q

يتعرض الأطفال في مختلف دول العالم وفي ظل اتساع رقعة الخلافات والازمات والمشكلات المختلفة الى الكثير من الانتهاكات والاعتداءات، والمقصود بانتهاك حرمة الطفل وكما تنقل بعض المصادر، هو قيام الوالدين أو من يقوم على تربية الطفل، أو أحد الأشخاص البالغين أيا كان بممارسة أي نوع من أنواع العنف أو القسوة الشديدة التي تتسبب في إصابة الطفل الضحية بالألم والضرر والمعاناة، ويرى بعض الخبراء فان هذه المعاناة والمشاكل قد تفاقمت بشكل خطير في السنوات الاخيرة، بسبب استمرار الازمات الاقتصادية والمشكلات الامنية التي اثرت سلبا على ملايين الأطفال الذين اصبحوا اليوم من ضحايا الحروب وفي حالات عديدة يكونون المستهدفين الرئيسيين، حيث يعاني الأطفال في في أرجاء العالم من آثار النزاعات المسلحة والتي تؤثر على الأطفال بنسبة اكبر بسبب طبيعتهم البدنية والنفسية و قلة الوعي، بالاضافة الى ان سوء التغذية والأوبئة والضرر النفسي والإعاقة تساهم بشكل رئيسي في ضعف الطفل.

ولعل ذلك ما يستوجب اتخاد تدابير خاصة لحماية الأطفال من مثل هذه الإساءات الشديدة ومن استغلال حقوقهم. ورغم معالجة نصوص القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلا أن حقوق الأطفال مازالت تنتهك بصورة واضحة. وبحسب تقديرات سابقة لمنظمة العمل الدولية عام فقد بلغ عدد الاطفال العاملين 264 مليون طفل عامل في العالم، يعمل كثير منهم بدوام كامل وفي ظروف بائسة وخطيرة, وأكثر من نصفهم يعمل في بيئات خطيرة أو يعانون من الاستعباد وغيره من أشكال العمل الجبري والأنشطة غير المشروعة بما في ذلك تهريب المخدرات والدعارة، وكذلك التورط في النزاعات المسلحة.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد اليوم قرابة 9.2 مليون طفل عامل (8.4 في المائة من الإجمالي العالمي)، تحاصرهم ظروف الفقر وانتشار البطالة وتدني جودة التعليم مما يؤدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة. ومعظم هؤلاء الأطفال يعمل في الزراعة، ونحو 57 في المائة منهم في أعمال خطرة. من جانب اخرأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة بيرتلسمان أن نحو 26 مليون طفل وصبي في أوروبا مهددين بالفقر والتهميش الاجتماعي بعد سنوات من الأزمة الاقتصادية. ومنحت المؤسسة اليونان أسوأ علامات في الاتحاد الأوروبي بأكمله. وخلص مؤشر بيرتلسمان للعدالة الاجتماعية وهو دراسة مسحية سنوية عن الظروف الاجتماعية في التكتل المؤلف من 28 دولة الى وجود فجوة كبيرة بين الشمال والجنوب وبين الصغار والكبار.

وأفادت الدراسة أنه في أسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال زاد عدد الأطفال المعرضين للخطر بسبب أوضاعهم الاقتصادية بواقع 1.2 مليون شخص ليصل إلى 7.6 مليون منذ عام 2007. وبالإضافة لذلك زاد عدد مواطني الاتحاد الأوروبي الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاما والذين لا يعملون أو يتعلمون أو يتدربون في 25 من 28 دولة منذ 2008. وكانت ألمانيا والسويد الاستثناء الوحيد حيث تحسنت أحوال هذه الفئة العمرية.

بورما

وفي هذا الشأن تتنقل ميات نوي وآي آي بين الطاولات في المقهى لتلقي طلبات الزبائن او لتنظيف المكان... فهاتان الصديقتان تعملان لثلاث عشرة ساعة يوميا كما الحال مع ملايين الاطفال في بورما التي تسجل احد اعلى معدلات عمالة القاصرين في العالم. ففي هذا البلد الذي يعتبر عمل الاطفال مقبولا ثقافيا، تنظر المنظمات غير الحكومية الى الحملة الانتخابية على أنها من الفرص النادرة للتنديد بهذا الوضع.

