ما تزال السلطات البحرينية وبدعم مباشر من قبل بعض الانظمة الخليجية، تواصل سياستها الإجراميّة تجاه الشعب البحريني، حيث اكدت بعض التقارير ان النظام البحريني قد عمد اليوم في ظل استمرار الصمت الدولي الى تكثيف اجراءاته القمعية واستعمال مختلف الوسائل والأسلحة المحرّمة دوليًا من أجل إيقاع اكبر عدد من الضحايا، يضاف الى ذلك انها سعت ايضا الى تشديد قوانينها ضد وسائل الاعلام و المنظمات الحقوقية والشخصيات المعارضة. ويرى العديد من المراقبين ان دعم بعض الدول الحليفة للبحرين، ساعد كثيرا في تفاقم معاناة الشعب، فقد أكد المحلل السياسي الأمريكي وأستاذ علم الاجتماع السياسي جيمس بيتراس وكما نقلت بعض المصادر، أنّ الأسطول الخامس الأمريكي الموجود في البحرين هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت النظام البحريني يتمادى في اضطهاد الشعب والتعامل معه بشدة مفرطة، وهو يسهم بشكل كبير في إصرار النظام على ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة والتي تتزايد يومًا بعد يوم.
وقال بيتراس إنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة لم تشأ أن تضع حدًا لعنف السلطة ضدّ المعارضة لسنوات طويلة، وبالتحديد منذ انطلاقة الحراك الشعبيّ عام 2011، حيث عمدت السلطات البحرينيّة إلى التعاطي بوحشيّة مفرطة مع شعبها وقمعت كلّ التجمعات السلمية التي خرجت للمطالبة بحقوق مشروعة، وعاونها على ذلك دخول قوات سعوديّة كان لها الدور الأساسي في عمليّات القمع والقتل، وكلّ ذلك كان يحصل على مرأى من القوات الأمريكية الموجودة في البحرين، وربما بضوء أخضر منها. ولفت بيتراس إلى أنّ اطمئنان ملك البحرين إلى وجود قوات أمريكية يعتقد أنّها قد تكون جاهزة للسيطرة على الأمور عندما تتفلت من يديه، جعله يثق بقدرته على الإمعان في القمع والقتل والتعذيب دون أي حساب.
من جانب اخر قالت بعض المؤسسات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، إن البحرين وصلت إلى مراتب مرموقة في مجال مناهضة التعذيب وأصنافه، كما قال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، في وقت سابق إنّ لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة أوصت في توصياتها لعام 2017 مملكة البحرين بأن تعزز التدابير الرامية إلى منع ممارسة أعمال التعذيب وسوء المعاملة في جميع أماكن سلب الحرية. المفوضية السامية أوضحت بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، أنّه يساورها القلق إزاء كبر الهوّة بين الإطارين التشريعي والمؤسسي المعدلين ومدى تنفيذهما فعليًّا في البحرين فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة عن اتفاقية مناهضة التعذيب.
القمع في البحرين
وفي هذا الشأن قال محققون تابعون للأمم المتحدة إن حملة على حقوق الإنسان في البحرين تتضمن استئناف تنفيذ أحكام الإعدام وقمع المعارضة ستؤدي على الأرجح إلى تأجيج الاضطرابات. وسحقت البحرين وهي مقر الأسطول الخامس الأمريكي وحليفة واشنطن مظاهرات حاشدة للأغلبية الشيعية في 2011 وحاولت الأسرة السنية الحاكمة احتواء الاضطرابات منذ ذلك الحين بحل جماعات معارضة يقودها الشيعة ومحاكمة نشطاء.
وقال خمسة محققين تابعين للأمم المتحدة في بيان "محاولة سحق الاحتجاجات والانتقاد باللجوء للقمع والعنف ليست فقط انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان لكنها دون شك تقود إلى تفاقم التوتر". وأضافوا "نخشى أن تقوض هذه البيئة العدوانية أي احتمالات لتهدئة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في البحرين". والمحققون الخمسة، وهم أنييس كالامار وأناليزا كيامبي وميشيل فورست وأحمد شهيد وخوسيه أنطونيو جيفارا بيرموديس، هم خبراء مستقلون يرفعون تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الإعدامات وحرية التجمع والمدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الأديان والاعتقال التعسفي.
وذكروا أن وضع حقوق الإنسان في البحرين تدهور بشكل حاد خلال العام الأخير منذ أن بدأت وزارة العدل تحركات قانونية لحل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أكبر حزب معارض وسحب الجنسية من عيسى قاسم أهم رجل دين شيعي في البلاد. وقال المحققون "السلطات لجأت إلى إجراءات قاسية لكبح جماح الآراء المعارضة مثل التعذيب والاعتقال التعسفي والاتهامات التي لا أسس لها وسحب الجنسية ومنع السفر والترهيب الذي يتضمن التهديد بالقتل واتخاذ إجراءات انتقامية للتعاون مع منظمات دولية بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان". بحسب رويترز.
وذكروا أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة والمميتة ضد مظاهرات سلمية لتفشل بذلك في أداء واجبها في حماية الأرواح. وأضافوا أن اتهامات وجهت للمدافعين عن حقوق الإنسان قد تفضي إلى عقوبة الإعدام بموجب "تشريعات قمعية" مثل قانون الجمعيات وقانون مكافحة الإرهاب. وفي وقت سابق قالت منظمة حقوقية بحرينية إن محامين عن الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب خرجوا من المحكمة بعد أن رفض قاض طلبهم بتأجيل المحاكمة. وتنفي البحرين أي انتهاك منهجي من جانب الشرطة أو في سجونها وتقول إنها تواجه انتفاضة عنيفة تدعمها إيران. وتنفي طهران هذا الاتهام.
حرية الاعلام
الى جانب ذلك قالت وكالة أنباء البحرين الرسمية إن السلطات أوقفت إصدار صحيفة الوسط اليومية وهي الصحيفة المستقلة الوحيدة في المملكة إلى أجل غير مسمى بسبب مقال يتضمن "إساءة لإحدى الدول العربية الشقيقة". ووصف رئيس تحرير الوسط القرار بأنه صادم لكنه قال إنه يأمل أن يتمكن من تغييره.
وتزامنت هذه الخطوة مع حملة تشنها الحكومة التي يهيمن عليها السنة على المعارضة والتي شملت حظر جماعات سياسية رئيسية واستهداف نشطاء. ويُنظر إلى صحيفة الوسط المستقلة باعتبارها تؤيد آراء المعارضة. وذكرت الوكالة أن وزارة شؤون الإعلام قررت "وقف إصدار صحيفة الوسط حتى اشعار آخر لمخالفتها القانون وتكرار نشر وبث ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات مملكة البحرين بالدول الأخرى". وأضافت أن القرار جاء لنشر مقال يتضمن "إساءة لإحدى الدول العربية الشقيقة". لكنها لم تحدد هذه الدولة أو تقدم مزيدا من التفاصيل.
وقال رئيس التحرير منصور الجمري إن السلطات أبلغت الصحيفة شفهيا بأن القرار يتعلق بعمود نشرته عن احتجاجات في المغرب. ووصف الجمري القرار بأنه عنيف وصدام وقال إن الصحيفة مستقلة وتنشر تقارير تغطي طرفي القصة. وقال الجمري إن الصحيفة أغلقت أربع مرات منذ عام 2011. وكانت المرة السابقة في يناير كانون الثاني عندما أغلقت السلطات الموقع الالكتروني للصحيفة. بحسب رويترز.
وأسس مستثمرون من القطاع الخاص صحيفة الوسط في عام 2002 وأُغلقت الصحيفة في عام 2015 وأوردت الحكومة أسبابا مماثلة لما أوردته هذه المرة. وأغلقت كذلك لفترة وجيزة في عام 2011 في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة وتم تغيير كبار المسؤولين فيها ومحاكمتهم. وكان الجمري واحدا من ثلاثة مسؤولين جرت محاكمتهم في اتهامات بتلفيق أخبار عندما قامت الصحيفة بتغطية الاحتجاجات التي قادها الشيعة ضد الحكومة.
من جانب اخر أعلنت صحيفة "الوسط" البحرينية المستقلة تسريح موظفيها بعد وقف السلطات صدورها وتداولها لاتهامها بـ"نشر وبث ما يثير الفرقة" في المجتمع والاضرار بالعلاقات الخارجية البحرينية. وأبلغت إدارة الصحيفة موظفيها بالقرار في رسالة الكترونية. وكتب رئيس مجلس إدارة شركة دار الوسط للنشر والتوزيع عادل المسقطي في الرسالة "يؤسفنا إبلاغكم بان مجلس إدارة الشركة قرر إنهاء عقود العمل مع الموظفين، وذلك نظرا لتوقف نشاط صحيفة الوسط، بحسب قرار وزارة شؤون الإعلام الصادر بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2017، وما نتج عنه من خسائر للشركة".
كذلك أكد المسقطي ان "مجلس الإدارة يلتزم بقوانين مملكة البحرين بشأن إنهاء التعاقد، وستدفع الشركة مستحقات الموظفين بحسب جدول زمني مع كل موظف"، علما ان الصحيفة كانت توظف 160 شخصا بينهم 30 أجنبيا. بالتالي بات وقف إصدار الصحيفة فعليا بعد 15 عاما على انطلاقها في بلد يشهد اضطرابات متواترة في السنوات الأخيرة. وانتقدت منظمات حقوق الانسان القرار، وبينها هيومن رايتس واتش التي طالبت حكومة البحرين في بيان في 18 حزيران /يونيو سحب القرار "لان يومية الوسط هي احدى وسائل الاعلام المستقلة النادرة في منطقة الخليج".
نبيل رجب
الى جانب ذلك قالت منظمة حقوقية إن محاميي الناشط الحقوقي البحريني البارز نبيل رجب انسحبوا من المحكمة بعدما رفض قاض طلبهم بتأجيل المحاكمة. وقال معهد البحرين للحقوق والديمقراطية إن المحامين طلبوا من المحكمة تأجيل القضية حتى يتمكن نبيل رجب الذي يعالج منذ أبريل نيسان من الحضور والدفاع عن نفسه.
وأوضح المعهد أن صحة رجب تدهورت نتيجة الحبس الانفرادي وإنه خضع لجراحة لعلاج تقرحات سببت له نزيفا. وقال المعهد في بيان "عندما رفض القاضي الجزار طلب التأجيل أعلن أعضاء فريق الدفاع انسحابهم من المحكمة حتى يتسنى لموكلهم الحضور شخصيا وتركوا قاعة المحكمة". وكان رجب أحد قادة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية عام 2011 التي قادتها الأغلبية الشيعية واحتجزته السلطات مرارا.
وخضع الرجل لمحاكمتين الأولى بتهمة تغريدات على تويتر والأخرى بشأن اتهامه بنشر أخبار زائفة. ويواجه نبيل رجب محاكمة ثالثة في تهم كتابة مقال رأي ينتقد فيه ظروف السجون في البلاد. وقال المعهد إن المحاكمة الخاصة بالتغريدات تأجلت حتى السابع من أغسطس آب بينما تأجلت المحاكمة المرتبطة بنشر أخبار زائفة حتى الثاني من يوليو تموز. وفي مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز خاطب رجب القراء وقال إنه يكتب لهم من "زنزانة سجن بحريني حيث يجري اعتقالي منذ بداية الصيف في سجن انفرادي معظم الوقت". بحسب رويترز.
ودعت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب حكومة البحرين الشهر الماضي إلى إخراج رجب من حبسه الانفرادي المستمر منذ أكثر من تسعة أشهر والتحقيق في مزاعم واسعة الانتشار بسوء معاملة وتعذيب المحتجزين. وتنفي البحرين تورط الشرطة في أي انتهاك ممنهج أو وجود انتهاكات في السجون وتقول إنها تواجه حملة من أعمال العنف تدعمها إيران.
اتهامات جديدة
على صعيد متصل أعلنت السلطات البحرينية ء في بيان أنها اعتقلت محاميا دون ذكر اسمه متهما بـ "التحريض على كراهية نظام الحكم". وكان هذا المحامي الذي يدعى عيسى فرج قد رفع في 11 حزيران/يونيو دعوى قضائية ضد حكومة بلاده لرفع الحصار عن قطر، ليكون بذلك أول اعتقال معلن بحق متعاطف مع الإمارة الخليجية.
وجاء في بيان لوزارة الداخلية البحرينية أنه تم اعتقال "أحد المحامين" دون ذكر اسمه، "بعد نشره محتويات... تتضمن تحريضا على كراهية نظام الحكم في مملكة البحرين". وتابع البيان أن "وزارة الداخلية قد أكدت... أن التعاطف أو المحاباة لحكومة دولة قطر... يعد جريمة يعاقب عليها القانون". وكان المحامي عيسى فرج رفع دعوى ضد حكومة بلاده في 11 حزيران/يونيو لرفع الحصار عن قطر.
واعتبر فرج، والذي نشر على صفحته في "فيس بوك" نص الدعوى التي رفعها للمحكمة الكبرى الإدارية، أن القرار "يحمل في طياته تقييد حرية المواطن البحريني في الإقامة والتنقل وهي من الحقوق والحريات التي كفلها له الدستور". وأضاف: "ينبغي أن يكون أي قرار يمس سيادة أي دولة أو قطع علاقات صادرة بأغلبية الأعضاء في مجلس" التعاون الخليجي. ويعتبر توقيف عيسى فرج أول اعتقال علني تنفذه السلطات البحرينية بحق متعاطف مع قطر. بحسب فرانس برس.
يذكر أنه في 8 حزيران/يونيو حذرت سلطات البحرين من نشر آراء مؤيدة لقطر أو منتقدة للإجراءات التي اتخذتها المملكة الخليجية ودول أخرى بحق الدوحة، في وسائل الإعلام البحرينية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويواجه من يثبت انتهاكه للحظر السجن لما يصل إلى خمسة أعوام والغرامة. وفرضت الإمارات إجراءات مشابهة على المتعاطفين مع قطر. وذكرت وسائل إعلام محلية أن الإمارات قالت إنها ستعاقب من ينتهك الإجراءات بالسجن لما يصل إلى 15 عاما وبغرامة 500 ألف درهم على الأقل (136 ألف دولار).
دوار اللؤلؤة
من جانب اخر أعادت السلطات البحرينية افتتاح دوار اللؤلؤة في المنامة، مهد الحركة الاحتجاجية التي انطلقت عام 2011، بعد سنوات من إغلاقه وتدمير النصب التذكاري الذي كان يتوسطه. وقال شهود إن دوريات أمنية تواجدت في الموقع تزامنا مع إعادة فتح الدوار أمام حركة المرور بعدما استبدلت السلطات تسميته القديمة بـ"تقاطع الفاروق". وكان يتوسط دوار اللؤلؤة الشهير قبل إغلاقه بعد المظاهرات التي شهدتها المملكة الخليجية نصب ضخم يرتكز على ستة أعمدة تمثل دول مجلس التعاون الخليجي.
ومنذ قمع الحركة الاحتجاجية التي قادتها الأغلبية الشيعية عام 2011 في خضم أحداث "الربيع العربي" للمطالبة بتعديلات دستورية، تشهد البحرين اضطرابات متقطعة. وكثفت السلطات البحرينية في الأشهر المنقضية محاكمة وملاحقة معارضيها لا سيما من الشيعة، ونفذت في منتصف كانون الثاني/يناير أحكاما بالإعدام رميا بالرصاص بحق ثلاثة من الشيعة أدينوا بقتل ثلاثة رجال أمن بينهم ضابط إماراتي في آذار/مارس 2014، ما تسبب في قيام مظاهرات. بحسب فرانس برس.
وصادق ملك البحرين في نيسان/أبريل على تعديل دستوري يلغي حصر القضاء العسكري بالجرائم التي يرتكبها عسكريون، ويفتح الباب لمحاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية، وفق ما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية. وفي تموز/يوليو 2016، حل القضاء جمعية "الوفاق" المعارضة الشيعية، التي كانت لها أكبر كتلة نيابية قبل استقالة نوابها في شباط/فبراير 2011، وحكم على زعيمها الشيخ علي سلمان بالسجن تسع سنوات بعدما دين بتهم عدة بينها "الترويج لتغيير النظام بالقوة" قبل أن تخفض العقوبة إلى خمس سنوات. وتفرض السلطات البحرينية قيودا صارمة على عمل الإعلام الأجنبي في المملكة، ورفضت تجديد تراخيص عمل مراسلين أجانب.
اضف تعليق