أصدرت 31 دولة بيانا مشتركا أعربت فيه عن قلقها من انتهاك الحريات في مصر وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وطالبت هذه الدول مصر بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي...
تواصل السلطات المصرية انتهاكات حقوق الإنسان وتقييد الحريات الأساسية، وقد وثقت العديد من المنظمات الدولية في السنوات الاخيرة، الكثير من الوقائع المؤلمة بحق ناشطين وسجناء سياسيين، وتواجه مصر وبحسب بعض المصادر انتقادات دولية مستمرة بشأن تقييد الحريات وتوقيف معارضين، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو وزير دفاع سابق، إثر فوزه في أول انتخابات رئاسية في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق الراحل، محمد مرسي، صيف 2013.
ودأب السيسي في الأعوام الماضية على اتهام المعارضين لنظامه بأنهم يريدون تخريب البلاد وتضييع إنجازات حكومته، وحذر أكثر من مرة بأن ما حدث إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 من تغيير جماهيري للنظام لن يتكرر مرة أخرى في عهده، وفيما يخص اخر مستجدات هذا الملف فقد أصدرت 31 دولة بيانا مشتركا أعربت فيه عن قلقها من انتهاك الحريات في مصر وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وطالبت هذه الدول مصر بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى.
وأبرز الدول الموقعة على هذا البيان هي دول أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وأوضحت كريستي كوبي سفيرة فنلندا لدى الأمم المتحدة في جنيف: "إننا نشعر بقلق بالغ إزاء تطبيق قانون الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان والمثليين والصحافيين والسياسيين والمحامين". وتابعت في البيان المشترك: "نحث مصر على إنهاء استخدام تهم الإرهاب لإبقاء المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في الحبس الاحتياطي المطول".
من جهتها، عبرت وزارة الخارجية المصرية عن "شديد الاستغراب والاستهجان" للبيان الصادر بحقها. ويوجد في مصر أكثر من 60 ألف معتقل رأي وفق منظمات غير حكومية. وتسعى الدول الموقعة على البيان إلى الضغط على السلطات المصرية لتطبق بشكل سليم قانون الجمعيات الأهلية الذي أقر عام 2019 ويسهل أنشطة المنظمات، وفق ما أفاد دبلوماسي أوروبي شارك في صياغة البيان.
اتهامات مستمرة
في السجون المصرية المكتظة، يواجه السجناء السياسيون المصريون خطر البقاء لسنوات طويلة بسبب اتهامات جديدة قد توجهها لهم السلطات الأمنية قبل إخلاء سبيلهم، ما يعني تمديد حبسهم تلقائيا الى مدة غير معروفة. وبات الناشطون الحقوقيون والمحامون يطلقون على هذه الظاهرة اسم "التدوير"، في إشارة الى إعادة توجيه الاتهامات نفسها تقريبا ولكن في قضايا جديدة، بهدف واضح هو عدم خروج المعتقلين من السجن. وبذلك ينتقل السجناء كمتهمين من قضية الى أخرى ما قد يؤدي الى بقائهم في الحبس سنوات طويلة حتى لو صدر قرار بإخلاء سبيلهم في القضية الأساسية التي احتجزوا بسببها.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تم توقيف الصحافية سولافة مجدي (33 عاما) وزوجها المصور الصحافي حسام السيد وصديق لهما في مقهى في ضاحية راقية بالقاهرة. وتم توجيه اتهامات للثلاثة بالانضمام الى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. في آب/اغسطس 2020، وجهت الى مجدي اتهامات في قضية جديدة بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أثناء وجودها في الحبس في حين لم يكن مسموحا لها باستخدام أي هاتف داخل السجن.
وتقول تغريد زهران، والدة سولافة مجدي التي ترعى ابن الزوجين المحبوسين خالد، "ابنتي (متهمة) في قضيتين الآن وهذا في حد ذاته مصيبة". وتضيف "أريد أن ينتهي هذا الكابوس.. نريد أن نفيق منه وأن نعيش حياتنا الطبيعية.. ما نمرّ به غير طبيعي". وفي مطلع شباط/فبراير، قالت منظمة العفو الدولية إن مجدي أجبرت على إجراء فحص مهبلي ما أدى الى إصابتها بنزيف حاد وإنه تم تجريدها من ملابسها لتفتيشها وتعرضت لضرب عنيف من حراس السجن.
وتتساءل والدتها "كيف يمكن أن توضع أمّ في السجن وابنها عمره سبع سنوات؟. اذا استمر الحال هكذا، ستجده مراهقا عندما تخرج.. قلبي يتمزق عليها طوال الوقت". وتقول المنظمات الحقوقية إن قرابة 60 ألف سجين سياسي موجودون في السجون المصرية بينهم إسلاميون وعلمانيون وأكاديميون وصحافيون ومحامون وفنانون. وتخشى مديرة الإدارة القانونية في مركز التحرير لسياسات الشرق الاوسط في واشنطن مي السعدني أن يكون تمديد الحبس الاحتياطي "إجراء عقابيا" تلجأ إليه السلطات لإسكات المعارضين منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في العام 2014. بحسب فرانس برس.
