شهدت بريطانيا التي صوتت على الخروج من الاتحاد الاوربي، ارتفاعًا حادًا في جرائم الكراهية المرتكبة ضد المهاجرين والأقليات العرقية والدينية، واكدت بعض التقارير ان هذه الجرائم قد تضاعفت بشكل خطير في العديد من المناطق وخصوصا تلك التي صوتت بكثافة للخروج من أوروبا. ويرى مراقبون أن مؤيدي حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، نشروا بذور إرهاب الأجانب والعنصرية، في إطار مسعاهم للتأكيد على أن مغادرة الاتحاد ستسمح للمملكة المتحدة بوقف الهجرة، التي يعتبرها كثير من البريطانيين عبئًا على سوق العمل والخدمات العامة. وتجدر الإشارة أنّ الشعب البريطاني، صوّت بنسبة 52%، لصالح قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك في الاستفتاء الذي جرى 23 يونيو الماضي.
ويقول جون ستون مراسل الشؤون السياسية لصحيفة الإندبندنت في تحقيق خاص اجرته الصحيفة، بناء على الإحصاءات التي أجريت من قبل الشرطة البريطانية خلال الفترة الماضية كشفت، أن جرائم الكراهية الموجهة ضد المهاجرين والأجانب قد تزايدت بشكل كبير وصل في بعض الأحيان إلى 3 اضعاف ما كانت عليه. وتضيف الجريدة أن هذه الزيادة تتعدى معدل زيادة جرائم الكراهية ضد المهاجرين في البلاد كلها بعد نتائج الاستفتاء وهو ما دفع قيادة الشرطة إلى البحث في أساليب الاستجابة للبلاغات عن جرائم الكراهية.
وتكشف الجريدة بعض الامثلة منها منطقة لينكولنشير التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة بلغت 75 في المائة وهي المنطقة التي شهدت زيادة في معدل جرائم الكراهية بلغت 191 في المئة خلال الاسابيع الماضية. وتنقل الجريدة عن أمبر راد وزيرة الداخلية البريطانية تأكيدها أن الوزارة ستعمل على إقرار القانون وتعليم هؤلاء الذين يعتقدون أنه من السهل نشر جرائم الكراهية والعداء للأجانب أن الأمر لن يمر بسهولة وأن الحكومة مصرة على ان تكون بريطانيا دولة توفر الحماية لكل المقيمين والمواطنين بشكل
احصائيات مخيفة
وفي هذا الشأن تلقت شرطة انجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية أكثر من 6 آلاف بلاغ بخصوص جرائم الكراهية منذ التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بحسب إحصائيات حديثة. وقال المجلس الوطني لرؤساء الشرطة إن هناك تراجعا طفيفا في البلاغات في النصف الأول من يوليو/ تموز الحالي بالمقارنة بالأيام التي سبقت وأعقبت التصويت في 23 يونيو/حزيران الماضي. ولكن النسبة الإجمالية تزيد 20 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي.
ولفت المجلس إلى أن الأرقام "مازالت مرتفعة للغاية." وتم الإبلاغ عن 3192 جريمة كراهية مزعومة بين 16 و30 يونيو/ حزيران من العام الجاري كما تم الإبلاغ عن 3001 جريمة كراهية مزعومة بين 1 و14 يوليو/تموز – بما يساوي أكثر من 200 يوميا بحسب ما أظهرته أحدث الأرقام. وكان قد كشف في السابق أن أعلى معدل لهذه الجرائم هو اليوم الذي أعقب إعلان النتيجة في 25 يونيو/حزيران حيث تم الإبلاغ عن 289 جريمة كراهية مزعومة.
وقال كريج ميكي نائب مفوض سكوتلاند يارد إنه يبدو أن التصويت بالخرج من الاتحاد الأوروبي "قد أطلق العنان لشيء ما لدى الناس". وقد طلب من الشرطة أن تكشف أسبوعيا عن عدد جرائم الكراهية بعد تزايد البلاغات لموقع ترو فيجن الذي تموله الشرطة. وعقب التصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي، أدان ديفيد كاميرون الحوادث التي تضمنت "انتهاكات لفظية" ضد الأقليات العرقية وكتابة "مشينة" بالغرافيتي على جدران مركز اجتماعي بولندي.
وفي مدينة والسال تم القاء زجاجة بها "سائل قابل للاشتعال" على موظف في مطعم يقدم اللحم الحلال، فيما وصفت مذيعة بي بي سي أريش أودودو كيف تعرضت لخطبة عنصرية وسط مدينة كوفنتري. وقال داني شو مراسل بي بي سي للشؤون المحلية إن ارتفاع البلاغات يعود جزئيا لارتفاع الوعي بالمشكلة وكيفية الإبلاغ عنها. وجاء على رأس القائمة في هذا النوع من الجرائم "العنف الشخصي" الذي يتضمن التحرش والهجوم اللفظي والبصق.
واتهم منتقدون بعض الشخصيات في حملة "الخروج" من الاتحاد الأوروبي بنشر رهاب الأجانب والعنصرية في إطار مسعاهم للتأكيد على أن مغادرة الاتحاد ستسمح لبريطانيا بوقف الهجرة التي يعتبرها كثير من البريطانيين عبئا على سوق العمل والخدمات العامة. وقبل أسبوع من الاستفتاء تعرضت جو كوكس عضو مجلس العموم عن حزب العمال والمناهضة للخروج من الاتحاد لإطلاق نار والطعن حتى الموت في دائرتها الانتخابية في شمال بريطانيا. وكانت أغلب الحوادث عبارة عن تحرش أو اعتداء وغيرها من أعمال العنف مثل توجيه الألفاظ المسيئة أو تعرض الضحية للبصق أو الدفع.
الاقليات في بريطانيا
الى جانب عبر زعماء بولنديون ومسلمون في بريطانيا عن قلقهم بعد موجة من جرائم الكراهية ذات الدوافع العنصرية في أعقاب استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي والذي كانت الهجرة عاملا أساسيا في نتيجته. وقالت الشرطة إن منشورات عدائية ضد البولنديين وزعت في مدينة بوسط انجلترا. في الوقت ذاته قالت منظمات إسلامية إنها رصدت ارتفاعا حادا في عدد الحوادث ضد المسلمين الكثير منها مرتبط مباشرة بقرار خروج بريطانيا من الاتحاد.
وبرزت الهجرة كموضوع رئيسي في حملة الاستفتاء البريطاني إذ قال الداعون للخروج من الاتحاد إن انضمام بلادهم للتكتل سمح بدخول عدد لا يمكن السيطرة عليه من المهاجرين القادمين من شرق أوروبا. وقبل أيام قليلة من التصويت استقالت سيدة وارسي وهي وزيرة سابقة في حزب المحافظين الذي يتزعمه كاميرون من حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي واتهمت القائمين عليها بنشر أكاذيب وكراهية والترويج للخوف من الأجانب.
ويعيش في بريطانيا عدد كبير من البولنديين منذ الحرب العالمية الثانية وزاد العدد بعد انضمام بولندا للاتحاد الأوروبي في 2004. ويعيش في بريطانيا نحو 790 ألف بولندي وفقا لأرقام رسمية صدرت في 2014 وهم ثاني أكبر عدد لسكان بريطانيا الذين ولدوا في الخارج بعد الهند.
وقالت شركة كمبريدج شاير إنها تجري تحقيقا بعد العثور على منشورات عدائية وضعت فوق السيارات وفي منازل في هانتجدون. وأفادت صحيفة محلية بأن المنشورات حملت عبارة "الخروج من الاتحاد الأوروبي/لا للحشرات الطفيلية." وفي خارج الجمعية الاجتماعية والثقافية البولندية في لندن التي افتتحت في 1974 والمقر لأغلب المنظمات البولندية في بريطانيا رسم جرافيتي على المبنى يطلب من البولنديين مغادرة بريطانيا. بحسب رويترز.