وقد جمعت منظمات عدة قبل فترة وجيزة على الانتخابات التاريخية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، قسما كبيرا من الاحزاب الـ90 المشاركة في هذا الاستحقاق لحض ممثليها على "توفير تعليم مجاني والزامي للجميع بحلول سنة 2020". إذ ان بورما هي البلد الذي يخصص ادنى ميزانية للتعليم في جنوب شرق آسيا ومن اسوأ بلدان العالم على هذا الصعيد بحسب البنك الدولي.

وقد قطع حزب الرابطة الوطنية للديموقراطية بزعامة المعارضة اونغ سان سو تشي المعروف بايلائه اولوية لمكافحة الفقر، عهدا بتخصيص اموال اكبر للتعليم. ويشير احدث احصاء الى ان 4,4 ملايين طفل دون سن الثامنة عشرة ليسوا مسجلين في المدارس في البلد. وبحسب شركة فيريسك مايبلكروفت للدراسات الاقتصادية، تشغل بورما المرتبة السابعة على قائمة اسوأ بلدان العالم على صعيد عمالة الاطفال امام الهند وليبيريا. هذه الظاهرة ليست بجديدة لكن حدتها ارتفعت مع نهاية الحكم الديكتاتوري للمجلس العسكري سنة 2011 وافتتاح عدد كبير من المصانع والفنادق والمقاهي.

وكل هذه المؤسسات الجديدة تبحث عن يد عاملة رخيصة. وفي مقاهي الشاي الشعبية في رانغون التي يتردد اليها البورميون طيلة ساعات النهار لارتشاف كوب من الشاي مع الحليب وتبادل الاحاديث، جميع النادلين تقريبا هم من الاطفال الذين لا تتعدى اعمارهم احيانا سبع سنوات. وينحدر اكثرية العاملين من الاقليات الاتنية المقيمة في المناطق الريفية، وهم يعملون طيلة ايام الاسبوع بمعدل 13 الى 14 ساعة يوميا. وفي المقاهي، غالبا ما ينامون في موقع العمل داخل غرف منامة او حتى تحت الطاولات.

وتروي ميات نوي (وهو اسم مستعار) البالغة 13 عاما "أنا من الريف وعلي اعانة اهلي لأنهم فقراء". هذه الطفلة بدأت بالعمل منذ سن التاسعة لتجني ما يقارب دولارا واحدا في اليوم الا ان بورما تضم تشريعات لتنظيم عمالة الاطفال بحسب بيامال بيشاوونغسي من منظمة العمل الدولية الا ان هذه القوانين "لا تطبق" على حد قولها. وفي مواجهة هذا الوضع، تقدم بعض الجمعيات تعليما جزئيا لهؤلاء الاطفال المنخرطين في العمل.

وعلى رغم احمرار عينيه جراء التعب، يتابع ناينغ لين اونغ بنهم كبير شروحات استاذه. فمنذ ستة اشهر، بجلس هذا الفتى بواقع ثلاث ليال اسبوعيا بعد ساعات العمل حول الطاولات التي يقضي أيامه في تنظيفها لمتابعة الحصص التعليمية. ويقول ناينغ لين اونغ البالغ 15 عاما والذي ترك المدرسة منذ سن العاشرة "لا اعلم كيف ستكون حياتي في المستقبل، لذا اريد تعلم بعض الانكليزية والمعلوماتية وتحصيل معارف لأتمكن من تدبر امري في حال المرض".

وقد قررت منظمة "ماي مي" التي توفر التعليم لستمئة طفل في رانغون وماندالاي اكبر مدينتين في البلاد، تقديم الحصص التعليمية في قلب المقاهي حيث يعمل الاطفال وخارج ساعات العمل. وبالنسبة للعاملين في مقاه تفتح ابوابها على مدار الساعة، يتم استصلاح قاعة تدريس داخل حافلة صغيرة. وبالنسبة للبعض يتركز الامر على تعلم القراءة والكتابة والحساب. أما الاطفال الذين يملكون القليل من المعارف الدراسية فهم يتعلمون ايضا الانكليزية والمعلوماتية. كذلك يتلقى جميع الاطفال الذين يضطرون لتدبر امورهم بانفسهم بعيدا عن اهاليهم، تعليما على القواعد الاساسية للنظافة الشخصية.

ويروي ثاو واي هتو الاستاذ المتطوع الشاب في المنظمة أن "اكثرية الاطفل يعملون طوال النهار لذا من غير السهل بالنسبة اليهم الحفاظ على تركيزهم خلال الدروس". كما أن منظمة اخرى تحمل اسم "سكولارشيبس فور ستريت كيدز" (منح دراسية لاطفال الشوارع) وضعت نظام مساعدات يقوم على دفع مبالغ للاهالي تساوي القيمة التي يمكن لاطفالهم ان يجنوها خلال مدة الحصص، بحسب اي اي ثين مدير هذه المنظمة الممولة بنسبة كبيرة بواسطة مساعدات دولية كما حال الكثير من المنظمات غير الحكومية في بورما. بحسب فرانس برس.

