة بباقي الكائنات الحية. نوع أخر من الخنافس يسمى الدعسوقة، وهي خنفساء منقطة. تفرز مواد كريهة عن طريق ما يسمى “بالإفراز العكسي”. عند الوقوع في فم المفترش وكوسيلة أخيرة لإنقاذ نفسها، تفرز من سيقانها مادة برتقالية أو صفراء اللون. تلك القطرات لها رائحة وطعم كريه جداً، بحيث يجبر العدو على تلفظ الخنفساء. 7الصيد بالشباك ذلك الفن لم تتعلمه سوى حشرة واحدة تعيش في نيوزيلندا تسمى Onychophora. فهي لا تطلق الغارات أو المتفجرات، بل تصطاد غذائها أو تدافع عن نفسها من خلال الشباك التي تغزلها. تلك الشباك من الخيوط الطويلة واللزجة تطلقها من فمها، لا بغرض موت الضحية، بل بغرض شلل حركتها وإعاقتها. ثم يتاح لها الفرصة للتقرب وأكل الحشرة المشلولة التي لا حول لها ولا قوة. 8التعاون الجماعي النمل يعطي لنا أمثلة في التعاون الجماعي الذي لا مثيل له في العالم كله. وهو حلهم الأول عند الدخول في حروب الحشرات، وفي تعاونهم وكثرتهم يتمكنون من القضاء على أعتى التهديدات الخطيرة. فنجد على سبيل المثال: النمل المحارب، هذه المجموعة من النمل تتنقل بكثرة من مكان لأخر كجماعة. وفي طريقها قد تحتاج إلى عبور معبر مائي، رغم أنها لا تمتلك قائد أو مخطط عسكري إلا إنها تتآلف وكأنهم مهندسين ماهرين. وفوراً يصنعون جسراً من أجسادهم الخاصة ويرتبطون ببعضهم البعض، حتى تعبر باقي المجموعة فوقهم إلى الضفة الأخرى. فئة أخرى من النمل يأتي ودورها وقت الحاجة إلى أخذ استراحة في الطريق، فترتبط مع بعضها لخلق غرفة كروية الشكل لتنام المجموعة بداخلها. ويخفون أنفسهم بين الأشجار. أما النمل من نوع Myrmicinae، فلديه القدرة على الطفو فوق الماء. فيشكلون قوارب ينتقل عليها الباقيين مع البيوض واليرقات إلى بر الأمان. 9الضحية من أجل حياة الجماعة أغلب الكائنات التي تعيش في جماعات تمتلك مبدأ الانتحار في سبيل حياة الجماعة إذا تعرضوا لهجوم كبير. ويقوم أغلب الأفراد عاقرين ويمكنهم الضحية بدون خسائر كبيرة. إلا إن أصعب طرق التضحية نجدها عند النملة الماليزية المسمى “Camponotus saundersi”. تلك النملة تقفز بنفسها على المعتدي ثم تنفجر، قاتلة المعتدي مع نفسها. بسبب ما تمتلكه من غدتين تجعل الجسم كله يتوسع حتى ينفجر، قاذفاً معه سائل حامضي لزج وحارق، يميت المعتدي.
هل تنقذ الحشرات البشر من الجوع؟!
يعترف الاسكتلندي كريغ ماكفارلين بأنه عاشق للحشرات منذ نحو أربع سنوات، وأنه قضى تلك السنوات الأربعة يطوف العالم بحثاً عن المزيد من الطرق لجعل الحشرات قابلة للاستهلاك البشري. ماكفارلين مقتنع بأن الحشرات ستكون مفتاح الحل للقضاء على المجاعات حول العالم، ويقول كريغ لموقع "إس تي في" الاسكتلندي: "أحاول إقناع الناس بأن تناول الحشرات عن طريق كسر السمعة السيئة المحيطة بها، وذلك من خلال تحويلها إلى أطباق شهية لا يبدو أنها تحتوي لحوم تلك الحشرات".
يشير كريغ ماكفارلين في هذا الصدد إلى الأطباق التي صنعها من لحوم الحشرات، والتي تبدو للوهلة الأولى وكأنها خارجة من مطبخ أشهر طباخي العالم، بدءاً من كعك الصراصير المخلوط بجوز الهند، وانتهاءاً بالمثلجات المصنوعة من يرقات خنفساء ممزوجة بالبندق والعسل، هناك الكثير من الأمور التي تشجع على استهلاك الحشرات كوجبة طعام، فهي تتوالد بكثرة ولا تحتاج لأكل كثير بالمقارنة مع الأغنام والأبقار والدواجن الأخرى، كما أنها لا تحتاج للمراعي ولا تسبب الاحتباس الحراري. علاوة على ذلك فإن مذاق الحشرات قد يكون فعلا لذيذ، لكنه يحذر من أنه ليس كل الحشرات تصلح للاستهلاك البشري، إذ يجب أن تتوفر فيها شروط معينة قبل إعدادها للاستهلاك.
فكرة كريغ قد تكون غريبة و"مقرفة" بالنسبة للعالم الغربي، ولكن تقريراً تم إعداده مؤخراً أشار إلى أن نحو ملياري شخص حول العالم يتناولون الحشرات كجزء من تغذيتهم. وينوي كريغ وفريق من محبي الحشرات بناء مزارع لتربية الحشرات خلال العام الحالي، وذلك كجزء من حملة توعية للمنطقة التي يقطن فيها باسكتلندا ولتشجيع السكان على تقبل الحشرات كمصدر آخر للغذاء، ويضيف ماكفارلين: "ثقافة أكل الحشرات موجودة في أكثر من ثلثي دول العالم. الأمر متعلق بالسماح للناس بتطوير نمط مستدام، وهذا ما أحبه بشأن مزرعتي. بسببها لا ألجأ إلى شراء الكثير من اللحم كالماضي".
هل تعرف كم عدد الحشرات المهاجرة؟
قال باحثون إنهم رصدوا 3.5 تريليون حشرة تزن مجتمعة 3200 طن تهاجر سنويا فوق منطقة في جنوب وسط إنكلترا بواسطة رادار خاص ومنظومة شبكات هوائية مدعومة بمنطاد، وقال جيسون تشابمان خبير الحشرات في جامعة إكستر الذي نشر بحثه في دورية ساينس "هجرة الحشرات في أفواج على ارتفاعات عالية عملية ضخمة. هذه الأفواج مظهر لا يحصل على نصيبه من الاهتمام داخل النظم البيئية الأرضية ومساو لحركة العوالق التي تعزز السلاسل الغذائية في المحيطات".
وتعقب الباحثون هجرة الحشرات على ارتفاعات تتراوح بين مائة وخمسين إلى 1200 متر على امتداد عشرة أعوام. ويعتقد الباحثون بوجود عمليات أكبر لهجرة الحشرات في مواقع أخرى من العالم.
وقال تشابمان "الأعداد ستكون مرتفعة كثيرا في معظم المناطق من العالم لكننا نفتقر للبيانات لتحديد الأعداد الإجمالية". وبناء على الكتلة الحيوية تتجاوز الحشرات الطيور المهاجرة في بريطانيا بفارق كبير. كانت كتلتها الحيوية سبعة أمثال كتلة الطيور المغردة البالغ عددها 30 مليون طائر التي تهاجر من بريطانيا إلى أفريقيا في كل خريف.