وقال المجلس الإسلامي في بريطانيا الذي يضم الكثير من المنظمات الممثلة لنحو 2.7 مليون مسلم إنه جرى الإبلاغ عن أكثر من 100 جريمة كراهية منذ نتيجة الاستفتاء. وقال شعاع شافي الأمين العام للمجلس "تواجه بلادنا أزمة سياسية أخشى أن تهدد السلام الاجتماعي." وقال فياض مورغال مؤسس جماعة تراقب الهجمات ضد المسلمين إن جماعته تلقت تفاصيل نحو 30 حادث منها هجوم على مسلمة عضو بأحد المجالس البلدية في ويلز والتي طلب منها حزم أمتعتها للمغادرة وصياح رجلين في وجه سيدة ترتدي حجابا خلال توجهها إلى مسجد في لندن وقولهما "صوتنا من أجل أن تغادروا (بريطانيا).
وحث الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بريطانيا على العمل على منع إساءة معاملة الأجانب في أعقاب التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي ومعاقبة من يقومون بذلك. وقال الأمير زيد في بيان إنه يشعر بالقلق الشديد إزاء تقارير عن انتهاكات تستهدف الأقليات والأجانب في بريطانيا. وأضاف "العنصرية ورهاب الأجانب غير مقبولين على الإطلاق تحت أي ظرف."
من جانب اخر قالت سارة ثورنتون رئيسة مجلس قادة الشرطة الوطنية في بيان نشر على الإنترنت "شعرت بالصدمة والاشمئزاز حيال بعض حالات الانتهاكات العنصرية أو الإساءة لمهاجرين والتي تم الإبلاغ عنها." وأضافت "يبلغ مهاجرون عن إساءات لفظية وتعليقات سلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشمل لغة معادية للأجانب وتوزيع منشورات مناهضة للمهاجرين وفي بعض الحالات المحدودة جدا اعتداءات بدنية." وقالت ثورنتون إن جميع قوات الشرطة البريطانية ستكون مطالبة من الآن بتقديم بيانات أسبوعية بشأن مثل هذه الجرائم لبناء صورة واضحة لحجم المشكلة.
ووعدت الحكومة بتقديم تمويل إضافي لمكافحة جرائم الكراهية وتحسين سبل الإبلاغ عن الجرائم وتوفير الأمن في المؤسسات المعرضة لمثل هذه الجرائم. وقالت الشرطة إن البلاغات على الانترنت عن جرائم الكراهية ارتفعت بنسبة 57 بالمئة. وقال كاميرون في وقت سابق للمشرعين الذين طالبوه مرارا بتقديم الدعم لرعايا دول الاتحاد الأوروبي المقيمين في بريطانيا "لن نتسامح مع جرائم الكراهية أو أي نوع من الهجوم على الناس في بلادنا بسبب أصولهم العرقية."
وقبل أسبوع من التصويت قتلت المشرعة المعارضة جو كوكس وكانت من أنصار البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بالرصاص وطعنت حتى الموت في دائرتها الانتخابية في شمال بريطانيا. وقالت وزيرة الداخلية كارين برادلي إن تمويلا إضافيا سيخصص لمعالجة جرائم الكراهية وزيادة الإبلاغ عن الاعتداءات وتوفير الأمن عند المؤسسات التي يحتمل أن تتعرض للخطر.
مقاومة الضغوط
على صعيد متصل لا ينوي المهاجرون من اوروبا الشرقية المقيمون في مدينة بوسطن في شرق انكلترا والتي سجلت اكبر نسبة تاييد لمغادرة الاتحاد الاوروبي (75,6 بالمئة)، الرحيل رغم تعرضهم لمضايقات وشعورهم بالاستهداف. وتقول شابة بولندية ظهرت عليها علامات الحمل وترفض كشف اسمها "بالنسبة الي، لا اهمية للامر. صديقي انكليزي، وهذا الامر لا يشغلنا في الواقع. وقريبا سارزق بطفل انكليزي".
