تدهورت الأوضاع الإنسانية في اليمن بشكل كبير، بسبب استمرار الحرب وتصاعد الغارات الجوية وتدمير البنية التحتية، حيث اتسعت رقعة الجوع ومعدلات سوء التغذية الحادة في أوساط السكان بشكل غير مسبوق، وتزايدت معدلات الفقر إلى نحو 80% من السكان وفقاً لتقديرات دولية، اضافة الى تفشي وانتشار بعض الاوبئة والامراض الخطيرة جراء تدهور الوضع الصحي واستمرار الحصار وقلة المعونات الانسانية والطبية. وحذرت الأمم المتحدة في وقت سابق من أن تدهور الوضع في اليمن يهدد بأزمة إنسانية خطيرة، حيث يعاني 14 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي، في حين أصبحت المستشفيات غير قادرة على التعامل مع حالات سوء التغذية، ومعظم العائلات صارت تعيش على كوب شاي وقطعة خبز.
وقال ستيفن أوبراين، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن القتال في اليمن تسبب في كارثة جعلت أكثر من 21 مليون شخص في حاجة إلى شكل ما من المساعدات الإنسانية. وأوضح أوبراين أن البلاد على بعد خطوة واحدة من المجاعة، لافتا إلى أن العنف سلب من اليمنيين حياتهم وأملهم وحقهم في العيش بكرامة.
من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية إن حالات الاشتباه بالإصابة بالكوليرا في اليمن ارتفعت إلى نحو 1410 حالات في غضون ثلاثة أسابيع، من الإعلان عن ظهور المرض في الدولة التي دمرت الحرب معظم منشآتها الصحية ومرافق إمدادات المياه النقية فيها. وكانت وزارة الصحة اليمنية قد أعلنت عن وفاة 9 أشخاص جراء إصابتهم بالمرض في مدينة عدن، ثاني أكبر المدن اليمنية، وأضافت أن 10 أشخاص آخرين مصابون بالمرض القاتل الذي ينتقل عبر المياه الملوثة، ويتسبب بآلام شديدة في البطن.
7000 قتيل
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف وفيما دخل النزاع في اليمن شهره العشرين، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن حصيلة الضحايا تجاوزت 7000 قتيل وحوالى 37 ألف جريح وحذر من جهته المبعوث الأممي من خطورة الأزمة. وحتى 25 تشرين الأول/اكتوبر لقي أكثر من 7070 شخصا حتفهم وأصيب 36818 بحسب حصيلة جديدة اعتمدت على معطيات جمعت في مؤسسات صحية وأجرتها منظمة الصحة العالمية. من جانب آخر أكدت المنظمة أن هناك 21 مليون شخص بحاجة لمساعدة طبية.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد "لا يمكن أن يبقى الوضع على هذه الحالة". وتابع "الناس تموت ولا من يسأل، البنية التحتية تنهار ولا من يهتم. الاقتصاد على حافة الهاوية ولا من يبادر بالإصلاح". وتدور الحرب في اليمن بين القوات الموالية للحكومة والحوثيين الذين يسيطرون على مناطق شاسعة في البلاد بينها العاصمة صنعاء. وتفاقمت حدة النزاع مع تدخل تحالف عربي بقيادة السعودية في 26 آذار/مارس 2015 لدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد سيطرة الحوثيين على مناطق عديدة من هذا البلد الفقير. بحسب فرانس برس.
ولا تنفك منظمات دولية تعبر عن قلقها من مخاطر حصول مجاعة أو ظهور الكوليرا في بعض المناطق. وفي بيان نشر في صنعاء أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من نصف المنشآت الصحية مغلقة أو تعمل بشكل جزئي في اليمن، وهناك نقص في الأدوية في أكثر من 40% من كل المناطق. ودعا وسيط الأمم المتحدة إلى "ضرورة فتح الرحلات التجارية من وإلى اليمن خاصة لنقل الجرحى". ويمنع التحالف مثل هذه الرحلات معبرا عن خشيته من أن تستخدم لنقل أسلحة إلى الحوثيين.
اطفال اليمن
الى جانب ذلك قالت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة إن نحو 1.5 مليون طفل في اليمن مصابون بسوء التغذية وإن نصف السكان يعانون الجوع وذلك بعد ثلاثة أيام من تصدر صور مراهقة يمنية هزيلة عناوين الأخبار حول العالم. وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في إفادة صحفية في جنيف أن الحرب المستمرة تركت 370 ألف طفل معرضين لخطر سوء تغذية حاد وهو وضع يحتاج إلى علاج عاجل لمنع الطفل من الموت.
وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي بيتينا ليوتشر "إنه حقا وضع مريع على الأرض. عندما ترى الأمهات اللائي ليس لديهن شيئا يذكر يأكلنه ويرين أطفالهن يموتون فهذا أمر يجعل قلبك ينفطر. وذكر برنامج الأغذية العالمي أن إجمالا فإن قرابة نصف الأطفال في اليمن توقف نموهم حيث يكونون أقصر قامة مقارنة بمن هم في مثل أعمارهم وهي علامة على سوء التغذية المزمن. وقالت ليوتشر إن حوالي سبعة ملايين يمني "في حاجة ماسة للغذاء" وإن المشكلة قد تتفاقم مع استمرار الحرب. بحسب رويترز.
وقال برنامج الاغذية إنه يحتاج إلى 257 مليون دولار لتقديم مساعدات غذائية حتى مارس آذار من العام القادم. وتأتي هذه التقارير بعدما اجتذبت صور لفتاة عمرها 18 عاما في مستشفى باليمن اهتماما عالميا. وهذه الفتاة من بين أكثر من 13 مليون شخص يمثلون نحو نصف سكان اليمن تقول الأمم المتحدة إنهم يعانون من نقص الغذاء مع وصول البلاد إلى شفا مجاعة.
الامراض في اليمن
على صعيد متصل قالت منظمة الصحة العالمية إن حالات الاشتباه بالإصابة بالكوليرا في اليمن ارتفعت إلى 1410 في غضون ثلاثة أسابيع من الإعلان عن ظهور المرض في الدولة التي دمرت الحرب المستمرة معظم منشآتها الصحية ومرافق إمدادات المياه النقية فيها. وأعلنت وزارة الصحة اليمنية في وقت سابق أن المرض ظهر في صنعاء.
وقال طارق جسارفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية ان هناك 1410 حالات اشتباه موجودة في 10 من محافظات اليمن وعددها 23. وأضاف أن معظم الحالات في محافظات تعز وعدن ولحج والحديدة وصنعاء. وأودت الحرب اليمنية بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص وشردت ملايين. والكوليرا أحد عدة مخاطر تسببها حرب اليمن لكن انتشار المرض بسرعة سيضيف بعدا جديدا للأزمة الإنسانية التي تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إنها خلفت 7.4 مليون طفل بحاجة لمساعدة طبية و370 ألفا يتعرضون لخطر سوء التغذية الحاد.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن 47 فقط من الحالات المشتبه بها تأكدت إصابتها بالكوليرا وإن المرض امتد من العاصمة ووصل إلى تسع محافظات أخرى. وذكرت المنظمة في تقريرها الذي صدر يوم 26 أكتوبر تشرين الأول أن الأطفال دون سن عشرة أعوام يمثلون نصف الحالات وأن ست وفيات وقعت بسبب الكوليرا بينما وقعت 36 حالة وفاة مرتبطة بالمرض نتيجة الإصابة بالإسهال الحاد.
وعلى الرغم من أن الأغلبية لا تظهر عليهم أعراض أو تظهر عليهم أعراض بسيطة يمكن علاجها بإعطاء محلول معالجة الجفاف عن طريق الفم فإن في حالات الإصابة الشديدة يمكن أن يسبب المرض الوفاة في غضون ساعات إذا لم يتوفر العلاج بحقن المحاليل عن طريق الأوردة والمضادات الحيوية.
ويساهم انتشار وباء الكوليرا في معاناة الشعب اليمني البالغ عديده 26 مليون نسمة. وغالبا ما تنتقل العدوى عن طريق المياه الملوثة، ما يسبب زحارا شديدا. وانتقل وباء الكوليرا ايضا الى صنعاء حيث وصل الآف النازحين بسبب النزاع خلال العام الحالي. ويقول الطبيب محمد عبد الواحد في صنعاء ان "معظم الحالات التي وصلت الى المستشفى كانت في حالات متقدمة والبعض القليل وصل في وقت مبكر". كما يبدي الجسم الطبي قلقا حيال امر آخر وهو عدم وجود الادوية اللازمة لمعالجة مرضى السرطان. بحسب فرانس برس.
