الخلافات والتوترات الأخيرة بين مصر والسعودية بسبب تباين وجهات النظر بين البلدين، حول بعض القضايا المهمة ومنها التعامل مع الأزمة السورية، حيث أثار تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن حالة غضب لدى السعودية التي اعتبرته مخالفا للموقف العربي. ووصفه عبد الله المعلمي، مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، بأنه "مؤلم". وكانت السعودية من أكثر الدول التي أيدت النظام المصري الحالي ودعمته. وقد استفادت القاهرة من مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية كبيرة من السعودية، التي عمدت بعد تصويت مصر لصالح القرار الروسي، الى إيقاف إمدادات البترول المتعاقد عليها لمصر، وهو ما عده البعض ورقة ضغط سعودية لاجبار مصر على ان تكون تابع لها وتتصرف وفق ما تراه وتخطط له.

وهو ما دفع مصر التي تعاني العديد من الأزمات والمشكلات، الى اعتماد خطط وإجراءات جديدة والعمل على بناء تحالفات أخرى تمكنها من استعادة دورها السابق كقوة مؤثرة في الساحة العربية والعالمية، وهو ما قد يسهم بتصعيد الأزمة الحالية، خصوصا وان القيادة السعودية الحالية التي فشلت في تحقيق انجازات مهمة في اليمن وسوريا، ستعمد هي الأخرى إلى اعتماد خطط وإجراءات جديدة لضغط على مصر من أجل الحصول على تنازلات إضافية، خصوصا وانها سعت وكما نقلت بعض المصادر الى ابواب جديدة مع دول أفريقية اخرى، الامر الذي سيمكنها من بناء تحالفات عسكرية وسياسية قوية تستطيع من خلالها إضعاف مصر في المنطقة، وذكرت بعض المصادر وجود تحركات ولقاءات دارت في الغرف المغلقة بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين من دول أفريقية عدة التغلغل في قلب أفريقيا، لإنشاء وبناء قواعد وتحالفات عسكرية في هذه المنطقة المهمة، مقابل ان تحصل هذه الدول على ملايين الدولارات واستثمارات خاصة في قطاع الزراعة والأراضي.

من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان الخلافات السعودية المصرية، هي مجرد ازمة ستنتهي قريبا خصوصا وان الجميع يعلم ان هناك مصالح وتحالفات مشتركة بين الجانبين، فمصر بحاجة للسعودية كمصدر للدعم المالي والاقتصادي، والسعودية بحاجة لمصر كمصدر للدعم السياسي والعسكري ضد بعض الأخطار ومنها خطر التوسع الإيراني. وأي جفاء بينهما لا يخدم مصلحة أي منهما.

تحول مصري

وفي هذا الشأن كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رسميا عن دعمه لنظام بشار الأسد ووضع بلاده على السكة الروسية. وبعد أن أرست مصر نفوذ الرئيس عبد الفتاح السيسي داخل البلاد وربطت علاقات وثيقة مع روسيا، هاهي تسعى إلى استعادة موقعها الإقليمي ولو كان ذلك يستدعي تغيير حساباتها الدبلوماسية، والانفصال عن شركائها السنة فيما يخص الملف السوري، باسم محاربة الإرهاب الإسلامي.

وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني أظهر الرئيس المصري مساندته المطلقة لجيش نظيره السوري بشار الأسد، الذي يحظى كذلك بدعم حلفائه الروس والإيرانيين، ضد المجموعات المعارضة المدعومة من الرياض وحلفائها الخليجيين. فصرح السيسي في حوار بثته قناة RTP الحكومية البرتغالية أن من أولويات بلاده "دعم الجيش الوطني على سبيل المثال فى ليبيا لفرض السيطرة على الأراضي الليبية والتعامل مع العناصر المتطرفة وإحداث الاستقرار المطلوب، ونفس الكلام في سوريا والعراق".

