سباق الانتخابات الرئاسية الامريكية اصبح اكثر شراسة حيث تصاعدت حدة المنافسة بين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون وزوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، التي اصبحت اليوم هدفاً مهماً للعديد من وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، بعد كشف العديد من الوثائق السرية التي قد تؤثر على شعبيتها، حيث نشر موقع "ويكيليكس" وكما نقلت بعض المصادر، العديد من الوثائق الخاصة بالمرشحة الديمقراطية التي تمت قرصنتها في وقت سابق، من حاسوب رئيس حملتها الانتخابية جون بوديستا. وتضم هذه الوثائق التي توعد مؤسس "ويكيليكس" جوليان أسانج قبل أيام بإفشائها، 2060 رسالة و170 ملحقا لها تسلط الأضواء على مواقف كلينتون غير المعروفة إزاء طيف واسع من المسائل الداخلية والدولية.
وتكرس نصف هذه الرسائل لمسائل الطاقة النووية، وخاصة فيما يخص هبات مالية بالغة قدمها "أشخاص لهم مصالح بهذا المجال" إلى "صندوق كلينتون". هذا بالاضافة الى وثائق تتعلق بدور شركة "يورانيوم وان" المسجلة في كندا، والتي أعلن المرشح الجمهوري دونالد ترامب أن شقيق جون بوديستا هو من يديرها. واتهم ترامب منافسته الجمهورية بأنها ساعدت هذه الشركة إبان توليها منصب وزير الخارجية في الحصول على 20% من اليورانيوم في الولايات المتحدة. كما يتركز جزء من الوثائق المسربة على مسائل السياسة الخارجية الأمريكية.
وسبق أن نشر موقع "ويكيليكس" رسائل البريد الإلكتروني لحملة هيلاري كلينتون التي وضعت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في موقف محرج، إذ سلطت هذه البيانات الضوء على الأساليب التي استغلها الديمقراطيون لدعم حملة كلينتون على حساب المرشح الديمقراطي الثاني منافسها بيرني ساندرز. هذه التسريبات وكما يرى بعض المراقبين رما تصب في مصلحة المرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي تعرض قبل ايام لهجمة شرسة من قبل وسائل الاعلام الامريكية، بسبب مواقفة وتصريحاته المثيرة لجدل، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التسريبات جاءت في وقت تتناقض فيه نتائج استطلاعات الرأي العام التي تجرى داخل الولايات المتحدة بشأن ما إذا كان أحد المرشحين يتقدم على الآخر، قبل موعد الانتخابات التي سيقرر فيها مصير المقعد الرئاسي في البيت الأبيض.
صناعة ترشيح كلينتون
وفي هذا الشأن كشفت تسريبات صحافية في مطلع 2014 أن روبي موك كان من الشخصيات المطروحة لتولي إدارة حملة هيلاري كلينتون في حال ترشحت لتمثيل الحزب الديموقراطي في السباق إلى البيت الأبيض. الواقع أنه باشر العمل قبل الانتخابات بأكثر من 34 شهرا. وكتب روبي موك الثلاثيني في شباط/فبراير 2014 لشيريل ميلز، المساعدة المقربة من هيلاري كلينتون، معلقا على مقالة حول خلافات في وجهات النظر بين المقربين من الرئيس باراك أوباما والمقربين من كلينتون "أنت على حق بالنسبة لاستراتيجية إعلامية بعيدة المدى. اننا بحاجة للرد على أمور من هذا النوع".
وأبقت كلينتون الترقب قائما بشان طموحاتها السياسية حتى نيسان/أبريل 2015، مؤكدة في العلن أنها تمنح نفسها مهلة للتفكير وأنها تريد قضاء وقت مع حفيدتها. غير أن موقع ويكيليكس يسرب منذ عدة أيام آلاف الرسائل الإلكترونية المقرصنة من بريد رئيس حملتها الانتخابية جون بوديستا، تكشف عن مدى الدقة في تحضير حملة مرشحة مصممة على عدم تكرار أخطاء 2008، حين هزمت أمام أوباما بسبب حملة كانت رسالتها متبدلة وعملية اتخاذ القرار فيها غامضة. ويتهم المعسكر الديموقراطي روسيا بالوقوف خلف قرصنة الرسائل الإلكترونية بهدف إحراج كلينتون ودعم خصمها الجمهوري دونالد ترامب.