ولم تحدد الدراسة نقاط الانطلاق والوجهات للحشرات المهاجرة لكن يعتقد أنها تتجه جنوبا وشمالا لأميال عديدة وفي بعض الأحيان فوق القنال الإنكليزي وبحر الشمال. وقال تشابمان "وجدنا بعض الفراشات تهاجر مئات الكيلومترات في كل جيل وآلاف الكيلومترات على مدار العام وهو ما يشمل ستة أجيال على الأرجح"، وتلعب الحشرات أدوارا مهمة منها تلقيح النباتات وتعزيز إنتاج التربة عن طريق التحلل وهي أيضا مصادر غذائية للطيور والخفافيش وتعد من آفات المحاصيل وتتغذى على آفات المحاصيل في آن واحد. ومن أضرارها نشر الأمراض. وقال تشابمان "لا يمكن أن نعمل بدونها".
والهجرة الضخمة للحشرات تتجه في الغالب إلى الشمال في الربيع وإلى الجنوب في الخريف. ومن أكثر الحشرات التي تطير في النهار قملة النبات والزنابير التي تهاجمها. ومن الحشرات متوسطة الحجم الذبابة الطنانة والدعسوقة (الخنفسات الصغيرة مرقطة الجناحين) بينما أكثر الحشرات كبيرة الحجم شيوعا هي الفراشات الكبيرة.
عين تشبه عين الإنسان
"ذبابة العنتر" قد تكون - بحسب علماء - هي "زرقاء اليمامة" بين الحشرات، وذلك لحدة نظرها. لكن لحدة النظر سبب هام بالنسبة للذبابة المفترسة، راقب فريق الباحثين بقيادة تريفور فارديل من جامعة كامبريدج البريطانية ذباب العنتر من نوع "هولوسيفالا فوسكا" في الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه مستخدمين في ذلك كاميرا فائقة الدقة. كما استخدم الباحثون جهازاً خاصاً لجعل كرة صغيرة بحجم واحد إلى أربعة مليمترات معلقة بخيط صيد بلاستيكي شفاف تحوم في الهواء كأنها حشرة أمام الذباب المفترس. النتيجة كانت انقضاض الذباب على الكرة الصغيرة. وفيما بعد، تبين للباحثين أثناء تصوير ملاحقة الذباب المفترس فريسته المزعومة أنه يسلك مساراً محدداً يتقاطع من خلاله مع فريسته عند نقطة محددة.
ورغم أن الفريق العلمي لم يفاجأ كثيراً عندما اكتشف أن الذباب المفترس الصغير يستخدم هذه الاستراتيجية المنتشرة في عالم الحيوان، إلا أنهم أوضحوا أنهم لم يكونوا يعرفون أن هذه الحشرة تستخدم هي الأخرى هذه الاستراتيجية، موضحين أن هذه المناورة تزيد من قدرة الذبابة المهاجمة على الإمساك بهدفها.
وبفحص العين المركبة لهذه لذبابة بشكل أكثر دقة، اكتشف الباحثون أنها تتمتع بقوة إبصار فائقة، إذ تمتلك في مركزها ما يعرف بالنقرة المركزية وهي نقطة تبلغ فيها قوة الإبصار ذروتها. نفس هذا التجويف يوجد في شبكية العين لدى الإنسان أيضاً وغيره من الثدييات، وتساعد هذه النقطة الذباب المفترس في رؤية الحيوانات ضئيلة الحجم أيضاً حسبما أوضح الباحثون.
حول ذلك تقول بالوما جوزاليز بيليدو، المشرفة على الدراسة: "نعلم أن هذا الذباب يتمتع بقوة إبصار أفضل من غيره من الحشرات ذوات الجناحين، ولكننا لم نكن نتوقع أن تتفوق في ذلك على اليعسوبيات التي تفوق حجمها عشر مرات فيما يتعلق بدقة الرؤية عن بعد". وتضيف بيليدو بالقول: "برهنا على أن الحشرات الصغيرة نفسها يمكن أن تشهد تكيفات في جهازها العصبي عندما تتعرض لضغط قوي وأن هذه التكيفات تتيح حلولاً لهذه الحشرات الضئيلة لم نكن نعرفها سوى عن حيوانات أكبر حجماً".
