باتت الهجرة السرية عبر البحر المتوسط بطريقة غير شرعية مأزق يؤرق الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين وعلى رأسها دول القارة العجوز – المستقبل الأول للمهاجرين غير الشرعيين- من دول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا وخاصة سوريا ولييبا.
إذ يحاول المهاجرون الخروج من رمضاء الحروب والاقتتال الطائفي والارهاب والفقر والجوع، لكنهم بعد الهجرة يواجهون وهم حياة سعيدة، بل الموت احيانا على سواحل أوربا بسبب حوادث غرق القوارب، فقد أثارت الهجرة غير الشرعية توترا كبيرا في العديد من الدول الاوربية كإيطاليا وفرنسا وسويسرا وبريطانيا والمانيا. ففي الوقت الذي يتحدث فيه سياسيون أوروبيون عن تشديد القيود على عبور الحدود واحتمال تدخل عسكري لصد مهربي المهاجرين غير الشرعيين، يتزايد عدد طالبي اللجوء من الدول العربية ودول غرب إفريقيا الى أوربا خاصة بعد موجة الاضطرابات الامنية والسياسية في بلدان مثل سوريا وليبيا.
وفي هذا الاطار قال رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر إن أوروبا وأفريقيا "تطالبان" أطراف النزاع في ليبيا بالتوصل إلى اتفاق وحل سياسي لإعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار وبالتالي وقف نزيف الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا والتي تعتبر ليبيا أحد أبرز ممراتها. ويبحث الاتحاد الأوروبي في قمة طارئة اليوم احتمال القيام بعمليات عسكرية ضد مهربي المهاجرين في ليبيا، فقد أدت تداعيات مشكلة الهجرة غير الشرعية الى اتفق القادة الأوروبيون، خلال قمة الاستثنائية في بروكسل، على مقترح باستصدار تفويض دولي يسمح لهم بالتدخل عسكريا لتحديد وضبط وتدمير السفن المستخدمة في تهريب المهاجرين في ليبيا. وتعهدت فرنسا وبريطانيا، بتقديم مشروع هذا القرار لمجلس الأمن، أذ يرى بعض المراقبين إن العمليات العسكرية الرامية إلى تحديد وضبط وتدمير السفن المستخدمة في تهريب المهاجرين، قبل أن يتم تحميلها بهؤلاء، طرحت مشكلة.
وقد اتفق القادة الأوروبيون على وجوب استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز هذا التدخل العسكري. وتعهدت فرنسا وبريطانيا، العضوان الدائمان في المجلس، بتقديم مشروع قرار بهذا الخصوص.
لكن يرى بعض المحللين أن عملية عسكرية ضد المهربين هي ستكون معقدة وتستغرق وقتا وتستوجب تفويضا من الأمم المتحدة وموافقة من الحكومة الليبية واستخدام وسائل عسكرية وتقبل وقوع خسائر بشرية.
ومقابل هذه المواضيع التي تم الاتفاق عليها فشلت القمة بالمقابل في الاتفاق على الشق الثالث من خطة العمل وهو استضافة المهاجرين غير الشرعيين وكيفية التعامل معهم بعد وصولهم إلى أوروبا.
فيما يتساءل بعض المحللين هل يمكن يكون هذا الاتفاق ذريعة للتدخل في الشؤون الليبية خصوصا وان هذه الدول الغنية بالنفط تشهد اضطرابات امنية وسياسية متصاعدة كما انها مستعمر سابقة من لدن الدول الاوربية، إذ كانت ليبيا على مدار السنين بلد عبور تاريخي للمهاجرين غير الشرعيين من القارة السمراء وبعض دول آسيا الفقيرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط، لكن بعد سقوط نظام معمر القذافي أخذت هذه الهجرة وتيرة آخرى يتاجر من خلالها بأحلام الآلاف من الأشخاص الذين يفرون من الحرب والديكتاتورية في بلدانهم نحو أوروبا عبر قوارب تقليدية يترك الكثير حياتهم قبل أن تكمل طريقها حتى.