وحتى تكون رسالته أوضح، اعتمد السيسي نمط خطاب الكرملين بالتأكيد أن "سوريا تعاني من أزمة وموقفنا يتمثل في احترام إرادة الشعب السوري وإيجاد حل سياسي والتعامل بجدية مع الجماعات الإرهابية ووحدة الأراضي السورية ثم إعادة إعمار ما دمرته الحرب، كما أننا وافقنا على القرارين الروسي والفرنسي بمجلس الأمن لأنهما يطلبان وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات."

من جهة أخرى ومنذ أسابيع عديدة، لا سيما بعد زيارة مسؤول الأجهزة الأمنية السورية علي مملوك إلى القاهرة، تكررت في وسائل الإعلام العربية أخبار تذكر وجود "مستشارين عسكريين مصريين" إلى جانب القوات النظامية السورية". ففي 7 ديسمبر/كانون الأول كشفت جريدة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله أن عددا من الخبراء العسكريين والأمنيين المصريين كانوا متواجدين في سوريا في إطار التعاون بين بلدين يسعيان إلى "مكافحة الإرهاب". وأكدت الأخبار أن "عدد هؤلاء الخبراء سيصل إلى 200 قبل نهاية 2016".

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت صحيفة "السفير" اللبنانية والمقربة من النظام السوري نشر وحدة من 18 طيارا من الجيش المصري في قاعدة عسكرية بوسط سوريا. كذبت القاهرة رسميا هذا الخبر، ولم تكذبه دمشق. وتأتي هذه التطورات في سياق توترات حادة بين مصر والسعودية كانت قد ظهرت منذ مساندة القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول لقرار روسي بشأن سوريا في الأمم المتحدة. وتسبب الموقف المصري في تدهور ملحوظ للعلاقات المميزة بين القوتين الإقليميتين إلى حد أن المملكة السعودية ردت بوقف مد القاهرة بالمنتجات النفطية.

وتسعى السلطة المصرية التي تدعمها السعودية ماليا منذ أن عزل الجيش المصري في يوليو/تموز 2013 الرئيس الإسلامي محمد مرسي، إلى التحرر من هذه السيطرة الاقتصادية عبر التقرب من روسيا. في نفس الوقت، تسعى موسكو من جهتها إلى بسط تأثيرها في الشرق الأوسط مستفيدة من الفتور التدريجي في العلاقات بين القوى الكبرى للمنطقة والبلدان الغربية. فكانت روسيا أول من أعلنت دعمها للسلطة المصرية الجديدة بعد عزل الجيش لمرسي، في حين نأى الحليف الأمريكي التاريخي بنفسه عن العسكريين المصريين مع ابتعاد اهتمامات إدارة أوباما عن المنطقة.

وفي انتظار عائدات اقتصادية، اتخذ هذا التقارب في المجال العسكري شكل تدريبات مشتركة بين الجيشين وتسليم معدات عسكرية للقاهرة. والدعم الروسي سند أساسي للسلطة المصرية التي تواجه التهديد الإرهابي في سيناء إضافة إلى الوضع الأمني الفوضوي لجارتها ليبيا. وينوي الرئيس المصري البراغماتي أيضا الاستفادة من التداعيات الدولية لانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. ويعرف عن ترامب إعجابه بفلاديمير بوتين فهو أيضا مناصر للموقف الصارم تجاه الحركات المتطرفة.

والمجال أمام الرئيس المصري متاح لتوقع فوائد من تغير الإدارة في واشنطن، بعد أن تمكن في امتياز نادر من التحدث إلى ترامب في 19 سبتمبر/أيلول بنيويورك قبل انتخابه رئيسا. وفي بيان نشره المكتب الإعلامي للملياردير الأمريكي إثر هذه المقابلة، وصف الرئيس المصري بـ "مثال عن الحليف المثالي" في إطار مكافحة "الإرهاب والتطرف الإسلامي". وأكد دونالد ترامب أنه في حال انتخب رئيسا ستكون "الولايات المتحدة صديقا وفيا لكن أيضا حليفا يمكن لمصر أن تعول عليه في الأيام والسنوات المقبلة". ووعد ترامب السيسي حتى بزيارة مصر رسميا وبدعوته بدوره إلى واشنطن، ما يفتح آفاقا جديدة أمام سلطة المرشال السابق.

ترسيم الحدود

الى جانب ذلك أوصى تقرير أعدته هيئة قضائية استشارية برفض طعن الحكومة المصرية على حكم صدر في يونيو حزيران ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتين بالبحر الأحمر إلى المملكة. وأثارت الاتفاقية التي وقعها البلدان في أبريل نيسان على هامش زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة احتجاجات في مصر وسط اتهامات من جماعات معارضة للحكومة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر مقابل استمرار تدفق المساعدات السعودية.

وتدافع الحكومة عن الاتفاقية وتقول إن الجزيرتين الواقعتين عند مدخل خليج العقبة كانتا تخضعان فقط للحماية المصرية منذ عام 1950 بناء على طلب من الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية. وقالت أيضا إن توقيع الاتفاقية "إنجاز هام من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما."

واختصم فريق من المحامين الحكومة أمام محكمة القضاء الإداري الذي قضت في يونيو حزيران ببطلان توقيع الاتفاقية. وطعنت الحكومة على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي تصدر أحكاما نهائية. وقالت هيئة مفوضي الدولة التابعة لمجلس الدولة في تقريرها المقدم إلى المحكمة الإدارية العليا إنها توصي "بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا". وتقارير الهيئة استشارية وغير إلزامية لكن كثيرا ما تأتي أحكام القضاء الإداري بدرجتيه متوافقة معها.

وقال خالد علي أحد المحامين مختصمي الحكومة "الحمد لله (التقرير) خطوة للأمام بالتأكيد وسعيد أن تقرير المفوضين ينتصر لوجهة نظرنا وأتمنى أن المحكمة أيضا في النهاية تنتصر لوجهة نظرنا وتؤيد حكم القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية." وهون علي من شأن مستندات ووثائق جديدة قدمتها وزارة الدفاع للمحكمة. وجاء في تقرير هيئة مفوضي الدولة أن اتفاقية ترسيم الحدود المبرمة بين مصر والسعودية "والتي ترتب عليها تنازل عن جزء من الإقليم المصري أضحت هي والعدم سواء.. باطلة بطلانا مطلقا لاجتراء مبرمها على نصوص الدستور."

وكان التقرير يشير إلى الفقرة الأخيرة من المادة 151 بالدستور المصري والتي تحظر على السلطة التنفيذية إبرام اتفاقيات من شأنها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة. وقال التقرير إن محامي الحكومة "قد أسند في معرض دفاعه أن المملكة العربية السعودية قد طلبت من مصر وضع الجزيرتين تحت الحماية المصرية لمواجهة تهديدات العصابات الصهيونية." وأضاف أن "ذلك مردودا عليه بأن الحاضر عن الدولة لم يقدم ثمة دليل أو أوراق رسمية تؤيد ذلك بالقول بل خلت جميع أوراق الطعن وملف أول درجة مما يثبت ذلك الادعاء."

وتابع التقرير أنه "قد استقر القضاء الدولي... أن أهم مظاهر ملكية الدولة للجزر ما تمارسه من أعمال سيادة لدى الفصل في ملكية الجزر وأهم تلك الأعمال على الإطلاق هو الدفاع عن الجزر ضد الاعتداءات وبذل الدم في سبيل الحفاظ عليها وهو ما لا يستطيع أن ينكره أحد." وأشار التقرير إلى أن الدولة الوحيدة التي هبت للدفاع عن الجزيرتين عندما احتلتهما إسرائيل مرتين عامي 1956 و1967 هي "مصر صاحبة السيادة التاريخية الحقيقية على الجزيرتين ولم يثبت اعتراض المملكة العربية السعودية على ذلك طيلة تلك السنوات."

وتضمن التقرير أن اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979 "أفصحت إفصاحا جهيرا بمصرية الجزيرتين مما يشكل إعلانا واضحا لا لبس فيه عن سيادتها وملكيتها". وذكرت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها أن سلوك السعودية تجاه الجزيرتين "يدل على تسليمها بمصرية الجزر وأساس ذلك أنه ومنذ نشأة المملكة السعودية في 1932 لم تطالب يوما بالجزر محل النزاع ولم تخاطب الحكومة المصرية وتطالبها بتسليم الجزر إلا في عام 1990."وأضافت أن المملكة لم تثر نزاعا دوليا حولهما حتى الآن "كما أنها لم تعترض على الممارسة المصرية الواضحة والتي تقطع بمصرية الجزيرتين." بحسب رويترز.

