q
{ }

 من المتعارف عليه أن الإخفاقات التي رافقت عمل منظمة الأمم المتحدة وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط، لا تنسجم والمبادئ التي انطلقت منها بداية تأسيسها، وفي مقدمتها مبدأ الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وللوقوف على هذا المعنى قدم مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ورقة في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (الفشل الوظيفي للأمم المتحدة وأثره في ملف حقوق الإنسان)، في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة، وبحضور عدد من مدراء المراكز البحثية، ورجال دين وشخصيات أكاديمية.

 وقال مدير الجلسة الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز آدم: إن "تاريخ نشأة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتوقيع على ميثاقها، جاء في يوم 21 حزيران من العام 1945 وكانت الغاية الرئيسة لتأسيسها هي حفظ الأمن والسلم الدوليين، اذ ارتأت الدول المتحالفة آنذاك إن تقوم بتأسيس منظمة دولية، تحل محل عصبة الأمم، وتكون لها آليات أكثر تطورا وأكثر إلزاما للدول من التي كانت تملكها عصبة الأمم، وقد زاد من زخم الأمر دخول الولايات المتحدة الأمريكية في ملف المفاوضات بشكل قوي، ولم تكن بعد قد انضمت إلى عصبة الأمم، بسبب عدم توقيعها على معاهدة فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى، والخلاف الشهير بين الرئيس الأمريكي والكونغرس، ما اضعف كثيرا من سطوة عصبة الأمم، وأدى بها إلى الانهيار والانتهاء".

 وأضاف إن "الأمم المتحدة شرعت من منطلقات أكثر قوة وفيها دخل الحلفاء لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية كطرف قوي، وتم صياغة النظام الأساسي لها، وأعلن على الملأ، ودخل حيز التنفيذ بعد أن انتهت الحرب، وقد كانت من اولويات الأمم المتحدة الحفاظ على حقوق وحريات الإنسان، والكل يعلم ورود مفردة الحقوق والحريات الأساسية في ميثاقها، وان هذا التعبير كرر سبع مرات تقريبا، ما يعني انه من المبادئ الأساسية والرئيسة التي تسعى إلى تكريسها والحفاظ عليها، وهي واحدة من أهم وظائفها على مستوى العالم وعلى مستوى الدول التي انضمت اليها، وقد ذهبت الأمم المتحدة في ميثاقها، وبالتحديد في الديباجة إلى التأكيد على الإيمان المطلق بالحقوق والحريات، انطلاقا من إيمان حقيقي بالحقوق والحريات والمساواة بين الأمم و بين الافراد".

 وبين الحسيني إن "المادة (الأولى والثانية) التي عددت أغراض الأمم المتحدة، تم التأكيد فيها على مبدأ المساواة بين النساء والرجال، وبين الأمم وبين الدول واحترام الحقوق الأساسية العامة والخاصة، ومن بعد ذلك، جاءت المادة (52) وقبلها المادة (50) والتي أسست إلى الكثير من الأمثلة للحقوق والحريات، وكانت الباب الطبيعي لتأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، والذي ارتبطت به بموجب المادة (50) الكثير من المنظمات الدولية، ففي تلك المادة تم التأكيد على توفير الرفاهية، والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والتربية، على ان يتم التعاون بين كل أجهزة الأمم المتحدة في هذا المضمار".

 وأوضح الحسيني إن "ولادة منظمة الصحة العالمية ومنظمة التعليم والتربية اليونسكو وغيرها من المنظمات المتخصصة في شتى المجالات، والساعية الى تحقيق هدف محدد، هو في حقيقته من الحقوق والحريات الأساسية لبني البشر على الكرة الأرضية".

وتابع "لا ينكر إن الأمم المتحدة بذلت جهود مضنية وتوصلت إلى إقرار العديد من القواعد القانونية التي تصون وتحمي القواعد العامة بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام (1948)، ومرورا بالعهدين الدوليين عام (1966)، ومن بعد ذلك الاتفاقيات المتخصصة في مواضيع محددة، منها مثلا حظر جميع أشكال التمييز العنصري عام (1965) وحقوق الطفل عام (1989) وغيرها، أضف إلى ذلك الجهود الجبارة التي بذلت في ميدان تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني الخاص بحقوق الإنسان".

وأشار الحسيني الى إن "فترات الحرب وبعد جهود حثيثة تم خلالها إبرام اتفاقيات جنيف عام (1949)، الأربعة المعرفة وبرتوكولاتها الملحقة عام (1977) التي نظمت أحوال المحاربين والأسرى والمدنيين أثناء الحرب، وأثناء النزاع سواء كان دوليا أو محليا أو وطنيا والذي يسمى بالحرب الأهلية، أو ما شاكل ذلك وهذه الجهود للأمم المتحدة لايمكن نكرانها وهي كبيرة جدا، أضف إلى ذلك إن الأمم المتحدة ومن خلال أجهزتها المتخصصة، تبذل جهودا واسعة وكبيرة في شتى المجالات، من مثل رعاية طوائف كثيرة من الناس، وكثير من الدول التي لا تتمتع بالحكم الذاتي إلى الآن، فضلا عن وجود بعض الجزر في المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، والتي هي الاخرى لا زالت تحت رعاية الأمم المتحدة".

 ويرى الحسيني إن "الأمم المتحدة تسهم وتشارك بشكل فاعل في نشر الديمقراطية، وذلك من خلال الإشراف أو الاشتراك أو المراقبة في العمليات الانتخابية التي تجري في الكثير من دول العالم، وتسعى دائما من خلال مؤتمراتها أو أديباتها إلى نشر وعي وثقافة انتخابية وترسيخ هذا المبدأ بين شعوب العالم، وهذه ايجابيات تسجل لهذه المنظمة العريقة، ولكن على الجانب الآخر، لابد أن نسجل وجود بعض الإخفاقات التي رافقت عمل المنظمة، وبالتحديد من منطقة الشرق الأوسط إذ إن هذه المنظمة انطلقت من مبدأ أساسي، وهو الحفاظ على الأمن، والسلم الدوليين، والكل يعلم إن الأمن الدولي يعني إنهاء حالة الصراع الدولي أو الركون إلى القوة في حل النزاعات، وصيرورة الأمر إلى الطرق الدبلوماسية أو ما سمي في أدبيات الأمم المتحدة بالدبلوماسية الوقائية، التي تقي العالم والدول من حصول النزاعات، وهذا مترجم في ميثاق الأمم المتحدة من خلال (الفصل السادس)، وبالتحديد في المادة (32) و المادة (33) أيضا التي أرست سبل الدبلوماسية الوقائية، في حل النزاعات والخلافات الدولية على صعيد المساعي الحميدة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة، من خلال مبعوثيه إلى دول المنطقة، وكذلك من خلال التحكيم أو التوفيق أو التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة للوقوف على أسباب النزاع والصراع، ومحاولة إنهاء هذه المشاكل، وأيضا حث الأطراف المتنازعة على الركون إلى الحلول القضائية من خلال التحكيم أو من خلال القضاء الدولي المتمثل بمحكمة العدل الدولية".

 ونوه الحسيني الى إن "السؤال الكبير هنا هو هل نجحت الأمم المتحدة في ترجمة هذه النصوص الى حقيقة واقعة ؟ وهل تمكنت الأمم المتحدة، من أن تحول دون حصول النزاعات التي ذهب ضحيتها الإنسان وأهدرت حقوقه على الملأ وعلى رؤوس الأشهاد؟ وهل حالت هذه النصوص الملزمة والمفيدة تحديدا في مجال الأمن والسلم، وأن الدول التي ركنت إلى هذه الوسائل السلمية في حال خلافاتها قد نجحت؟ بالتأكيد ان الإجابة ستكون إن الأمم المتحدة، لم تتمكن من أن تحول دون نشوب نزاعات أو على اقل تقدير أن تحول دون استمرار النزاعات، ولنا مثلا في ذلك حرب الخليج، بين الجارين العراق وايران التي استمرت (ثمان) سنوات وان الدولتين أنهكتا وكان مجلس الأمن، قد اصدر قرارا بوقف إطلاق النار قبل ذلك، إلا انه مضى على الحرب ثمان سنوات من النزاع، وحرب الخليج الثانية والثالثة، والتي خرجت فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرعية الدولية، ولم تذهب إلى مجلس الأمن بسبب الخلاف الذي حصل بينها وبين روسيا وفرنسا آنذاك هذا على صعيد العراق".