لذا أصبحت إيطاليا هدفا لأمواج من المهاجرين الأفارقة الذين يستغلون الأوضاع في ليبيا لاجتياز البحر المتوسط على متن قوارب الموت، علما أن العملية تخلف الكثير من المآسي. وأعلن خفر السواحل الإيطالي أن أكثر من 11 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى شواطئ بلاده خلال الأشهر الستة الأخيرة.
في الوقت نفسه صرح مدع إيطالي أن هناك شبكات إجرامية وعصابات تجني نحو 80 ألف يورو من حمولة كل قارب لتهريب البشر، وأكد أن كل مجموعة تكسب "ربما ملايين اليوروهات سنويا" و"تنظم نفسها لمواجهة الطلبات المتزايدة" للذهاب لأوروبا، في حين تمكنت قوات خفر السواحل التركية من إيقاف 350 مهاجرا سوريا بينهم نساء وأطفال كانوا بصدد العبور بحرا عبر قوارب للمهربين للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدا إلى إيطاليا.
وفي هذا الاطار يعتبر الباحثون شؤون الهجرة فان هذه التطورات الديموغرافية يمكن ان تحمل تغيرات مهمة على الصعيدين السياسي والاجتماعي خصوصا. وهي قد تغير على المدى القصير، الانطباع المأخوذ عن المهاجرين في الازمات الاقتصادية كذلك، اي انهم افراد يسلبون الأوربيين فرص عمل ويستفيدون من الخدمات الاجتماعية، فقد وجدت دراسة استقصائية أجرتها المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من ثلاثة أرباع الشباب في بعض بلدان شمال أفريقيا يقولون أنهم يعتزمون الهجرة بأي ثمن، ولكنهم لا يملكون إلا القليل من المعلومات حول تفاصيل رحلتهم أو نوع الوظيفة التي سيعملون بها بعد وصولهم إلى وجهتهم. فأن الناس الذين يستوفون تعريف اللاجئ يختبئون في وسط مجموعات كبيرة من المهاجرين على نحو متزايد، وهذه "الهجرة المختلطة" تزيد من صعوبة تقديم العون للاجئين. وتشير تقديرات الامم المتحدة أن نحو ثلاثة بالمئة من سكان العالم من المهاجرين، حيث لو تم احصاء المهاجرين الدوليين البالغ عددهم 214 مليونا كأمة واحدة فانها ستكون خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد اندونيسيا وقبل البرازيل.
وعليه يرى المتخصصون في شؤون الهجرة أنه يجب على أوروبا معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وهي ليست فقط الفقر وانعدام الفرص، إنما على نحو متزايد، النزاعات التي تؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين، التي باتت تشكل خطرا كبيرا على اكثر من صعيد قد يضع دول
القارة العجوز في مأزق لا تحمد عقباه في المستقبل القريب.
أوربا وخيار التدخل العسكري
على صعيد ذي صلة اتفق القادة الأوروبيون على أن يضاعفوا ثلاث مرات الموارد المخصصة لإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط وعلى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز التحرك عسكريا ضد المهربين في ليبيا.
ولكن قادة الاتحاد الأوروبي لم يتمكنوا خلال قمتهم الاستثنائية في بروكسل من الاتفاق على موضوع استضافة المهاجرين لدى وصولهم إلى أوروبا وكيفية التعامل معهم، مرجئين قراراتهم في هذا الشأن إلى وقت لاحق. بحسب فرانس برس.
وكان رئيس مجلس أوروبا دونالد توسك حرص قبيل بدء القمة على خفض سقف التوقعات، وقال "يجب ألا يكون لدى أحد أية أوهام. المشاكل لن تحل اليوم"، وفي قمتهم التي تداعوا إلى عقدها إثر مصرع حوالي 800 مهاجر غير شرعي بعد غرق سفينتهم التي انطلقت من ليبيا، اتفق القادة الأوروبيون على أن يضاعفوا ثلاث مرات الموازنة المخصصة لعملية "تريتون"، مهمة البحث والإنقاذ الأوروبية في المتوسط.
وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في ختام القمة "نريد أن نتصرف بسرعة وهذا يعني أننا سنضاعف ثلاث مرات الموارد المالية لعملية تريتون"، بدوره قال رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر "لقد ضاعفنا ثلاث مرات عملية تريتون في حين أن المقترح كان زيادتها مرتين" فقط، ولكن القادة لم يتفقوا على توسيع نطاق عملية تريتون للسماح لها بالخروج من المياه الإقليمية الأوروبية باتجاه السواحل الليبية، بحسب ما أضافت ميركل.
وخلال القمة تعهدت فرنسا بوضع سفينتين وثلاث طائرات في تصرف تريتون، في حين تعهدت ألمانيا بالمساهمة بسفينتين بينما تعهدت السويد والنرويج والدنمارك وبلجيكا بأن يساهم كل منهما بسفينة واحدة، وتريتون هي عملية تديرها فرونتكس، الوكالة الأوروبية المكلفة مراقبة الحدود الخارجية لفضاء شنغن الذي يضم 22 من دول الاتحاد الأوروبي ال28 إضافة إلى سويسرا وإيسلندا والنرويج وليشتنشتاين.
أما بريطانيا التي ليست عضوا في هذا الفضاء فقد أعلنت من جهتها عن المساهمة في عمليات البحث والإنقاذ بسفينة "إتش أم أس بولوورك" التي تعتبر أحد أكبر سفنها الحربية، إضافة إلى سفينتي دوريات وثلاث مروحيات، ولكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حذر من أن مشاركة بريطانيا في هذه العمليات لا تعني بأي شكل من الأشكال أنها ستمنح اللاجئين الذين ستنقذهم قطعها البحرية حق اللجوء في بريطانيا. وقال "ليس ورادا أن يتمكنوا من طلب حق اللجوء إلى بريطانيا"، وحاليا تشارك 21 دولة في عملية تريتون بسبع سفت وأربع طائرات ومروحية وحوالي 65 عنصرا.
كما أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في ختام القمة، وأوضح هولاند أنه سيبحث اعتبارا من الجمعة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في يريفان على هامش إحياء الذكرى المئوية الأولى للمجازر الأرمنية "في ما تعتزم أوروبا طرحه في إطار قرار محتمل لمجلس الأمن الدولي"، وحرص هولاند على التأكيد أن الأمر "لا يعني القيام مجددا بتدخل عسكري" مماثل لذلك الذي أقره مجلس الأمن في 2011 في ليبيا بل "الحؤول دون أن يقود المهربون عددا من الأشخاص إلى الموت".
وكانت الخطة تقترح على الدول استضافة "خمسة آلاف شخص على الأقل" ممن حصلوا على صفة لاجئ، وذلك في إطار برنامج مخصص بالدرجة الأولى للاجئين السوريين بهدف ثنيهم عن محاولة عبور المتوسط، غير أن البيان الختامي للقمة خلا من أي إشارة إلى هذا الرقم أو إلى أي رقم آخر "لأننا نعتقد أن خمسة آلاف ليس كافيا"، كما أوضحت المستشارة الألمانية، علما أن مشاركة دول الاتحاد في هذا البرنامج طوعية وليست إجبارية.
من جهته قال هولاند إن "فرنسا ستتحمل قسطها" أي أنها ستستضيف "ما بين 500 إلى 700 لاجئ سوري"، وأبدى يونكر أسفه لهذا الواقع، وقال "كنت آمل لو كان هناك طموحا أكبر"، علما أن رئيس المفوضية الأوروبية كان يدفع باتجاه أن يشمل البرنامج استضافة 10 آلاف لاجئ على الأقل.
ويدعو الاقتراح الدول الأعضاء في الاتحاد إلى مساعدة إيطاليا واليونان ومالطا، الدول الثلاث الرئيسية التي تستقبل مهاجرين ينطلقون من السواحل الليبية، على تسجيل الوافدين وفرز من يمكن من بينهم الاستفادة من حق اللجوء ومن سيعاد إلى بلاده. لكن هذا الأمر دونه اتفاق دبلن 2 الذي يوكل هذه المهمة إلى الدولة التي يصلها المهاجرون.
من ناحيتها دعت السلطات الليبية المعترف بها دوليا، وتلك غير المعترف بها، الاتحاد الأوروبي إلى تقديم الدعم للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية في وقت بحث فيه الأوروبيون خلال قمتهم الطارئة احتمال القيام بعملية عسكرية ضد المهربين في ليبيا.
من يوقف موجة الهجرة السرية؟
من جهته أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر أن أوروبا وأفريقيا "تطالبان" أطراف النزاع في ليبيا بالتوصل إلى حل سياسي لإعادة بناء الدولة والتمكن تاليا من وقف الهجرة غير الشرعية إلى اوروبا والتي باتت ليبيا إحدى أبرز بواباتها. بحسب فرانس برس.
وقال يونكر إثر لقائه رئيسة المفوضية الأفريقية نكوسازانا دالميني-زوما "نطالب، مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، الأطراف المنخرطين في عملية المصالحة في ليبيا بالتوصل إلى اتفاق".وأضاف "نحن بحاجة إلى محاور موثوق به ومستقر في ليبيا".
من جهتها قالت زوما إنه "من المهم للغاية أن تتوصل القوى الليبية غير المتطرفة إلى تفاهم لأنه عندما يكون هناك فراغ فإن آخرين يملؤونه". وأضافت "سنتعاون معهم" لكن "ليس في إمكان أي منا" أن يفرض عليهم حلا من الخارج، وفي ما خص الهجرة قالت زوما إنه يجب العمل على ثلاثة محاور هي الهجرة الشرعية ومكافحة المهربين وتوفير "فرص" للشبان الأفارقة كي لا يضطروا لخوض مغامرات "يائسة".
إيطاليا والشبكات الاجرامية
فقد أكد خفر السواحل الإيطالي أن أكثر من 11 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى إيطاليا خلال الأشهر الستة الأخيرة وأن مئات آخرين يستمرون في الوصول إلى الشواطئ الإيطالية، وقد وصل إلى بوتزالو في صقلية أكثر من ثلاثمئة من هؤلاء المهاجرين بينهم 45 امرأة و23 قاصرا انطلقوا من السواحل الليبية قبل أن ينتشلهم في البحر خفر السواحل والبحرية الإيطالية.
من جهة أخرى، قتلت امرأة في انفجار قارورة غاز على متن المركب التي كانت على متنه مع نحو 90 مهاجرا غير شرعي آخر أصيب منهم نحو 15 بجروح بحسب المصدر نفسه. واقتيد الناجون إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قبالة ساحل تونس، وتتصاعد عمليات وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الإيطالية في ضوء الفوضى التي تسود ليبيا وتحسن الطقس منذ أيام عدة في هذا الجزء من حوض المتوسط.
من جانب آخر قال مدع إيطالي كبير إن شبكات إجرامية تربح ملايين اليوروهات سنويا من تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط وتكسب من حمولة كل قارب نحو 80 ألف يورو، وفكك مدعون في باليرمو عصابة كبيرة لتهريب البشر بعد يوم من غرق زهاء 900 شخص عندما انقلبت سفينتهم قبالة ساحل ليبيا، وقال كبير المدعين في باليرمو فرانسيسكو لو فوي إن تحقيقا هذا الأسبوع ساعد في الكشف عن مجموعات أخرى تستعد للتعامل مع عدد يصل إلى مليون مهاجر قال إنهم في ليبيا ويأملون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا. بحسب فرانس برس.
وقال لو فوي خلال مقابلة في مكتبه في مبنى المحكمة صاحبة التاريخ في محاربة مافيا صقلية "خلال هذا التحقيق اكتشفنا أن هناك شبكات إجرامية ومنظمات موازية أخرى تعمل في المجال ذاته"، وتابع قوله إن كل مجموعة إجرامية تكسب "ربما ملايين اليوروهات سنويا" و "تنظم نفسها لمواجهة الطلبات المتزايدة" للذهاب لأوروبا. وذكر أن التحقيقات في أمر منظمات التهريب متواصلة، وخلال محادثة هاتفية سجلتها الشرطة ضمن التحقيق قال مهربون إنهم يجنون في المتوسط 80 ألف يورو عن كل قارب ويتقاضون من كل مهاجر زهاء 1500 يورو مقابل رحلة العبور، وحاولت عشرات القوارب المكتظة بشكل خطر العبور من ليبيا هذا العام. وتقدر إيطاليا أن زهاء 200 ألف شخص سيعبرون البحر إلى شواطئها هذا العام مقارنة بمئة وسبعين ألف مهاجر أبلغت عنهم "منظمة الهجرة الدولية" العام الماضي، ورفض لو فوي التعقيب عما إذا كان العمل العسكري سيساعد في الحد من تدفق المهاجرين قائلا إن الأمر يرجع لصناع السياسة وليس للمدعين، لكنه قال إنه لا يوجد دليل على أن متشددين إسلاميين يستخدمون القوارب للوصول لأوروبا، وقال "لا يوجد لدينا حتى الآن دليل محدد يتيح لنا الاعتقاد بأن بعض الإرهابيين ربما يكونون وصلوا صقلية وإيطاليا".
تركيا بوابة السوريين الى اوربا
في سياق متصل أفادت وكالة الأناضول التركية، أن خفر السواحل التركي ألقوا القبض على 350 مهاجرا سوريا في جنوب شرق البلاد قبيل إبحارهم إلى الاتحاد الأوروبي، وأوقفت قوات خفر السواحل مركبا يحمل اسم "اولي"، ويرفع علم منغوليا، بعد تلقيها معلومات عن نقله مهاجرين غير شرعيين، وأشارت الأناضول إلى أنه تم توقيف 71 مهاجرا على متن المركب و279 آخرين كانوا ينتظرون دورهم في مرفأ مرسين، وبحسب الوكالة، فإن المهاجرين الذين يضمون نساء وأطفالا كانوا يسعون للدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدا إلى إيطاليا.
وأوقفت الشرطة طاقم السفينة المؤلف من عشرة أشخاص، وضبطت القوارب المطاطية المستخدمة لنقل المهاجرين إلى السفينة، ويقيم أكثر من 1,8 مليون سوري على الأراضي التركية التي أصبحت ممرا أساسيا لتدفق المهاجرين إلى أوروبا. بحسب فرانس برس.
ليبيا بلد عبور تاريخي للمهاجرين
الى ذلك تعد ليبيا تاريخيا بلد عبور للمهاجرين الأفارقة بسبب موقعها الجغرافي وقربها من أوروبا، لكن عمليات الهجرة تصاعدت بشكل كبير بعد سقوط نظام معمر القذافي، فأصبحت الهجرة غير الشرعية تجارة مربحة جدا حتى بالنسبة لبعض الميليشيات التي صارت تتاجر بحياة الآلاف من الأشخاص. بحسب فرانس برس.
ولا تبعد السواحل الليبية أكثر من 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تشهد كل عام وصول آلاف المهاجرين غير الشرعيين، ومع ساحل طوله ألف و770 كلم، أصبحت ليبيا نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين الذي يحاولون عبور البحر المتوسط في رحلة محفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا.
ومنذ عهد الراحل معمر القذافي لم يكن الليبيون قادرين على السيطرة على حدودهم البرية التي يعبرها مئات الأشخاص القادمين خصوصا من جنوب الصحراء والحالمين بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتتشارك ليبيا بحدود برية بطول حوالى خمسة آلاف كيلومتر مع مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس.
وأكبر تدفق للمهاجرين مصدره شمال النيجر حيث ينقل المهاجرين عبر شبكات من المهربين الذين يأتون بهم إلى منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان أهم مناطق تجمع المهاجرين في جنوب ليبيا.
وفي ظل نظام القذافي، كانت ليبيا تستخدم موضوع الهجرة كوسيلة للضغط على أوروبا، من خلال فتحها أو إغلاقها صمام الخروج وفقا لتقدير حالة العلاقات مع الدول الأوروبية وخصوصا إيطاليا، وكان القذافي يطالب أوروبا بخمسة مليارات يورو سنويا من أجل مراقبة حدودها ومكافحة الهجرة.