كيف ألهمت حشرة مصممي المروحيات المقاتلة والملاعب الأوليمبية؟
"حشرة الفتاة"، "حشرة الطائرة"، "حشرة الهليكوبتر"، "عذارى المياه".. أسماء متعددة تطلق على حشرة "اليعسوب" ذات السرعة الفائقة في الطيران، والقدرات العالية في المناورة، بفضل ما تملكه من أجنحة ذات تصميم استثنائي ونظام رؤية خارقة، جعل منها مصدر إلهام لإحدى أكبر الشركات المصنّعة لطائرات الهليكوبتر من طراز "سيكورسكي" الأميركية، وامتدّ تأثيرها أيضاً إلى مجال الإنشاءات ليتخذ منها نموذج محاكاة لتصميم ملعب "ميونخ" الأولمبي الشهير في ألمانيا.
"أوميت إينجه قره"، أستاذ في قسم علم الحيوانات بكلية العلوم في جامعة "أتاتورك" بولاية أرضروم شمال شرقي تركيا يعدد صفات هذا الحشرة قائلاً إنها "أكبر الحشرات من حيث كبر عينيها مقارنةً مع حجم رأسها، حيث تشكل الاثنتان نصف حجم رأسها، وكل واحدة منهما تحتوي على 30 ألف خلية صغيرة، وفي مقدمة كل واحدة منهما توجد عدسات"، وأضاف "إينجه قره" موضحاً ما تتميز به هذه الحشرة من نظام رؤية فائق أن "الصورة الكبيرة التي تتشكّل لدى اليعسوب تتكوّن من جميع الصور الواردة من تلك العدسات الصغيرة، تساعده على ذلك عيناه الكبيرتان اللتان تمتدان حتى خلف رأسه، تمكنانه من مراقبة كل ما حوله".
ميّزة أخرى يتميز بها "اليعسوب" تساعده على الصيد، وهي السرعة التي تصل إلى 95 كم في الساعة، يستطيع خلالها القيام بحركات بهلوانية في الجو لا يستطيع أي كائنٍ حي آخر فعلها، حيث يقوم بمناورات أفقية وعامودية حادة، تساعده على صيد الحشرات الطائرة التي يتغذى عليها لذلك ألصقت به صفة "بريداتور" أو الحيوانات المفترسة التي تتغذى على تناول الحشرات الأخرى، بحسب "إينجه قره".
ولفت الخبير التركي إلى أن إحدى ميّزات حشرة "اليعسوب"، هي أن أجنحتها تعتبر مصدر إلهام للعديد من العلماء، استناداً إلى نظرية "محاكاة الطبيعة" حيث يتم تطوير المنتجات الاصطناعية عبر تقليد الطبيعة.
وقال "إينجه قره" إن "هذه الحشرات يتم استخدامها في محاكاة الطبيعة بشكلٍ كبير، وأجنحتها رقيقة جداً بحيث تبلغ سماكتها 1/3000 ميلي متر، ولا تتمزق رغم رفرفتها آلاف المرات في الثانية، كما أن مقدمة أجنحتها تحتوي على خلايا كثيفة مما يزيد من ثقلها، وهذا بدوره يحول دون تضرر تلك الأجنحة من الاهتزازات"، ويكمن سر سرعة هذه الحشرة في هذه الأجنحة القوية التي تتكون من آلاف القطع الصغيرة، وعند النظر إليها من قريب تظهر وكأنها عبارة عن خريطة مليئة بالخطوط والقطع، وطريقة ارتباط هذه القطع ببعضها تكسب لها قوتها، وهي الفكرة التي استلهمها مصممو ملعب "ميونخ الأولمبي" في ألمانيا الذي تغطيه مظلةٌ عملاقة شفافة تشبه في شكلها أجنحة "اليعسوب".
