على الرغم من ان البعض ينظر الى حريات التعبير على انها نشر موقف او اتجاه تتخذه احدى وسائل الاعلام او من يتعامل معها ازاء شخصية او ظاهرة، والتي تشكل في احيان كثيرة خروجا عن المألوف في الوصف او التغطية، والذي ارادت قوى التحكم الاعلامي في العراق للمناخ الاعلامي السائد( ان يحبو ويتعثر على المحظورات) ويُسرع في تمجيد الواقع، وقد تراقصت الامنيات الكثيرة التي سمعناها، ودرّسناها، وكتبنا فيها على ان واقع الاعلام الديمقراطي (الاستقصائي) او حارس الديمقراطية والراي العام صعب المراس والنحت والمطاولة، وهو جُهد مسؤول ومُتعب للطبقة السياسية وفي ذات الوقت للمؤسسات الاعلامية، وابان الاحتلال جاءت المدرسة الامريكية في تنظيرها الميداني باعتماد( نظرية اعلام الدولة) باعتماد منظومة شبكة اعلامية تحت مظلة ومحاكاة(bbc) وبحسب قرارات بريمر، كما كان تشكيل هيئة الاعلام والاتصالات التي ذيلت بالأمر(16)، كانت الطعنة الاولى في صدر حريات الاعلام في العراق، بعدما خٌنقت بأكثر من 35 عاما، ومرت الامور بكل عجافاتها ومراراتها، والاعلام للأسف أُبتُلع من اساطين الهوى السياسي ومتزلفيه ،اذ شمرت على سواعدها كُتّاب الراديكالية الرمزية للقيادات في تمجيد او تعويم هذا وذاك، وسرنا الى اداء يتنمّر على المُعادي المجهول (تارة عربي، وآخر محتل، وآخر فساد، وتارة دول جوار ثم اجندات...وارهاب...وجهل..الخ).
وبالطبع كان على حساب وقائع كشف الزلل والخور والفساد وضعف التنمية في الحكومات والاروقة السياسية، تلك المٌلهات التي تغذى منها ولها الاعلام العراقي، رغم الجهود الممكنة والجبارة التي اراد لها بعض الصحفيين المفكرين ان يعبروا الخط الاحمر، الذي اعتادت المؤسسات ان تضعه في عجلة نشر الحقائق، وكانت صحف وفضائيات ومواقع واعلاميين كبار، وضعوا تحت ناصية اعداء المرحلة...ونسينا الدستور، ونسينا حرية التعبير التي لم نعش ولم نلمس من مضمونها (الديمقراطي) المفترض، اي مسحة او ملمح للرقابة وللمساءلة وتمجيد الحق العام، وتلك هي اسس الاعلام في المناخ الديمقراطي، ولما كانت جميع الانظمة دون استثناء ان تلعب على تلك الاصبوحة الدستورية، بدعوى (الحفاظ على النظام العام)، سرنا بخفي حنين الى كماليات الحرية الموعودة بمزلق (قانون حماية الصحفيين، ومن ثم اصبح قانون حقوق الصحفيين )وبحسب المادة 4 اولا ً( للصحفي حق الحصول على المعلومات والانباء والبيانات والاحصائيات الغير محظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون) وكانت بنود اخرى حجب تفعيلها بكلمة (تُنظم بقانون) ولا نعرف متى...وعند ذاك كانت نقابة الصحفيين قد اشتركت بشكل او بآخر في تخفيف (الضرورة) لحق الصحفيين بالعراق في ان يتمتعوا بقانون يمكن ان يرفع من ادائهم الاعلامي بمصاف مستوى المسؤولية، ومنها رصد الفشل والانهيار والجهل وسوء الادارة الذي تكللنا واشتهرنا بها.
على اية حال لا اريد الخوض في ماضي السلوك الحكومي ازاء حريات التعبير، ولا نريد ان نستذكر القيد الحكومي وقيود هيأة الاعلام والاتصالات في التعامل البوليسي، مع قنوات وصحف وبرامج، كانت تكشف عورات الفاسدين وهادري الحق العام، والفاشلين من القادة والمسوؤلين، وكانت( تلك الوسائل الشجاعة) في الاغلب تعّزز او تريد تعزيز هذا الحق، لكن للأسف جوبهت بهراوات وتهديدات اسكتت حتى المتأثرين، واليوم ونحن ندخل مناخاً جديداً، ونستبشر خيراً بإصلاحات الدكتور العبادي ومنها اسقاط دعاوى النشر والتجريم الاعلامي، والذي نعدهُ كما نحلم (تكنوقراط المرحلة) ان يضع في الحسبان طبيعة خطابه الاعلامي الموجة (كتصحيحات او ضوابط او اوامر) ففرحة اطلاق وصيانة حريات التعبير، ربما تنكمش او تتهشم تحت وطأة( نظرة البعض الذاتية او الحزبية في تحليل الامور) لمن يرى انه الاكثر فهماً او حباً او ولاءً للوطن....انهم يرون مالا نرى للأسف، فكلمة السيد العبادي اريدها ان لا تمر مرور الكرام على قنوات الاعلام وعلى مؤسسات الدولة فالقول(على مؤسسات الدولة كافة والقوات العسكرية ببذل اقصى جهودها لتسهيل مهمة الصحفيين والاعلاميين بكل انسيابي)هذا التصريح لا يكفي وبالأخص(ببذل اقصى الجهود) لا ارى ان هناك جهوداً على المؤسسات ان تبذلها، سوى السماح للإعلاميين بالحصول على المعلومات وحرية نشرها، فليس هناك معنى لحريات التعبير ان لم توجد معلومات...اين المعلومات؟ ومجلس النواب والحكومة والمؤسسات مغلقة بوجه الاعلاميين ومؤسساتهم، اين المعلومات المتعلقة بالفساد والارقام والكشوفات الختامية ومصروفات المسؤولين مثلا؟ ...هل من المتوقع ان يبذلوا اقصى الجهود!!!!! انا اشك وعلى السيد العبادي ان يكمل بشائره التصحيحية، ان يصدر اوامر الى جميع مؤسسات الدولة بفتح الابواب دون قيد للإعلاميين للحصول على المعلومات، عدا ما تعلق منها بأمن البلد طبعا. والا فان الخطاب الناري للرئيس، ليس له مسار جديد دون اوامر رسمية مكتوبة....اتمنى وضمن محاربة الفاسدين والفاشلين ان يتيح للإعلام نوافذ حقيقية، وجادة للكشف والمراقبة والتحقق، دون رجاءات او انتظار، او منع بأمر الوزير أو المدير دخول الكاميرات ..نتمنى كاريزما للإعلاميين بحجم دورهم واحلامهم ومرحلتهم، اتمنى ذلك بحق حتى نزدهر على قبور الفسادات المختلفة.
اضف تعليق