 ولفت الحسيني الى ان "دول المنطقة اليوم تغلي كالمرجل سواء في سوريا او ليبيا او اليمن وفلسطين، وهناك الكثير من النزاعات التي بدأت وانتهت، ولم يكن للأمم المتحدة دور يذكر في ذلك فاليوم هناك الملف الأكبر الذي يعتبر وصمة عار في جبين الأمم المتحدة، هو ملف اللاجئين حيث ان الآلاف منهم يموتون غرقا أو جوعا أو في شوارع أوروبا بغية الحصول على تأشيرة الدخول أو الحصول على الأمن والعيش الكريم في احدى دول أوروبا، وكذلك الوصمة الأخرى التي يوصم بها جبين الأمم المتحدة، هي المجاعة التي تفتك بالصومال وباليمن وبجنوب السودان، وهناك تقريبا (110) شخص ماتوا من الجوع في يوم واحد جنوب السودان/وتقارير الأمم المتحدة تفيد إن (17) مليون يمني هم الآن يواجهون خطر المجاعة".

 وألمح الحسيني الى إن "الأمم المتحدة تقوم بالتصريح، وبالإدانة وبالبيانات وتبرز للعالم حجم المأساة التي يعاني منها الشعب اليمني أو العراقي أو السوري، وغيرها من البلدان الأخرى، ولكن هل هذا هو المؤمل منها، وهل هذه هي الغاية الحقيقية التي من اجلها أنشأت هذه المنظمة، وهل تمكنت هذه المنظمة من أن تقف بوجه الدول المارقة التي تخرج عن كل القواعد القانونية و الشرعية الدولية، وتذهب إلى قصف الناس الامنين، كما يحصل الآن في اليمن من خلال هذا التحالف السعودي سيء الصيت، وهل تمكنت الأمم من أن توقف العدوان الذي يستغل المادة (51) كذريعة من ميثاق الأمم المتحدة بأن الحكومة الشرعية بإمكانها أن تستعين للدفاع عن النفس بإحدى الدول، فأي دفاع عن النفس والأطفال والشيوخ يقتلون والبيوت تدمر بحجة تحالف دولي، لإنقاذ حكومة متهرئة في اليمن، فالأمم المتحدة لم تقف ولم تنهض بوظيفتها المهنية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، ما يوفر الأرضية الخصبة لانتعاش الحقوق والحريات الفردية".

واوضح ان" الأمم المتحدة اليوم تملك أن تركن إلى الفصل السابع لغرض القضاء على مصادر القلق الدولي أو مصادر الأزمة في العالم".

 وأكد الحسيني إن "الأمم المتحدة وعندما أصبحت هذه الأزمات متوالية، فأن مجلس الأمن الدولي اجتمع أكثر من مرة، ولو استعرضنا في عام (2015) فقط كم قرار صدر بخصوص سوريا والعراق وليبيا لم نجد على ارض الواقع تطبيقا، بسبب انه حتى الأمين العام للأمم المتحدة المسؤول أصلا وفق المادة (45) على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، هو تنصل عن كثير من واجباته، وراح يكتفي بمجرد إيراد الإدانات والبيانات وغيرها، في عام (2015) صدر القرار(2200) الخاص بليبيا و بعد ذلك القرار (2253) الخاص بتجفيف منابع داعش في العراق وسوريا ومن ثم القرار (2258) الخاص بسوريا".

 ويضيف إن "كل القرارات التي تتعلق بهذه الدول لم يتم تنفيذها على ارض الواقع، من مثل تجفيف منابع تمويل داعش، ومحاربة النفط المهرب والقضاء على التنظيمات الإرهابية، ومسك الحدود لمنع تهريب الآثار، وغيرها التي تعتاش عليها تلك التنظيمات والتي تفتك بالمدنيين في سوريا والعراق وليبيا".

