تصاعدت حدة التوترات والمواجهة الإعلامية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بسبب الاجراءات القمعية، التي اعقبت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي حيث اعتقلت السلطات التركية أو فصلت وأوقفت عن العمل أكثر من 110 آلاف من الموظفين الحكوميين، من بينهم عسكريون وقضاة ومعلمون وصحافيون، هذا بالإضافة الى مصادرة واغلاق العديد من المؤسسات الاعلامية والمدارس والجامعات، حيث دعا الاتحاد الاوروبي تركيا الى حماية الديموقراطية، كما دعت بعض الجهات الى فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، واتهم تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي تركيا بالتراجع في طريقها نحو العضوية منذ محاولة الانقلاب.
من جانبها رفضت الحكومة التركية الانتقادات التي وجهها الاتحاد الأوروبي. حيث اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأوروبيين بازدواجية المعايير فيما يخص التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وقال "عوضاً عن استقبالكم للإرهابيين تحت اسم اللاجئين السياسيين، قوموا بفتح أذرعكم للسوريين الذين لا يزالون يعانون من الظلم على مدار ست سنوات، ولأولئك الأفارقة البريئين". ويرى بعض المراقبين ان قضية المهاجرين واللاجئين ستكون اهم اوراق الضغط لدى وأروغان والحكومة التركية، التي اكدت في وقت سابق ان تركيا وفي حال مواصلة الضغوط والشروط الاوربية، ستصرف النظر عن العمل باتفاق الهجرة الذي تعهدت فيه بوقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين على أوروبا.
تركيا تبتعد عن الاتحاد
وفي هذا الشأن شكك رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر في رغبة تركيا في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي مبديا اسفه لكون هذا البلد "يبتعد كل يوم عن الاتحاد الاوروبي" في اشارة الى عمليات التسريح الواسعة للموظفين منذ محاولة الانقلاب. وكان الاتحاد الاوروبي دعا في وقت سابق تركيا الى حماية الديموقراطية في رد على انقرة التي رفضت امام سفراء دول الاتحاد الاوروبي الانتقادات المتزايدة لحملة التطهير الواسعة التي تشنها منذ المحاولة الانقلابية.
وجاء تصريح يونكر بعد نداء وجهته الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي حضت فيه تركيا على "الحفاظ على الديموقراطية البرلمانية" غداة احتجاج رسمي من انقرة على انتقادات اوروبية. وقال يونكر "استنتج بمرارة انا صديق تركيا، ان تركيا تبتعد كل يوم عن اوروبا". واضاف "على تركيا ان تقول لنا اذا كانت ترغب او لا ترغب حقا في ان تصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي" لان "ما تفعله السلطات التركية اليوم يجعلني اعتقد ان تركيا لا ترغب" في احترام الشروط المطلوبة للعضوية.
وتابع "اذا رفضنا غدا تحرير التاشيرة مع الاتراك، فان الخطأ لن يكون خطأ اوروبا بل السلطات التركية"، مذكرا بان انقرة لا تحترم حتى الان الشروط المطلوبة من الاتحاد الاوروبي لاعفاء مواطنيها من التاشيرة السياحية.
ووجه الاتحاد الأوروبي نداء جديدا قويا لتركيا لاستئناف الحوار السياسي مع جماعات المعارضة وحماية ديمقراطيتها واصفا التطورات الأخيرة في البلاد بأنها "مقلقة للغاية." وأشار بيان - صدر قبل يوم واحد من اجتماع سنوي للاتحاد الأوروبي لتقييم التقدم الذي أحرزته تركيا للوفاء بمعايير الانضمام للاتحاد - إلى نقاش في أنقرة بشأن إعادة العمل بعقوبة الإعدام في أعقاب محاولة انقلاب عسكري فاشلة في يوليو تموز والحملة ضد الإعلام واعتقال مشرعين أكراد قبل أيام.
وقال البيان الذي أصدرته مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني إن "الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ... يدعون تركيا إلى حماية ديمقراطيتها البرلمانية بما في ذلك احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات الأساسية وحق الجميع في محاكمة عادلة وأيضا بما يتفق مع التزاماتها بوصفها دولة مرشحة (لعضوية الاتحاد الأوروبي) ".
وأضاف البيان "في هذا الصدد سيواصل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه متابعة وتقييم الوضع عن كثب. وهم مستعدون لمواصلة الحوار السياسي مع تركيا على كل المستويات في نطاق الإطار القائم". وذكر البيان أن على تركيا ملاحقة أعضاء حزب العمال الكردستاني بوصفه جماعة إرهابية لكن اعتقال مشرعين منتمين لحزب كردي قانوني يؤدي إلى "استقطاب" داخل المجتمع. وقال "إن العودة إلى عملية سياسية جديرة بالثقة وإلى حوار سياسي حقيقي لهو أمر جوهري بالنسبة لديمقراطية واستقرار البلد". بحسب رويترز.
