في ظل أكثر الممارسات عنفاً تجاه الطفولة العاملة في شتى المجالات.. ممارسات هي خليط من بعض الرق والعبودية وإنتهاك حقوق العمل والاستخفاف بعقولهم الغضة واستقواء أرباب العمل بضعفهم على المطالبة بتلك الحقوق المهدورة.. وفي ظل الاستخفاف بمستقبلهم وأهميتهم في بناء وتحديد شكل المستقبل الذي ينتظره بلدهم منهم؛ يعمل مئات الآلاف من الاطفال العراقيون طمعاً في الحصول على قوت يومهم وعوائلهم بعدما فتك الإرهاب بأرباب تلك العوائل أو دمرت المشاكل الاجتماعية أواصر أسرهم لتتركهم ضحية حتى للممارسات اللاأخلاقية من قبل بعض من تسول لهم أنفسهم الدنيئة في قتل برائتهم.
وفي ذكرى اليوم العالمي لمكافحة عمل الاطفال الذي يصادف الثاني عشر من حزيران/يونيو من كل عام توجه المنظمة الدولية بضرورة عمل جميع المنظمات المجتمعية والحكومات في دعم الطفولة لديهم وضمان حقوقها الاجتماعية المختلفة والحيلولة دون وقوع الاطفال في شراك العمل المضن الذي طالما أستخدمه أرباب العمل لرخصه عن عمالة الكبار مما يتسبب كثيراً في إختلاط الأطفال في بيئة تختلف عن تلك التي يجب أن يعيشوها في بداية نشوئهم طمعاً في حصولهم على مستوى عالي من التعليم والصحة فالكثير من أطفالها كما تفرد الفضائيات بقنواتها يعملون في مهن خطرة جداً على صحتهم كمعامل الطابوق والفحم وفي البناء وأعمال صيانة العجلات الضخمة وفي معامل الكيمياويات والبلاستك في بيئة خطرة مشبعة بالغازات السامة وظروف مناخية معقدة مرتفعة الحرارة مما يقتل لديهم الطموح بالمستقبل الذي يعبر بالنسبة لهم أملاً يتداركوا حياتهم من اجله، وفي مرحلة لاحقة تتولد لديهم النزعة الثورية ونزعة العنف في الحصول على المطالب اليومية وفي العلاقة مع الاخرين.
أننا نقتل أطفالنا ونطفئ في نفوسهم جذوة التطور في كل مجالات الحياة بل وندفعهم الى تبني الممارسات اللاأخلاقية في تصرفاتهم اليومية وتعلم العنف بأبشع صورة عندئذ نكون قد قضينا على مستقبل وطننا الذي نأمل من أولئك الفتية أن يكونوا من بناته.. لا يختلف مطلقاً إضطهادنا لأطفالنا في العمل عن استخدامهم في تنفيذ عمليات الارهاب الذي لامس غضتهم وجعل منهم إرهابيون ينفذون تلك العمليات حينما استغل عتاة الجريمة تلك الطفولة وسهولة العبث بعقولهم وحينما أخفقنا في حقن تلك العقول بالمضادات التي تساعدهم على البقاء صامدين بوجه تلك التيارات الإرهابية المقيتة، بل نحن مع إتساع مديات العنف ضدهم نساعد كثيراً في توفير البيئة المناسبة لاستثمار عقولهم من قبل عتاة الجريمة والارهاب.
لقد ساهم الإرهاب كثيراً في تدمير بنية الطفولة لدينا، فمئات الالاف من الأطفال تركوا الدراسة وآلاف المدارس دمرت أو حولت لمراكز تدريب الارهابيين أو لمخازن عتاد قاتل، وأكثر النازحين اليوم من الاطفال يكابدون أشد المعاناة مع ذويهم للحفاظ على حياتهم من الموت المحدق بهم.. بل أن الالاف من أطفالنا قد ذهبوا ضحية العنف الدائر منذ أعوام إزاء التفجيرات والعمليات الجرمية التي تمثلت بإختطافهم والمطالبة بفدية مالية.