 ويختم الحسيني إن "الإجابة على ذلك تشير إلى الخلل الوظيفي الكبير الذي تعاني منه الأمم المتحدة، ومدى القلق الذي يسود العالم اليوم من مستقبل هذه المنظمة التي أنشئت أصلا لغرض الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا، في أن تقف بوجه أي تهديد يهدد السلم والأمن الدوليين، لا سيما انها أنفقت المليارات على المؤتمرات والحوارات والمفاوضات ووسائل الدبلوماسية الوقائية، بموجب المادة (32) لكن ما مدى جدوى هذه المؤتمرات التي عقدت في جنيف وفي عواصم أوروبية أخري، وأين المساعي الحميدة لدى أطراف النزاع وماذا قدم مبعوث اليمن الخاص خلال خمسة سنوات من الصراع المبعوث الخاص في ليبيا والمبعوث الخاص في العراق والمبعوث الخاص في سوريا؟ أين هؤلاء المبعوثين وماذا قدموا وماذا حققوا وما هي إنجازاتهم بل السؤال الأكبر إن شائبة الفساد كانت دائما تلاحق هذه الأذرع التي امتدت من الأمم المتحدة ومن نيويورك إلى تلك الدول، وهي عبارة عن جلسات ومجاملات و مسائل بروتوكولية، تنتهي بدون التوصل إلى حلول حقيقية".

 من خلال هذا العرض الموجز للمشاكل التي تعاني منها المنطقة والعوامل التي أدت إلى تفاقمها ستنتج تخاذل الأمم المتحدة في النهوض بمسؤوليتها التاريخية والقانونية والأخلاقية ونطرح عدة تساؤلات.

 السؤال الأول: هل تغير مفهوم الأمن الدولي حتى إن الأمم المتحدة يمكن أن تتذرع بالمتغيرات التي حصلت كي تتنصل عن واجباتها؟

- الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية حامد الجبوري يرى إن "مفهوم الأمن والسلم الدولي قد تغير بما يتلائم مع رغبات وتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تريد نشر الدمار والخراب في العالم، حتى تبقى تلك الدولة متسيدة للعالم، والشيء الآخر هناك تقارير لأحد المنظمات التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالأمن الغذائي، تؤكد وجود (850) مليون فقير في العالم، مما يدلل على الفشل الوظيفي الأمم المتحدة وغياب الأمن والاستقرار العالمي".

- من جانبه يعتقد الدكتور حسين احمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، إن" نشئة النظام الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى الوقت الحاضر، مرت بتطورات عديدة، وكل تطور صاحبه هذا النظام الدولي مما انعكس على موضوع الأمن، لذا كان هناك تغيير في مفهوم الأمن، فبعد الحرب العالمية الأولى انبثقت عصبة الأمم المتحدة وتشكلت هذه المنظمة الدولية، والهدف منها كان تلافي أي حدوث حرب عالمية أخرى، نتيجة الدمار والخراب الذي شهده العالم أثناء الحرب العالمية الأولى".

 وأضاف احمد إن "هذه المنظمة لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية، وأسباب أخرى تعنى بسياسات الدول الاستعمارية لذلك لم تنجح في درء الخطر عن العالم، و هذا الفشل قاد إلى الحرب العالمية الثانية وبما فيها الأطراف الخمسة الكبار، الذين بدأوا باجتماعات من اجل تشكيل الأمم المتحدة التي تأسست في عام (1941) بمؤتمرات خمسة، اختتمت بمؤتمر سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، وانبثق عنها ميثاق الأمم المتحدة، وهذه الدول كانت متصارعة في الحرب العالمية الأولى، والهدف كان هو إرساء منظومة معينة للأمن والسلم الدوليين، كي تنأى بهذا العالم عن خطر الحروب".