ويخوض الاتحاد الأوروبي مرحلة حساسة في علاقته مع تركيا الواقعة بين أوروبا والشرق الأوسط المضطرب. ومنذ اتفاق في مارس آذار نجحت تركيا في وقف تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا عبر اليونان بعد وصول نحو مليون شخص منهم العام الماضي. وفي المقابل فإن الاتحاد الأوروبي - الذي يوفر مساعدات للاجئين السوريين في تركيا - تعهد بإحياء محادثات عضوية تركيا في الاتحاد وبتيسير تأشيرات زيارة الأتراك إلى أوروبا.
أساليب النازيين
الى جانب ذلك قال وزير خارجية لوكسمبورج جان اسلبورن إن تعامل الحكومة التركية مع الموظفين الحكوميين المفصولين تذكره بالأساليب التي استخدمها النازيون مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي سيضطر للرد على ذلك بفرض عقوبات إن آجلا أو عاجلا. لكن برلين رفضت فيما يبدو الفكرة قائلة إن من المهم الإبقاء على القنوات مفتوحة مع شريك رئيسي في مكافحة الإرهاب.
ومنذ محاولة الانقلاب العسكري في يوليو تموز تم اعتقال أو عزل أو إيقاف أكثر من 110 آلاف من الموظفين الحكوميين عن العمل في تركيا من بينهم جنود وقضاة ومعلمون وصحفيون فيما قال منتقدو الرئيس رجب طيب إردوغان إنها حملة لقمع كل أشكال المعارضة. ويقول مسؤولون أتراك إن هذه الإجراءات مبررة بسبب التهديد الذي مثلته محاولة الانقلاب التي قتل خلالها أكثر من 240 شخصا بعد استخدام الجنود المارقين طائرات مقاتلة ودبابات وقصف البرلمان ومبان أخرى.
ونُشرت أسماء الذين عزلوا من وظائفهم في الجريدة الرسمية مما قد يعني صعوبة عثورهم على عمل في أي مكان آخر. وإلى جانب ذلك تم إلغاء جوازات سفرهم. وقال اسلبورن إن هناك أشخاصا جردوا من شهاداتهم الجامعية وإن كثيرين لم يعد لهم مصدر للدخل. واشتكى بعض المعلمين المفصولين الذين كانوا العائل الوحيد لأسرهم من عجزهم عن إطعام أسرهم. وقال اسلبورن "أقول بوضوح إن هذه أساليب استخدمت خلال الحقبة النازية وهذا تطور سيء جدا...لا يمكن للاتحاد الأوروبي قبوله ببساطة." واقترح فرض عقوبات اقتصادية مشيرا إلى أن 50 بالمئة من الصادرات التركية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي و60 بالمئة من الاستثمارات في تركيا تأتي من الاتحاد. وقال "في وقت ما لن يكون لدينا أي خيار سوى تطبيقها (العقوبات) للتصدي للوضع غير المحتمل لحقوق الإنسان."
وصبت الحكومة الألمانية الماء البارد على اقتراح اسلبورن. وقال وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره إنه في حين أن من المهم انتقاد اعتقال السياسيين وتقييد حرية الصحافة ينبغي أيضا أن نضع في اعتبارنا أن تركيا التي تربطها حدود بسوريا والعراق حليفة رئيسية في مكافحة الإرهاب. وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية إن برلين لن تشترك في نقاش بشأن عقوبات محتملة. وأضاف في مؤتمر صحفي "علينا أن نوضح لتركيا تأثير قمع الصحافة وقمع المعارضة على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي." وتابع قوله "لذلك من المهم أن نبقي قنوات الاتصال مفتوحة".
وقال إردوغان وحكومته مرارا إن تحديد كيفية التعامل مع محاولة الانقلاب هو قرار تركيا. وتتهم أنقرة الداعية فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة بالتخطيط للمحاولة عبر شبكة مؤيدين. وندد كولن بمحاولة الانقلاب، وقال عمر جليك وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي إن اسلبورن غير مطلع على التاريخ وإن أفعال أنقرة ينبغي أن تقارن بجهود "حماية الديمقراطية أثناء الحرب ضد النازيين." بحسب فرانس برس.
