q

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعد من اكثر الشخصيات السياسية التي تعرضت لانتقادات حادة داخل وخارج تركيا، بسبب طموحاته المتنامية وتصريحاته المثيرة وعدم قبوله لانتقادات واراء الاخرين، هذا بالاضافة الى توجهاته العدوانية ضد الخصوم والمعارضين، فمنذ توليه السلطة هذا الرجل بحبه الدائم إلى إثارة الجدل واللغط حوله، وإلقاء الضوء عليه، وهذه الامور من شأنها ان تضعف تركيا على المستويات كافة.

فدومًا ما يسبح عكس التيار، فمواقف الرئيس التركي وتصرفاته التي يحاول من خلالها اعادة واحياء دولة الخلافة العثمانية او البروز كسلطان وامبراطور عالمي تدل على انه مصاب داء العظمة والغرور. وقد شن أردوغان حملة شرسة ضد الحريات واستعمل القضاء وباقي مؤسسات الدولة من اجل ترهيب وضرب المعارضين، فمنذ انتخاب اردوغان رئيسا لتركيا، ازدادت الملاحقات القضائية والامنية في تركيا وخارجها بتهمة اهانة الرئيس، كما شن أردوغان حملة كبيرة على الصحف المعارضة وأنصار رجل الدين المنفي عبد الله غولن وذلك لتصفية حساباته السياسية. كما انه سعى الى ملاحقة الخصوم واثارة بعض المشكلات والقضايا ضد المعارضين في دول اخرى، مستفيدا من بعض التطورات والاحداث العالمية المهمة التي استخدمها كورقة ضغط من اجل التأثير على حكومات تلك الدول، وهو ما اثار موجة من الاستياء والنقد.

وفيما يخص بعض هذه الاحداث فقد قالت السلطات السويسرية إنها رفضت طلبا تركيا لنزع صور تنتقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من ميدان عام أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، ومجموعة الصور التي التقطها دمير سونميز وهو مصور كردي ارميني تنازل عن جنسيته التركية في 2005 تشمل العشرات من الصور لمظاهرات وقعت أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف خلال السنوات الأخيرة.

وإحدى الصور عرضت لافتة عليها وجه صبي توفي متأثرا بجراحه في احتجاج مناهض للحكومة في اسطنبول عام 2013. وأظهرت اللافتة رسالة تلقي باللائمة على إردوغان وأوامره للشرطة في مقتل الصبي. وقال متحدث باسم مجلس مدينة جنيف إن الطلب جاء من القنصلية التركية. وأبلغت السفارة محطة إس.آر.إف السويسرية إنها تحترم حرية أي فنان لكنها قالت إن الصورة تضع إردوغان "تحت مجهر الشبهات بطريقة غير عادلة وغير واقعية."

ارتكاب جرائم

من جانب اخر قدم محاميان دعوى الى النيابة الفدرالية الالمانية ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بتهمة ارتكاب جرائم حرب عن التجاوزات التي يتهم الجيش التركي بارتكابها في مدينة جيزره التركية ذات الغالبية الكردية. ويمثل المحاميان بريتا ادير وبترا درفيشاج اهالي شخصين قتلا في المدينة جنوب شرق تركيا التي شهدت معارك عنيفة وحظرا للتجول من كانون الاول/ديسمبر الى اذار/مارس ونائب من حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للاكراد هو كذلك ضحية لهذه الجرائم المفترضة.

وتتعلق الشكوى كذلك بارتكاب جرائم ضد الانسانية وتحظى بتأييد عدد من النواب الالمان من حزب "داي لنكي" اليساري الراديكالي ومنظمات مدافعة عن حقوق الانسان. ويقول المحاميان ان موكليهما يعتبرون ان "لديهم واجبا اخلاقيا برفع الشكوى هنا في المانيا عن جرائم حرب منهجية ارتكبت في تركيا". وتتحدث الشكوى عن تجاوزات ارتكبت في جيزره حيث قتل 178 شخصا لجأوا الى المغاور وعثر على جثثهم محترقة. وقال المحاميان ان جنودا اتراكا اما رشوا مداخل المغاور بالبنزين ثم اضرموا النار او قتلوا المدنيين بالاسلحة الثقيلة ثم احرقوا جثثهم. وتستهدف الشكوى مسؤولين اتراكا اخرين ولا سيما رئيس الوزراء السابق احمد داود اوغلو، وفق وكالة الانباء الالمانية "دي بي اي". بحسب فرانس برس.

واغلق الجيش والشرطة التركيان في 14 كانون الاول/ديسمبر كل مداخل المدينة التي يسكنها 120 الف شخص والقريبة من الحدود مع سوريا والعراق بدعوى اخراج انصار حزب العمال الكردستاني المحظور منها اثر اتهامهم باقامة حواجز واعلنوا "حكما ذاتيا" في تحد للحكومة التركية. وفي اذار/مارس اعلنت المؤسسة التركية لحقوق الانسان ان 178 مدنيا على الاقل قتلوا خلال المعارك. وارغم عشرات الالاف من سكان المدينة على مغادرتها. ورفع حظر التجول جزئيا في بداية اذار/مارس.

السخرية من الرئيس التركي

من جانب اخر قال محامي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه قدم شكوى تطلب حظر كل أبيات قصيدة ساخرة تهزأ من موكله بعدما أصدرت محكمة حكما أوليا في مايو أيار يحظر إعادة نشر أجزاء منها. وكان الفنان الكوميدي الألماني يان بويمرمان قد ألقى القصيدة في محطة تلفزيونية في مارس آذار واحتوت على إشارات جنسية بحق إردوغان.

وقال المحامي مايكل هوبيرتوس فون سبرينجر إنه رفع شكوى أمام محكمة في هامبورج طالب فيها بحكم قضائي نهائي يحظر الأبيات التي لم تحظرها المحكمة في حكمها الأول. وعندما أصدرت المحكمة قرارها في مايو أيار قالت إنها استندت إلى ضرورة تحقيق التوازن بين الحق في حرية التعبير وبين الحقوق الشخصية لإردوغان. والأبيات الستة التي لم تحظرها المحكمة تشمل إشارات إلى تعامل تركيا مع الأقليات.

وفي وقت سابق تلا النائب دتليف سيف من الحزب المحافظ امام البرلمان الالماني القصيدة التي تتهم اردوغان بممارسة الجنس مع الحيوانات للتنديد بمضمونها. وقال "هناك شخص يتعرض للطعن في شرفه وعلى القضاء ان يقرر اذا كانت مثل هذه الاقوال لا تزال مشمولة بقانون حرية التعبير والاعلام". واضاف امام النواب الذين بدا عليهم الاستغراب "ضعوا انفسكم مكان اردوغان وتخيلوا كيف يمكن ان تتقبلوا الامر".

وكانت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل سعت في نيسان/ابريل الى طي صفحة الملف المحرج للعلاقات مع تركيا التي تحتاج اليها لوقف تدفق اللاجئين الوافدين الى بلادها. واجازت ميركل انذاك بطلب من اردوغان فتح اجراء قضائي نادر يمكن ان يؤدي الى ملاحقة الفكاهي يان بومرمان مؤلف القصيدة بتهمة اهانة مسؤول اجنبي. من جهته، علق بومرمان على تلاوة قصيدة في البرلمان بالمطالبة بدوره بملاحقة النائب سيف امام القضاء. بحسب فرانس برس.

وكتب بومرمان في تغريدة "اطلب رفع الحصانة البرلمانية عن نائب الحزب المحافظ دتليف سيف بتهمة انتهاك المادة 103 من قانون الجنايات"، المتعلق باهانة مسؤولين اجانب. وكان بومرمان تلا اواخر اذار/مارس على قناة زد دي اف "قصيدة" هجاء متهكمة في اطار برنامج "نيو ماغازين رويال" ردا على استدعاء انقرة السفير الالماني احتجاجا على اغنية ساخرة بثها التلفزيون تنتقد النزعة التسلطية للرئيس التركي. واكد الفكاهي بنفسه ان قصيدته مخالفة للقانون الجنائي الالماني، بخلاف الاغنية التي اثارت الحادثة الدبلوماسية، مؤكدا لاحقا انه "اظهر الحدود الفعلية للتهكم في المانيا".

