أزمة فيروس كورونا المستجد، والتي اجبرت دول العالم على اتخاذ اجراءات وقرارات متشددة في سبيل الحد من تفشي هذا الوباء القاتل، اثرت وبشكل سلبي على المهاجرين وطالبي اللجوء. لكنها لم تمنع الكثير منهم من مواصلة الطريق حيث أكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات...
أزمة فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، والتي اجبرت دول العالم على اتخاذ اجراءات وقرارات متشددة في سبيل الحد من تفشي هذا الوباء القاتل، اثرت وبشكل سلبي على المهاجرين وطالبي اللجوء. لكنها لم تمنع الكثير منهم من مواصلة الطريق حيث أكد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات وكما نقلت بعض المصادر، أن القيود المفروضة على السفر والتنقل بسبب جائحة كورونا لم تمنع حركة الأشخاص الفارين من النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان والعنف والظروف المعيشية الخطيرة بينما من المرجح أن تؤدي العواقب الاقتصادية للوباء إلى زيادة في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.
وذكر تقرير خاص في فيينا أن المهاجرين واللاجئين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا يقعون بين ضغوط الحاجة إلى الفرار من النزاعات والفقر وبين خطر الغرق في البحر اضافة الى خطر الاصابة بعدوى كورونا في غياب الظروف الصحية والنظافة الأساسية خلال رحلة اللجوء. وأوضح التقرير أن الظروف المعيشية للمهاجرين واللاجئين في الطريق وفي مخيمات اللاجئين كانت مصدر قلق كبير لعقود قبل أزمة كورونا مشيرا الى أن انتشار الوباء وعواقبه من المحتمل أن يعرض حياة هؤلاء الناس للخطر أكثر .
وذكر التقرير أنه على الرغم من الإغلاق المفروض في الدول الأوروبية والقيود الصارمة على الحركة فإن تهريب المهاجرين على طول طرق التهريب غرب ووسط البحر الأبيض المتوسط مستمر على الأقل بسبب استمرار الصراعات في المنطقة . وأضاف التقرير أن إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية يؤدى إلى زيادة تهريب المهاجرين حيث أن اللاجئين بحاجة ماسة إلى خدمات المهربين من أجل عبور الحدود لافتا الى أنه غالبًا ما تؤدي عمليات الإغلاق والقيود أيضًا إلى استخدام طرق وظروف أكثر خطورة وارتفاع أسعار خدمات التهريب مما يعرض المهاجرين واللاجئين لزيادة الإساءة والاستغلال والاتجار بالبشر. ورجح التقرير أن يؤدي الانكماش الاقتصادي العالمي الذي يجلب زيادة حادة في معدلات البطالة إلى زيادة الاتجار عبر الحدود بالأشخاص من البلدان التي تعاني من انخفاضات طويلة الأمد في التوظيف.
من جانب اخر أظهرت بيانات وزارة الداخلية الإيطالية أن البلاد تواجه زيادة في أعداد المهاجرين، بحيث زاد عدد الوافدين هذا العام بواقع ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. وتؤكد روما أنها لا تستطيع التعاطي مع هذه الأعداد بدون مساعدة من دول أوروبية أخرى. وأظهرت أرقام الوزارة أن ما مجموعه 8988 مهاجرا وصلوا إلى إيطاليا حتى الآن هذا العام، مقارنة بـ 3165 للفترة نفسها عام 2019. وأظهرت البيانات أن غالبية المهاجرين هذا العام هم تونسيون، يليهم مهاجرون من بنغلادش وساحل العاج والجزائر والسودان.
وقالت وزارة الداخلية الإيطالية في بيان إن وزراء داخلية الجزائر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وليبيا ومالطا وموريتانيا والمغرب وإسبانيا وتونس اجتمعوا عبر مؤتمر مصور بالفيديو "لتعزيز التعاون بين وكالات إنفاذ القوانين" من خلال تدريب الشرطة وتمويل شراء معدات تقنية. وتكافح إيطاليا من أجل التعافي من تبعات فيروس كورونا المستجد.
تحذير اممي
وفي هذا الشأن حذر الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر جاغان تشاباغين، من أن الآثار الاقتصادية المدمرة لفيروس كورونا قد تتسبب بموجات هجرة جديدة حالما يتم فتح الحدود بين الدول. وأعرب تشاباغين عن قلقه الشديد بشأن الآثار الثانوية للوباء. مضيفا "نرى بشكل متزايد التأثيرات على الوظائف والوضع الغذائي في العديد من البلدان". واعتبر تشاباغين أن الكثيرين أمام خيار المخاطرة بالتعرض لفيروس كورونا أو الجوع، محذرا من أن اليأس الناتج عن هذا الوضع قد تكون له عواقب بعيدة المدى. وتابع "ما نسمعه هو أن الكثير من الناس الذين يفقدون وظائفهم سيشعرون بأنهم مجبرون على التحرك بمجرد أن يبدأ فتح الحدود". كما لفت إلى أنه "لا يجب أن نفاجأ إذا كان هناك تأثير كبير على الهجرة في الأشهر والسنوات المقبلة".
