q

طبيعة الرئيس الجمهوري الجديد للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب، الشعبوية تجعل من الصعب فهم كيف ستكون سياسته الخارجية، اذ يشتهر رجل الأعمال السياسي بخطابه اللاذع، والذي يبدو انه يلائم شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي، فبعد دخوله البيت الابيض في واشنطن اصدر بيانا اكد فيه على فرض حظرا على جميع المسلمين من دخول بلاده، وهو موقف كان قد استخدمه خلال حملته الانتخابية ضد هيلاري كلينتون.

بالإضافة إلى طبيعته الشعبوية، يضاف اليه عدم خبرته في السياسة الخارجية طبقة أخرى من الارتباك لنواياه العالمية الحقيقية، على عكس ما ادعاه خلال مناظراته الانتخابية بأنه يمتلك بصيرة مثالية من خلال الزعم في كتابه أن أسامة بن لادن كان مقرفا ويجب التخلص منه، وكذلك التنبؤ بزعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط بسبب الحرب على العراق.

ومع ذلك، فإن وجهات نظره بشأن العراق تترك الكثير مما هو مرغوب فيه، ففي خلال مناظرة للجمهوريين، ادعى ترامب بأنه "وقف ضد الحرب مع العراق بقوة"، ولكن في مقابلة يوم 11 أيلول عام 2002، سأل هوارد ستيرن ترامب إذا كان يؤيد غزو العراق ورد ترامب "نعم أعتقد ذلك.. وأتمنى للمرة الأولى ان يتم القيام به بشكل صحيح"، وعندما سئل عن هذه المقابلة في قاعة CNN والتي احتضنت المناظرة الجمهورية، تراجع ترامب قائلا: "يمكن أنني قد قلت ذلك، لم أكن سياسيا، وربما كانت تلك المرة الأولى التي يسألني أحد فيها هذا السؤال، وبحلول الوقت الذي بدأت فيه الحرب، كنت ضدها، وبعد ذلك بوقت قصير، كنت حقا ضدها"، لكن تراجع ترامب وعدم يقينه يعكس موقف سياسته الخارجية العام.

تثبت نظرة ترامب الواسعة حول العراق عدم مراعاته للبلد، ان اقتراح ترامب الرئيسي لمواجهة داعش هو بتفجير إمدادات النفط العراقية "لأنهم يمتلكون النفط" وهذا يدل على عدم وجود فكر ثاقب وفهم للتعقيدات الاستراتيجية الكامنة في البلاد، وفي الخطاب نفسه، واصل ترامب القول بإن "ما يسمى بالحكومة في العراق ذهبت إلى إيران لمقابلة إيران، وإن ايران تسير للاستيلاء على العراق.. لا تهمني الحكومة العراقية، لانهم فاسدون تماما ؟" وهذا يلقي المزيد من الضوء على تبسيطه وغير اكتراثه بالأحداث في الشرق الأوسط.

ترامب وتطبيق القرارات

لم تستطع كلينتون كسر القاعدة المركزية لصناع الستراتيجية العليا والخارطة المستقبلية للبلد بعدم بقاء أي من الحزبين في الحكم لأكثر من فترتين متتاليتين. حيث بفوز ترامب تعززت هذه القاعدة، فمثلما لا يستطيع أي رئيس أمريكي إدارة البيت الأبيض لأكثر من دورتين، فإن أيا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا يستطيع البقاء في السلطة لأكثر من دورتين وعليهما تداول السلطة.

واذا دققنا النظر في بعض المسائل السياسية والستراتيجية والاقتصادية الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، نرى أنه بجانب عملية التداول السلمي للسلطة، هناك مسائل أخرى أصبحت عرفا متبعا وكأنها متفق عليها سرا بين الحزبين الرئيسين، مع أنها لم ترد في الدستور، فمثلا ينصب اهتمام الديمقراطيين على المسائل الداخلية بينما يهتم الجمهوريون أكثر بالسياسة الخارجية ويعتقدون أن قوة أمريكا تبدأ من خارج البلد.