ويوضح مؤسس المنظمة جون ماكونيل أنه "من الصعب اقناع العائلات بأهمية التعليم لابنائهم في بلد فقير للغاية ذي نظام تعليمي مهترئ". الا ان تيم اي-هاردي الذي انشأ مؤسسة "ماي مي" اثر عودته الى بلده بعد اكثر من عشرين عاما في المنفى، قلق من خطر خسارة بورما جيلا كاملا من ابنائها. ويقول "حوالى 10 % من السكان هم اطفال دون سن الثامنة عشرة تركوا المدرسة. اي نوع من الاعمال سيحصلون عليها في المستقبل وماذا يخبئ الغد لهم وللبلاد؟".

تايلاند

الى جانب ذلك تعيش تشايانيت ابنة الاعوام الثمانية مع جديها، شأنها في ذلك شأن ملايين الاطفال في الارياف التايلاندية ممن اضطر اهاليهم للانتقال الى بانكوك بداعي العمل، في ظاهرة اجتماعية تثير القلق لدى منظمات عالمية كبرى معنية بحماية الطفولة. فبعد اشهر قليلة على ولادتها، تركت والدتها قرية بان دوا الصغيرة في شمال شرق تايلاند. هذه الظاهرة للاطفال المتروكين في عهدة اجدادهم تنتشر في سائر انحاء اسيا من الصين الى الفيليبين وتطال في تايلاند حوالى ثلاثة ملايين طفل بحسب منظمة "يونسكو".

وتؤكد تشايانيت أنها تشعر بالسعادة في حياتها في القرية الواقعة في منطقة ايسان التي تمثل خزانا لليد العاملة من ذوي الكفاءات المحدودة في المدينة. وتقول "احب البقاء مع جدي، لكني اشتاق لأمي. لا استطيع رؤيتها وهي لا تستطيع العودة الا مرة كل ستة اشهر". وتعمل والدتها في مكتب في بانكوك وتتمكن من ارسال ما بين ثلاثة الى اربعة الاف بات (85 الى 114 دولارا) شهريا الى قريتها لمساعدة عائلتها على تغطية تكاليف حقل الارز الصغير الذي تديره.

وقد نشأت ظاهرة تفكك العائلات في ايسان في سبعينات القرن الماضي ابان انتقال تايلاند الى العصر الصناعي. كذلك تتفاقم هذه الظاهرة نظرا الى ان اي عاصمة اقليمية في هذه المقاطعة التايلاندية لا يمكنها الحلول مكان بانكوك اذ ان هذه المدينة الكبرى يقطنها 10 ملايين نسمة في حين لا يتخطى عدد سكان اكبر عاصمة اقليمية في ايسان وهي ناخون راتشاسيما ثلاثة ملايين نسمة. وبحسب منظمة الامم المتحدة للطفولة، حوالى 30 % من عمال المناجم في ايسان، اكثر المناطق الآهلة بالسكان في تايلاند، يكبرون بعيدا من اهاليهم.

وتوضح اري جامباكلاي من جامعة ماهيدول في بانكوك وهي تتابع هذه الظاهرة لحساب اليونيسف أن النزوح بات "يعتبر عاديا" وجزءا من النسيج الاجتماعي. وينشأ عن هذا الوضع حالات نقص على الصعيدين الغذائي والعاطفي اضافة الى تزايد نسب الرسوب المدرسي، كما أن اليونيسف تبدي قلقها ازاء المخاطر الاجتماعية على المدى الطويل في هذه المنطقة التي تصنف من بين الافقر في البلاد. وتترجم حالة النقمة الشعبية منذ سنوات بازدياد الدعم لحركة "القصمان الحمر" السياسية ورئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناوترا الداعي الى عدالة اجتماعية اكبر.

وتمثل قرية بان داو قرية نموذجية في منطقة ايسان اذ تضم معبدا بوذيا يحتل حيزا كبيرا منها اضافة الى حقول للأرز ودواجن طليقة... لكن النسبة الضعيفة لسكانها ممن هم في سن العمل بلغت مستويات مقلقة: ففي المدينة يجني العاملون أضعاف ما يتقاضاه مزارعو الارز في حال عملهم كسائقي اجرة على سبيل المثال. وتوضح تشانبن اوثاتشان البالغة 70 عاما وهي جدة تشايانيت أنه "في 80 أو 90 في المئة من الأسر هنا، الأجداد هم الذين يربون الاطفال... فقد انتقل كل ابنائي للعيش في بانكوك بسبب انعدام فرص العمل هنا". بحسب رويترز.