 وأشار احمد الى إن" النظام الدولي بعد نشئة الأمم المتحدة تغير كثيرا، وبعد ظهور الاتحاد السوفيتي كان مفهوم الأمن تقليديا، قائم على تجنب الصراعات والحروب بين الدول، لاسيما بعد عام (1949) وانبثاق الاتحاد السوفيتي كقوة نووية، هذا النظام الدولي، مر بتطورات عديدة حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، وتحول نظام الأمن إلى مفهوم آخر، هو تنامي التشكيلات الفاعلة من غير الحكومة، وأيضاً تنامي التشكيلات والتنظيمات ذات النزعة الإرهابية، وهذا الموضوع أضفى نوعا جديدا على مفهوم الأمن الدولي، حيث لم تعد الحكومات أو الدول أو حتى المنظمات الدولية قادرة على أن تضبط إيقاع هذه التنظيمات، لأنها خارجة عن مساحات الحكومة، وتعمل في مناطق بعيدة عن سيطرتها، وهذه إشكالية مهمة لابد أن نشير اليها".

 ويضيف إن "الإشكالية الثالثة وهي ان الأمم المتحدة وإلى الآن تتأثر بالمناخ السياسي أو بالرؤية السياسية للدول الخمسة الفاعلة في الأمم المتحدة، وطبيعة الصراعات والإرادات السياسية المتناقضة داخل مجلس الأمن الدولي، لذلك لا ينبثق مشروع تسوية أو سلام لكل من مشاكل سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، والسبب في ذلك إن مصالح الدول هي الغالبة على هذا الموضوع، وان قرارات الدول، لا تكترث بأمور الأمن والسلام الدوليين بقدر ما تكترث لمصالحها، حيث نجد هناك فيتو روسي لقرار فرنسي أو فيتو أمريكي لقرار روسي وهكذا".

 كما يؤكد احمد انه "لا زالت الإرادة السياسية، هي المتحكمة بهذا النظام، وهذه المنظمة الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة، وقد خضعت للأسف الشديد لتوجهات معينة، ولم تستطع فك أسرها من القوى الكبرى الفاعلة في النظام الدولي، لذلك تجد الإخفاقات متتالية، من جانب الدول التي كان فيها صراعات أو مجاعة، وإن المنظمة الدولية تأتي بعد وقوع الكارثة، وتحاول أن تقلل من الآثار السلبية، والمشكلة في طبيعة هذه الدول توصف من قبل الاخر بأنها دول فاشلة، وهي لم تستطع أن تؤمن بناء نظام إداري أو سياسي قادر على حماية الناس، وبناء نظام سياسي يجمع الكل، فمفهوم الأمن قد تغير وهو اعقد بكثير من مفهوم الأمن بعد الحرب العالمية الثانية، فالجهات الفاعلة كثيرة من حكومات وغير حكومات، وأيضا سياسات الدول الكبرى أيضاً كان لها دور كبير في تغيير هذا المفهوم، لذا حتى على صعيد الدول ذاتها مفهومها للأمن القومي، لربما يكون في داخل حدود الدول المجاورة، وهذا أيضاً أضفى إشكالية كبيرة على عمل الأمم المتحدة، وعلى المنظمات التي تهدف إلى درء الخطر.

- الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية، يؤكد إن "الظروف التاريخية التي نشأت في ظلها المنظمة الدولية، تبين لنا إنها منظمة أسستها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وهذا يسحب من المنظمة التمثيل الدولي العادل، وهذه حقيقة أولى، والحقيقة الأخرى إنها أوردت من ضمن اهدافها مبدأ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والتدبر في هذا الهدف يعطينا انطباعا واضحا بان المقصود بهذا المعنى هو سلم الدول المنتصرة الكبرى والعظمى في ذلك الوقت، على اعتبار إنها دول منتصرة في الحرب".

 وأضاف ان "الدول الكبرى هي من وضعت النظام الأساس لهذه المنظمة، وعند ذاك لابد وان تضع مصالحها بالدرجة الأولى، وهناك نقطة أساسية أخرى حقيقية ومهمة اسهمت بشكل فاعل في فتور أو في عدم نشاط وفاعلية هذه المنظمة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، كون هذه الدول سرعان ما دخلت الدول المؤسسة والمقصود الدول الدائمة العضوية في صراع محتدم تبلور عنه معسكرين اشتراكي ورأسمالي دخلا في صراع وفي حرب تم تسميتها بالحرب الباردة، وهي قد شلت تماما أي نشاط للأمم المتحدة، على اعتبار طوال هذه المدة لم تستطع الدول الفاعلة، اتخاذ قرارات مصيرية فاعلة في الحد من انتهاكات حقوق الإنسان أو في إيجاد بيئة تتمتع بالسلم والأمن، بل على العكس نلاحظ إن هذه الدول هي كانت سبب في إيجاد نظام دولي متوتر غير مستقر، مهيأ لحدوث صراع في أي وقت".

 ويكمل حسين ان "القضية الأخرى هي إن الأمم المتحدة كمنظمة لا تمتلك إرادة حرة مستقلة عن الدول التي أسستها، وبالتالي هي مرتبطة بمجموع إرادات الدول المؤسسة لها، ولا يمكن أن تشق لنفسها طريقا بمعزل عن إرادة الدول المؤسسة لها، ,هناك حقيقة أخرى مهمة، هي وجود مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، ومساهمة هذه الدولة الكبرى في نسبة تتجاوز (60%) من ميزانية هذه المنظمة، مما جعل هذه المنظمة مرهونة نوعا ما بالإرادة الأمريكية، مما افقد ثقة الدول الأخرى بهذه المنظمة واتهموها مرارا وتكرارا بأنها لا تمثل إلا مصالح أمريكا والدليل على هذا القول إن العديد من الدول سعت إلى إنشاء منظمات أخرى تعمل على غرار الأمم المتحدة، ولكن بنوع من العدالة النسبية كمنظمة عدم الانحياز وغيرها من المنظمات الأخرى".

- الأستاذ حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية يرى إن" الأمم المتحدة لم تعمل منفردة، وإنما من خلال الوكالات والمنظمات التابعة لها والمتخصصة في مجال حقوق الإنسان، حيث توجد ثلاث منظمات: هي منظمة حقوق الإنسان الدولية والصليب الأحمر والعفو الدولي، فهل استطاعت هذه المنظمات أن تؤدي ما عليها ؟. الجواب لا والسبب في ذلك إن الدول المساهمة ماليا أكثر هي التي تتحكم في مصير هذه المنظمات، فعلى سبيل المثال قبل فترة قليلة أصدرت منظمة حقوق الإنسان الدولية قرارا على إسرائيل تتهمها بالفصل العنصري ضد العرب لكن الولايات المتحدة الأمريكية هددت بسحب التمويل، ما لم تتراجع المنظمة عن سحب القرار".

وأوضح جاسم ان "الشيء الآخر إن مفهوم الأمن تغير لان في الحرب العالمية الثانية إلى جانب ذلك هناك دول تهدد الأمن والسلم العالمي، وإن المنظمات الإرهابية، ليست منتمية إلى دولة، فكيف تتصرف الأمم المتحدة مع هذه المنظمات، وهي موجودة في دول وأن تلك الدول لها سيادة، بالإضافة إلى ذلك ان الأمم المتحدة لا تملك قوات هجومية، بل مجرد قوات لحفظ الأمن ولا تملك إلا تجهيزات عسكرية بسيطة، امام تعاظم وجود المنظمات غير الحكومية، ناهيك عن ذلك ظهور كوارث طبيعية فالأمم المتحدة من بين الأنشطة الخاصة بها هي معالجة الكوارث، ولا ننسى ان الفيتو هو الآخر سلاح بيد القوى الكبرى، مما جعل المنظمة الدولية، لا يمكن الاعتماد عليها في حل النزاعات والقضايا".

 - الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام من جهته، "يدعو إلى قراءة العالم قراءة واقعية، وان نبتعد عن الرومانسية والخيال، فالأمم المتحدة اليوم هي نتاج هذا العالم، ونتاج الحرب العالمية الثانية، ونتاج الحروب الاستعمارية، فنحن في هذا التوقيت لن نستطيع أن نتحدث عن كون الأمم المتحدة هي نتاج العالم الثالث، بل هي نتاج العالم الأول، وليس العالم الثاني، وبالنتيجة ما أنتجه الغرب بعد الحرب العالمية الثانية من منظمات كلها منظمات فاشلة، بل هذه المنظمات لم تؤد إلى عملية بناء الأمن العالمي، بل كانت محاولات للتغطية على ما يريده الغرب من مصالح استعمارية خاصة للسيطرة على ثروات العالم".

