لا تزال باكستان التي تخوض حرباً معلنة مع الإرهاب و الجماعات المتمردة المنتمية الى "حركة طالبان" وغيرها من الفصائل والجماعات الإسلامية المتشددة، تعيش تحديات صعبة بسبب استمرار هذه الحرب التي أجبرت الحكومة الباكستانية وكما يقول بعض المراقبين التخلي عن مبادراتها السابقة بخصوص محادثات السلام الهادفة إلى إنهاء عمليات العنف المسلح في هذه البلاد، والسعي الى استخدام الخيار العسكري في سبيل ردع وإنهاء الجماعات الإرهابية المتطرفة، واعتماد خطط وقرارات وبرامج جديدة قد تسهم بإيجاد الحلول المناسبة لبعض المشكلات والأزمات المعقدة التي تعاني منها البلاد، هذا بالإضافة الى ان هذه الخطوات قد تضعف القدرات الداخلية لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، في هذه المعركة المهمة والحساسة والتي يرى البعض انها قد تستمر لفترات طويلة وتتسبب بخسائر بشرية واقتصادية كبيرة.
وبحسب بعض التقارير الخاصة فقد أعلنت الجمعية الوطنية بباكستان أن خسائر البلاد جراء حربها على الإرهاب بلغت 80 مليار دولار أمريكي، لاسيما بعد مقتل 50 ألف من المدنيين ووكالات إنفاذ القانون. وقالت سكرتيرة البرلمان للشئون الداخلية مريم أورنجزيب ـ في تصريحات نقلتها قناة (جيو نيوز) الإخبارية الباكستانية ـ "إن باكستان ظلت ضحية للإرهاب لأكثر من 10 سنوات، وإن الجماعات المتطرفة لطالما كانت نشطة في جميع أنحاء البلاد مع أيديولوجيتهم ودوافعهم الخاصة".
وأضافت أورنجزيب أن هيئة تسجيل المغتربين الوطنية سجلت دخول قرابة 14369 شخصا أجنبيا من يناير 2008 حتى أغسطس 2014، لافته إلى أن عدة خطوات تم اتخاذها من أجل السيطرة على الوضع وتحسين وضع القانون والنظام في البلاد. في السياق ذاته، قال وزير الدولة لشئون مجلس النواب شيخ أفتاب أحمد إن وضع القانون والنظام قد تحسن كثيرا بعد بدء عملية "ضربة السيف" العسكرية ضد الإرهابيين ، وأضاف أن أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية يقدمون التضحيات لحماية حدود الوطن.
غارات باكستانية مكثفة
وفي هذا الشأن فقد أوقعت غارات لسلاح الجو الباكستاني 30 قتيلا من المتمردين بينهم "قياديون بارزون" في المنطقة القبلية شمال غرب البلاد حيث اطلق الجيش الباكستاني هجوما كبيرا كما افاد مسؤولون ومصادر من المتمردين. واعلن مصدر امني رفض الكشف عن هويته ان "الغارات استهدفت حافظ غول بهادور" الزعيم المحلي لشبكة حقاني في وزيرستان الشمالية المنطقة القبلية التي تشكل معقلا للحركة، وحليفه صادق نور.
ونفذت الغارات في قطاع داتا خيل الذي لا يزال خارجا عن سيطرة الجيش بعد اشهر على بدء عمليته ضد طالبان والحركات الاخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة في وزيرستان الشمالية. وافاد مصدر من طالبان ان عشرات المقاتلين التابعين لحافظ غول بهادور وحليفة صادق نور كانوا في المنطقة عند تنفيذ الغارة. واضاف المصدر ان "30 مقاتلا على الاقل قتلوا". واكد مسؤول في الاستخبارات المحلية الحصيلة والضربات لكن تعذر التحقق منها من مصدر مستقل اذ يحظر على الصحافيين التوجه الى المنطقة.