وتهتم هذه الجدة مع زوجها بكيتيبوب الشقيق الاصغر لتشايانيت البالغ خمس سنوات. وتوضح هذه السبعينية أن "الأمر صعب خصوصا عندما يكونون مرضى ويتعين علي البقاء مستيقظة طوال الليل". وفي المدرسة، يلاحظ المدرسون يوميا الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الاطفال الذين يربيهم اجدادهم: مشكلات في التركيز ونقص عاطفي وتأخر في اكتساب المهارات اللغوية لدى الاطفال الاصغر سنا. وتشير الاستاذة اري الى ان "البحوث بدأت تظهر أن هذا الامر يضر بمستقبل الاطفال مع تبعات على مجمل البلاد". وفي تايلاند التي يصعب فيها ارتقاء السلم الاجتماعي، تكون السلطة عادة ممسوكة من النخب المحافظة والفقراء يزيدون فقرا.

اندونيسيا

على صعيد متصل يؤدي لزوم تشارك السيارات في ساعات الذروة بهدف الحد من ازمات السير الخانقة في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، الى استغلال الاطفال وصولا الى تخديرهم. واثار كشف الصحف المحلية اخيرا ان الاطفال يخدرون في بعض الحالات فضيحة في البلاد وادى الى تعليق موقت لهذا النظام الذي يستفيد منه عدد كبير من الفقراء من اجل كسب بعض المال.

فمنذ عقود عدة يصطف رجال ونساء واطفال يسمون "جوكي"عند تقاطع الطرقات الرئيسية المؤدية الى وسط العاصمة الاندونيسية بانتظار ان تتوقف سيارة لنقلهم. اذ ان السيارات التي تريد دخول بعض المناطق المحددة يجب ان تنقل ثلاثة اشخاص بالضرورة خلال ايام الاسبوع في ساعات الذروة. وعلى السائق الوحيد في السيارة ان يجد ما لا يقل عن راكبين من اجل المرور في هذه الشوارع.

والمهمة ليست بصعبة فيكفي للجوكي ن يرفع اصبعا واحدا ليقول انه مستعد للصعود الى السيارة او اصبعين ان كان معه طفل ولا سيما ربات العائلات الفقيرات اللواتي يحملن اطفالهن الرضع. وما ان يصل السائق الى وجهته او يخرج من منطقة من تشارك السيارة الالزامي يخرج "الجوكي" من السيارة ويبحث عن سيارة اخرى. وهي ممارسات معروفة منذ سنوات. هذا ما تفعله ريسما مع طفلها البالغ ثلاث سنوات. فالاولاد يساعدون على لفت انتباه السائقين على ما تروي مرأة على طريق رئيسية في جنوب جاكرتا. وتقول "الناس يتعاطفون سريعا ان كان معك طفل". وتؤكد انها تصطحب ابنها معها لان لا خيار اخر لها.

لكن في وقت لاحق علقت الزامية تشارك السيارات على الطرقات الرئيسية في المدينة للمرة الاولى منذ اعتمادها في العام 1992 بعد الكشف عن فضيحة استغلال اطفال في هذا الاطار اثارت صدمة في صفوف المجتمع ودفعت سلطات المدينة البالغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة الى اتخاذ هذا القرار. وفي حين لم يسمح تشارك السيارات الالزامي بحل ازمة السير، ادى التخلي الموقت عنه "في اجراء تجريبي" الى زيادة واضحة في زحمة السير في المدينة. تنوي السلطات تمديد قرار التعليق او رفعه.

وبعد تحقيق استمر شهرا اوقفت الشرطة نهاية اذار/مارس اربعة بالغين يشتبه في انهم وفروا لمنظمات اجرامية اطفالا للاستجداء او ليكونوا "جوكي" في مقابل 200 روبية (13 يورو) في اليوم في بلد حيث يعش نحو 40 % من السكان باقل من دولارين في اليوم. وقد تولت الاجهزة الاجتماعية رعاية ثلاث اطفال في سن السابعة والخامسة والستة اشهر. وقد خدر احدهم بمادة كلونزيبام المهدئة القوية التي تستخدم في معالجة القلق لدى البالغين على ما قال اودي لاتوهيرو المسؤول عن التحقيقات الجنائية في شرطة جاكرتا.