 وأضاف معاش إن "اقرب مثال على ذلك، هو ممارسة الضغوط على رئيسة اللجنة الاقتصادية في غرب آسيا ودعوتها للاستقالة بسبب القرار الذي أصدرته ضد إسرائيل، والتي اتهمتها بممارسة الفصل العنصري ضد العرب، وقبل فترة قليلة صدر قرار من الأمم المتحدة يتهم إسرائيل ببناء المستوطنات اليهودية، وكلها كانت حبر على ورق، وليس لها اي قيمة. وأيضا هناك خبر عن البنك الدولي وكيف انه يمارس عملية نشر الفقر في بعض الدول الأسيوية نتيجة المشاريع التي يدعمها، وكذلك صندوق النقد الدولي من خلال سياساته وتعاملاته غير الحيادية، مما يوضح إن فشل هذه المنظمات هو دليل على فشل النظام العالمي".

 وأشار معاش الى إن "العالم يعيش عقدة، وأزمة كبيرة جدا، نتيجة للحركة الغربية، وهي لا تقوم على بناء الإنسان، وإنما هي قائمة على أيديولوجية رأسمالية تسعى إلى الربح، وإذا لم يتحرك هذا العالم اليوم نحو بناء نظام جديد، فنحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة خاصة، وان الحرب العالمية الثانية هي نتاج لصراع غربي-غربي على مقدرات العالم، ولا يوجد صراع شرقي-غربي، بل إن الغرب دائما مهيمن على الشرق، حيث إن المشكلة موجودة في التفكير الغربي، وإذا لم يستطع حل مشاكله سيبقى يمرر أزماته وكوارثه وحتى الاستبداد الموجود في بلادنا هو منسل من الغرب ف"صدام" في وقته كان يدعم من قبل فرنسا وألمانيا وعلى ذات السياق اليوم ترامب يرسم صفقات مع السعودية ومع دول أخرى".

 ويضيف إن" العالم الغربي يضحي بالإنسان وبالمصلحة العامة، وبالأمن العام العالمي من اجل مصالحه الذاتية، ومثال على ذلك الاستعمار الفرنسي الذي مارس أبشع الانتهاكات ضد الدول الأفريقية، ما يجعلنا نقول انه ليس لنا أمل بهذه المنظمات، لأنها تخرج من رحم تفكير رأسمالي ضيق يقوم على نزعة الاعتقاد بالتفوق الغربي على العالم".

 السؤال الثاني: ما البديل عن الأمم المتحدة لو أردنا استبدلها في الحفاظ على الحقوق والحريات، وهل إصلاح المنظمة ضرورة أم هو ترف فكري؟

- حامد الجبوري يقول: إن "البديل هو ضرورة مساهمة كل العالم في إدارة هذه المنظمة، وان يبتعد العالم عن التبعية للدول الكبرى".

في حين يرى الدكتور حسين احمد إن "محور القضية يتركز حول كيف نبعد الأمم المتحدة عن الإرادة السياسية، وكيف يكون شكل النظام العالمي الذي يحفظ حقوق وحريات الإنسان؟، وعلى هذا الأساس فان النظام الداخلي للأمم المتحدة فيه الكثير من الإنصاف، لكن المشكلة في الإرادة السياسية التي تغلب على النظام الداخلي، ويكون هناك تجاوز فمثلا غير منصوص في مجلس الأمن الدولي أن يتدخل في موضوع ترسيم الحدود لكنه في القرار (876) والقرار (883) لسنة (93) جاءت هذه القرارات نتيجة إرادة سياسية أمريكية، وبهدف سياسي معين في المنطقة".

 وأضاف احمد إن "إبعاد المنظمة عن تلك التدخلات، يتحقق وجوده عندما يكون النظام العالمي بعيدا عن القطبية الأحادية، وبعيدا عن القطبية الثنائية، فإذا ما اتجه النظام العالمي نحو المشاركة بإدارة هذا النظام فبالتأكيد ستتعزز كثيرا إرادة المنظمة الدولية، وسيكون هناك تطبيق التزام واضح للدول وللمنظمة بنظامها الداخلي".