وعرض روبي موك في 22 آذار/مارس 2014 الخطوط العريضة لاستراتيجية سياسية، فاعتبر أن خوض كلينتون السباق بصفتها أول امرأة تترشح للرئاسية سيكون "خطأ"، عارضا على المرشحة أن تشدد على أنها "مدافعة عن الطبقة الوسطى"، وهو التعبير الذي اعتمدته بعد سنة. وكان جدول أعمال هيلاري كلينتون في ذلك الوقت حافلا بالخطابات المدفوعة الأجر، وكانت تعد لجولة ترويج لكتاب مذكراتها على رأس وزارة الخارجية، ولم تكن تبدي أي طموحات سياسية معلنة.
لكن روبي موك كان في نيسان/أبريل يعمل على تصميم الهيكلية القانونية الضرورية لدفع أجور الموظفين العشرين المطلوبين قبل أي إعلان ترشيح رسمي. وكتب في مذكرة "هذا يشمل إنشاء موقع، والاستراتيجية الإعلامية، والتنقلات لاطلاق" الحملة. وفي كل الأحوال، "لن يكون ذلك قبل 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2014"، يوم الانتخابات التشريعية في منتصف الولاية الرئاسية. وفي أيار/مايو 2014، جمعت هيلاري كلينتون أقرب مستشاريها، وكانوا هم أنفسهم يجهلون أن روبي موك ينشط في الكواليس. وكتبت له شيريل ميلز "الوحيدان في هذه المجموعة اللذان يعلمان بك هما جون (بوديستا) وانا".
وفي خريف 2014، فيما كانت هيلاري كلينتون تقدم دعمها على الأرض للمرشحين الديموقراطيين للكونغرس، وضع كاتب خطاباتها دان شويرين وثيقة من عشرين صحفة عرض فيها ثلاث سيناريوهات لتبرير ترشيحها: "وضع الدولة في خدمة الجميع، وليس فقط في خدمة حفنة من الاثرياء"، و"تجديد الحلم الأميركي" و"مناضلة في البيت الأبيض". وكتب لها مستشارها "الهدف هو أن تباشري بلورة الأفكار والدوافع التي هي الأهم بنظرك". ثم تسارعت وتيرة توظيف أعضاء في الفريق. وكتب لها روبي موك في كانون الثاني/يناير 2015 معلقا على توظيف جينيفر بالمييري وكريستينا شاكي اللتين كانتا تعملان في البيت الأبيض "تهانيّ! بات لديك الآن مديرة للاتصالات ومساعدة للاتصالات شديدتا الحماسة".
وبدأت الاستراتيجية الإعلامية ترتسم. وكتب نيك ميريل القادم من وزارة الخارجية في مذكرة أن "الوقت حان لصدور مقالة بقلم صحافي معروف" لتوجيه التغطية الإعلامية التي بدأت تحتدم في بداية السنة، موردا اسماء عدد من المستشارين يمكن تسريبها. وكتب روبي موك "نعلم أن الصحافيين سيكتبون عن التحضيرات للحملة، ومن الأفضل بالتالي التأثير على هذه المقالات". اما بالنسبة للرسالة، فتم تشكيل "مجموعات دراسات" من الناخبين في كانون الثاني/يناير 2015 في ولاية نيوهامشير الاستراتيجية.
وفي شباط/فبراير 2015، أفاد مستشار إعلامي أن اختبارا أول لم ينتج الكثير من الحماسة. واستخلص جويل بيننسون "إننا لا نثير الانطباع الذي كنا نأمله بترشيح جديد ومبتكر". وقبل الإعلان بسبعة أيام، تم الاتفاق على إجراء اتصال هاتفي يومي في الثامنة صباحا لتنسيق الاستراتيجية بين أوساط كلينتون. وتراكمت الرسائل الإلكترونية في بريد جون بوديستا تحضيرا للإعلان الرسمي عن انطلاق الحملة المقرر في 12 نيسان/أبريل 2015. بحسب فرانس برس.
وفي اليوم السابق، تحدث جون بوديستا وآخرون إلى صحافيين نافذين طالبين عدم كشف أسمائهم. ثم في اليوم المقرر، كتبت هيلاري كلينتون على تويتر "إنني مرشحة للرئاسة. الأميركيون العاديون بحاجة إلى من يدافع عنهم، وسأدافع عنهم. ه." وكان من المفترض بحرف "ه" أن يعني أنها هي التي كتبت التغريدة، لكن الواقع أنها كانت مكتوبة مسبقا وتمت المصادقة عليها من أعلى القيادة قبل أسبوع بأقل تقدير.