وأدت إجراءات الحجر الصحي وإغلاق الحدود التي فرضت لوقف انتشار الوباء إلى إلغاء الوظائف والأعمال حول العالم، ومن المتوقع أن تدفع بالملايين أكثر فأكثر تحت خط الفقر. وتوقع أن تؤدي الهجرة المفروضة على الناس بسبب الظروف اليائسة إلى العديد من "المآسي"، بما في ذلك المزيد من الوفيات في البحار والإتجار بالبشر والاستغلال. ودعا شاباغين إلى توفير دعم عاجل للمساعدة على "التخفيف من هذا اليأس"، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى الواجب الأخلاقي لمساعدة المحتاجين، هناك أسباب اقتصادية جليه للمساعدة في تجنب الهجرة القسرية.
وقال "إن تكلفة دعم المهاجرين أثناء العبور وبالطبع عندما يصلون إلى بلد المقصد هي أكثر بكثير من دعم الناس في معيشتهم والتعليم والاحتياجات الصحية في بلادهم". وأعرب شاباغين، العامل في الحقل الإنساني من النيبال الذي تولى الأمانة العامة للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في فبراير/شباط، أيضا عن قلقه من أن عدم المساواة الصحية في وجه الوباء قد تحفز أيضا على الهجرة. وقال "يمكن أن يشعر الناس أن هناك فرصا أفضل للبقاء على قيد الحياة على الجانب الآخر من البحر"، مضيفا أن العامل الرئيسي الآخر سيكون "توافر اللقاحات".
وتقود منظمة الصحة العالمية حملة طمأنة من أن أي لقاح لفيروس كورونا يتم تطويره سوف يتم اعتباره "منفعة عامة عالمية"، وبالتالي سيتم توفيره بطريقة منصفة في جميع دول العالم. لكن الولايات المتحدة ودولا أخرى تتسابق لتأمين مخزونات من لقاحات واعدة، ويخشى كثيرون من أن هذه الدول الغنية قد تتمكن من الوصول إليه أولا. وقال شاباغين "إذا رأى الناس أن اللقاح على سبيل المثال متوافر في أوروبا وليس في أفريقيا، فما الذي سيحدث؟ سيتهافت الناس للذهاب إلى المكان الذي تتوافر فيه اللقاحات". بحسب فرانس برس.
ودفع الوباء إلى تنظيم حملات غير مسبوقة لجمع التمويل وإجراء البحوث من أجل التوصل بشكل سريع لاكتشاف لقاح يمكن أن يحمي المليارات من البشر في جميع أنحاء العالم. ويتم حاليا اختبار أكثر من 20 لقاحا قيد التطوير على البشر. ولكن على الرغم من المؤشرات إلى إمكانية التوصل لاكتشاف لقاح آمن وفعال بحلول نهاية العام، إلا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإنتاج ما يكفي الجميع منه. وفي هذا السياق، أدان شاباغين الجهود المبذولة في بعض البلدان لتأمين اللقاحات لشعوبها أولا. وقال "الفيروس عابر للحدود، لذا أن يفكر أحدهم بتطعيم شعبه وترك الشعوب الأخرى بدون لقاح ويستمر بالشعور بالأمان يدل على قصر نظر إلى حد كبير"، مضيفا "هذا ببساطة غير منطقي أبدا".
قوة مختلطة
في السياق ذاته أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في روما بعد محادثات مع نظيرته الإيطالية لوتشيانا لامورغيز أن فرنسا وإيطاليا ستشكلان قوة مختلطة على حدودهما لمكافحة قنوات مهربي المهاجرين. وأكد دارمانان أن "هذه مسألة بالغة الأهمية لمكافحة هذا العبور الحدودي لسكان مهاجرين غير شرعيين" من منطقة فينتيميليا على الجانب الإيطالي إلى منطقة مانتون على الجانب الفرنسي. وللمرة الأولى، ستجمع هذه القوة الجديدة أفرادا إيطاليين وفرنسيين تحت قيادة واحدة، حسب ما قالت أوساط الوزير.
وتوجد بالفعل دوريات مشتركة بين شرطة الحدود في البلدين. ولا يزال النقاش متواصلا بشأن الإطار القانوني والموقع الذي ستتخذه هذه القوة التي ستصبح عملانية في غضون شهرين أو ثلاثة. وفي أول زيارة يجريها في الخارج منذ تعيينه، توجه دارمانين إلى روما من أجل تعزيز العلاقات الفرنسية الإيطالية "المهمة جدا" في ظل "الصعوبات التي تواجهها أوروبا" والمتعلقة بالهجرة. بحسب فرانس برس.