وبحسب القانون المصري، يمكن أن يستمر الحبس الاحتياطي لمدة عامين. وتقول السعدني "يمكن لسجين يتوقع أن يتمّ الإفراج عنه بعد انتهاء فترة حبسه الاحتياطي أو على الأقل إحالته الى القضاء وبدء محاكمته، أن يتعرض في الواقع لإعادة تدوير الاتهامات الموجهة اليه في قضايا جديدة بدون حدود... لا نهاية في الأفق". وتشعر السعدني بالقلق على السجناء المحبوسين وفقا لهذا النظام الذي لا يوجد آلية قانونية للاعتراض عليه.
وتقول السعدني "أصبح طبيعيا أن يتم حبس المتهمين احتياطيا بعد توقيفهم بدلا من إخلاء سبيلهم الى حين محاكمتهم، وأصبح طبيعيا أن يُمنع المحامون من الاطلاع على ملفات القضايا والأدلة والتحقيقات، وأصبح +طبيعيا+ أن يتم تمديد الحبس الاحتياطي". وأشرف الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عزَل الجيش المصري الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي من الرئاسة في انقلاب عسكري عام 2013 على حملة واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية تم تشديدها في السنوات الأخيرة، وقال السيسي إنه لا يوجد سجناء سياسيون في مصر وإن الاستقرار والأمن لهما أهمية قصوى.
مزاعم وأحاديث
من جانبها وصفت مصر ما ورد في بيان لأكثر من 30 دولة في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن، قائلة إن الحديث عن وقوع انتهاكات في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبارة عن "مزاعم" و"أحاديث مُرسلة". وكانت فنلندا قد ألقت بيانًا مشتركًا بالإنابة عن 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، أعربت خلاله عن "قلقها العميق" إزاء وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في مصر وملاحقة المعارضين.
وقالت وزارة الخارجية المصرية، إن البيان "تضمّن مزاعم وادعاءات حول أوضاع حقوق الانسان في مصر"، وعبرت عن "رفضها التام لما تضمنه ذلك البيان من أحاديث مُرسَلة تستند الى معلومات غير دقيقة". وأكدت الخارجية المصرية، في بيان لها، "شديد الاستغراب والاستهجان لعدم الاستعانة بما يتم توضيحه لهذه الدول من حقائق ومعلومات حول أوضاع حقوق الانسان في مصر". بحسب CNN.
ودعت الخارجية المصرية إلى "ضرورة المراجعة المدققة لمثل هذا الكلام المرفوض، مُطالِبةً هذه الدول بالتوقف عن توجيه اتهامات تعبّر فقط عن توجُّه سياسي غير محمود يتضمن مغالطات دون أسانيد". ومن المقرر أن تلقي مصر من خلال بعثتها في جنيف ببيان أمام مجلس حقوق الإنسان، وقالت الخارجية المصرية إنها "سيسلط الضوء على أوجُه القصور داخل تلك الدول صاحبة البيان المشترك، بما في ذلك الممارسات التي تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان".
كما رد مجلس الشيوخ المصري على بيان قدمته سفيرة فنلندا نيابة عن 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في مصر. وقال المجلس إنه يرى أن البيان قد ابتعد كل البعد عن الشفافية والموضوعية، وتناول الملفات التي أشار إليها بسطحية، وتناول ادعاءات بعبارات فضفاضة لا وجود لمعناها العام على أرض الواقع. وأكد المجلس أن الدولة المصرية لم تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب إلا ضد من ارتكبوا بالفعل جرائم إرهابية بوصفها المتفق عليه عالميا ولم تطبقه على أي من الفئات التي ادعى البيان أنها طبقتها على أفرادها، إذ لا يوجد محام ولا صحفي ولا حقوقي قيد الحبس ما لم يكن قد ارتكب جريمة تبرر ما اتخذ ضده من إجراءات، سواء من خلال محاكمة عادلة أو تحقيق نزيه يجريها قضاء مستقل عن السلطة التنفيذية، مشيرا إلى أن البيان لم يذكر حالة محددة يصدق عليها ما وصفه.