وأضاف "النازيون يبدون مثل الهواة مقارنة بمنظمة كولن الإرهابية... نتحدث عن منظمة تقتل شعبها باستخدام الطائرات والدبابات والسفن الحربية وطائرات الهليكوبتر. يجب ألا يظن أحد أننا سنتراجع في حربنا ضدهم." وقال إردوغان إنه لا يعبأ إذا وصفته أوروبا بالديكتاتور واتهم الدول الأوروبية بتشجيع الإرهاب عن طريق دعم المسلحين الأكراد. وهددت تركيا بإلغاء اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يهدف لمنع وصول اللاجئين الفارين من الشرق الأوسط إلى أوروبا مقابل تسريع محادثات انضمام تركيا لعضوية الاتحاد وإعفاء الأتراك من تأشيرات دخول دوله.
واتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أوروبا بتشجيع الإرهاب من خلال دعمها لحزب العمال الكردستاني وقال في كلمة بثها التلفزيون "أوروبا بأكملها تشجع الإرهاب. حتى رغم أنهم أعلنوا حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا... نرى كيف يتحرك حزب العمال الكردستاني بحرية وراحة في أوروبا.
"لا أهتم إذا وصفوني بالدكتاتور أو أي وصف آخر. الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى. ما يهم هو ما يصفني به شعبي." وكانت تركيا أثارت انتقادات دولية بعد اعتقال زعيمي حزب الشعوب الديمقراطي ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان ضمن تحقيق عن الإرهاب. وتتهم الحكومة حزب الشعوب الديمقراطي بأن له صلات بحزب العمال الكردستاني وهو ما ينفيه الحزب. وقال إردوغان إن البرلمانيين الذين يتصرفون كإرهابيين يجب أن يعاملوا على هذا الأساس. وقال إن النظام القضائي في تركيا مستقل وليس لأحد حتى هو الحق أو السلطة للتدخل في العملية القضائية.
اتفاق الهجرة
من جانب اخر اتهم وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الاتحاد الأوروبي بـ "إذلال" تركيا، مكررا الدعوة إلى احترام اتفاق الهجرة بين أنقرة وبروكسل حيال إلغاء التأشيرات، وذلك في مقابلة مع صحيفة "بيلد" الألمانية. وقال تشاوش أوغلو للصحيفة الألمانية إن "الشعب التركي مصدوم" بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو، والأوروبيون "يذلوننا بدلا من مساعدة تركيا"، مستنكرا تجميد مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي والمحادثات في شأن إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرات.
وردا على سؤال حيال إمكانية أن تسمح تركيا مجددا لمئات آلاف الأشخاص بعبور البحر في اتجاه أوروبا بدءا من تشرين الأول/أكتوبر، قال تشاوش أوغلو "الأمر واضح، إما أن نطبق كل الاتفاقات، أو نتركها كلها". واعتبر وزير الخارجية التركي أن أنقرة عملت "مثل بعض البلدان الأخرى لاستيفاء شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي"، لكنها لم تلق في المقابل "إلا تهديدات وإهانات وعرقلة تامة" من جهة الدولة الـ28. وأضاف "أسأل نفسي، ما الجريمة التي ارتكبناها؟ لماذا هذا العداء؟". بحسب فرانس برس.
وكان تشاوش أوغلو اتهم الاتحاد الأوروبي بتأجيج المشاعر المناهضة لأوروبا في تركيا عبر "تأييد" و"تشجيع" منفذي محاولة الانقلاب. وطالب الوزير التركي مجددا بإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرات دخول إلى الاتحاد الأوروبي، بموجب اتفاق حول الهجرة أبرم بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة في آذار/مارس يرمي إلى وقف العبور غير الشرعي من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية. وتصاعد التوتر بين أوروبا والحكومة التركية بعد محاولة الانقلاب، وخصوصا أن حملة التطهير التي اعقبتها صدمت الأوروبيين. وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعطيل اتفاق الهجرة إذا لم يعف مواطنوه من التأشيرة.
ويشعر إردوغان وكثير من الأتراك بالغضب مما يرونه قلقا غير مبرر من جانب أوروبا بشأن الحملة على المشتبه بضلوعهم في الانقلاب الفاشل وتجاهلا في نفس الوقت للحدث الدموي نفسه الذي وقع في 15 يوليو تموز وقتل فيه أكثر من 240 شخصا. ويساور بعض من حلفاء تركيا الأوروبيين القلق من أن إردوغان الذي ينظر إليه بالفعل كزعيم شمولي يستخدم محاولة الانقلاب ذريعة لزيادة إحكام قبضته على السلطة. ويرفض المسؤولون الأتراك هذه المزاعم قائلين إن حملات التطهير تبررها خطورة التهديد الذي شكله الانقلاب.
اضف تعليق