واوضح مصدر ثان في طالبان ان "سبعة من كبار القياديين التابعين لحافظ غول بهادور وصادق نور قتلوا في الغارات". وكانت تقارير غير مؤكدة اشارت الى ان بهادور ونور بين القتلى لكن مسؤولا امنيا ثانيا في شمال غرب البلاد قال انه لا يزال يجري التحقق من المعلومات. وقال المسؤول "الشيء الوحيد الذي يمكنني تأكيده هو ان هدف الضربات كان حافظ غول بهادور".
وقال مصدر ثان من المتمردين وهو قيادي بارز ان بهادور ونور شوهدا في المنطقة في وقت سابق ولم يتضح ما اذا كانا اصيبا ام لا في الهجوم. وقام سكان محليون ومتمردون باغلاق المنطقة ومنع الدخول اليها. وفي اتصال هاتفي من مكان لم يحدد، اكد احمد الله احمدي المتحدث باسم بهادور وقوع الضربات لكنه قال ان "بهادور ونور لا يزالان على قيد الحياة". ويعتبر بهادور المقاتل السابق في افغانستان حليفا مقربا من شبكة حقاني لكن علاقاته متوترة مع حركة طالبان باكستان التي تحارب النظام في اسلام اباد. بحسب فرانس برس.
ووزيرستان الشمالية هي احدى سبع مناطق تخضع لحكم ذاتي تقريبا في المنطقة القبلية الباكستانية الواقعة على الحدود مع افغانستان. وتشكل ملاذا لمتمردي القاعدة وطالبان منذ مطلع سنوات الالفين. وبحسب ارقام الجيش فان قرابة 1600 مقاتل اسلامي قتلوا منذ حزيران/يونيو في العملية العسكرية في المنطقة. وادت العملية ايضا الى نزوح مئات الاف الاشخاص واوقعت العديد من الضحايا بين المدنيين، بحسب شهود.
محاكم عسكرية صارمة
من جانب اخر اقر أعضاء البرلمان الباكستاني انشاء محاكم عسكرية لتسريع اجراءات قضايا الارهاب، وذلك ردا على الهجوم الاكثر دموية في تاريخ البلاد الذي شنه فريق كوماندوس من حركة طالبان ضد مدرسة في بيشاور منتصف كانون الاول/ديسمبر الماضي. وهذا الهجوم الذي اوقع 150 قتيلا غالبيتهم من التلاميذ، اثار غضب سكان باكستان، العملاق المسلم الذي يعد قرابة 250 مليون نسمة والذي يواجه منذ ثمانية اعوام الهجمات المتكررة لطالبان ضد سلطة اسلام اباد التي يتهمونها بدعم الحرب الاميركية على الارهاب.
وعلى اثر هذا الهجوم، كثف الجيش غاراته ضد مواقع لطالبان في شمال غرب البلاد قرب الحدود الافغانية. وقد رفعت الحكومة من جهة اخرى قرار تعليق عقوبة الاعدام المطبق منذ 2008 في حالات الارهاب. وهذا القرار تعرض للانتقاد من جانب منظمات عدة للدفاع عن حقوق الانسان ومن الاتحاد الاوروبي.
وكان رئيس الوزراء نواز شريف اعلن بعد هذا الهجوم، نيته تعديل الدستور لإنشاء محاكم عسكرية لمكافحة الارهاب لمدة سنتين بهدف محاكمة مدنيين بتهم اعمال ارهابية نفذتها مجموعات واردة على اللائحة المحلية للمنظمات الارهابية او التي "تستخدم الدين" لاعلان مسؤوليتها عن اعمال عنف. وتضم اللائحة الباكستانية للمنظمات الارهابية نحو ستين مجموعة بينها المتمردون الانفصاليون في مقاطعة بالوشستان الغنية بالغاز (جنوب غرب).
ويتطلب اي تعديل دستوري في باكستان موافقة ثلثي اعضاء الجمعية الوطنية، اي 228 نائبا على الاقل من اصل 342. وصوت 247 نائبا على التعديل الحادي والعشرين للدستور الذي يسمح بانشاء محاكم مكافحة الارهاب هذه. وقال رئيس الوزراء في ختام عملية التصويت "انه يوم مهم لباكستان لان السكان قرروا تنظيف البلاد من الارهاب والارهابيين... لقد قتل الاف الاشخاص في اعمال ارهابية نسفت ايضا اقتصادنا".
ونواب حزب العدالة بزعامة بطل الكريكت السابق عمران خان لم يحضروا الجلسة بينما امتنع الحزبان الاسلاميان الكبيران في البلاد، الجماعة الاسلامية وجماعة علماء الاسلام بزعامة الملا فضل الرحمن، عن التصويت. وقال فضل الرحمن الذي يعتبر حزبه مقربا تاريخيا من بعض طالبان "لماذا استخدم حادث بيشاور ضد الاحزاب الدينية والقوات الدينية في البلاد".
واضاف "قصة 11 ايلول/سبتمبر. بعد 11 ايلول/سبتمبر، المسلمون هم الذين استهدفتهم (الولايات المتحدة)، اليوم المسلمون هم المستهدفون من قبل تعديل دستوري". واضافة الى الاحزاب الاسلامية، انتقد بعض التقدميين انشاء هذه المحاكم، حيث تطرقت صحيفة "دون" الواسعة الانتشار في افتتاحيتها في نهاية الاسبوع الى "يوم حزين" بالنسبة الى البلاد.
وقالت الصحيفة "نعم، نحن بحاجة الى استراتيجية متماسكة لمكافحة المتمردين، وان يعمل القادة السياسيون والعسكريون معا. لكن المحاكم العسكرية ليست الحل"، ورات في هذا التعديل الدليل على تقدم الجيش على السياسة وحتى "خيانة" حيال الديموقراطية، في بلد قاده العسكريون طيلة ثلاثة عقود منذ انشائه في 1947. وبينما يوافق النواب على انشاء هذه المحاكم العسكرية، نشر المعهد الباكستاني لدراسات السلام، وهو مركز ابحاث مستقل، تقريره السنوي حول "الهجمات الارهابية" في البلاد. بحسب فرانس برس.
والمعهد الباكستاني لدراسات السلام اشار الى تراجع اعمال العنف في 2014 بنسبة 30 في المئة، لكنه سجل 1206 هجمات بينها 731 هجوما نفذتها مختلف فصائل طالبان في تراجع نسب جزئيا الى العملية العسكرية الواسعة النطاق التي شنها الجيش في معاقل المتمردين في شمال غرب البلاد قرب الحدود الافغانية.
أحكام متكررة بالإعدام
في السياق ذاته أفادت مصادر في وزارة الداخلية الباكستانية ان باكستان تنوي تنفيذ عقوبات الإعدام في 500 محكوم. وأعلن عدة مسؤولين في وزارة الداخلية ان "وزارة الداخلية وضعت اللمسات الأخيرة على قائمة ال500 محكوم لم تعد لديهم وسائل للجوء القضائي. فقد رفض الرئيس طلبات العفو التي تقدموا بها وسيتم تنفيذ الحكم بحقهم. وهناك قرابة ثمانية الاف محكوم بالاعدام في سجون باكستان البالغ عدد سكانها مئتي مليون نسمة.
على صعيد متصل نفذت السلطات الباكستانية حكمين بالإعدام صدرا عن محاكم لمكافحة الارهاب في رجلين ادينا بالقتل، مما يرفع الى تسعة عدد الذين اعدموا منذ إلغاء قرار تعليق تنفيذ العقوبة القصوى في منتصف كانون الاول/ديسمبر. وادين غلام شابير بقتل مسؤول في الشرطة وسائقه بينما ادين احمد علي الملقب "الثعبان الكبير" (شيش ناغ) بقتل ثلاثة اشخاص. وقد اعدما شنقا في سجن مولتان المدينة الواقعة في جنوب اقليم البنجاب وسط البلاد. وقال سعيد الله غوندال مدير سجن مولتان ان "جثتيهما سلمتا الى عائلتيهما، موضحا ان محاكمتهما جرت في 2002 امام محكمة مدنية لمكافحة الارهاب.
وذكرت وسائل الاعلام الباكستانية ان الرجلين كانا عضوين في جماعة عسكر جنقوي الاسلامية المسلحة المتورطة في عدد كبير من الهجمات على الاقلية الشيعية والمدرجة على لائحة باكستان للمنظمات الارهابية. استئناف تنفيذ حكم الاعدام لقضايا الارهاب الذي كان معلقا منذ 2008. وبعيد صدور القرار، نفذت احكام الاعدام شنقا بسبعة متمردين. بحسب فرانس برس.
من جانب اخرألقت الشرطة الباكستانية القبض على عشرات الاشخاص بعد ان قتل حشد زوجين مسيحيين واحرق جثتيهما بدعوى تدنيسهما مصحفا. والإساءة الى الإسلام جريمة خطيرة في باكستان وفي بعض الاحيان يقام الحد على مرتكبيها على الفور. وحتى حين تنظر المحاكم مثل هذه القضايا تكون العقوبة في هذه الحالة الاعدام. وذكرت وسائل اعلام محلية ان الزوجين اتهما بحرق المصحف والقائه في صندوق قمامة في ولاية البنجاب. وقالت الشرطة إن جثتي الزوجين احرقتا في فرن لتصنيع الطوب.
وقال جواد قمر قائد الشرطة في المنطقة "القينا القبض على 44 شخصا انها قضية محلية أججها إمام مسجد في المنطقة." ويمثل المسيحيون نحو اربعة بالمئة من سكان باكستان واغلبيتهم مسلمون. وتشكو الاقليات في باكستان من فشل الحكومة في حمايتها بل وتغاضيها عن اعمال العنف ضدها.
ذبح جندي باكستاني
الى جانب ذلك أظهر تسجيل فيديو نشر على الانترنت مجموعة من المتشددين الباكستانيين والأفغان يقطعون رأس جندي باكستاني بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية. واكتسب التنظيم المتشدد الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا تأييدا في باكستان وأفغانستان في العام المنصرم اذ شكل أعضاء سابقون في حركة طالبان مجموعة جديدة يقولون إنها تمثل مصالح التنظيم بالمنطقة.
ولا يعرف الكثير عن أنشطة أو حجم المجموعة الجديدة. ولم يتضح بعد ما اذا كان المتشددون الذين يستلهمون نهج الدولة الإسلامية ويختبئون على الحدود بين باكستان وأفغانستان يتصرفون بصورة فردية أم بناء على أوامر من قيادة التنظيم في الشرق الأوسط. وفي أحدث تسجيل فيديو باللغة العربية شوهد الكثير من المسلحين الذين يرتدون عمامات على ظهور الخيل ويحملون بنادق ويرفعون رايات سوداء وهم متجمعون في منطقة غير معلومة.
ثم يظهر متشدد قالت مجموعة سايت التي تراقب مواقع الجهاديين على الانترنت إنه المتحدث باسم طالبان سابقا شهيد الله شهيد يخطب في الحشد ليعلن مبايعة زعماء جماعات مختلفة في أفغانستان وباكستان للدولة الإسلامية. وقال في التسجيل إن أمراء عشر جماعات اجتمعوا ليبايعوا الخليفة ابو بكر البغدادي في إشارة لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية. بحسب رويترز
وفي نهاية التسجيل الذي تبلغ مدته 16 دقيقة يظهر رجل يرتدي خوذة وقميصا قطنيا وسروالا عسكريا ويعرف على أنه جندي باكستاني ثم يقطع رأسه. وقالت مجموعة سايت إن الموجودين خلال الإعدام بينهم أعضاء بطالبان الباكستانية والأفغانية لكن لا توجد معلومات عن الجندي المذبوح أو كيف أسروه.
الأفغان يغادرون
في السياق ذاته أعلنت مصادر في المنظمة العالمية للهجرة ان اكثر من ثلاثين الف افغاني غادروا باكستان الى بلادهم منذ مطلع العالم الحالي بعد ان اصبحوا غير مرحب بهم اثر الاعتداء على مدرسة في بيشاور في كانون الاول/ديسمبر الماضي. ويتجاوز هذا العدد ما مجموعه 25 الفا غادروا الى بلدهم خلال العام 2014.
وقال ريتشارد دانتسيغر مدير مكتب المنظمة في كابول "ليسوا لاجئين بل افغان من دون اوراق ثبوتية تقيم غالبيتهم في باكستان منذ 20 او 25 عاما". وبين اكثر من 30500 افغاني غادروا الى بلادهم منذ مطلع العام الحالي طردت السلطات الباكستانية 1817 منهم في حين غادر الاخرون طوعا، بحسب المنظمة. لكن عمليات المغادرة تمت بضغوط الباكستانيين بعد تدهور العلاقات بين المجموعتين اثر اعتداء ارتكبته طالبان ضد مدرسة في بيشاور. وتشتبه السلطات الباكستانية في ان مجموعة طالبان التي ارتكبت الاعتداء على علاقة بافغانستان. واكد دانتسيغر "لقد بدأ كل شيء بعد الهجوم على المدرسة في بيشاور وباتت حياتهم غير مريحة. وبالنسبة لغالبيتهم، فان الامر لا علاقة له بالابعاد انما المغادرة طوعا بضغوط من باكستان". ومعظم تلاميذ المدرسة من ابناء العسكريين. بحسب فرانس برس.
وقد اسفر الاعتداء عن صدمة قوية في باكستان البلد المسلم الذي يتعرض لتفجيرات وهجمات بشكل شبه يومي. وتابع دانتسيغر "لا يمكننا معرفة ماذا سيحدث وما اذا كان ذلك موقتا ام دائما" موضحا ان معظم الافغان المغادرين توجهوا الى اقاليم ننغرهار ولقمان وكابول وكونار وقندوز. وانطلاقا من باكستان، مر المغادرون عبر المنفذ الحدودي في طورخم على الطريق بين بيشاور وحلال اباد الافغانية. يشار الى ان طورخم هو المعبر الرئيسي بين البلدين.
حرب الكتب المدرسية
على صعيد متصل يقلق مشروع اعادة اسلمة الكتب المدرسية التي تتحدث عن الجهاد بدلا من كارل ماركس وعن النقاب بدلا من الفستان، انصار الباكستانية ملالا يوسف زاي التي تدعو الى تعليم البنات، في هذا البلد الذي ما زال يبحث عن هويته. وتسلمت ملالا (17 عاما) في اوسلو جائزة نوبل للسلام، تقديرا لنضالها ضد التطرف ودعوتها الى تعليم الفتيات في شمال غرب باكستان، مهد متمردي طالبان الاسلاميين الذين حاولوا قتلها قبل سنتين.
ويعتبر هذا التحدي كبيرا، لأن اكثر من خمسة ملايين طفل باكستاني لا يذهبون الى المدرسة، كما تقول الامم المتحدة، وحوالى 25 مليونا اذا ما احصي الذين يحرمون من مراهقتهم، كما تقول منظمة اليف اعلان المحلية غير الحكومية. لكن نقاشا تربويا آخر يقلق في هذه الايام مؤيدي ملالا، ويتمثل بمضمون الكتب المدرسية التي تشكل موضوعا متفجرافي بلد مسلم يبلغ عدد سكانه 180 مليون نسمة، يتوزعون منذ انشائه في 1947 بين الليبراليين المتمسكين بالديموقراطية والمحافظين المتمسكين بالشريعة الاسلامية وحدها.
وترغب حكومة اقليم خيبر باختونخوا في الشمال الغربي في "اعادة اسلمة" هذه الكتب بضغط من الجماعة الاسلامية، العضو في التحالف الحاكم في المنطقة بزعامة حركة الانصاف الباكستانية بزعامة نجم الكريكت السابق عمران خان. وقال الوزير الاقليمي للجماعة الاسلامية عناية الله خان، "تتضمن الكتب الحالية مغالطات تتناقض مع القيم التي نؤمن بها". وينص المشروع على اعادة ادراج الايات القرآنية حول الجهاد والخلق الالهي للكون في الكتب العلمية.
