q

وسط صمت المجتمع الدولى الذي اكتفى بالتنديد والاستنكار، تفاقمت معاناة مسلمي الروهينجا، حيث ماتزال السلطات في ميانمار تواصل حملتها القمعية ضد الروهينجا، وهو ما أدى إلى فرار عشرات الآلاف من مسلمى ميانمار إلى بنجلادش، التي سعت هي الاخرى الى تشديد اجراءاتها الامنية ضدهم، وكان ما يقرب من 600 ألف من الروهينجا قد عبروا الحدود منذ 25 أغسطس آب الماضي. وتقول الأمم المتحدة إن ما ارتكبته القوات الحكومية ومجموعات من البوذيين من أصول عرقية في ولاية راخين من أعمال قتل وإشعال حرائق واغتصاب يرقى إلى مستوى حملة تطهير عرقي ضد الروهينجا.

وقال أندريه ماهيسيتش المتحدث باسم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، فى وقت سابق نحن قلقون للغاية على الأوضاع الإنسانية في بنجلاديش حيث تقطعت السبل بآلاف من الواصلين الجدد قرب الحدود، الأمر يتعلق بالفحص فأي حكومة ذات سيادة تحتاج لأن تعرف هوية من يدخل أراضيها". وأضاف أن الكثيرين من هؤلاء اختاروا فى البداية البقاء فى منازلهم فى ولاية راخين الشمالية فى ميانمار، بالرغم من التهديدات المتكررة بالرحيل أو القتل ولكنهم هربوا أخيرا عندما أطلقت النار على قراهم. وقال إن الآلاف من الروهينجا مازالوا يجلسون فى حقول الأرز فى قرية (انجومان بارا) فى بنجلاديش وينتظرون الإذن بالابتعاد عن الحدود، خاصة مع استمرار الاستماع الى صوت إطلاق النار كل ليلة من جانب ميانمار.

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إن صور الأقمار الصناعية توضح أن 288 قرية أغلبها من مستوطنات الروهينجا سويت بالأرض كليا أو جزئيا بفعل حرائق منذ 25 أغسطس آب. ويقول اللاجئون إن الجيش وجماعات البوذيين مسؤولون عن أغلب حالات إشعال الحرائق. أما الحكومة فتقول إن متشددين من الروهينجا بل وبعض السكان أنفسهم قاموا بإشعال الحرائق في البيوت لأغراض دعائية.

والحكومة الميانمارية تعتبر مسلمي الروهينغا دخلاء ولا تعتبرهم عرقية أصيلة في البلاد، فتمنحهم وبحسب بعض المصادرن بطاقات خضراء بدل الهوية الوطنية التي منعوا من اقتنائها منذ فرض قانون المواطنة في العام 1982، والذي بموجبه انتزعت الجنسية من مسلمي الروهينغا، والبطاقات الخضراء الصالحة مدة عامين فقط كتب عليها أن حملها لا يعني المواطنة، وأنه يمكن أن يخضع للتحقيق في هويته، ومن لا يحملها مهدد بالطرد كما يمنع من التنقل بين الأحياء والقرى المجاورة، وتحاول السلطات بتلك الهويات أن تسحب اعتراف من حامليها أنهم محض دخلاء غير شرعيين.

دعوات مستمرة

وفي هذا الشأن دعت منظمة العفو الدولية "أمنستي" المجتمع الدولي إلى "التحرك" لإيقاف حملة القمع "الممنهجة والمخطط لها والعديمة الرأفة" التي يشنها الجيش البورمي ضد أقلية الروهينغا المسلمة والتي تسببت بـ"أسوأ أزمة لاجئين" في المنطقة منذ عقود. وبحسب الإحصائيات الأخيرة للأمم المتحدة فقد فر من بورما إلى بنغلادش المجاورة منذ 25 آب/أغسطس 582 ألف مسلم من الروهينغا.

وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير إن الوقت قد حان "لوقف التعاون العسكري وفرض حظر على الأسلحة وفرض عقوبات محددة الأهداف ضد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان". وأضافت أنها حصلت استنادا إلى إفادات ناجين وصور التقطتها أقمار اصطناعية على عناصر جديدة "تؤكد حصول جرائم ممنهجة ضد الإنسانية تهدف إلى ترويع الروهينغا وطردهم". وأوضح التقرير أن هذه الجرائم تتم على نطاق واسع، وتشمل التعذيب والقتل والاغتصاب والطرد والاضطهاد والتجويع. وأضاف أن عشرات الشهود على أسوأ أعمال العنف "اتهموا بصورة متكررة وحدات عسكرية بعينها، وهي القيادة الغربية لجيش ميانمار وفرقة المشاة الخفيفة الـ33 وشرطة الحدود".

وقالت المسؤولة في "أمنستي" تيرانا حسن في التقرير إنه "على ضوء نفيها المتكرر، ظنت السلطات البورمية أن بإمكانها ارتكاب جرائم قتل على نطاق واسع من دون أن تتعرض لأي عقاب". وأضافت أنه "لا يمكن للجيش البورمي أن يكتفي بإخفاء الانتهاكات الفاضحة تحت السجادة بإعلانه شكليا عن فتح تحقيق داخلي مرة تلو الأخرى. يجب على قائد الجيش أن يتخذ فورا إجراءات لمنع قواته من ارتكاب فظائع". وترفض حكومة بورما التي يهيمن عليها البوذيون الاعتراف بالروهينغا كمجموعة عرقية، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين قدموا من بنغلادش. وكان الجيش البورمي قد أعلن أنه فتح تحقيقا داخليا في عملياته في ولاية راخين التي تشهد أعمال عنف، حيث اتهمت الأمم المتحدة القوات العسكرية بشن حملة "تطهير عرقي" ضد الروهينغا المسلمين.

وخلال الأسابيع الماضية، فر أكثر من نصف مليون من الروهينغا من الولاية وعبروا إلى بنغلادش المجاورة، مع روايات صادمة عن قيام جنود بورميين وعصابات من البوذيين بقتل واغتصاب مدنيين وإحراق قراهم التي تعرضت للهدم. وعمت الفوضى الإقليم الواقع غرب بورما بعدما هاجم مسلحون من الروهينغا مواقع للشرطة البورمية في 25 آب/أغسطس، ما اضطر الجيش إلى الرد بعملية عسكرية وحشية. واتهم التحقيق الأخير للأمم المتحدة الجيش البورمي بالسعي بشكل "منهجي" لطرد الأقلية المنبوذة ومنع عودة أبنائها إلى الدولة ذات الغالبية البوذية. ولكن الجيش المتهم بتطبيق سياسة "الأرض المحروقة" لمكافحة التمرد، ينفي باستمرار هذه التهم ويمنع في نفس الوقت دخول جهات مستقلة إلى منطقة النزاع.

جرائم ممنهجة

الى جانب ذلك قال محققون معنيون بحقوق الإنسان تابعون للأمم المتحدة إن اللاجئين الروهينجا الفارين من ميانمار أدلوا بشهادات تشير إلى ”نمط ممنهج ومستمر“ من القتل والتعذيب والاغتصاب وإحراق المنازل وذلك بعد أول مهمة للمحققين في بنجلادش. وقال فريق بعثة تقصي الحقائق، الذي يقوده النائب العام السابق في إندونيسيا مرزوقي داروسمان، إن عدد القتلى من حملة الجيش في ميانمار غير معروف لكنه ”قد يتضح أنه مرتفع جدا“. وكان الجيش قد شن حملة بعد تعرض مواقع تابعة له لهجمات من متمردين في 25 أغسطس آب.

وقال داروسمان في بيان ”سمعنا عدة شهادات من أشخاص جاءوا من قرى مختلفة في أنحاء ولاية راخين الشمالية. تشير هذه الشهادات إلى نمط مستمر وممنهج من الأفعال التي أدت لانتهاكات فادحة لحقوق الإنسان وأثرت على مئات الآلاف من الأشخاص“. وقضى الفريق المؤلف من ثلاثة خبراء مستقلين ستة أيام في إجراء مقابلات مع أفراد من اللاجئين الروهينجا من ولاية راخين شمال ميانمار الذين فروا إلى بنجلادش ويقيمون في مخيمات للاجئين قرب كوكس بازار. ويصل عددهم الإجمالي إلى نحو 600 ألف لاجئ. وقال الفريق إن فريقا آخر موسعا من المعنيين بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة كان يجري مقابلات شاملة منذ أسابيع. وقال داروسمان ”نحن منزعجون بشدة في نهاية تلك الزيارة“. وطالب فريق محققي الأمم المتحدة، الذي شكله مجلس حقوق الإنسان في مارس آذار، مجددا بالدخول إلى ولاية راخين لإجراء محادثات مع حكومة ميانمار والجيش ”لمعرفة الحقائق“.