وما يخص العراق في هذه المسألة، فإن الاتفاق السري بين حزبي الحمار والفيل يبدو جليا، أن الديمقراطيين يصدرون القوانين والجمهوريون ينفذونها، حيث أصدر الديمقراطيون قانون تحرير العراق عام 1998، لكن الجمهوريين نفذوه عام 2003، كما ان الديمقراطي جو بايدن يعتبر مهندس قانون تقسيم العراق على أساس فيدرالي الذي أصدره الكونغرس عام 2007، إلا أنهم لم ينفذوه خلال السنوات الثماني اللاحقة التي كانوا فيها بالسلطة عن طريق باراك اوباما، ويحتمل أنهم تركوه لترامب حتى ينفده، والآن عندما يتولى هذا الرجل الصارم السلطة في البيت الأبيض ويدعو الى إعادة الهيبة للولايات المتحدة، قد يكون ملف العراق إحدى الأوراق التي يريد من خلالها إعادة هذه الهيبة، حسب قوله.

وهناك جملة عوامل تجعلنا نعتقد أن تقسيم العراق في عهد ترامب بات قريبا جدا، منها:

- في أول رد فعل له، يرى الرئيس الجمهوري أن سياسات أوباما ساهمت في نشوء تنظيم داعش الارهابي، ويرى ضرورة إجراء تغييرات جذرية في سياسات الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، ويعد تقسيم العراق إحدى الوسائل اللازمة لهذه التغييرات والمراجعات الجذرية التي تحتاجها سياسات البيت الأبيض في المستقبل.

- استمرار الخلافات السياسية وعدم اتفاق القوى العراقية، وخاصة حول المناطق المحررة من قبضة داعش كالموصل، حيث ان بعض هذه المناطق لم تتحرر كاملة حتى الآن إلا أن النقاش بدأ يحتدم هنا وهناك حول إدارتها مستقبلا.

- إبقاء بعض المواد الدستورية معلقة دون حسمها، مثل المادة 140 المتعلقة بمستقبل كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، والمادتين111 و 112 المتعلقتين بالنفط والغاز والموارد الطبيعية، والتي هي مثار خلافات حادة بين المكونات الأساسية في البلد ولها أبعاد تاريخية وقومية.

كل هذه الحقائق ليست مسوغات أو ترويجا لتقسيم العراق عن طريق تجزئة البلد، بل هي واقع مجسد قمنا بإلقاء الضوء عليه، بل ينبغي ان نجعل من التقسيم على أساس فيدرالي وتشكيل الأقاليم بالشكل الذي ورد في الدستور ويحبذه الأمريكيون، نواة لتقوية هذه الدولة في المرحلة الراهنة.

اثارة الازمات

يوم السبت 21 يناير، كشف عن نية مبيته عند الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث فتحت تصريحات أطلقها قال فيها إن "واشنطن كان عليها أن تأخذ احتياطيات الخام العراقية"، باب التساؤل واسعا عن طبيعة العلاقة بين البلدين في المستقبل.

فيما جاء رد رئيس الوزراء العراقي على تلك التصريحات، يوم الثلاثاء 24 يناير، بالقول إن "نفط العراق للعراقيين وأي كلام خلاف ذلك غير مقبول ولا أتصور أن أي مسؤول في العالم يدعي امتلاك شيء ليس له".

وفي تحليل أجرته "عربي21" لتصريحات ترامب ورد العبادي عليه، رأى مراقبون أنه من المبكر التكهن بسياسة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العراق، لكن البعض منهم لم يستبعد أن يقدم ترامب على أي خطوة كان قد وعد بها.