وأضاف أن الدولة المصرية تحدت مرارا جميع الجهات التي تدعي ذلك أن تثبت شيئا مما ادعته، وأكدت على أنه لم يدرج على قوائم الإرهابيين إلا من ارتكب جريمة إرهابية بمفهومها العالمي. وشدد مجلس الشيوخ بصفته جزءا من السلطة التشريعية على أن الدولة كفلت الحرية لوسائل الإعلام قانونا وعملا، ولم يثبت أن اعتقل شخص واحد أو حوكم لرأي أبداه، ولم يحجب موقع إعلامي يعمل بشكل شرعي.
وأوضح أنه يحق للدول الصديقة الاهتمام بالشأن الداخلي المصري لما للدولة المصرية من ثقل سياسي على المستويين العالمي والإقليمي وما تلعبه من دور في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، إلا أن هذا الاهتمام لا يجب أن يتخذ ذريعة لكيل الاتهامات التي لا تستند إلى حقائق، ولا أن يبني على مجرد ادعاءات تخالف الواقع وتنقلب إلى تدخل في الشأن الداخلي لدولة مستقلة بما يخالف ميثاق الأمم المتحدة.
مصر وامريكا
في السياق ذاته أعلنت الولايات المتّحدة أنّها وافقت على صفقة لبيع أسلحة لمصر بحوالى 200 مليون دولار، متعهّدة في الوقت نفسه الضغط على القاهرة في ملف حقوق الإنسان، وذلك إثر إعلان ناشط أميركي من أصل مصري أنّ أقارب له في بلده الأم تعرّضوا لمضايقات أمنية بسبب رفعه أمام القضاء الأميركي دعوى يتّهم فيها السلطات المصرية بتعذيبه. وقالت إدارة الرئيس جو بايدن الذي أوقف الدعم الأميركي للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن وعلّق بيع مقاتلات من طراز إف-35 إلى الإمارات العربية المتّحدة، إنّها وافقت على بيع 168 صاروخاً تكتيكياً إلى مصر.
وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية في بيان، أنّها وافقت على هذه الصفقة لأنّ مصر "لا تزال شريكاً استراتيجياً مهمّاً في الشرق الأوسط". ولن تسلك هذه الصفقة طريقها إلى التنفيذ إلا بعد أن يراجعها الكونغرس، شأنها في ذلك جميع صفقات بيع الأسلحة التي تقدّرها السلطة التنفيذية. وسبق لبايدن أن تعهّد اتّخاذ موقف أقوى بشأن قضايا حقوق الإنسان في العالم من الموقف الذي كان يعتمده سلفه دونالد ترامب الذي قيل إنّه وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ"الديكتاتور المفضّل لديه".
وأتى الكشف عن هذه الصفقة بعد إعلان محمد سلطان، المواطن الأميركي المصري الأصل الذي كان مسجوناً في بلده الأم وأطلق سراحه بعد أن تخلّى عن جنسيته المصرية، أنّ أقارب له في مصر تعرّضوا لمضايقات أمنية بسبب رفعه أمام القضاء الأميركي دعوى يتّهم فيها السلطات المصرية بتعذيبه حين كان مسجوناً. وقال محامٍ لسلطان إنّ رجال شرطة مصريين يرتدون ملابس مدنية استجوبوا ستّة من أفراد عائلة موكّله واعتقلوا اثنين من أبناء عمومته.
وتعليقاً على هذه المسألة قال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين إنّ الولايات المتحدة اطّلعت على هذه القضية وهي حالياً "تدرسها". وأضاف "نحن نأخذ على محمل الجدّ مزاعم الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي". وتابع "سنأخذ قِيَمنا معنا في أيّ علاقة لدينا في جميع أنحاء العالم. هذا يشمل شركاءنا الأمنيين الوثيقين. هذا يشمل مصر". بحسب فرانس برس.
ومحمد سلطان الذي اعتقل في مصر في آب/أغسطس 2013 هو نجل صلاح سلطان، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها السلطات المصرية بعدما عزل عبد الفتاح السيسي الذي كان قائداً للجيش في حينه الرئيس الإسلامي محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية. وفي 2015 تمّ إطلاق سراح محمد سلطان وترحيله إلى الولايات المتحدة بعدما تخلّى عن جنسيته المصرية. وفي حزيران/يونيو رفع هذا الناشط دعوى قضائية أمام محكمة أميركية يتّهم فيها السلطات المصرية بتعذيبه حين كان مسجوناً لديها، كما تعاون مع أعضاء في الكونغرس الأميركي لتشكيل فريق عمل برلماني مكرّس لتعزيز حقوق الإنسان في مصر.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تنظر في تقارير بأن مصر اعتقلت أقارب للنشط المصري-الأمريكي البارز في حقوق الإنسان محمد سلطان. وقالت برايس في إفادة صحفية "تواصلنا وما زلنا نتواصل مع الحكومة المصرية بشأن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، ونأخذ على محمل الجد كل المزاعم عن اعتقال أو احتجاز تعسفي".
اضف تعليق