وتريد فرنسا أن يكون هناك "موقف مشترك" مع إيطاليا قبل قمة وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول في بروكسل بشأن "اتفاق الهجرة" الجديد الذي يُفترض أن تقترحه المفوضية في سبتمبر/أيلول. وقال الوزير الفرنسي إن بلاده ترغب أيضا في الحصول على دعم إسبانيا وألمانيا اللتين سيزورهما دارمانان. من جهتها قالت لوتشيانا لامورغيز: "سنحتاج إلى إصلاحات شجاعة قادرة على التعبير بشكل ملموس عن مبادئ التضامن والتوزيع العادل للأعباء بين جميع الدول الأعضاء" في الاتحاد.
من جانب اخر أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية في بيان أن الأزمة الصحية والاقتصادية المرتبطة بفيروس كورونا المستجد "تولّد تدفقاً استثنائيّاً للمهاجرين الاقتصاديين". ويصل عدد كبير من هؤلاء المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوسا السياحية، تحت أنظار السباحين الذين يقضون عطلهم الصيفية. وأشارت الوزارة إلى أن وصول المهاجرين إلى السواحل الإيطالية قد تضاعف في وقت قصير جدًا، مشيرة إلى قوارب صغيرة تعبر البحر المتوسط من سواحل شمال إفريقيا دون أن يتم اعتراضها.
وبحسب أرقام رسمية، فإن ما يقرب من نصف المهاجرين المقدر عددهم بـ11 ألفا والذين وصلوا إلى إيطاليا غادروا من تونس، ومعظمهم من المواطنين التونسيين. أما الآخرون فانطلقوا في غالبيتهم من ليبيا. وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو على فيسبوك "يجب على الاتحاد الأوروبي التعامل مع هذه القضية على الفور" والعمل على توزيع الوافدين الجدد و"بخاصة خلال هذه المرحلة من المخاطر الصحية العالية". وأعلن خفر السواحل الإيطاليون أنهم أنقذوا نحو مئة مهاجر كانوا عالقين على متن زورق مطاطي تسرب منه الهواء قبالة السواحل الليبية، بعدما لم ترغب أي سلطة مختصة في التدخل.
ألمانيا وفنلندا
على صعيد متصل أعلن المكتب الأوروبي للدعم في مجال اللجوء أن حوالى مئة طالب لجوء بينهم قاصرون، تم نقلهم من اليونان وقبرص إلى ألمانيا وفنلندا لتوطينهم هناك. وذكر المكتب أنّ هذه العملية الأولى لنقل لاجئين شملت 83 شخصا من أسر لديها أطفال مصابون بمرض شديد، وجرت من اليونان إلى ألمانيا في 24 تموز/يوليو. وهذه العملية جزء من خطة جارية للاتحاد الأوروبي لإعادة توطين 1600 قاصر في عدة دول أوروبية.
وتدعم المفوضية الأوروبية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية البرنامج. وجرت العملية الثانية التي لا تندرج في إطار خطة الاتحاد الأوروبي لإعادة التوطين، في 27 تموز/يوليو بين قبرص وفنلندا وشملت 16 صوماليا وكونغوليا من أسر لمعيل واحد. وخضع كافة طالبي اللجوء لاختبار فيروس كورونا المستجد قبل مغادرة قبرص واليونان، على ما أوضح المكتب.
من جهته، أعلن وزير الهجرات اليوناني نوتيس ميتاراكيس أنه قام بتفعيل إجراءات يمولها الاتحاد الأوروبي للإعادة الطوعية لنحو خمسة آلاف طالب لجوء، تقضي بتقديم ألفي يورو (2300 دولار) لكل منهم ليعود إلى بلده. وقال الوزير اليوناني إن الإجراءات التي تهدف إلى التخفيف من اكتظاظ مخيمات المهاجرين في جزر بحر إيجة، أعلنت في آذار/مارس ولم يتم تفعيلها حتى الآن بسبب وباء كوفيد-19. واضاف أن الرحلات الأولى لهؤلاء المهاجرين ستبدأ خلال أسابيع. وتستضيف اليونان نحو خمسة آلاف مهاجر قاصر، يعيش معظمهم في ظروف غير صحية في مخيمات للاجئين أو في منازل غير مناسبة لهم. بحسب فرانس برس.
واكتظت الجزر اليونانية خصوصا القريبة من تركيا بآلاف من طالبي اللجوء وأدى انتشار المخيمات المكتظة إلى إشعال التوتر مع السكان المحليين. وفرضت السلطات اليونانية الإغلاق على مخيمات اللاجئين في الجزر لمكافحة تفشي فيروس كورونا المستجدّ منذ آذار/مارس، مما أثار انتقادات الجماعات الحقوقية. وعلق عشرات الآلاف من طالبي اللجوء في اليونان منذ عام 2016 حينما أغلقت العديد من الدول الأوروبية حدودها استجابة لارتفاع عدد المهاجرين واللاجئين، في شكل رئيسي من سوريا التي مزقتها الحرب. ووافقت حوالي 12 دولة أوروبية على استثناء القاصرين. وتم بالفعل نقل عدد قليل إلى البرتغال ولوكسمبورغ وألمانيا، فيما وافقت بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا وفرنسا وأيرلندا وليتوانيا وصربيا وسويسرا على استقبال بعض القاصرين أيضًا.
اضف تعليق