خطب مأجورة
في السياق ذاته نشر موقع ويكيليكس ثلاثة خطب مأجورة لهيلاري كلينتون لمصلحة غولدمان ساكس، تكشف مزيدا من التفاصيل عن علاقة المرشحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية الاميركية مع المؤسسات الكبرى في وول ستريت. ولم يشكك فريق حملة كلينتون في صحة هذه الخطب التي تشكل جزءا من كمية كبيرة من الوثائق التي تمت قرصنتها من الرسائل الالكترونية لرئيس حملة المرشحة الديموقراطية جون بوديستا.
لكن فريق كلينتون اتهم الحكومة الروسية بالوقوف وراء الاختراق، وهو رأي تشاطره الحكومة الاميركية ايضا. كما اتهم الفريق موقع ويكيليكس بمساعدة الجمهوري دونالد ترامب، خصم كلينتون في السباق الى البيت الابيض. وتتضمن هذه الخطب آراء كلينتون في التنظيمات المالية وعلاقاتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والآثار السلبية للتسريبا السابقة لموقع ويكيليكس على السياسة الخارجية الاميركية. ولا تختلف تصريحات كلينتون هذه بشكل كبير عن مواقفها الاخيرة خلال الحملة، لكنها تبدو اوضح.
وفي خطاب القته في تشرين الاول/اكتوبر 2013 لحساب غولدمان ساكس، تقترح كلينتون و"لاسباب سياسية" اتخاذ اجراءات للسيطرة على تجاوزات وول ستريت "لاسباب سياسية". وتقول "هناك ضرورة ايضا للتحرك لاسباب سياسية. عندما تكون عضوا في الكونغرس ويخسر اشخاص في دائرتك وظائفهم ويكتب في كل وسائل الاعلام ان الامر حدث بسبب وول ستريت، لا يمكنك الوقوف مكتوف الايدي والا تتحرك". بحسب فرانس برس.
وهذا الخطب القتها كلينتون في الفترة التي تفصل بين مغادرتها منصب وزيرة الخارجية وبدء حملتها للانتخابات الرئاسية. وكان السناتور عن فيرمونت بيرني ساندرز الخصم السابق لكلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، استند الى خطب كلينتون لغولدمان ساكس ليؤكد انه لا يمكن الاعتماد عليها لتنظيم شركات تسلمت منها اموالا. وحاول ترامب استخدام هذه الرسائل واتهمها خصوصا بانه لم تؤمن سلامة وثائق داخلية للادارة الاميركية عبر استخدامها بريدا الكترونيا خاصا عندما كانت وزيرة للخارجية. كما استند الى وثائق ويكيليكس ليؤكد انكلينتون اتخذت في خطب خاصة بمجموعات مصرفية كبيرة في 2013 و2014، موقفا مؤيدا للتبادل الحر والتنظيم الذاتي لوول ستريت، خلافا لخطبها الحالية.
كلينتون و (اف بي اي)
اوحت وثائق نشرت بنوع من تبادل المنافع، ناجم عن ضغط مارسه مسؤول في الخارجية الاميركية على الشرطة الاتحادية (اف بي اي) العام 2015 لخفض تصنيف رسالة سرية لهيلاري كلينتون. وكانت الخارجية الاميركية انذاك تراجع عشرات آلاف الرسائل الماخوذة من البريد الخاص لكلينتون بهدف نشرها على موقع حكومي. واثناء هذه العملية تم تصنيف رسائل باعتبارها خاصة او سرية وبالتالي ازالتها، وهذه العملية الاخيرة محرجة لكلينتون لانه لم يكن من المفترض ان تتبادل معلومات سرية على شبكة غير حكومية.
واجرت الشرطة الاتحادية تحقيقا وخلصت في تموز/يوليو 2016 الى انه لا شيء ييرر ملاحقات جزائية رغم ان مديرها جايمس كومي وبخ وزيرة الخارجية السابقة بسبب "الاهمال الشديد". وفي ملاحظات تلخص هذه التحقيقات نشرت من قبل الشرطة الاتحادية، اشير الى ضغوط مارسها باتريك كيندي احد مساعدي وزيرة الخارجية بشان رسالة الكترونية حساسة تخص انشطة الشرطة الاتحادية وصنفت بانها "سرية".