وهذ المسكن الذي يمكن شراؤه من دون وصفة طبية اعطي الى الطفل ليبقى هادئا خلال فترات الانتظار الطويلة على جانب الطريق او في سيارة الشخص الغريب على ما يؤكد اودي موضحا "لا احد يريد طفلا يبكي في السيارة...". واوقفت الشرطة ايضا ثلاث نساء يشتبه في انهن يدرن عصابة اجرامية تبيع الاطفال الذين يتم استغلالهم في ما بعد على ما يقول مساعد قائد شرطة جاكرتا سوراوان. بحسب فرانس برس.

ويطالب العاملون الاجتماعيون على الارض بان يلاحق الاشخاص الضالعون في هذه القضايا بتهمة الاتجار بالبشر مع اقرارهم بانه قد يكون من الصعب اثبات الوقائع. اما بالنسبة لتعليق تشارك السيارات الالزامي، فتشك الاجهزة الاجتماعية والشرطة بان هذا الاجراء سيبدل وضع اطفال الشوارع في اندونيسيا الذي يصل عددهم الى 4,1 ملايين طفل يتم استغلال 35 الفا منهم على ما تظهر الارقام الرسمية لهذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا ويبلغ عدد سكانه 250 مليون نسمة. ويقول سوراوان "لن تكون ثمة حاجة الى جوكي بعد ذلك الا ان المجرمين سيجدون طرقا اخرى" يستغلون بها الاطفال.

لبنان

في السياق ذاته اعتاد ابراهيم بيع اوراق اللوتو والمناديل الورقية خلال السنتين الاخيرتين في احياء بيروت لكن تعلمه مبادئ مهنة تنسيق الزهور بعد التحاقه ببرنامج تدريبي تنفذه احدى المنظمات الدولية دفعه للتصميم على ترك الشارع. ويقول ابراهيم (18 عاما)، وهو اسمه المستعار، بتأثر واضح عكسته نظراته الخجولة وصوته الخافت "ارتفعت معنوياتي كثيرا بعدما تعلمت اصول مهنة تنسيق الزهور. في الشارع كنت اسمع كلاما غير لائق، لكنني هنا تعلمت الاحترام المتبادل ومصلحة جديدة".

وانضم ابراهيم وهو لاجئ سوري يقيم في لبنان منذ اربع سنوات مع 23 مراهقا سوريا ولبنانيا الى برنامج تدريب مهني نظمته جمعية الانقاذ الدولية في لبنان، بعد مشاركته مطلع العام في نشاطات دعم نفسي وترفيه وتواصل نظمتها الجمعية اسبوعيا في منطقة برج حمود الفقيرة في ضاحية بيروت الشمالية. ويوضح اثناء ترتيبه باقات الورود داخل متجر في منطقة الكولا "لم يكن لدي اي فكرة عن هذا المجال، تعلمت اولا تنظيف الورود وترتيبها وكيفية ريها وتنسيق الباقات". ويضيف "انهيت تدريبي قبل شهرين وتغيرت مشاعري كثيرا. بين الورود انسى ما حل بنوانسى همومنا".

ولا تختلف تجربة ابراهيم عن تجربة رائد (16 عاما) اللاجئ من سوريا الذي تلقى ايضا تدريبا لدى احد متاجر الزهور في منطقة الجناح على اطراف العاصمة. ويقول وهو يرش باقات الزهور المركونة على الرفوف "حفظت اسماء الورود كلها واحبها إلي الكريزانتام (الاقحوان) والليليوم (الزنبق)". ويستقر رائد، وهو اسمه المستعار، مع عائلته المؤلفة من والديه وخمسة اشقاء هو اكبرهم في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين الغارق في الفقر والحرمان في جنوب العاصمة بعدما فروا من حي الاشرفية في مدينة حلب في شمال سوريا اثر بدء المعارك فيها قبل ثلاثة اعوام.

ويقول "قبل انضمامي للبرنامج، كنت ابقى في المنزل واحيانا امسح الاحذية او ابيع البضائع على الكورنيش لكنني منذ ثلاثة اشهر بدأت الحضور الى محل الزهور بمعدل ثلاثة ايام اسبوعيا". ويضيف هذا الفتى الذي صبغت اشعة الشمس الحارقة وجنتيه وجسده الهزيل "اعجبتني الفكرة كثيرا وامل عندما اعود الى سوريا ان اتمكن من فتح متجر زهور خاص بي".