وبين عامي 2008 و2011، توقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا بعد توقيع معاهدة بين روما وطرابلس، تعهدت بموجبها إيطاليا بتقديم خمسة مليارات دولار إلى ليبيا في مقابل وضع ضوابط أكثر صرامة على موضوع الهجرة.
لكن منذ سقوط نظام القذافي ومعه كل مؤسسات الدولة، أصبحت ليبيا مرة أخرى مركزا للمهربين الذين لا يشعرون بتأنيب الضمير في ظل إفلاتهم من العقاب، ويؤكد ايساندر العمراني مدير شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية "كرايسز كروب" لوكالة فرانس برس "ليس هناك حكومة فعالة في ليبيا للحد من الإتجار بالبشر، أو حتى لضمان المراقبة الدنيا للحدود"، وأضاف "لقد أصبح من السهل جدا للكثير من المهربين نقل (المهاجرين) في جميع أنحاء ليبيا من دون وجود قوات من الشرطة أو الجيش لوقفها"، مشيرا إلى أن "الميليشيات التي تفرض قوانينها في هذه البلاد تكسب المال جراء هذه الحركة، بما في ذلك الجماعات المتطرفة كأنصار الشريعة"، ووفقا للعمراني فإن العديد من الجماعات المسلحة تعمل في هذه التجارة وتتلقى أموالا عندما تمر هذه التجارة عبر الأراضي التي يسيطرون عليها، ويعمل المهربون ضمن شبكة "تقوم بتسليم المهاجرين من مهرب إلى آخر حتى يجدوا أنفسهم على متن قارب".
وأوضح العمراني أنه "في بعض الأحيان فإن عمليات نقل المهاجرين التي تجري في الصحراء لا تحصل ويتم التخلي عن المهاجرين" لمصيرهم حيث يتعرض بعضهم إلى الموت عطشا، مشيرا إلى أن "المآسي لا تحدث فقط في عرض البحر"، من جهته، يقول المحلل كريم بيطار مدير مركز ابحاث "آيريس" في باريس لوكالة فرانس برس أنه "في ظل غياب مؤسسات الدولة القوية فإن ليبيا اليوم رهينة بيد الميليشيات والانتهازيين"، وأضاف أن "المهاجرين يقعون رهينة في حرب الميليشيات ويدفعون ثمنا باهظا في ظل غياب الأمن، أنهم مجرد سلعة في ظل وجود روابط ضعيفة".
ومنذ سقوط نظام القذافي، خولت السلطات الانتقالية الليبية عدة ميليشيات للقيام بعمليات مراقبة الحدود، ووفقا للمحللين، فإن هذه الميليشيات نفسها المدفوعة الأجر والمجهزة من قبل الدولة، منخرطة بهذه التجارة، وفي هذا السياق، قالت إيطاليا أنها تدرس إمكانية القيام بـ"تدخلات محددة" ضد المهربين في ليبيا، وقال رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي أن "الهجمات ضد عمليات الابتزاز والموت والعبودية (المهربين) هي جزء من المنطق".
وقبل عام 2011، كانت الغالبية الساحقة من المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء من بلدان مثل النيجر والسودان والصومال وإريتريا واثيوبيا وغانا، ولكن أيضا من الكاميرون والغابون.
ومعظم هؤلاء كانوا يقضون أشهرا أو حتى سنوات في العمل في ليبيا في ظل ظروف صعبة، وهو الوقت الذي يحتاجونه من أجل جني المال الكافي الذي يمكنهم من العبور إلى أوروبا ويتراوح بين ألف وألفي دولار.
يشار إلى أنه بعد سقوط نظام القذافي وانتشار النزاعات في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا، أصبحت ليبيا بلدا لعبور أولئك الفارين من الحروب والحالمين بالوصول إلى أوروبا، ويقول العمراني "ليس من باب الصدفة أن العديد من هؤلاء المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط، يأتون من بلدان تمزقها الصراعات كسوريا وفلسطين وغزة على وجه الخصوص وإريتريا ومالي".
اضف تعليق