تثير أحجام صادرات العراق النفطية الجدل، خاصة مع تجاوزه في غالبية الأحيان الحصة المقررة له وفق تخفيضات تحالف أوبك+، لكن ربما يكمن جانب من التفسير لدى أربيل، ويبدو أن شحنات نفط كردستان المهربة لها دور كبير في عدم التزام بغداد بتخفيضاته؛ إذ تواصل الضخ إلى إيران وتركيا دون الإبلاغ عنها بصورة رسمية سابقًا...
تثير أحجام صادرات العراق النفطية الجدل، خاصة مع تجاوزه في غالبية الأحيان الحصة المقررة له وفق تخفيضات تحالف أوبك+، لكن ربما يكمن جانب من التفسير لدى العاصمة الكردستانية أربيل، ويبدو أن شحنات نفط كردستان المهربة لها دور كبير في عدم التزام بغداد بتخفيضاته؛ إذ تواصل الضخ إلى إيران وتركيا دون الإبلاغ عنها بصورة رسمية سابقًا، حسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تزداد التساؤلات حول أسباب عدم تسجيل عائدات الصادرات غير القانونية في خزينة إقليم كردستان، ودور شركات النفط المطورة في الإقليم، يشار إلى أن صادرات إقليم كردستان النفطية كانت تتنقل بصورة قانونية عبر خط أنابيب "كركوك-جيهان" حتى العام الماضي، غير أن إغلاق الخط بحكم قضائي إثر الخلاف بين أربيل وبغداد جمّد عمل هذا المنفذ.
الشحنات المهربة
لا يلتزم العراق -غالبية الأحيان- بحصّته المقررة وفق تخفيضات أوبك+، وربما تتعدد أسباب ذلك، لكن يظل أبرزها الصادرات غير الرسمية المهربة من نفط كردستان، ومع إغلاق القناة الرسمية الوحيدة للتصدير من الإقليم (خط أنابيب كركوك الذي يربط الإقليم بميناء جيهان التركي)، اختارت أربيل أن تلجأ لتهريب الشحنات عبر شاحنات وصهاريج النقل.
وكانت إيران وجهة لما يزيد عن 1000 شاحنة تضم 200 ألف برميل يوميًا، وبمعدل يقلّ عن ذلك إلى تركيا أيضًا، وفق ما نقلته رويترز عن مصادر عراقية حكومية وسياسية، وكذلك كردية، لم تسمّها، وتُقدَّر عوائد هذه التجارة بنحو 200 مليون دولار شهريًا لا تُدرَج في خزينة حكومة إقليم كردستان، في حين كشف رئيس لجنة النفط السابق في البرلمان الكردستاني "علي هوما صالح" أن الشحنات المهرّبة تتجاوز 300 ألف برميل يوميًا، غير معلومة العوائد.
وفجّر صالح مفاجأة بقوله، إن حكومة الإقليم، وكذلك الحكومة الاتحادية، تعلم بتهريب نفط كردستان عبر مسارات برّية إلى المعابر الحدودية، واتفق معه مسؤول في وزارة الموارد الطبيعية بالإقليم، إذ أشار إلى أن 200 ألف برميل تُنقل عبر الشاحنات يوميًا إلى إيران وتركيا، من أصل 375 ألف برميل تُنتج في كردستان يوميًا، مشيرًا إلى أن البراميل المتبقية بعد الشحنات المهربة تُستعمل في التكرير محليًا.
أوبك+ والسوق السوداء
لم يعلن العراق -رسميًا- حجم صادرات نفط كردستان، غير أن البيانات تشير إلى تكرار عدم التزام أوبك+ بتخفيضات الإنتاج، وفق بيانات مسح حديث نشرت تفاصيله منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) في وقت سابق.
وكشف المسح أن إنتاج بغداد ارتفع بنحو 40 ألف برميل يوميًا في شهر يونيو/حزيران الماضي، لتسجل إنتاج إجمالي وصل 4.2 مليون برميل يوميًا، بزيادة 200 ألف برميل عن حصتها التي أقرّها تحالف أوبك+.، وبذلك، لم ينجح العراق في الالتزام بحصّته طوال الأشهر الـ6 الأولى من العام الجاري 2024، ما دفع مسؤولين لتفسير مصدر الإنتاج الإضافي بالكميات المنتجة والمهربة من إقليم كردستان.
ورجّح عضو معهد بيكر التابع لجامعة رايس في مدينة هيوستن الأميركية، جيم كرين، عدم ملاحقة منظمة أوبك حكومة بغداد بأيّ إجراءات لمخالفتها حصص الخفض نتيجة الشحنات المهربة، نظرًا لأن إقليم كردستان خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية، وفق قوله.
ويمكن القول بأن صادرات نفط كردستان المهرّبة إلى إيران وتركيا أحدث حلقات تجارة سوق النفط السوداء لدى العراق، والتي طالما عانى منها القطاع، لاقتصار عوائدها على مجموعة من النخب وعدم استفادة خطط التطوير منها.
اتهامات متبادلة
وصف تاجر نفط كردستاني ما يتعرض له قطاع النفط في البلاد بأنه يشبه "المتاهة"، مؤكدًا أن هناك موافقات على هذه الصادرات، بغضّ الطرف عنها مقابل نسبة، في حين حذّر دبلوماسي من تأثير انتظام الصادرات المهربة في مساعي إحياء خط كركوك-جيهان.
ومقابل ذلك، اتّهم مسؤول برلماني حكومة بغداد بالتهرب من توجيه الانتقادات لإقليم كردستان حول شحنات النفط المهربة، في محاولة لتجنّب اشتعال الخلافات مرة أخرى مع أربيل، ودافع المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، ضد الاتهام الموجّه لبغداد، مشيرًا إلى أن تهريب نفط كردستان لم يجرِ بموافقة الحكومة، وأن شركة "سومو" الحكومية هي الجهة الوحيدة المخوّلة ببيع الخام العراقي وتسويقه، وأقرّ جهاد بافتقار حكومة بغداد لأرقام مؤكدة ودقيقة حول صادرات نفط كردستان إلى إيران وتركيا، خارجيًا، قد تؤجّج شحنات نفط كردستان المهربة إلى إيران وتركيا خلافًا مع أميركا، خاصة إذا قدّرت واشنطن هذه الخطوة بوصفها انتهاكًا لعقوباتها ضد طهران.
شركات النفط في كردستان
حتى مارس/آذار 2023، وقبل توقُّف خط الأنابيب الرسمي الرابط بين العراق وتركيا الممتد بين مدينة كركوك الكردستانية وميناء جيهان، كان الإقليم يصدّر 450 ألف برميل يوميًا عبر الخط، وأقرّت محكمة دولية بوقف الصادرات عبر الخط وأحقية حكومة بغداد وحدها في بيع النفط العراقي، بعد اتهام الأخيرة أنقرة بتجاوزها والتنسيق مع حكومة كردستان.
وحتى تتمكن شركات النفط العالمية من تجاوز خسائر توقُّف الخط، تبيع الشركات خام الإقليم المنتَج إلى مشترين محليين بأسعار تتراوح بين 30 و40 دولارًا للبرميل، بأرباح تصل إلى 200 مليون دولار شهريًا، وعقب ذلك، يبيع المشترون المحليون نفط الشركات إلى وسطاء يتولّون تصديره، دون علم الشركات بوجهات الشحنات.
اضف تعليق