ويتجاوز عدد الاطفال الذين يعيشون أو يعملون في الشوارع في لبنان عتبة 1500 طفل، معظمهم من الأطفال القادمين من سوريا (75 في المئة)، وفق تقرير صادر في شباط/فبراير الماضي عن منظمة العمل الدولية بالتعاون مع منظمة اليونيسف وجمعية انقاذ الطفل ووزارة العمل اللبنانية. لكن معدي التقرير يقولون ان العدد الحقيقي لاطفال الشوراع قد يكون اكبر بثلاث مرات.

ويشكل الأطفال المنخرطون في التسول وفق التقرير غالبية بين الأطفال العاملين في الشوارع (43 في المئة)، يليهم الباعة المتجولون (37 في المئة). وتقول سارة مابغر المسؤولة عن مشروع الاطفال العاملين في الشوارع في جمعية الانقاذ الدولية ان الهدف من برنامج التدريب المهني "هو اعطاء الاطفال فرصة لاكتساب مهارات محددة من شأنها ان تساعدهم في حياتهم المستقبلية، وفي الوقت ذاته خفض ساعات عملهم في الشوارع حيث نعتقد انهم معرضون للعديد من المخاطر".

ويتعرض اطفال الشوارع، وفق تقرير منظمة العمل الدولية وشركائها الى مخاطر عدة بينها حوادث السير والاعتداء الجنسي او الاغتصاب. ويفيد تقرير صادر مطلع شهر تموز/يوليو عن منظمة اليونيسف بالتعاون مع جمعية انقاذ الطفولة بعنوان "اياد صغيرة اعباء ثقيلة"، بان الاطفال العاملين في شوارع بيروت في بيع الطعام والعصير وحمل اكياس البقالة وتلميع الاحذية وفي مواقف السيارات والتسول يجنون مبلغا يتراوح بين ثلاثة دولارات و12 دولارا، فيما ينال الاطفال في اعمال غير مشروعة بينها الدعارة مبلغا يتراوح بين 21 و36 دولارا في اليوم الواحد.

ويخول مشروع التدريب المهني الاطفال الحصول على مبلغ صغير من الجمعية مقابل التزامهم بمتابعة تدريبهم في مؤسسات معينة في بيروت وجبل لبنان. وتجاوب عدد من اصحاب محال بيع الزهور والثياب والحلويات والمقاهي مع مبادرة الجمعية ووافقوا على تدريب الاطفال خلال ثلاثة اشهر. ويقول فادي جابر (39 عاما) وهو مدير متجر للزهور "عرضت الجمعية علينا استقبال رائد لانتشاله من الطريق وتعليمه اصول المصلحة ورحبنا بالفكرة"، مضيفا "اذا رغب العمل في هذا المجال سيعود الى بلده وبيده حرفة عوض ان يضيع مستقبله على الطريق". ويؤيد ابراهيم الدامرجي (62 عاما)، مالك محل الزهور حيث تلقى ابراهيم تدريبه ما يقوله جابر. ويضيف "سيصبح متمكنا من حرفة يواجه بها المستقبل".

وفي شارع رئيسي في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، يتدرب اسعد وهو شاب لبناني ينحدر من حي فقير في مدينة طرابلس في شمال لبنان داخل فرن لا يفرغ من رواده. ويعاني اسعد (20 عاما) وهو الابن البكر لعائلة مؤلفة من سبعة فتيان وفتاتين من صعوبة في النطق والتعبير، لكن ذلك لا يمنعه من القول "تعلمت اعداد العجين وكمية الملح التي يجب ان نضعها وكيف نرق الخبز ونرتبه فور نضوجه". ويضيف "العمل هنا افضل من البقاء في المنزل او الشارع". بحسب فرانس برس.

وبتأثر واضح، يقول صاحب الفرن قاسم محمد (30 عاما) وهو سوري الجنسية "خرجت من سوريا وكنت صغيرا في العمر لكنني وجدت من اعطاني فرصة، واليوم اردت بدوري ان اعطي هذه الفرصة لمن يحتاجها". وبعد انتهاء التدريب، لا يملك القيمون على البرنامج اي ضمانة بعدم عودة الاطفال الى الشارع لكنهم ياملون الحصول على تمويل يمكنهم من استكمال المشروع مع من اظهر التزاما ورغبة بالخروج من الشارع. ويقول رائد بحماس "اقسمت يمينا الا اعود مجددا الى الشارع".

اضف تعليق