وكان ترامب لمح، إلى أن أخذ نفط العراق كان من الممكن أن يحول دون صعود تنظيم داعش، من خلال حرمانه من مصدر التمويل، موضحا أن العراق فيه نفط تقدر قيمته بخمسة عشر تريليون دولار.. وان على أميركا أن تأخذ نفط العراق كله.. مقابل إسقاط نظام صدام.. و"كي لا يقع بيد داعش..".

وفي مقابلة مع محطة "أي بي سي" أعرب ترامب عن استيائه الشديد من الإدارة السابقة التي كانت تحكم في الولايات المتحدة الامريكية والتي تركت العراق لوحده، ليكون فيه فراغ يشغله الإيرانيون وعناصر داعش، مشيرا إلى أنه كان يجب أن تضع أميركا يدها على النفط في العراق.

وقال الرئيس الأميركي إن العراق كان يمتلك قوة تساوي ايران، إلا أن امريكا أخطأت حينما دخلت العراق -في إشارة للغزو الأميركي للعراق عام 2003- ثم سلمته لإيران، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية كان عليها أن تبقى هناك وتسيطر على النفط العراقي.

ويعتقد الرئيس الأمريكي، بأنه لا توجد حكومة في العراق بعد خروج الأمريكان، ولحد الآن، لذلك كان على الولايات المتحدة الامريكية ان تبقى هناك وتسيطر على النفط العراقي، لكي لا يقع بيد عناصر داعش.

وفي خضم هذه التصريحات يبقى الموقف العراقي غير واضح من سياسة ترامب الجديدة، ولن يكون هناك موقف وطني موحد يجمع الساسة العراقيين عليه في مواجهة ترامب، فالكتل السياسة كل منها يحاول الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض عرض وجهة نظرها كما حدث في السابق مع بوش وأوباما.

الخاتمة

عبر ترامب عن خطأ الولايات المتحدة في الانسحاب من العراق، وقال كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى السيطرة على النفط العراقي لكي لا يكون هناك تمدد من بعض الدول الإقليمية ويقصد بها إيران. واصدر بيان حظر فيه دخول العراقيين الى بلاده، مما يُعتقد ان هناك فجوة وتشنجات بين واشنطن والعراق، ولم يستطع الاخير إرسال وفود تستطيع أن تبحث مع ترامب قبل استلامه للسلطة آليات ومحددات وطبيعة العلاقات وأوليات المصلحة بين بغداد وواشنطن، مع أن ترامب قد تحدث أنه سوف ينتهج سياسة مخالفة لسياسة سلفه أوباما، ودعا البنتاجون إلى إعداد خطة للقضاء على تنظيم داعش خلال ثلاثين يوما. كما أن هناك نوع من الارباك في العلاقة بين العراق وواشنطن، فالمتحدث الرسمي بأسم البيت الأبيض تحدث من أن قائمة الدول السبع المشمولة بالمنع جاءت من قبل إدارة الرئيس السابق أوباما، على الرغم من قيام ترامب بإلغاء بعض قرارات أوباما كإلغاء قرار الضمان الصحي أوباما-كير".

وربما قد تتضمن المرحلة المقبلة سياسات صعبة القبول من بغداد، لاسيما أن الجمهوريين انتقدوا بشدة سياسة أوباما بعدم تعامله وتعاطيه مع الحكومات العراقية المتعاقبة بشكل يعكس المصلحة الأمريكية ويحقق ثوابت للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا العراق.

إن وحدة العراق الإقليمية يجب أن تبقى عنصراً ثابتاً في أي إعادة إنتاج للسياسات، كما يجب أن يكون اعتماد العراقيين على أنفسهم عنصراً آخر في المقاربة. ومن دون هذين البعدين، فإن أحداً لا يُمكنه أن يضمن بأن يصبح المستقبل أفضل من الحاضر، بل لا أحد يُمكنه تصوّر المآلات، والعواقب السالبة بعيدة المدى، على العراق والشرق الأوسط.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2017 Ⓒ

اضف تعليق