وفي اب/اغسطس، حذر منسق الشؤون الانسانية للامم المتحدة في اليمن جيمي ماكغولدريك من ان اربعين الفا من مرضى السرطان لن يحصلوا على مزيد من الادوية بسبب القيود المصرفية التي تمنع استيرادها. من جهته، يقول عفيف سعيد النابهي مدير مركز الاورام بصنعاء "هناك مشاكل كبيره جدا وخصوصا النقص الحاد في العلاجات الكيمائية والمستلزمات الطبية". واوضح ان "المركز يستقبل 40 ألف مريض سنويا. انعدام العلاج والخدمات داخل المركز وعدم جودتها خارجه ستؤدي الى كوارث انسانية". وختم ان "مريض الاورام يعاني بشكل كبير جدا لعدم قدرته على شراء العلاجات من خارج المركز".
موت مستمر
من جهة اخرى يختصر فتيني علي معاناة السكان في مديرية التحيتا الساحلية في غرب اليمن حيث تنتشر المجاعة بسبب الحرب، الوضع قائلا "لم نتمكن من احضار اكفان للذين ماتوا جوعا". ويضيف هذا الصياد الخمسيني وهو ينظر الى اولاده الخمسة الذين يعانون من سوء التغذية "لقد مات البعض من الجوع، وعجزنا عن احضار اكفان لدفنهم حتى من اهل الخير من القرى المجاورة". ويتابع "كنا نعيش على مهنة الصيد في هذه المناطق لكن العمل متوقف منذ العام الماضي (...) لم يعد لدينا ما نسد به جوع اولادنا".
وكان الصياد يكسب 30 دولارا في اليوم من مهنته قبل ان تندلع الحرب. ويتابع علي، وهو من قرية البقعة في مديرية التحيتا، "بعنا كل ما نملك حتى الاسرة التي ننام عليها واطباق الطعام (...) كل يوم نعاني اكثر فاكثر. نجلس في بيوتنا ننتظر الموت". وترتسم هذه النظرة اليائسة على وجوه العديد من السكان في اليمن حيث تدهورت الاوضاع بشكل ملحوظ في الاشهر الاخيرة.
وتتبادل الاطراف المتنازعة الاتهامات بعرقلة او مصادرة شحنات من المساعدات والمواد الغذائية. وبالنسبة لليونيسف، هناك نحو ثلاثة ملايين شخص في حاجة ماسة الى مساعدات غذائية فورية، في حين يعاني 1,5 مليون طفل من سوء التغذية، بينهم 370 الفا يعانون من سوء تغذية حاد من شانه اضعاف جهاز المناعة لديهم. وتبدو محافظة الحديدة (غرب)، وكانت احدى افقر المناطق في البلاد قبل الحرب، الاكثر معاناة. ويعاني العديد من المناطق في المنطقة من "وضع كارثي بسبب المجاعة التي تجتاح بعض مناطق المحافظة وبالذات في مديرية التحيتا او مديرية الدريهمي"، بحسب السلطات الصحية المحلية.
وفي التحيتا، يعاني كثيرون من الهزال الشديد بحيث تبدو اجسادهم كهياكل عظمية ووجوههم شاحبة وعيونهم حزينة وبطونهم خاوية كحال بيوتهم المبنية من القش والواح الكرتون التي بالكاد تحمي اجسادهم من قيظ الصيف. وكشف حسان هنديق مدير مديرية التحيتا ان ما "يقارب خمسة الاف مواطن في مناطق البقعة والذكير والمتينية وغيرها باتوا مهددين بالموت بسبب الجوع". وفي مركز التغذية العلاجية في مدينة الحديدة، تكافح سعيدة (18 عاما) الشديدة الهزال من اجل البقاء على قيد الحياة. وتقول وهي جالسة على كرسي متحرك "ليس لدينا ما ناكله. نموت ببطء، اريد العودة الى المنزل". بحسب فرانس برس.
وحذر برنامج الاغذية العالمي من مخاطر المجاعة في اليمن، حيث سجل احد اعلى معدلات سوء التغذية في العالم حتى قبل الحرب. واوضح برنامج الاغذية العالمي "في مناطق مثل الحديدة، تبلغ معدلات سوء التغذية الحاد بين الاطفال دون سن الخامسة نسبة 31% اي اكثر من ضعف عتبة الحالات الطارئة (15%). وعلى الصعيد الوطني، يعاني قرابة نصف الاطفال من تاخر في النمو لا رجعة فيه". بدورها، حذرت منظمة الصحة العالمية من ان نقص الغذاء والدواء يضع الملايين من الناس "على حافة المجاعة".
