العراق والذكاء الاصطناعي في 2025

بين آفاق التطور وتحديات الواقع

يشكل الذكاء الاصطناعي في 2025 فرصة حقيقية لتحسين حياة الإنسان وتطوير مختلف القطاعات، لكنه يحمل أيضًا تحديات ومخاطر تستدعي التعامل معها بحذر. من الضروري العمل على تطوير سياسات تنظيمية وأطر أخلاقية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الفوائد وتحد من الأضرار. المستقبل يحمل الكثير من الاحتمالات، والمسؤولية تقع...

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد أهم الابتكارات التي أثرت في جميع جوانب الحياة البشرية، حيث يتوقع الخبراء أن يشهد عام 2025 قفزات نوعية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما يفتح آفاقًا واسعة لتحسين الإنتاجية وجودة الحياة، لكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف حول مخاطره وتأثيراته الاجتماعية والاقتصادية. في هذا المقال، سنناقش مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في 2025 وخصوصا في العراق، مع تحليل الإيجابيات والتحديات والمخاطر، استنادًا إلى دراسات وأبحاث علمية منشورة.

اولا: الإيجابيات المتوقعة

1- تحسين الكفاءة والإنتاجية

يساهم الذكاء الاصطناعي في أتمتة العديد من العمليات، مما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية. على سبيل المثال، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات واستخدامها لمساعدة العمليات التجارية بفعالية، مثل الاستجابة للمحادثات البشرية في دعم العملاء وتقديم اقتراحات ذكية للتحليلات، وتحسين إدارة الموارد في الشركات عبر تحليل البيانات الضخمة لتوقع الطلبات، تحسين إدارة المخزون، وتقليل الهدر، كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال المالي وتحليل المخاطر، مما يساهم في حماية أصول المؤسسات.

في العراق، قد يُحسن الذكاء الاصطناعي من الإنتاجية في العديد من القطاعات، مثل الزراعة، الصناعة، والطاقة. ففي مجال الزراعة، يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة المزارعين في تحسين محاصيلهم من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالتربة، الطقس، وممارسات الري، ومعالجة تحديات المياه التي يواجهها العراق من خلال تحسين طرق الري والحد من الفاقد. وفي مجال الصناعة والتصنيع، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين خطط الإنتاج، تخفيض التكاليف، وزيادة الكفاءة في مصانع النفط والغاز.

2- تطوير الرعاية الصحية

من المتوقع أن يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال الرعاية الصحية من خلال المساعدة في التشخيص وتخطيط العلاج ومراقبة المرضى. على سبيل المثال، يمكن للأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية لاكتشاف العلامات المبكرة للأمراض المستعصية، وتقديم توصيات علاجية مخصصة واقتراح خطط علاجية دقيقة وقد نرى أطباء رقميين يعملون جنبًا إلى جنب مع البشر لتحسين الرعاية الصحية.

ونظرا لما يعاني القطاع الصحي في العراق من نقص في الأطباء والمعدات الطبية الحديثة، يمكن للذكاء الاصطناعي لعب دور كبير في تحسين الرعاية الصحية مثل التشخيص الطبي عن طريق تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تساهم في تشخيص الأمراض عن بُعد، مما يساعد في معالجة نقص الأطباء المتخصصين، وتطوير أدوية جديدة لعلاج الأمراض التي يعاني منها العراقيون، مثل الأمراض المزمنة وأمراض القلب.

3- تعزيز التعليم الذكي

يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم برامج تعليمية مخصصة تتكيف مع مستوى احتياجات الطالب ويوفر موارد تعليمية تتناسب مع مستواه واهتماماته، مما يعزز من فعالية التعلم، بالإضافة إلى ذلك، تتيح تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي تجارب تعليمية تفاعلية تُساعد الطلاب على استيعاب المفاهيم بشكل أعمق، وتعمل على تحليل أداء الطلاب وتقديم خطط تعليمية مخصصة لتحسين نقاط الضعف، مما سيُمكّن من تطوير بيئات تعليمية افتراضية تُحاكي الواقع، مما يثري التجارب التعليمية.

واقع العراق يواجه تحديات في النظام التعليمي بسبب نقص الموارد المادية والبشرية، لكن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُحسن من التجربة التعليمية من خلال التعليم عن بُعد، فمع الانتشار الواسع للإنترنت، يمكن استخدام منصات الذكاء الاصطناعي لتقديم دورات تعليمية مخصصة على الإنترنت، وتقديم تقييمات دقيقة حول أداء الطلاب وتوجيههم نحو المواد التي يحتاجون إليها لتحسين مستواهم الأكاديمي.

4- تحسين الخدمات العامة وادارة المدن

مع تزايد الاعتماد على البيانات الضخمة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين إدارة حركة المرور التي تساعد في تقليل انبعاثات الكربون، وتقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات الجغرافية المكانية في الوقت الفعلي للتنبؤ بأنماط حركة المرور وتحسين المسارات واقتراح مسارات بديلة أثناء الازدحام، ويمكن لأنظمة المراقبة الذكية الكشف عن أنشطة مشبوهة ومنع الجرائم قبل وقوعها.

ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين البنية التحتية لمدن العراق من خلال إدارة المرور وتقليل الازدحام المروري، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل حركة المرور مما قد يساعد في تخفيف هذا الازدحام، ويمكن إدارة الموارد لتحسين توزيع الطاقة والمياه في المدن الذي يُحسن بشكل كبير كفاءة الخدمات العامة.