ما سبق - بحسب "إينجه قره" - من مميزات السرعة وقوة الأجنحة والقدرة على المناورة والطيران بشكل عامودي وأفقي، دفع مصممي طائرات الهليكوبتر إلى محاكاة هذه الحشرة، ليخرجوا في النهاية المروحية "سيكورسكي" التي تشبه حشرات "اليعسوب" كثيراً من حيث التصميم والقدرة على المناورة التي تمّ استلهامها منها.
وأوضح "إينجه قره" أن "ذكر اليعسوب يكاثر مرة واحدة طوال حياته، وعقب التكاثر تأكله الأنثى التي تكاثر معها بعد أن تفصل رأسه عن جسده (..) فعندما يقرّر ذكر اليعسوب بالتكاثر مع الأنثى فإنه يكون قد وضع الموت نصب عينه، لأن ذلك سيكون نهاية حياته، فالذكور يغامرون بذلك بهدف استدامة النسل فقط".
ولفت إلى أن "هذه الحشرات ليست سامة وغير ضارة بالإنسان، لذلك فإن الناس ينظرون إليها بمحبة، كما أنها تستخدم في المكافحة البيولوجية، وتساعد على التوازن البيئي عبر تناول بعض الحشرات الضارة مثل البعوض، وتمنع من الضرر بالبشر عبر تقليل عددها، وهكذا فإن لها دوراً في الطبيعة أيضاً".
واليعسوب الذي يعيش على أطراف المياه يُطلق عليه الأتراك اسم "يوسفجوق" (يوسف الصغير)، فيما يسمى في اللاتينية بـ"أودونات"، بالإضافة إلى أسماء مختلفة منها "حشرة الفتاة" و "حشرة الطائرة" و"حشرة الهليكوبتر" و"عذارى المياه".
ويوجد حول العالم نحو 6 آلاف نوع من حشرة "اليعسوب"، التي تتميّز بجمال ألوانها وتعيش على ضفاف البحيرات والأنهار التي تتميز برونقها ونظافة مياهها، وأكد "إينجه قره" على أن مكان تواجد "اليعسوب" يدل على نظافة المياه الموجودة في تلك المنطقة.
كيف أصبحت تربية الحشرات قطاعا واعدا للمساهمة في الأمن الغذائي؟
تشكل الحشرات في تايلاند "طعام الفقراء" وهي تُستهلك خصوصا في الأرياف، غير أنها باتت تشق طريقها إلى موائد نخب العاصمة الراغبين في اللحاق بركب هذه الموجة العالمية في مجال الطبخ، وتقول راتا بوساكورنون البالغة 27 عاما وتعمل في قطاع مستحضرات التجميل "لقد أكلت لتوي المحار مع الدود وشرائح السمك مع صلصة ببيض النمل. كان ذلك لذيذا"، هذه الشابة المولودة في بانكوك وصلت بالصدفة إلى مطعم "انسكتس ان ذي باكيارد" ("حشرات في الباحة الخلفية") الذي فتح أخيرا في حي شانغ شوي الفني في العاصمة حيث يتهافت الشباب المولعون بآخر صيحات الحداثة لزيارة متاجر الموضة الخاصة بالمصممين المحليين والمحال الموسيقية.
وخلافا لكثيرين من الطبقة الميسورة في العاصمة، لا تبدي راتا انزعاجا من باعة الحشرات المتجولين الذين يجذبون إليهم بشكل رئيسي في أسواق المدينة العمال المتحدرين من المناطق الريفية في البلاد خصوصا من الشمال والشمال الشرقي، ممن يشعرون بالحنين للديدان المقلية التي كانوا يتناولونها خلال الطفولة.
وتوضح هذه الشابة "طريقة تقديم الطعام جميلة، هذا يعطي انطباعا بالتفنن في العمل" بعيدا من أكشاك بيع الحشرات في السوق أو الحشرات المشوية التي يغرفها الباعة لزبائنها كما لو كانت من المكسرات أو السكاكر.
وأعد الطاهي في مطعم "انسكتس ان ذي باكيارد" ثيتيوات تاتنراغارن الذي عمل في الولايات المتحدة، قائمة طعامه من خلال مزج وصفات محلية مثل الصلصة ببيض النمل مع أخرى مستوحاة من المطاعم الغربية مثل الرافيولي بالحشرات المائية، ويوضح الطاهي أن الحشرة المائية التي يستخدمها لها طعم شبيه بالسلطعون "من هنا راودتني فكرة تحضيرها على شكل رافيولي مع صلصة الزعفران".
اللازمة الرئيسية في هذا المجال هي "ايجاد تناغم" بين طعم الحشرة وباقي المكونات، وفيما تنتج تايلاند سنويا أطنانا من الجراد المخصصة للأكل كوجبات خفيفة لسكانها، نادرا ما يستعين المطبخ التايلاندي بالحشرات وبدرجة أقل بكثير من كمبوديا المجاورة.
وإضافة إلى تناول الحشرات مشوية، هي تستخدم أحيانا في تحضير صلصات من بينها على سبيل المثال صلصة التوابل بالجراد، غير أن الشغف بالحشرات لدى الطهاة الغربيين في ظل وجود كتب طبخ متخصصة وطباخين معروفين اختاروا استخدام حشرات في تحضير الأطباق، لم يبلغ المطابخ التايلاندية بعد.
ويلفت ثيتيوات الذي يواجه صعوبة في ملء مقاعد مطعمه بالرواد إلى أن "هدفي يكمن في تغيير موقف الزبائن والإظهار لهم أن الحشرات لذيذة وأنها ليست مقرفة في حال جمعها مع أطعمة أخرى".
فمع إجماع خبراء التغذية على الفائدة المتأتية من تناول الحشرات باعتبار البعض أنها مصدر للبروتينات بديل عن اللحوم وأقل ضررا على البيئة، يكمن التحدي الرئيسي في الغرب كما في بانكوك على إزالة الأحكام المسبقة لدى المستهلكين.
وفي تايلاند ثمة صعوبة إضافية تكمن في كون هذا البلد الذي تستفحل فيه الطبقية بين الأغنياء والفقراء وبين سكان القرى والمدن، "أكل الحشرات له مدلولات اجتماعية" بوصفه "طبق الفقراء" وفق ماسيمو ريفربيري وهو إيطالي ينتج في تايلاند معكرونة مصنوعة من دقيق الجراد مخصصة للتصدير.
ومن غير السهل لمطعم "انسكتس ان ذي باكيارد" استقطاب الرواد في بانكوك حتى لو أن بعض المطاعم تدرج الحشرات ضمن قوائم الطعام لديها بينها المعكرونة المحضرة من ماسيمو ريفربيري.
وبرأي الكندية ريغان سوزوكي بايروجماهاكيج صاحبة فكرة هذا المطعم بالشراكة مع جهات تايلاندية، الدافع الغذائي أو البيئي لن ينجح في تغيير الذهنية السائدة في البلاد بل سيحصل ذلك عندما يبدأ الطهاة في "صنع أطعمة فاخرة" على أساس الحشرات.
وقد أرادت انيا بياليك مدرسة لغة انكليزية في الثلاثين من العمر مقيمة في بانكوك، "اختبار النسخة الراقية" من الحشرات بعدما تذوقتها في حي خاوسارن في بانكوك المعروف بكثرة الباعة المتجولين في شوارعه.
والتي "تضيف نكهة مقرمشة" للكريما، غير أنها تقول "لن أطهو بنفسي أي حشرات" مشككة في إمكان انتشار هذه الأطعمة على نحو كبير في العالم، غير أن الظاهرة تسجل تناميا خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة مع وجود شركات ناشئة تبيع رقائق البطاطس ومكملات غذائية وشرائح برغر بالحشرات كما الحال في سويسرا في إحدى شبكات المتاجر الكبرى في البلاد منذ نهاية آب/اغسطس.
اضف تعليق