قرر الاتحاد الأوروبي وفي ظل تنامي أعداد المهاجرين والضغوط الدولية، التي ازدادت بسبب الحوادث والأخطار المتكررة التي أودت بحياة العديد من البشر، خوض حربا جديدة ضد عصابات التهريب التي نشطت وتوسعت بشكل كبير في الفترة الأخيرة وحققت الكثير من الأرباح كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان هذه الحرب ربما قد تطول خصوصا مع انتشار مافيا التهريب في العديد من الدول، يضاف الى ذلك ارتباطاتها المتشعبة بجهات ومؤسسات وشخصيات متنفذه تسعى، الى الحصول على مكاسب مالية غير مشروعة خصوصا مع تنامي رقعة الفساد في العديد من الدول.
وقرر الاوروبيون زيادة ضغطهم على مهربي المهاجرين في المتوسط بالتدخل ضدهم بشكل مباشر حتى عبر استخدام القوة، في المياه الدولية قبالة ليبيا. وكان الاتحاد الاوروبي وافق على استخدام القوة العسكرية لمكافحة مهربي المهاجرين الذين يعملون انطلاقا من ليبيا، بما في ذلك مصادرة زوارقهم، في اطار تعزيز عمليته البحرية في المتوسط. واصبح بأمكان السفن الحربية الاوروبية التدخل ضد المهربين. وستشارك في هذه العملية او الحرب الجديدة بحسب بعض المصادر، اربع سفن وحاملة طائرات ايطالية واربع طائرات و1318 عسكريا من 22 بلدا اوروبيا، بحسب المسؤولة الاوروبية. وكانت هذه العملية تقتصر على مراقبة انطلاقا من المياه الدولية للشبكات الاجرامية التي ترسل يوميا من السواحل الليبية مراكب هشة محملة بالمهاجرين الى ايطاليا.
بعض الخبراء اشار الى ان القوانين والإجراءات الأخيرة التي اعتمدتها بعض الدول الأوربية ضد المهاجرين مثل اغلاق الحدود وإتباع أساليب القمع والترهيب ربما ستؤدي إلى تفاقم مشكلة تهريب البشر حيث ستسعى هذه العصابات الى زيادة اجورها واتباع اساليب جديدة قد تضر بالمهاجرين وتزيد معاناتهم.
30 الف مهرب
وفي اعقاب الصدمة الناجمة عن صور الطفل السوري الذي مات غرقا وعثر على جثته على رمال شاطىء تركي، وضعت السلطات الاوروبية في رأس اولوياتها هدفا يقضي بمحاربة جيش من 30 الف مهرب تشتبه في انهم يتاجرون بالبشر. وقال روبرت كريبينكو المسؤول عن مكافحة شبكات الجريمة المنظمة في اطار المكتب الاوروبي للشرطة (يوروبول) "هذه اولويتنا بالتأكيد ليس من قبل اليوروبول فقط، بل على صعيد جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي".
واضاف كريبينكو ان الاتجار بالبشر لا يشكل خطرا كبيرا على الراغبين في الهجرة فقط بل يمثل "تحديا كبيرا لجميع الدول الاعضاء ايضا، سواء على الصعيد الانساني او الامني". فهذه التجارة القاتلة التي تؤمن مليارات الدولارات، تتغذى من احباط عدد متزايد من الاشخاص الهاربين من الحرب والفقر المتفشيين في بلدان مثل سوريا وافغانستان واريتريا والصومال.
وتستخدم عصابات المهربين التي تدأب على تنظيم عملها شبكات التواصل الاجتماعي ومسارات تعرفها ووسائل سريعة لايصال اعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين الى اوروبا. ففي تموز/يوليو الماضي، اطلق الاتحاد الاوروبي عملية واسعة النطاق لمكافحة المهربين في البحر المتوسط وجمع في البداية معلومات قبل ان يستعد للتحرك عسكريا، لاعتراض سفن المهربين قبالة السواحل الليبية.
وحددت السلطات الاوروبية مجموعة دولية قوامها "30 الف مشبوه به" في كل انحاء اوروبا ينشط ثلاثة آلاف منهم في البحر المتوسط وينتمي بعضهم الى بلدان ليست اعضاء في الاتحاد الاوروبي يتبادل اليوروبول معها المعلومات، كما قال كريبينكو. واضاف ان هؤلاء المهربين من مختلف الجنسيات والاديان يضعون خلافاتهم جانبا من اجل التعاون في شأن كل حالة على حدة، حسب الحاجات وحيث يمكنهم ان يكسبوا المال. ومثال ذلك الشبكة التي كشفت في اليونان وكانت تضم ستة عشر مهربا هم رومانيان ومصريان وباكستانيان وسبعة سوريين وهندي وفيليبيني وعراقيا.
وهؤلاء المهربون الذين كسبوا خلال بضعة اشهر حوالى 7,5 ملايين يورو، كانوا يوصلون الى اوروبا سوريين من خلال تهريبهم بأوراق مزورة من تركيا الى اليونان، سواء عبر طرق بحرية وجوية او برية. واكدت ايزابيلا كوبر المتحدثة باسم الوكالة الاوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس)، ان الاتجار بالبشر الذي يشبه احيانا الاستعباد الجنسي والاستغلال في وظائف بأجور زهيدة، هو "التجارة الاكثر ربحا على ما يبدو" من كل الانشطة الاجرامية، ويتخطى حتى تجارة الاسلحة وتجارة المخدرات.
ويدأب المهربون على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وسواه للتعريف بخدماتهم والتفاوض على اسعارها وتنظيم مسارات المهاجرين، كما ذكر الانتربول وفرونتكس. ففرونتكس التي تتقاسم معلوماتها مع البلدان الاعضاء في الاتحاد الاوربي، كشفت شبكة يقودها اريتريون وترسل مهاجرين من هذا البلد الى ليبيا مرورا بالسودان، على ان يصلوا في النهاية الى ايطاليا خصوصا، كما قالت كوبر. بحسب فرانس برس.
وفي افريقيا الغربية وجنوب الصحراء، يستخدم المهربون مجموعة كاملة من الشاحنات والملاجىء لاستقدام المهاجرين الى ليبيا. وأحدى الطرق المستخدمة تمر بغانا وبوركينا فاسو والنيجر. وعندما يصل المهاجرون الى ليبيا، ترسلهم شبكات متخصصة لاجتياز البحر المتوسط على متن سفن صيد او زوارق مطاطية صغيرة "استوردوها من الصين" كما تعتقد فرونتكس، ويحملونها اكثر من قدرتها الاستيعابية. وتفيد شهادات تسلمتها فرونتكس، ان بعض المهربين ارغموا مهاجرين على الصعود الى زوارق قديمة مهددين اياهم بالمسدسات بعدما ادرك هؤلاء خطورة الابحار على متنها، كما قالت كوبر. وخلصت كوبر الى القول ان ليبيا هي "منجم ذهب للمهربين" لان لا وجود فعلا للقانون فيها.
عملية صوفيا
اطلق الاتحاد الاوروبي اسم صوفيا على عمليته البحرية لمكافحة شبكات مهربي اللاجئين في البحر المتوسط، وهو اسم فتاة ابصرت النور بعد انقاذ مهاجرين على مركب كان يواجه صعوبات، كما اعلن مصدر رسمي. وقال المجلس الاوروبي الذي يمثل الدول ال28 الاعضاء في الاتحاد في بيان ان العملية التي كانت تقتصر على مراقبة عن بعد للشبكات التي تنشط انطلاقا من السواحل الليبية، ستنتقل الى مرحلة اكثر هجومية في وقت لاحق من هذا الشهر.
واوضح البيان ان القرار اتخذه السفراء في اللجنة السياسية والامنية للاتحاد. واضاف انهم "وافقوا ايضا على اطلاق اسم صوفيا الطفلة التي ابصرت النور على سفينة انقذت والدتها في 22 آب/اغسطس الماضي قبالة سواحل ليبيا". وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني صرحت انها تنوي ان تقترح على الاوروبيين تغيير اسم العملية ليصبح صوفيا. وكانت العملية الاوروبية تقتصر حتى الآن على مراقبة انطلاقا من المياه الدولية للشبكات الاجرامية التي ترسل يوميا من السواحل الليبية مراكب هشة محملة بالمهاجرين الى ايطاليا.
وقالت موغيريني "لكن اعتبارا من تشرين الاول/أكتوبر وبدلا من الاكتفاء بجمع المعلومات سنكون قادرين على اعتراض هذه السفن (المهربين) وتفتيشها ومصادرتها". وتهدف العملية الى منع هؤلاء المهربين من اطلاق سفن محملة بالمهاجرين وحتى اعتراضهم عندما يدخلون المياه الدولية لمواكبة هذه الزوارق. واكدت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ثقتها بان هذه المهمة "ستكون فعالة جدا" وان كانت تقتصر حاليا على المياه الدولية، بانتظار ضوء اخضر من مجلس الامن الدولي وموافقة الحكومة الليبية للعمل في المياه الاقليمية الليبية. وقالت ان "احد الاساليب التي يلجأ اليها المهربون هو مواكبة المهاجرين وهذا الامر سيصبح صعبا عليهم".
وقالت موغيريني ان العملية الاوروبية رصدت في الاسابيع الاخيرة عشرين مركب "مواكبة" 17 منها ليبية وثلاث مصرية كان يمكن للعسكريين ان يتدخلوا ضدها لو كانت المرحلة الثانية قد اطلقت. وقالت ان "احد الاساليب التي يلجأ اليها المهربون هو مواكبة مواكبة المهاجرين وهذا الامر سيصبح صعبا عليهم".
واوضح المتحدث باسم هذه العملية انطونيلو رينزيس سونينو ان العملية تتألف من اربع مراحل، موضحا انه في المرحلة الثالثة يمكن ان تتخذ كل الاجراءات الممكنة ضد المهربين على الاراضي الليبية وليس في المياه الاقليمية فقط. واضاف ان المرحلة الرابعة تقضي خصوصا بانهاء المهمة وتراجع الوحدات المنفذة لها.
من جانبها حذرت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن الآلاف من اللاجئين قد يجدون انفسهم طي النسيان من الناحية القانونية فيما تعتمد الدول الاوروبية شروط دخول مختلفة من اجل التعامل مع سيل الوافدين. ودعت المفوضية الى تأسيس مراكز استقبال كبرى يديرها الاتحاد الاوروبي في البلدان التي يصل اليها الوافدون للمرة الأولى. جاء هذا فيما أعلنت المانيا اعادة العمل بالاجراءات الحدودية على حدودها مع النمسا. وتعانى أوروبا من التدفق الهائل للمهاجرين معظمهم من سوريا، والبعض من افغانستان واريتريا وبعض الدول الأخرى التى يهرب مواطنيها من الفقر والعنف.
ورفض العديد من اللاجئين تسجيل أسمائهم فى بعض الدول مثل اليونان والمجر تخوفاً من تأثير ذلك على إمكانية منحهم حق اللجوء فى المانيا، وبعض الدول الاوروبية الأخرى. ويتدفق المهاجرون إلى أوروبا عبر اليونان، إلى مقدونيا، ثم صربيا، ثم المجر، ومنها إلى النمسا والمانيا. وقال المستشار النمساوي "ويرنر فيمان": "إن القوات النمساوية تنتشر لتقديم المساعدات الانسانية داخل النمسا، إلا إنها قد تذهب إلى الحدود في حالة الضرورة".
بينما قال "رينهولد ميترليهنر" نائب المستشار النمساوي: "فى حالة قيام ألمانيا بإجراء التشديدات الأمنية على الحدود، فإن النمسا يجب عليها إحكام السيطرة على حدودها، وهو ما نفعله الأن". وفرضت ألمانيا سيطرتها على الحدود، إذ وضعت قوات الأمن الحواجز على الطرق السريعة. وأفادت وسائل إعلام محلية بإلقاء القبض على 25 من المشتبه بكونهم مهربين، وبالرغم من ذلك فإنه ليس هناك دليل على منع اللاجئين وصدهم عن إكمال مسيرتهم.
وتعتبر الإجراءات الألمانية على الحدود مخالفة لاتفاقية "شينغن" التي تسمح بحرية الحركة بين 26 من الدول الأوروبية بالرغم من حالات التعليق المؤقت. وقال وزير الداخلية الألمانى "توماس دى مايزيرى": إن الهدف من تلك الإجراءات هو الحد من التدفق الحالى للاجئين إلى ألمانيا، والعودة إلى الإجراءات المتبعة سابقا لدخول البلاد.
المهربون البلغار
الى جانب ذلك مع ان بلدهم بعيد عن طريق البلقان الرئيسية الى اوروبا الغربية، يلعب المهربون البلغار دورا اساسيا في الشبكات الدولية المزدهرة في ازمة الهجرة، خصوصا بفضل جوازات سفرهم الاوروبية. وفي مؤشر رمزي، كان خمسة من المهربين الستة الذين اوقفوا بعد موت 71 مهاجرا اختناقا في نهاية آب/اغسطس الماضي في النمسا، مواطنين بلغار بينما لم يمر اي من هؤلاء المهاجرين عبر بلغاريا.
ففي هذا البلد الصغير الواقع في منطقة البلقان بين تركيا وصربيا، بين الشرق الاوسط واوروبا، تملك شبكات الاجرام تاريخا طويلا في التهريب وتهريب المخدرات والبشر. وكان تقرير لوزارة الخارجية الاميركية اكد ذلك مؤخرا. وقال ان بلغاريا تبقى "احدى الدول الرئيسية في تهريب الاشخاص داخل الاتحاد الاوروبي"، مشيرا الى ان كل هذا يجري في جو من الافلات من العقاب نسبيا.
وقالت كاميليا ديميتروفا الامينة العام للجنة الحكومية البلغارية لمكافحة الاتجار بالبشر "كان من السهل تحويل الطرق التي يسلكها المهربون الى قنوات عبور للمهاجرين الذين يكونون في اوضاع صعبة ومستعدين للمجازفة". من جهة اخرى، قال المحلل تيهومير بيزلوف الخبير في الاجرام في مركز الدراسات الديموقراطية في صوفيا ان "بلغاريا تملك تاريخا عريقا في النقل البري الدولي. وهي تملك اكبر عدد من سائقي الشاحنات في العالم بعد تركيا". وذكر بان "البلغار بصفتهم من مواطني الاتحاد الاوروبي، يتقدمون على الاتراك في امكانية السفر في اوروبا بدون تأشيرات دخول".
وفي هذا الاطار، كان التدفق على البلقان لاكثر من 340 الف مهاجر مستعدين لدفع آلاف اليوروهات للانتقال الى الغرب مصدر رزق حقيقي للشبكات الاجرامية البلغارية. الى درجة ان "ضغط الهجرة الى اوروبا يتطلب اليوم مشاركة الجزء الاساسي من الشبكات الاجرامية لان ذلك يسمح بتحقيق ارباح بسرعة"، على حد قول وزيرة الداخلية البلغارية روميانا باتشفاروفا.
وتشكل بلغاريا سوقا للمهربين. فقد افادت تقديرات لخبراء ودبلوماسيين في صوفيا ان اكثر من 16 الف مهاجر تسجلوا فيها هذه السنة وعدد الذين يمرون سرا اكبر بمرتين على الاقل. وتفسير ذلك هو ان معظم المهاجرين يحاولون مغادرة البلاد في اسرع وقت ممكن بدون تسجيل انفسهم فيها لتجنب احتجازهم لاشهر في مراكز ايواء. وهؤلاء هم الزبائن المفضلون للمهربين. وفي هذا السياق تشهد فيدين افقر منطقة في الاتحاد الاوروبي على الحدود الصربية عددا متزايدا من الافراد العاديين يتورطون في تهريب المهاجرين. بحسب فرانس برس.
وقال تيهومير بيزلوف ان "سكانا على الحدود يكسبون بعض المال بنقل مهاجرين بسياراتهم وتوجيههم الى صربيا". من جهته، صرح فلاديسلاف فلاتشيف الناطق باسم نيابة فيدين حيث ارتفع عدد القضايا ضد مهربين ثلاثة اضعاف في الفصل الاول من 2015 ان "كل وسيلة نقل جيدة الحافلة والسيارة والزورق... لكن الحافلات افضل لانها تسمح بكسب مبالغ اكبر". من جهته، اكد اتاناس اتاناسوف الذي يترأس لجنة برلمانية في هذا الشأن ان نجاح الشبكات البلغارية يرجع جزئيا الى تواطؤ بعض رجال الشرطة. وصرح لشبكة نوفا التلفزيونية ان "فعالية المهربين تعتمد على غياب فاعلية اجهزة الامن التي تحصل على حصتها".
من جانب اخر قال مدعون هولنديون إنهم اعتقلوا اثنين من السوريين يشتبه بأنهما يديران عصابة كبيرة لتهريب البشر جلبت مئات اللاجئين السوريين إلى أوروبا. وجاء اعتقال السلطات الهولندية لسوري يبلغ من العمر 35 عاما ويعيش في مدينة ايندهوفن الجنوبية وابن عمه البالغ من العمر 26 عاما بعد تحقيقات استمرت عاما.
وذكر بيان أن العصابة اتصلت باللاجئين في تركيا في بادئ الأمر حيث عرضت عليهم رحلات بالقوارب الى اليونان وايطاليا مقابل سبعة آلاف يورو (حوالي ثمانية آلاف دولار). وتتكلف الرحلة البرية الى دول اوروبية اخرى بينها الدنمرك والسويد والمانيا ما يصل الى 1500 يورو اضافية. ويوفر المهربون بعدها سيارات وسائقين للاجئين الذين يعبرون اليونان والنمسا والمجر.
واضاف البيان "بالتعاون مع اخرين قام بتهريب عدد كبير من السوريين الموجودين في ايطاليا الى هولندا ودول اخرى في غرب اوروبا." وقال الادعاء العام إن النقود التي يدفعها العملاء بالتحويلات النقدية تم توصيلها "سرا من خلال احد المصرفيين" الى هولندا. وجرت التحقيقات الهولندية بتعاون من السلطات الالمانية والايطالية والنمساوية والمجرية وتنسيق اليوروبول.
اضف تعليق