على الرغم من كل تلك الظروف؛ لازال هناك أمل كبير نراه مشعاً لدى الكثير من العوائل العراقية في الحفاظ على أطفالهم وتشجيعهم لخوض غمار الدراسة وتطويرهم إلا إن تلك الشريحة لازالت محدودة وتعاني في توفير كافة مستلزمات دراسة أبنائهم سيما وأن العراقيين لديهم عوائل كبيرة قد تتجاوز السبعة أبناء أو أكثر وبأعمار ومراحل مختلفة، تستلزم الجهد الكبير في الحفاظ عليهم من عوادي الزمن الرديئة من خلال توفير المنح المالية التي كان مؤمل لها أن تطلق قبل سنتين تقريباً أعاقتها الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد إلا أنها تعتبر من الضرورات المهمة على صعيد المساهمة في دعم الأطفال واسرهم للاستمرار ثابتين على مقاعد الدراسة قريبين من دائرة المراقبة التربوية عليهم بعيدين عن سوح العمل المضن.
من جانب آخر فأن التسرب من مقاعد الدراسة كان له الدور الاكبر في ترك تلك الطفولة في مهب ريح العمل السلبي الذي يستنزف بقسوة بالغة كل طاقتهم، ففي إحصائية لبعض المحافظات العراقية بينت أن هناك 37% من الطلبة المفترض التحاقهم بالدراسة في مختلف المراحل لم يلتحقوا بها لأسباب أسهبنا في ذكرها أنفاً، ذلك ما يستدعي أن يتم وضع خطة متوازنة واضحة المعالم لإستقطاب الاطفال المتسربين والترويج بشدة لأهمية العلم في حياتهم وليكون بعد حين سبباً للقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع الذين لاتمتلك حتى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إحصائية واضحة عن أعدادهم إلا إننا نراهم عند كل منعطف وتقاطع بتزايد مستمر، ناظرين حالتهم المعيشية الصعبة وهم يستجدون لقمة عيشهم وهؤلاء حالتهم أصعب لكونهم يعملون في أجواء مكشوفة وظروف بيئية مؤلمة.
هناك الملايين من الاطفال في العالم، قدرت الامم المتحدة عددهم بـ 317 مليون طفل نشط اقتصاديا تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة في عام 2004، يمكن اعتبار 218 مليون منهم كأطفال عمال. ومن أصل هذا الرقم الأخير، يعمل 126 مليون طفل في أعمال خطرة، علماً أن تلك الاحصائية شملت بلدان عدة أغلبها تصنف على أنها من بلدان العالم الثالث التي ينتابها الفقر المدقع حيث لا تتوفر الثروات الاقتصادية التي تتيح لها توفير الغطاء المالي الكافي لتنفيذ بنود دساتيرها في الخصوص، وعليه فلا يمكن بأي حال من الأحوال عقد مقارنة لتلك الدول مع العراق الثري بموارده الاقتصادية التي كانت، لو استغلت بحق، الغطاء الأمثل لبنود الدستور التي تضمن الحماية الاجتماعية الكاملة للطفل والمرأة وبالتالي الحد كثيراً من عمل الاطفال.
رفقاً بأطفالنا، ولنؤسس لمرحلة جديدة علمية نهدف بها الوصول الى البيانات الدقيقة عن أعدادهم وتحديد مناطق تواجدهم والحث على إصدار التشريعات القانونية اللازمة التي تحد من عملهم في الظروف الصعبة بل القاتلة احياناً، ولننتقل من مرحلة الاجتماعات والندوات والمؤتمرات الى العمل الفعلي المؤثر، نحن بحاجة لجهاز رقابي فاعل يتابع تلك العملية وأن لا تحيدنا ظروف البلد عن هذا العمل فهو أيضاً قتال شرس طويل من أجل المستقبل أن يكون ناضجاً لدرجة أن يتناسب مع وطن مثل العراق، فنحن بحاجة في المستقبل لأطفالنا كما هي حاجتنا اليوم لرجالنا في شتى المجالات، وبدونهم بكرامتهم وعزتهم سنكون أفقدنا المستقبل بريقه المأمول. حفظ الله أطفال العراق.
اضف تعليق