ثانيا: المخاطر المحتملة

1- البطالة التكنولوجية

من أبرز المخاطر المتوقعة هي فقدان العديد من الوظائف بسبب الأتمتة، تقارير منظمة العمل الدولية تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030 قد يؤدي إلى اختفاء 375 مليون وظيفة من الوظائف التقليدية، مما يتطلب إعادة تدريب العمالة البشرية على مهارات جديدة تتناسب مع احتياجات السوق المستقبلية مثل تطوير البرمجيات وتحليل البيانات بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لتطوير مهارات جديدة تواكب الثورة الرقمية.

2. الأسلحة المستقلة والسباق التكنولوجي

أحد الاستخدامات المثيرة للجدل للذكاء الاصطناعي هو تطوير أسلحة ذاتية التحكم مثل الطائرات بدون طيار، هذه الأسلحة قد تُستخدم في الصراعات بقرارات مستقلة عن البشر، مما يُثير مخاوف أخلاقية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي سباق التسلح التكنولوجي بين الدول إلى تهديد الاستقرار العالمي. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، تُعتبر الأسلحة الذاتية التشغيل "ثورة في الحروب" لكنها تُشكل تهديدًا للأمن الدولي. ويعتمد الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على البيانات التي يتم تدريبه عليها، وفي العراق، قد تكون البيانات غير كافية أو قد تحتوي على تحيزات اجتماعية أو ثقافية، مما يجب على المؤسسات الحكومية والشركات العمل على جمع بيانات شاملة ومتنوعة لضمان تقليل أي تحيز في الأنظمة الذكية.

3- انتهاك الخصوصية

مع انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على جمع وتحليل البيانات، يزداد خطر انتهاك الخصوصية الشخصية. بيانات المستخدمين تُستغل غالبًا لأغراض تجارية أو أمنية، مما يُثير تساؤلات حول حدود هذه التقنيات وحقوق الأفراد. فالجانب الأمني والخصوصية هو أمر حساس في العراق، حيث قد تتعرض البيانات الشخصية للمواطنين إلى انتهاك، مما يحتم وضع قوانين لحماية البيانات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، من أجل تجنب التجاوزات الأمنية.

4- التحيز الخوارزمي

إذا كانت البيانات التي يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي عليها متحيزة، فقد تنتج هذه الأنظمة قرارات غير عادلة. على سبيل المثال، أظهرت بعض الدراسات أن أنظمة التوظيف بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تُفضل الذكور على الإناث بسبب التحيز في بيانات التدريب مما يفاقم من عدم المساواة الاجتماعية. وعلى هذا الاساس فإن البنية التحتية التكنولوجية في العراق تحتاج إلى تطوير هائل لكي يتم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال مثل تطوير الاتصال بالإنترنت حيث يُعتبر الاتصال بالإنترنت غير مستقر في بعض المناطق، مما سيعوق تطور تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فهو بحاجة إلى استثمارات كبيرة في تقنيات الحوسبة السحابية وبيئات العمل المناسبة لتنفيذ الذكاء الاصطناعي في المؤسسات.

ثالثًا: التوصيات لتقليل المخاطر وتعظيم الفوائد

1. وضع إطار قانوني وأخلاقي

يجب على الحكومات والمؤسسات وضع لوائح وقوانين تنظيمية تضمن الاستخدام الآمن والأخلاقي للذكاء الاصطناعي بطرق أخلاقية ومسؤولة، مع مراعاة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المحتملة، مع التركيز على حماية الخصوصية وحقوق الإنسان.

2. تعزيز التعليم والتدريب

لابد من الاستثمار في تدريب القوى العاملة على المهارات التكنولوجية المتقدمة، مثل البرمجة وتحليل البيانات، لتكون قادرة على التكيف مع التغيرات التي يجلبها الذكاء الاصطناعي، وتطوير مهارات جديدة تتماشى مع متطلبات السوق المستقبلية وتقليل تأثير البطالة التكنولوجية.

3. تعزيز الشفافية والمساءلة

ينبغي على الشركات المطورة لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تكون شفافة حول كيفية عمل هذه الأنظمة واتخاذ القرارات، مع إنشاء آليات مساءلة فعّالة وتطوير إطار قانوني واضح ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي في العراق، مع التركيز على حماية الخصوصية، مكافحة التحيز، وضمان الشفافية.

4. تشجيع البحث العلمي

يجب تعزيز البحث العلمي لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر أمانًا وفعالية، مع التركيز على تقنيات يمكنها الحد من التحيز وضمان العدالة الاجتماعية، من خلال تشجيع التعاون بين الحكومة والشركات العالمية والمحلية لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في المشاريع المحلية.

ختاما:

يشكل الذكاء الاصطناعي في 2025 فرصة حقيقية لتحسين حياة الإنسان وتطوير مختلف القطاعات، لكنه يحمل أيضًا تحديات ومخاطر تستدعي التعامل معها بحذر. من الضروري العمل على تطوير سياسات تنظيمية وأطر أخلاقية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الفوائد وتحد من الأضرار. المستقبل يحمل الكثير من الاحتمالات، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع لضمان أن يكون هذا المستقبل مشرقًا ومستدامًا.

بينما يواجه العراق العديد من التحديات في تطبيق الذكاء الاصطناعي بسبب البنية التحتية المحدودة والظروف الاقتصادية، فإن هناك فرصًا كبيرة للاستفادة من هذه التقنيات لتحسين الكفاءة في القطاعات المختلفة مثل الزراعة، الصحة، والتعليم. ويمكن تحقيق هذا التحول الرقمي من خلال التعاون بين الحكومة، الشركات، والمؤسسات الأكاديمية، مع ضمان وضع سياسات فعّالة لحماية الحقوق والخصوصية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق