سياسة الرئيس الامريكي الجديد المثير للجدل دونالد ترامب، حول قضايا الهجرة ومواقفه معادية للأجانب ما تزال محط اهتمام كبير، خصوصا وان هذا الفوز المفاجئ الذي اثار الكثير من ردود الأفعال الغاضبة داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركة، التي تعيش اليوم حالة انقسام شديد بسبب تصريحات العنصرية ومواقفه العدائية والمتغيرة، حيث أطلق دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية وكما نقلت بعض المصادر، الكثير من التصريحات والوعود القاسية بشأن موضوع الهجرة. وصب الرئيس الجمهوري وقتها جم غضبه على المهاجرين، معتبرا إياهم في الكثير من الحالات مصدرا للعديد من المشاكل التي تتخبط فيها الولايات وعلى رأسها الإرهاب، الذي ضرب بعض مدنها في مناسبات مختلفة.
وكان المستهدف الأول من حملة ترامب هم المكسيكيون، حيث وعد ببناء جدار يفصل بين البلدين المكسيك والولايات المتحدة، للحد من تدفق مواطني هذا البلد نحو أمريكا. وهدد ترامب في خضم الحملة الانتخابية بطرد 11 مليون أجنبي يتواجدون في الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية. وإضافة إلى المكسيكيين، استهدف ترامب في حملته الانتخابية المسلمين، وتعهد بالوقف المؤقت لاستقبالهم على الأراضي الأمريكية، ملوحا بأنه "سيعلق الهجرة من مناطق ذات توجه إرهابي" ضد الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية دون أن يحدد بلدان بالأسماء، وإلغاء منح تأشيرات الدخول لمواطني الدول التي ترفض استعادة رعاياها.
وتصنف وزارة الخارجية الأمريكية 12 دولة في العالم بمثابة "ملاذات آمنة للإرهابيين" بينها ليبيا، مصر، العراق، لبنان، اليمن، مالي، الفلبين وإندونيسيا، أفغانستان، باكستان وماليزيا، إضافة إلى 14 دولة تنشط بها خلايا إرهابية محسوبة على القاعدة أو تنظيم "الدولة الإسلامية" بينها تركيا ونيجيريا، دون أن ننسى الدول التي تعتبرها واشنطن بلدانا ترعى الإرهاب كالسودان وسوريا. وأكد الملياردير، الذي شكل خطابه الشعبوي المعادي للأجانب، استثناء في الحملة الانتخابية، أنه بعد انتخابه سيباشر بـ"طرد أكثر من مليوني مهاجر من المجرمين، وإخضاع الراغبين في دخول الولايات المتحدة "لاختبار إيديولوجي"، الهدف منه تحديد نوعية التوجهات السياسية لهؤلاء.
ويرى بعض الخبراء ان خطط الرئيس الجديد يمكن ان تسهم بتعميق الانقسام في امريكا، خصوصا وان العديد من الجهات قد وعدت بعدم تنفيذ مثل هكذا سياسيات وخطط متشددة تتعارض مع اهداف وسياسية الولايات المتحدة، مؤكدين في الوقت ذاته على ان برنامج ترامب الانتخابي ربما سيكون صعب التطبيق، خصوصا وان الولايات المتحدة لا يمكنها الاستغناء عن المهاجرين الشرعيين خاصة القادمين من المكسيك لأسباب اقتصادية فهم يعملون في مهن يرفضها الأمريكيون.
طرد المهاجرين
وفي هذا الشأن فاذا كانت هناك ملفات يمكن للرئيس الاميركي المنتخب ان يبدي مرونة فيها، فمن المؤكد ان الهجرة ليس بينها اذ انه اعلن رغبته في طرد ما يصل الى ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي وعين في فريقه شخصيات معارضة للهجرة. وحصل هذان الامران منذ انتخابه في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، ما ينذر بسياسة مناهضة للهجرة بشكل جذري في بلد يفاخر باندماج المهاجرين القادمين من مختلف انحاء العالم.
وقال ترامب لشبكة "سي بي اس" ما سنفعله هو اننا سنطرد المجرمين والذين يملكون سجلا اجراميا وافراد العصابات وتجار المخدرات، وهم كثر" مضيفا انه يتوقع ان يكونوا نحو "مليونين على الارجح او حتى ثلاثة ملايين". وتابع "سنطردهم من البلاد او سنودعهم السجن. لكننا سنبعدهم عن بلادنا، فهم هنا بشكل غير شرعي". وخلال حملته تحدث الملياردير الاميركي عن طرد المقيمين بشكل غير شرعي في الولايات المتحدة البالغ عددهم 11 مليونا والمتحدرين بغالبيتهم من المكسيك واميركا الوسطى.
واعلانه الى جانب اولى التعيينات يمهدان لاتباع اسلوب "عدائي جدا" حول هذا الموضوع الاساسي في حملته بحسب مايكل كاغان استاذ القانون ومدير قسم متخصص بالهجرة في جامعة نيفادا. واضاف ان "طرد مليوني الى ثلاثة ملايين شخص سيكون اجراء متطرف، لكن كيف حدد رقم ثلاثة ملايين؟ هذا هو الامر المثير للقلق. ليس لدينا اي دليل عن وجود مليوني الى ثلاثة ملايين مهاجر ارتكبوا جرما في الولايات المتحدة". واوضح "اتخوف من ان تؤخذ في الاعتبار سجلات اجرامية قديمة جدا وغير مهمة مثل مخالفات سير".
ومنذ توليها السلطة في 2009، عمدت ادارة الرئيس باراك اوباما الى طرد 2,4 مليون شخص كانوا يقيمون بشكل غير شرعي في البلاد اي اكثر من كل الادارات السابقة. لكن غالبيتهم كانت من المهاجرين العالقين على الحدود وليس اشخاصا يقيمون في الولايات المتحدة. وكرر ترامب القول انه يعتزم ضمان امن 3200 كلم تشكل الحدود مع المكسيك عبر بناء جدار- وهو كان من المواضيع الاساسية في حملته، لكنه اقر بانه يمكن ان يكون مجرد سياج في بعض المناطق.
والوعد الاخر الذي قطعه خلال حملته هو الغاء برنامج يهدف الى حماية 740 الف من الشباب الذين دخلوا وهم اطفال بشكل غير شرعي الى الولايات المتحدة مع اهاليهم لكنهم اصبحوا اليوم مندمجين في المجتمع بشكل كامل. لكنه لم يوضح ما اذا كان ذلك يعني طرد المستفيدين منه او مجرد رفض ملفات جديدة. وحثه اوباما على "التفكير مطولا" قبل ان يغير ببرنامج يستفيد منه "شباب هم بحسب كل المسائل العملية، شباب اميركيون".
وموطن القلق الاخر بالنسبة للمدافعين عن المهاجرين، هو ان ترامب ضم الى فريقه الانتخابي كريس كوباش المسؤول من كنساس الذي ساهم بقوة في قانون اعتمد عام 2010 في اريزونا. وهذا النص يتيح للسلطات ان تطلب اوراق كل شخص في حال وجود "شبهات منطقية" بانه لا يملكها وقامت ولايات اخرى ايضا باعتماد نصوص مماثلة. كما انه يدعو الى اعتماد مبدأ "الطرد الذاتي" اي تشديد قوانين الهجرة الى حد يصبح فيه من شبه المستحيل امام المهاجرين غير الشرعيين ان يعيشوا بشكل عادي في البلد المضيف من اجل دفعهم للرحيل من تلقاء نفسهم. بحسب فرانس برس.
والسناتور جيف سيشونز من اشد معارضي الهجرة غير الشرعية عين ايضا في الفريق الانتقالي. وقالت بيث ورلين مديرة منظمة "مجلس الهجرة الاميركي" غير الحكومية ان ترامب "يعتزم تحويل خطاب حملته الانتخابية الى افعال وان يعتمد اجراءات عقابية وعدائية لطرد المهاجرين بدون اقحام القانون" مضيفة "سنحارب ذلك". وهدد الرئيس الاميركي المنتخب خصوصا بقطع الاموال الفدرالية عن "المدن التي تعتبر ملاذات" حيث اعلنت اكثر من عشرين من المدن الكبرى انها لن تتحرك ضد المهاجرين بدافع انهم لا يحملون أوارقا ثبوتية فقط.
خطط جديدة
الى جانب ذلك قال كريس كوباش وزير الخارجية في ولاية كانساس الذي يقود جهودا مناهضة للمهاجرين إن الإدارة الأمريكية الجديدة بإمكانها السير على عجل في بناء جدار فاصل على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك دون الحصول على موافقة مباشرة من الكونجرس. وأضاف كوباش -الذي ساهم في صياغة قوانين صارمة بشأن المهاجرين في أريزونا ومناطق أخرى ويقول إنه مستشار للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب- في مقابلة أن المستشارين السياسيين لترامب ناقشوا أيضا صياغة مقترح يقدم إلى الرئيس المنتخب بشأن إعادة العمل بقواعد تسجيل بيانات للمهاجرين القادمين من دول إسلامية.
وقال كوباش الذي تشير تقارير إعلامية إلى أنه عضو رئيسي في إدارة ترامب الانتقالية إنه شارك في مؤتمرات دورية عبر الهاتف مع نحو 12 من مستشاري ترامب بشأن الهجرة على مدى الشهور الثلاثة الماضية. ولم يرد الفريق الانتقالي لترامب حتى الآن على طلبات لتأكيد دور كوباش. ولم يلزم الرئيس المنتخب نفسه باتباع توصيات محددة من أي مجموعة استشارية. وقال كوباش إن مجموعة الهجرة ناقشت صياغة أوامر تنفيذية وتقديمها إلى الرئيس المنتخب "مما يمكن ترامب ووزارة الأمن الداخلي من بدء العمل بحماس شديد."
وأضاف أن مستشاري شؤون الهجرة يبحثون كذلك في كيفية تحرك وزارة الأمن الداخلي بسرعة فيما يتعلق ببناء الجدار الحدودي دون موافقة الكونجرس وذلك من خلال إعادة تخصيص موارد مالية موجودة بالفعل في الموازنة الحالية. وقال "إن الأعوام المالية المقبلة ستتطلب مخصصات إضافية." وقال كوباش خلال المقابلة إنه يؤمن بأن المهاجرين غير الشرعيين في بعض الحالات ينبغي ترحيلهم قبل إدانتهم في حال اتهامهم بارتكاب جريمة عنف. بحسب رويترز.
وأضاف كوباش أن مجموعة الهجرة ناقشت كذلك سبل تغيير قرار تنفيذي اتخذه الرئيس باراك أوباما عام 2012 حمى أكثر من 700 ألف شخص من غير حملة الوثائق من خطر الترحيل كما منحهم تصاريح عمل. وشمل هذا القرار من وصلوا كأبناء لمهاجرين غير شرعيين إلى الولايات المتحدة وهم في سن الطفولة.
ملاذا دائما للمهاجرين
على صعيد متصل اكد رئيس بلدية نيويورك الليبرالي بيل دي بلازيو للرئيس المنتخب دونالد ترامب انه سيبذل كل ما يسعه لتفادي الترحيل الواسع النطاق للمهاجرين، لافتا الى "خوف" الكثيرين في المدينة الكبرى بعد انتخاب الرئيس الجديد. وبعد زيارة برج ترامب في مانهاتن حيث يعكف الرئيس المنتخب الملياردير على تشكيل ادارته، صرح دي بلازيو انه اكد للجمهوري انه سيقف في وجه تعهده ترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين والدفاع عن التقليد الاميركي القاضي بالترحيب بالاجانب.
وقال رئيس البلدية الديموقراطي "كررت امامه ان هذه المدينة والكثير غيرها حول البلاد ستبذل كل ما في وسعها لحماية سكانها وضمان عدم تمزيق العائلات". وسبق ان اعلن دي بلازيو، على غرار رؤساء بلدية لوس انجليس وسان فرانسيسكو وشيكاغو وبوسطن وفيلادلفيا والعاصمة واشنطن، مدينته "ملاذا" للمهاجرين، متعهدا حماية المهاجرين الذين لا يملكون وثائق قانونية من الترحيل وتوفير الخدمات العامة لهم بغض النظر عن وضعهم القانوني.
كذلك اكد دي بلازيو، الديموقراطي اليساري الميول الذي كان أيد هيلاري كلينتون للرئاسة، ان موقف ترامب "مناقض لكل ما يشكل عظمة مدينة نيويورك، مدينة المهاجرين المطلقة". وتابع "هذا المكان ازدهر بفضل فتحه امام الجميع، هذا المكان بناه جيل تلو الاخر من المهاجرين". وبعد انتخابه صرح ترامب ان المدينة ستمحو من بياناتها أسماء مئات الالاف من المهاجرين السريين الذين حصلوا على بطاقة هوية بلدية للحؤول دون ان تتمكن الادارة المقبلة من رصدهم وترحيلهم، في آخر حلقة من سلسلة المواجهات بين السياسيين.
واثناء الحملة، وصف دي بلازيو المرشح الجمهوري بانه "خطير" وغير مؤهل لقيادة البلاد، فرد عليه ثري العقارات بوصفه "اسوأ رئيس بلدية" في الولايات المتحدة. لكن دي بلازيو أشار الى ان حديثهما كان "صريحا" و"تحلى بالاحترام"، وانه اكد لترامب انه سيكون "منفتحا اثناء مواصلة النقاشات المهمة، لكن كذلك متيقظا".
وفي ترديد لأصداء موقف دي بلازيو، صرح رئيس بلدية شيكاغو رام ايمانويل بعد بث المقابلة ان مدينته "مدينة ملاذ، وستبقى كذلك"، مؤكدا للمهاجرين السريين "أنتم بأمان وسلامة وتتمتعون بالدعم في مدينة شيكاغو". كما اكد رئيس بلدية لوس انجليس اريك غارسيتي الديموقراطي لترامب "في اليوم الاول من الرئاسة، اذا راينا شيئا معاديا لسكاننا ولمدينتنا او مسيء لاقتصادنا او لامننا، فسنرفع اصواتنا ونشهر مواقفنا، سنثير ضجة ونتحرك". بحسب فرانس برس.
وهدد ترامب بقطع التمويل الفدرالي لتلك المدن. لكن جوناثان بليزر من مجلس الهجرة الاميركي الذي يدافع عن حقوق المهاجرين اكد ان السلطات البلدية لم تخضع للتخويف، بل حتى انها "متشوقة للمعركة". واضاف انهم "يختلفون سياسيا" مع أجندة ترامب، "لكن المسألة أكبر من ذلك، فهم يؤمنون انهم قادرون على الفوز في المعركة سياسية وقضائيا".
اضف تعليق