- الدكتور قحطان حسين يبين إن "الأمم المتحدة بالدرجة الأساس هي منظمة سياسية، قبل أن تكون قانونية، وهي قد وضعت في أولى أهدفها مبدأ المساواة بين الدول في السيادة، وأول ما انتهك هذا المبدأ هي تلك الدول العظمى نفسها التي أسست الأمم المتحدة، وأوجدت أيضا هذه الدول ما يسمى وزن الصوت، وهي أول من خالفت هذا الوزن عندما أعطت لنفسها الحق في الفيتو والاعتراض على بعض القرارات، وبالتالي تشل كل عمل للأمم المتحدة، وأصبح مجلس الأمن هو الجهاز التنفيذي الذي يدير وينظم ويخطط لعمل ونشاط الأمم المتحدة، ومعروف من يمتلك الهيمنة في هذا المجال وهو امريكا".

 وأضاف حسين "علينا أن لا نثق كثيرا في هذه المنظمة، وان لا نعول عليها في ان تكون في يوم من الأيام منقذ للبشرية، إلى جانب ذلك فان التفكير في بديل آخر عن الأمم المتحدة من غير الممكن في ظل تركيبة النظام الدولي، وفي ظل الهيكلية التي برز بها النظام الدولي الذي اعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، فهذه المنظمة يجب ان تخضع لعملية إصلاح حقيقية وليست شكلية، وذلك على اعتبار إن عملية إيجاد بديل ليس بالشيء الهين، حيث ان الدول العظمى لا تسمح بإيجاد منظمة أممية عالمية كثقل ووزن الأمم المتحدة".

 ويكمل حسين إن "الأمم المتحدة هي حقيقة راسخة طالما هناك توافق في الرأي بين أعضاء مجلس الأمن الدائميين، لذا فان الحل يكمن في بذل جهود مخطط لها، وتحظى بتوافق من اجل إجراء إصلاح حقيقي في هذه المنظمة، حتى تحد من هيمنة الدول الدائمة، وتعطي المجال والدور للدول الأخرى في العالمين الثاني والثالث، ولكن ثمة سؤال يطرح نفسه هو هل تتنازل الدول العظمى عن صلاحياتها وتعطي دورا للدول الأخرى؟ ".

حمد جاسم يجد إنه "على الرغم من كل مساوئ الأمم المتحدة، لكننا لا يمكن أن نحد أو ننهي عمل الأمم المتحدة، إلى جانب ذلك ليس من المستحيل إنشاء تكتل دولي جديد، وان المشكلة الأساسية تكاد أن تتمحور في مجلس الأمن، فأي قرار تتخذه الأمم المتحدة يتم من خلال الدول الخمس الدائمة العضوية، واستخدامها للنقض الفيتو، لذا لابد أولاً أن نعمد إلى إلغاء الفيتو على اعتباره معطل للكثير من القرارات، والشيء الآخر البديل إضافة دول جديدة كالهند والبرازيل ودول افريقية الى مجلس الامن".

 واسترسل جاسم "أما من جهة أخرى، فلابد من تحقيق التعاون والتفاعل بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، خصوصا وان حاجز التعاون بين الأمم المتحدة والجامعة العربية وكل قرارات الدول العربية كانت بيد الدول العظمى والجامعة العربية بعيدة عن هذا الموضوع".

 التوصيات

- القيادة المشتركة للأمم المتحدة.

- على الدول أن تبنى منظومة سياسية متكاملة بهدف خلق العدالة.

- أن تنأى الدول بنفسها عن الصراعات.

- توظيف الأمم المتحدة توظيفا جيدا بما يتلائم مع الأمن والسلم الدولي.

- إعطاء الأمم المتحدة دورا اكبر وإبعادها عن تأثير القوى الكبرى.

- حث مراكز الدراسات على تقديم آراء فكرية حول الكوارث التي يتجه نحوها العالم وتبيان المخاطر وإيضاح الآليات والحلول.

- تأسيس المنظمات الحقوقية التي تؤدي دورا كبيرا.

- حث الجامعات على طرح أفكار تخدم النظام العالمي السليم.

- ان تقوم الجهات الدينية بالضغط الكبير من اجل إرساء نظام عالمي محايد.

اضف تعليق