قصة رجل
الى جانب ذلك كانت الحرب في اليمن قد بدأت قبل نحو شهرين عندما جلس عبد الله الإبي يتناول وجبة العشاء مع زوجتيه وأطفاله وأحفاده. وفي لحظة انقلب عالمه رأسا على عقب. وأسفرت غارة جوية ضربت منزل عبد الله عن مقتل 27 فردا من أفراد أسرته، ونجا عبد الله لكنه لم يعلم بمقتل أفراد أسرته إلا بعد ستة أسابيع في المستشفى. ويتذكر قائلا : "لولا خوفي من الله لأقدمت على الانتحار في تلك اللحظة. كنت سأقفز من المبنى، لكن الله ألهمني الصبر".
كانت الأسرة تعيش في منطقة صعدة، معقل الحوثيين، والتي أصبحت هدفا للقصف الجوي من جانب قوات التحالف بقيادة السعودية التي تدعم الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي. وضربت الغارة الجوية منزلهم في منتصف الليل، حسبما قال عبد الله، وظل عمال الإنقاذ يعملون بجرافاتهم حتى الصباح لانتشال الجثث المدفونة تحت الركام. كان من بينهم 17 طفلا، أصغرهم إيناس، حفيدة عبد الله، وكان عمرها شهرا واحدا. وخرج ثلاثة من أبنائه الكبار أحياء من الهجوم.
ومنذ أن بدأت الحرب في اليمن في شهر مارس عام 2015، دفع المدنيون ثمنا باهظا بعد أن سقط ما يربو على أربعة آلاف مدني، أغلبهم راحوا ضحية غارات جوية بقيادة السعودية، بحسب الأمم المتحدة. ويقضي عبد الله معظم الوقت بمفرده الآن، وهو يعيش في غرفة في مسجد محلي. ويتطلع لزيارة من أبنائه الذين يعيشون في أماكن أخرى في المدينة. وتمضي الليالي عليه بصعوبة، لاسيما وأنه يعاني من إصابات مستديمة في رأسه وعموده الفقري وفكه، كما يحتاج إلى علاج غير متوفر في صعدة، لكن الألم الجسدي ليس هو وحده ما يجعله مستيقظا.
مازالت ذكرياته تسيطر عليه، ويقول : "أحيانا أنام ساعتين أو ثلاث ساعات ثم استيقظ وأظل مستيقظا حتى الصباح، أتذكر أطفالي ومنزلي". وأضاف : "كانت حياتنا متواضعة لكنها هادئة، حياة طيبة، كنا سعداء، فقدنا كل شئ". وتربى عبد الله في محافظة إب ثم انتقل بعد ذلك إلى صعدة وافتتح صالونين للحلاقة يعمل بهما هو وأولاده. وقال : "كافحت وعملت على مدار سنوات وبنيت منزلي من لا شئ".
وبعد 18 شهرا من وقوع المأساة، وعلى الرغم من إجراء عدد من المقابلات الخاصة واستقبال ممثلي المنظمات المختلفة، لاتزال أسرة عبد الله لا تتلقى أي دعم مالي. وتعاني الأسرة من الديون بعد أن اضطرت إلى اقتراض الأموال لسداد نفقات العلاج الطبي لابن عبد الله، يونس. قضى يونس ستة أشهر في المستشفى، يعاني من جروح بليغة كما فقد إحدى عينيه. وقال عبد الله : "أريد أن أمنح ابنائي الحياة من جديد. أريد أن أراهم وهم مستقرون في منازلهم". بحسب بي بي سي.
وتسيطر عليه حالة من الذهول عندما يذكر أسماء أصغر ابنائه، إسماعيل وإبراهيم وإسحق ويعقوب، الذين كانوا دائما إلى جانبه. وأصبح ميلاد حفيده مؤخرا حالة من الفرح على عبد الله في خضم خسارته. وقد أطلق ابنه أيمن على طفله اسم إسماعيل، إحياء لذكرى أصغر الأشقاء الذي كان يبلغ من العمر عامين عندما قتل. ويصف عبد الله رؤية إسماعيل للمرة الأولى :"شعرت كما لو أني امتلكت العالم، شعرت بأن الله قد عوضنا عن خسارتنا". ويقول إنه يأمل في ألا يرى إسماعيل ما رأته أسرته، وأضاف : "أتمنى ألا يرى هذا الذل وهذه الحرب..... أتمنى أن يكون مستقبله أفضل".
اضف تعليق