من جانب اخر رفضت محكمة المانية دعوى رفعها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ضد مدير مجموعة "اكسل سبرنغر" الاعلامية الالمانية العملاقة، وسط تزايد الجدل حول حرية التعبير. وسعى اردوغان الى استصدار امر من المحكمة لمنع مدير المجموعة ماثياس دوبفنر من تكرار دعمه للفنان الهزلي الذي اهان الرئيس التركي.

وجاء الحكم القضائي بعد ان نشر دويفنر رسالة مفتوحة في احدى صحف المجموعة اعرب فيها عن دعمه ليان بوميرمان، الفنان الذي سخر في برنامج بثته شبكة "ان تي في نيو" العامة في مطلع نيسان/ابريل، من الرئيس التركي مستخدما ايحاءات جنسية تشمل اطفالا وحيوانات. الا ان المحكمة رفضت طلب اردوغان على اساس "الحق المضمون دستوريا للمتهم بحرية التعبير". وقالت كريستينا هاربيرنغ المتحدثة باسم محكمة كولونيا "عندما يبرز نزاع بين الحق الاساسي لحرية التعبير والحقوق الشخصية للمشتكي، فانه يسمح لدويفنر بالتعبير عن رايه" علانية في هذا الجدل المثير للخلاف. ويتعرض اردوغان الى انتقادات غربية قوية بسبب قمعه للحريات.

برغر اردوغان

في السياق ذاته أكد المدير الالماني لمطعم للهمبرغر في كولونيا إنه سيستأنف بيع "برغر اردوغان" لزبائن مطعمه، بعد ان امتنع عن ذلك لمدة 3 ايام عقب تلقيه تهديدات. وقال مدير مطعم "Urban Burgery" جورج تيمان إنه قرر بيع هذا البرغر الذي يحتوي على جبنة مصنوعة من لبن الماعز "كرد هزلي" على الرئيس التركي، ولكنه اضاف انه اضطر الى نصب آلات تصوير امنية في محلاته.

وقال تيمان إنه سيعيد فتح مطعمه مضيفا ان برغر اردوغان هو الطبق الاكثر شعبية بشكل كاسح إذ يمثل 75 بالمئة من انتاج المطعم. ووصف تيمان برغر اردوغان بأنه "همبرغر كلاسيكي، يأتي بشكلين لآكلي اللحوم والنباتيين، ولكن الشكلين يحتويان على قطعة كبيرة من جبنة لبن الماعز." وقال "سنواصل بيع البرغر ما دام الناس راغبون به او حتى يغير اردوغان سياساته."

ولدى سؤاله عن رأيه بقضية الكوميدي بومرمان، قال تيمان إن احتجاجه تعبير عن التضامن مع الصحفيين التركيين جان دوندار واردم غل اللذان كانا يعملان في صحيفة جمهوريت. يذكر ان حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي التوجه الذي يتزعمه اردوغان تتعرض لانتقادات متزايدة بسبب ملاحقتها المعارضين، ويقول مسؤولون في الاتحاد الاوروبي وناشطون حقوقيون إن تركيا تراجعت مؤخرا عن التزامها بحرية التعبير واستقلال القضاء. بحسب بي بي سي.

وقال تيمان إن التهديدات التي تلقاها كان معظمها عبر موقع فيسبوك، "إذ هدد بعضهم بارسال الذئاب الرمادية الى مطعمنا." والذئاب الرمادية حركة قومية تركية يعود تاريخها الى ستينيات القرن الماضي متهمة باغتيال اليساريين والليبراليين. واضاف ان 3 من عمال مطعمه الاتراك استقالوا من وظائفهم بعد تلقي تلك التهديدات، ولكن "اصدقاء" ساعدوه في اعادة فتح المطعم.