ومنذ قرون، كانت المدينة شاهدة على هجرة سكانها المغامرين الذين يتركون سهول لانكشير ليجوبوا العالم. حتى انهم ساهموا في تاسيس مدينة بوسطن في الولايات المتحدة. لكن منذ عشر سنوات، انعكس اتجاه حركة الهجرة. بين 2001 و2011، تاريخ آخر احصاء سكاني، تضاعف عدد السكان الاجانب في المدينة اكثر من خمس مرات (+467 بالمئة) معظمهم من اوروبا الشرقية، وباتوا يشكلون نحو 15 بالمئة من السكان. ويثير هذا الوجود بعض التوتر، وقد ساهم في الاتجاه الذي سلكه التصويت في الاستفتاء الاخير بين سكان المدينة.
ويمكن بسهولة ملاحظة وجود المهاجرين في احد شوارع المدينة الرئيسية "ويست ستريت" حيث تكثر المخابز البولندية والمطاعم الليتوانية والمتاجر المليئة بمنتجات مستوردة من شرق اوروبا. وقال وودي (45 عاما) وهو عسكري سابق متذمرا "وكأنهم حلوا مكاننا (..) ليس هناك تواصل. الجميع يتكلم لغة اجنبية من حولنا حتى ليستاءل الواحد منا هل نحن حقيقة في بوسطن. ويقول انتون داني (50 عاما)، المستشار البلدي من حزب الاستقلال (يوكيب) المناهض لاوروبا والهجرة، "تم غزو المدينة" من اشخاص يعتبر انهم لا يسعون الى الاندماج ولا يحترمون القيم البريطانية. ويضيف الرجل المتحدر من المغرب والمتزوج من بولندية "انهم يحاولون اقامة مدينة داخل المدينة".
وبحسب دراسة نشرها في كانون الثاني/يناير مركز "بوليسي اكستشنج" للابحاث، فان بوسطن هي المدينة التي يوجد فيها المهاجرون الاقل اندماجا. ويقر بيتر يونترمان (35 عاما) الذي يقول انه اول سائق تاكسي بولندي في بوسطن، بان مواطنيه لا يسعون دائما الى التواصل مع جيرانهم. ويقول "اعرف الكثير من الانكليز، لكنني اعرف ايضا اناسا لا يرغبون في التواصل مع الانكليز"، قبل ان يضيف ممازحا "نحن نعمل كثيرا وليس لدينا الوقت لنسج علاقات".
ويضيف "اعرف انه لا يمكنهم فعل اي شيء (ضدي)، لانني اعيش هنا منذ 11 عاما. وابنتي لديها جواز سفر بريطاني وادفع ضرائبي، لدي حياتي هنا وقرض منزل".ولا يشعر جيف (28 عاما) وهو سائق رافعة يتحدر من ليتوانيا، بدوره باي تهديد. وتساءل "اذا عاد كل الى بلده. من سيعمل هنا؟". بحسب فرانس برس.
وتقول مواطنته اوريليا (28 عاما) "هل سيعود البريطانيون للعمل في المصانع؟ لا اعتقد ذلك". ويرى وودي ان نتيجة الاستفتاء لن تغير شيئا. ويقول "انهم هنا ولديهم جذور وما ان يبدأوا بالانجاب، يعتبرون بريطانيين. لذلك لا يمكن ان نكسب . قضي الامر". ويضيف العسكري السابق "انهم يعملون بجهد وكد.. علي الاعتراف بذلك. اما انا فعاطل عن العمل منذ سنوات. لقد اخذوا كل شيء منا".
اضف تعليق