وطلب كيندي ان تتم ازالة صفة "سرية" عن هذه الرسالة او تخفيف درجة حساسيتها. وافاد عنصر في الشرطة الاتحادية عن عرض تبادل منافع مشيرا الى انه طلب من كيندي، مقابل ذلك، ان تقبل الخارجية طلب الشرطة الاتحادية نشر عناصر اضافيين في المراكز الدبلوماسية في الخارج. لكن في نهاية الامر لم يتم تغيير تصنيف الرسالة. وقالت الشرطة الاتحادية في بيان ان طلب مراكز جديدة لم يكن له علاقة بتصنيف الرسالة. وافاد البيان "رغم انه لم يسبق ان وقعت عملية تبادل منافع، فان هذه المزاعم نقلت الى المسؤولين المعنيين لفحصها". بحسب فرانس برس.
واستغل المرشح الجمهوري دونالد ترامب نشر هذه الملاحظات للتنديد بتواطؤ بين الادارة والمرشحة الديمقراطية. وقال مايكل فلين الجنرال المتقاعد والمستشار المقرب من ترامب "ان هذه الوثائق تشكل ادلة دامغة على ان كلينتون تواطات مع اف بي اي ووزارة العدل ووزارة الخارجية لاخفاء انشطة اجرامية في اعلى مستوى". وطالب رئيسا لجنتين برلمانيتين جيسون شافيتز وديفين نونس اقالة باتريك كيندي. من جانبه قال مدير حملة كلينتون، روبي موك ان المفاوضات حول مستوى تصنيف الرسائل قبل نشرها تعتبر امرا مالوفا.
جوائز وتحركات
الى جانب ذلك أطلق مقدم برنامج إذاعي من اليمين المتشدد مسابقة تحمل شعار "بيل كلينتون مغتصب" الذي بات يتردد في حملات هيلاري كلينتون الانتخابية، يقدم فيها للفائز جائزة بقيمة خمسة آلاف دولار. وتعهد أليكس جونز مقدم البرنامج الإذاعي "إنفوورز" على الموقع الإلكتروني الذي يحمل الاسم عينه تقديم ألف دولار لمن يرتدي قميصا يحمل صورة الرئيس السابق بيل كلينتون مع كلمة "اغتصاب"، لمدة خمس ثوان على التلفزيون.
لكنه يعتزم تقديم 5 آلاف في حال ارتدى المشارك هذا القميص أو ما شابه وصرخ أمام الشاشة "بيل كلينتون مغتصب". ومن المعلوم أن أليكس جونز هو من مؤيدي المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب الذي سبق أن استضافه في برنامجه، كما أنه يعتبر أن الرئيس باراك أوباما والمرشحة الديموقراطية لخلافته هيلاري كلينتون "مسكونان من الشيطان". وقام نشطاء يرتدون قمصانا كتب عليها "بيل كلينتون مغتصب" بمقاطعة خطاب باراك اوباما في ولاية كارولاينا الشمالية. وقد رد عليهم الرئيس ساخرا مع اللعب على الكلام.
وفي أوهايو، توجه أوباما إلى نشطاء آخرين بالقول، "إذا كنتم تثقون بهذا الرجل، فاحضروا اجتماعاته. أما أنا، فأثق بمرشحتي". وأردف "يجدر بكم قرع أبواب أخرى وتكريس وقتكم لأمور اخرى، إلا في حال كنتم تتلقون أجرا للقيام بذلك. ففي هذه الحال، كل يحصل على حصته". وغالبا ما يقوم هؤلاء الأشخاص بمقاطعة اجتماعات كلينتون. بحسب فرانس برس.
وكشف موقع "إنفوورز" أن حركة "بيل كلينتون مغتصب" تلقى رواجا، مشيرا إلى أنه تم حتى الآن تقديم 80 ألف دولار للمشاركين، من أصل 100 ألف رصدت للحملة. وقد أطلق جونز هذه المسابقة في الثلاثين من أيلول/سبتمبر، أي قبل نشر شريط مسجل في 7 تشرين الأول/أكتوبر لتصريحات مهينة للنساء أدلى بها دونالد ترامب.
اضف تعليق