واحتوى التقرير على إشارة لعدة وثائق ومكاتبات تاريخية تشير إلى مصرية الجزيرتين من وجهة نظر الهيئة. وقررت المحكمة الإدارية إرجاء استكمال نظر الطعن إلى جلسة 19 ديسمبر كانون الأول. وفي الشهر الماضي قضت محكمة القضاء الإداري باستمرار تنفيذ الحكم الصادر في يونيو حزيران ببطلان توقيع الاتفاقية بعدما رفضت استشكالا من الحكومة لوقف تنفيذه. وكانت السلطات المصرية القت القبض على مئات الأشخاص الذين شاركوا في احتجاجات على الاتفاقية وصدرت أحكام بحبس أغلبهم لكن محاكم استئنافية قضت فيما بعد بتخفيف أحكامهم أو تبرئتهم.

تحسن قريب

على صعيد متصل أكد ت بعض المصادر إن العلاقات بين مصر والسعودية ستتحسن قريبًا، خصوصا بعد ان سعت بعض الشخصيات المصرية والسعودية الى اعتماد خطاب اعلامي جديد، فقد أشاد وزير الخارجية المصري سامح شكري "بالعلاقات المميزة" بين مصر والسعودية نافيا تقارير عن خلاف بين البلدين بعد أن عبرت مصر عن دعمها للتدخل الروسي في سوريا. وصوتت مصر لصالح قرار تدعمه روسيا في الأمم المتحدة بشأن سوريا في أكتوبر تشرين الأول لا يشمل دعوات لوقف قصف حلب وهو ما رفضته السعودية بشدة. وأبلغت السعودية في وقت سابق مصر بتأجيل شحنات منتجات بترولية في إطار حزمة مساعدات تبلغ قيمتها 23 مليار دولار لأجل غير مسمى لكن شكري نفى وجود خلاف بين البلدين وقال إنه جرى التضخيم من شأن أي خلافات.

وقال شكري "من وجهة نظر مصر دعوني أؤكد لكم أن لدينا رؤية شديدة الوضوح فيما يخص الطبيعة الجوهرية لتلك العلاقة... الأمن القومي العربي يعتمد على الترابط والتفاهم الموجود بين السعودية ومصر." وأضاف شكري في تصريحات أدلى بها في منتدى حوار المنامة لأمن الشرق الأوسط بالبحرين "الحساسية الموجودة ... بشأن ما قد يراه البعض اختلافا في الآراء أو وجهات النظر قد تضخمه الصحافة ليأخذ أبعادا تتخطى العلاقات المميزة المتأصلة بين البلدين." بحسب رويترز.

وأضاف شكري أن مصر لا توثق علاقتها بإيران - خصم السعودية الرئيس في المنطقة - التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية منذ أواخر السبعينيات لكنه قال إن مصر تتعامل مع إيران في مؤتمرات متعددة الأطراف. وقال "مصر تبقي على قطع العلاقات الدبلوماسية... ولم تتخذ أي موقف لتغيير هذا الوضع." وأضاف "استغلت مصر على الدوام فرصة مثل تلك المناقشات لإعادة التأكيد على مواقف الأمة العربية ومصالح الأمة العربية في مواجهة ما قد تكون سياسات توسعية تنتهجها إيران." وتتهم السعودية وبعض دول الخليج إيران بمحاولة محاصرة المملكة من خلال دعم جماعات مسلحة في المنطقة وهو ما تنفيه طهران. كما أن تقديم الملك السعودي الملك سلمان، تعازيه للرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد تفجير الكاتدرائية المرقسية، يعد بادرة داعمة وسط تقارير عن توتر العلاقات بسبب الحرب السورية. كما بعث الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية برقية عزاء ومواساة للرئيس السيسي.

اضف تعليق