وينوي العودة عن التجديد الذي ادخله الاصلاح المدرسي الجديد في 2006 عندما "سحبت السلطات الفصول الدينية من كتب العلوم الاجتماعية" واستبدلت بها "فصولا حول نلسون مانديلا وكارل ماركس وماركو بولو وفاسكو دي غاما ونيل ارمسترونغ"، كما قال الوزير. واضاف خان ان المشروع ينوي ايضا "سحب الصور الذي تظهر فيها نساء وفتيات من دون حجاب" من كتب المرحلة الابتدائية. وقال "اننا نعيش في مجتمع اسلامي لا يجيز للبنات ارتداء التنورة".
وهذا المشروع الذي وافق عليه الوزير الاقليمي للتربية، يشمل التعليم في المدراس الرسمية والمدارس الخاصة التي لا تتوافر لديها الامكانيات لانتاج كتبها الخاصة، اي اكثرية تلامذة الاقليم. وعلى غرار صحيفة دايلي تايمز الصادرة باللغة الانكليزية، ينتقد الليبراليون الخطر المقلق المتمثل ببث "الروح الجهادية" في العقول الطرية لدى الشبيبة المحلية. وقال سردار حسين باباك المتحدث باسم حزب عوامي ملي الليبرالي المعارض "نعارض بشدة هذه العناصر الجهادية في الكتب، ولقد طرحنا هذه المشكلة مرارا في الجمعية"، لكن التحالف الحاكم قرر خلاف ذلك، كما قال باباك.
وابتداء من الستينات، ادرجت السلطة مزيدا من الفصول حول الاسلام في الكتب المدرسية، وقد تسارع هذا الاتجاه في الثمانينات مع الديكتاتورية العسكرية الاسلامية، ثم استمر بتأثير من الاحزاب الدينية الصغيرة الواسعة النفوذ. وردا على مشروع حكومة خيبر باختنخوا، قام رئيس الوزراء نواز شريف بخطوة معاكسة وامر لجنة التعليم العالي بتعديل الكتب المدرسية من الصفوف الابتدائية حتى المستوى الجامعي، لترويج "الارث" الديموقراطي بدلا من الارث الديني في هذا البلد الذي تشكل الانقلابات محطات بارزة في تاريحه.
لكن الاقاليم في باكستان وليس السلطة المركزية هي التي تعد لكتب المدارس الرسمية لتأخذ، من بين امور اخرى، في الاعتبار الخصوصيات الثقافية واللغوية الاقليمية. وقال آي.اتش. نيار المتخصص في المسائل التربوية والتاريخية للكتب المدرسية، ان "الفوضى كبيرة في الوقت الراهن"، لان عددا من الاقاليم يرفض مشاركة الحكومة المركزية في اعداد الكتب المدرسية. ويقول الليبراليون ان الكتب المدرسية الحالية تعيد كتابة التاريخ بطريقة قومية مبالغ بها، ولاسميا النزاعات مع الهند، وأنها لا تحمي الاقليات.
وفي دراسة شملت 100 كتاب مدرسي باكستاني، اعتبرت اللجنة الاميركية حول الحريات الدينية ان الاقليات ولاسيما الهندوسية توصف بأنهم مواطنون من "الدرجة الثانية" وبالتالي "اعداء الاسلام". وتسبب هذه النعوت قلقا خصوصا ان الهجومات التي يشنها المتطرفون على الاقليات تسجل ازديادا كبيرا في البلاد. بحسب فرانس برس.
ويعرب بعض البلدان الغربية التي تقدم سنويا عشرات ملايين الدولارات الى القطاع التربوي في الشمال الغربي، عن القلق من ان تمول ما يقدمه دافع الضرائب في بلدانهم "اعادة اسلمة" التعليم. ويرى فيه آخرون انحرافا "شعبويا" لا تتوافر له الفرص الملائمة لتحقيق نتيجة في المدى القصير. وفي اعقاب الاصلاح الاخير، احتاجت السلطات الى حوالى سبع سنوات لاعادة طبع وتوزيع الكتب المدرسية المعدلة، كما يقول دبلوماسي غربي.
اضف تعليق