على صعيد متصل قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن الولايات المتحدة تحمل قيادة الجيش في ميانمار مسؤولية الحملة الشرسة على أقلية الروهينجا المسلمين. لكن الوزير لم يوضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ أي إجراءات ضد قادة الجيش بشأن هجوم دفع أكثر من نصف مليون من الروهينجا المسلمين للفرار من البلاد.

وقال تيلرسون في مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية ”العالم لا يمكن أن يقف ساكنا ويشاهد الفظائع التي يتم الإبلاغ عنها في المنطقة“. وأضاف ”نحن نحمل قيادة الجيش مسؤولية ما يحدث“ مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تشعر ”بقلق بالغ“ بشأن الموقف. وقال تيلرسون إن واشنطن تتفهم أن ميانمار تواجه مشكلة تتعلق بالتمرد لكنه أوضح أنه ينبغي على الجيش الانضباط وضبط النفس في الطريقة التي يتعامل بها وأن يسمح بفتح المنطقة ”حتى يتسنى لنا الحصول على تفسير كامل للأحداث“. وقال تيلرسون إن واشنطن تعتبر ميانمار ”ديمقراطية ناشئة مهمة“ لكن أزمة الروهينجا تعد اختبارا للحكومة.

من جانب اخر قال قائد جيش ميانمار الجنرال مين أونج هلينج في اجتماع بالسفير الأمريكي سكوت مارسيل إن المسلمين الروهينجا ليسوا من السكان الأصليين في البلاد وإن وسائل الإعلام متواطئة في تضخيم عدد اللاجئين الفارين. ولم يتطرق الجنرال في الاجتماع على ما يبدو إلى الاتهامات الموجهة لجنوده بارتكاب انتهاكات. وصف الروهينجا بلفظة ”البنغاليين“،‭ ‬التي يعتبرونها انتقاصا من وضعهم، مضيفا أن المستعمرين البريطانيين هم المسؤولون عن الأزمة.

وقال لمارسيل وفقا لتقرير عن الاجتماع نشر على صفحته على فيسبوك”ميانمار لم تدخل البنغاليين وإنما أدخلهم المستعمرون“. وتابع ”ليسوا سكانا أصليين وتثبت السجلات أن اسمهم لم يكن حتى الروهينجا في الفترة الاستعمارية وإنما البنغاليين فقط“. وشجبت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي ما وصفته ”بالحملة الوحشية المستمرة لتطهير الدولة من أقلية عرقية“ ودعت إلى تعليق إمدادات السلاح لميانمار حتى يتخذ الجيش إجراءات كافية للمحاسبة. وقال مسؤولون مطلعون إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يدرسان فرض عقوبات تستهدف قادة في جيش ميانمار.

اجراءات جديدة

في السياق ذاته تدرس بنغلادش التي فشلت مساعيها المتمثلة بتوزيع وسائل منع الحمل على اللاجئين الروهينغا، فكرة القيام بحملة تعقيم طوعية للذكور لمنع الانفجار السكاني في المخيمات المكتظة والبائسة. ويتكدس نحو 900 ألف مسلم من الروهينغا في مدن الخيم هذه، جنوب بنغلادش. وقد وصل ما يفوق 60% منهم إليها منذ أواخر آب/أغسطس، فارين مما تعتبره الأمم المتحدة تطهيرا عرقيا في بورما.

وتتخوف دكا من انفجار الولادات وسط هذه المجموعة، ما قد يؤدي إلى تفاقم هشاشة الظروف المعيشية في المخيمات الضخمة. ويفيد إحصاء للسلطات أن حوالى 20 ألف امرأة من الروهينغا حامل في الوقت الراهن، وأن 600 قد أنجبن منذ وصولهن إلى بنغلادش. لكن حملة التوعية وتوزيع وسائل منع الحمل بين الروهينغا لم تؤد إلى النتيجة المرجوة. لذا، يفكر مسؤولو التخطيط العائلي في بنغلادش في أساليب جذرية. فقد طلبوا من الحكومة إذنا لقطع القناة الدافقة لدى الذكور على أساس طوعي. وما زال يتعين على لجنة صحية أن تعطي موافقتها على هذه الخطوة.

وأوضح بينتو كانتي باتاشارجي، مدير التخطيط العائلي في مؤسسة كوكس بازار، أن "الروهينغا يرزقون بكثير من الأطفال، جراء الجهل. والمجموعة بأكملها تعرضت طوعا للنبذ". وكان الروهينغا المهمشون منذ عقود في بورما، ممنوعين في الواقع من دخول المستشفيات والمدارس. ولم يستفيدوا من أي تربية جنسية. والتقى عاملون في المجال الاجتماعي بعض العائلات التي يبلغ 19 عدد أولادها. وأكد باتاشارجي أن "تعقيم الذكور هو أفضل وسيلة للسيطرة على السكان. وإذا تم تعقيم الرجل، يفقد القدرة على صنع الأطفال حتى لو تزوج أربع أو خمس مرات".

وفي عيادة لتنظيم الأسرة في بالونغتالي، يحاول عاملون في المجال الاجتماعي بصعوبة توعية نساء الروهينغا اللواتي يرفضن استخدام وسائل منع الحمل. ووصلت سابورا، الأم لسبعة أولاد، حاملة ابنها الذي يبلغ عمره سنة ويعاني من نقص حاد على صعيدي الفيتامينات والمغذيات. وقالت "تحدثت مع زوجي عن تدابير للحد من الولادات. لكنه لم يقتنع. أعطوه اثنين من الواقيات الذكرية. لكنه لم يستخدمهما".

ورغم أن عودة اللاجئين إلى ولاية راخين البورمية ليست محتملة، تابعت "يقول زوجي إننا نحتاج إلى مزيد من الأولاد، لأننا نمتلك أراضي في بورما. فتأمين الطعام لهم لا يشكل قلقا". ولا ترى ميمونة التي أنجبت أربعة أولاد حتى الآن، والحامل من جديد، مشكلة في إمكانية إنجاب مزيد من الأطفال، واصفة إياهم بأنهم "هبة من الله". فرحانة سلطانة الموظفة في التخطيط العائلي، والتي طرحت أسئلة على مئات الروهينغيات، تقول إن كثيرات أجبنها إن الإسلام لا يجيز تحديد النسل. وتابعت "في راخين، لا يذهبون إلى عيادات التخطيط العائلي، خوفا من أن تعطيهم السلطات البورمية أدوية تؤذيهم مع أولادهم".

وتؤكد سلطانة أنها التقت امرأة في الخامسة والستين من عمرها، وبالتالي جدة، وعلى ذراعيها مولود جديد. وأوضحت "لقد دهشت. قالت لي إنها لا تستطيع أن تقول لا لزوجها". ولا يبقى للاجئين الروهينغا العالقين في مخيمات لا يستطيعون مغادرتها، والممنوعين من العمل في بنغلادش، إلا الجنس كنوع من "التسلية"، كما يقول ناشط حقوقي. وتساءل نور خان ليتون، مدير منظمة بنغلادشية غير حكومية، "هذه حياة كارثية. ماذا تفعل إذا كنت محصورا في منزلك، بعد غروب الشمس، ولا تستطيع أن تتحرك سنة بعد سنة؟". بحسب فرانس برس.

وتابع "ينظر إلى الحمل أيضا على أنه حماية من الاغتصاب أو الاعتداءات. قال البعض لنا إن المرأة الحامل تتعرض أقل من سواها لاعتداءات الجنود أو المهاجمين"، ملمحا بذلك إلى أخبار الاغتصاب الكثيرة في بورما كما يروي اللاجئون.

اضف تعليق