شهادة الرئيس

على صعيد متصل تتوالى تساؤلات المعارضين الاتراك بشأن صحة حمل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان شهادة جامعية عليا، في مسألة قابلة للانفجار في تركيا حيث تشكل هذه الشهادة شرطا دستوريا لتولي الرئاسة. وردا على ذلك قال المتحدث باسم الرئاسة ابراهيم كالين في مؤتمر صحافي "اتريدون ان نصدر 10 ملايين نسخة لهذه الشهادة ونرسلها الى عناوين الجميع؟" مبديا سأما ملحوظا ازاء هذا الجدل المتواتر. لكن شهادة الرئيس التركي ترتدي اهمية كبرى لان الدستور يشترط شهادة جامعية عليا لتولي الرئاسة.

وفي مطلع حزيران/يونيو وفي خضم الجدل تلقى الرئيس التركي في احتفال صاخب شهادة الدكتوراه الفخرية الـ44، من جامعة ماكيريري في العاصمة الاوغندية كمبالا التي زارها مؤخرا. وتثير هذه الشراهة تهكم منتقديه الذين يشككون في صحة شهادته الجامعية، ويقارنون بهذا الخصوص مع الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي لم ينل "الا ست شهادات" دكتوراه فخرية. وبحسب سيرته الذاتية الرسمية نال اردوغان شهادته في 1981 بعد 4 سنوات من الدراسة الجامعية (شهادة بكالوريا + 4 سنوات) في كلية العلوم الاقتصادية والادارية في جامعة مرمرة في اسطنبول، بعد فترة دراسية في مدرسة دينية يبدي فخرا خاصا بها.

ونشرت جامعة مرمرة التي كان رئيسها الحالي محمد امين ارات زميل دراسة لاردوغان، صورة للشهادة اثناء الانتخابات العامة المباشرة الاولى في 2014 التي انتخب اردوغان فيها رئيسا، بعد ثلاث ولايات في رئاسة الوزراء. ورفض اردوغان الانتقادات بشأن شهادته في خطاب القاه امام خريجي كلية الشريعة (الالهيات) في جامعته السابقة مرمرة. والجدل ليس جديدا على الرئيس التركي، على ما جرى مؤخرا عند تصريحه ان النساء يبقين "ناقصات" ان رفضن الامومة. لكن سرعان ما ردت عليه تركيات غاضبات على شبكات التواصل بالتاكيد ان "الناقص فعلا هو رئيس بلا شهادة".

امام حشد مضمون الولاء، اكد اردوغان امام الخريجين "بالرغم جميع التوضيحات والتصريحات بهذا الشأن يصر البعض على اعادة اطلاق الجدل. مهما فعلتم، فاعمالنا تعبر عن نفسها". لكن موضوع شهادته يعود تكرارا الى الساحة السياسية، وسط جهوده الحثيثة لتعزيز صلاحياته الرئاسية التي تواجه رفضا حادا من المعارضة وتشكل موضع جدل كبير اخر.

واكدت نقابة اساتذة الجامعات (اونيفدير) في بيان ان "اردوغان لا يحمل شهادة جامعية عليا، بل إجازة" (بكالوريا +2 أو +3) من مؤسسة لم تلحق بجامعة مرمرة قبل 1983، اي بعد انتهاء دراسة الرئيس. ورفع المدعي العام السابق عمر فاروق امين اغا اوغلو الذي يراس حاليا جمعية للقضاة شكوى امام نيابة انقرة المجلس الاعلى للانتخابات تطالب بتجريد اردوغان من تفويضه معتبرا ان انعدام الشهادة ينزع تلقائيا اهليته للرئاسة. كما تطرق الى نظرية تزوير الشهادة لاتاحة الترشح الى الرئاسة. لكن المجلس الاعلى للانتخابات رد الشكوى، مغذيا الشكوك في بلد يهيمن فيه نظام اردوغان على مجمل الادارات. بحسب فرانس برس.

وضج موقع تويتر بالتعليقات حول هذه المسألة. فمن جهة كال معارضو الرئيس التركي الانتقادات متحدين محاميه الذين يهددون يوميا بالملاحقة القضائية لاي "اهانة" بحقه، على ما جرى مع صحافيين ومثقفين ومواطنين. من جهة اخرى سارع الكثيرون من انصار اردوغان الذي يجسد عظمة تركيا في انظارهم. وغرد احد هؤلاء ان اردوغان يرمي امام المنتقدين ما يشتت انتباههم "فيما هو يقاتل العالم اجمع".

اضف تعليق