طموح وخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخاصة بتعديل الدستور بما يتيح له توسيع صلاحياته وتغيير النظام السياسي من البرلماني للرئاسي، اصبحت وبحسب بعض الخبراء امرا واقعاً خصوصا بعد ان تمكن أردوغان، من فرض سيطرته المطلقة على كافة مؤسسات الدولة هذا بالإضافة الى تشديد القوانين والاجراءات الامنية بهدف اقصاء الخصوم والمعارضين وتقيد الحريات العامة تحت مسمى محاربة الارهاب الذي اصبح الشعار الرسمي للرئيس التركي، الامر الذي اثار قلق ومخاوف الكثير من الجهات والشخصيات داخل وخارج تركيا، فضلا عن الانتقادات الحادة التي باتت تواجهها العديد من القوى الإقليمية والدولية، بسبب دعمها المستمر للعديد من التنظيمات الإرهابية والجهادية التي تهدد الامن والاستقرار الدولي بشكل عام.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في وقت سابق، إن تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تنحدر بشكل منتظم نحو الاستبداد وعدم الاستقرار، ترى الصحيفة أن مستقبل تركيا الآن يبدو أكثر قتامة، موضحة أن أردوغان يدفعها نحو الاستبداد والحرب الأهلية والتراجع الاقتصادي. وأكدت أن الديموقراطية لا يمكن أن تزدهر تحت حكم أردوغان الآن، مشيرة إلى أن الإصلاحات التي وعد بها حزب "العدالة والتنمية" أصبحت وسيلة لانتهاكات منهجية للحريات الأساسية والحقوق المشروعة.
من جانب اخر قال دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية التركي المعارض إنه يعارض بشدة تطبيق نظام رئاسي في البلاد قائلا إنه سيؤدي في نهاية الأمر إلى الاستبداد وسيكلف البلاد غاليا على المدى الطويل. وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم يأمل أن يحصل على دعم حزب الحركة القومية في البرلمان لتعديل الدستور وتطبيق نظام رئاسي أو -كإجراء مؤقت- نظام يسمح لرئيس البلاد بأن يحتفظ بصلاته بحزبه. وقال بهجلي أمام البرلمان إنه يعارض بشدة كلا النظامين. ويعاني حزب الحركة القومية صراعا على رئاسة الحزب بعد أن بدأ مئات من أعضائه مساعي للإطاحة ببهجلي الذي تزعم الحزب معظم الوقت خلال العقدين الأخيرين.
هيكلة القضاء
وفي هذا الشأن تريد الحكومة التركية أن تعزل مئات كبار القضاة وأن تمنح الرئيس رجب طيب إردوغان سلطات أكبر في عملية تعيين القضاة في تعديل كبير تقول إنه سيسرع وتيرة العمل في المحاكم لكن معارضين يقولون إنه سيقوض استقلال القضاء. وتقول الحكومة إن مراجعة النظام القضائي ستتيح لها استبعاد أنصار رجل الدين فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي يتهمه إردوغان بمحاولة الإطاحة به وستساعد في تبسيط عمل المحاكم العليا التي تعاني من تراكم القضايا.
ويقول منتقدون إنها محاولة من إردوغان لترسيخ قبضته على المحاكم التي يقولون إنه يستغلها بالفعل لترهيب معارضيه. وفتح محققون نحو ألفي قضية ضد أشخاص بتهمة إهانة إردوغان منذ تولى الرئاسة في 2014 بينهم صحفيون ورسامو كاريكاتير ومراهقون. وبموجب مشروع القانون قيد المناقشة في البرلمان فسيجري عزل جميع القضاة في أكبر محكمتين في البلاد وعددهم 711 قاضيا. والمحكمتان هما مجلس الدولة الذي ينظر القضايا التي يقيمها مواطنون ضد الحكومة والمحكمة العليا. ومن المتوقع أن يعاد تعيين بعضهم لكن ليس من الواضح عددهم. بحسب رويترز.
وسيتاح لإردوغان عندئذ أن يعين ربع القضاة في مجلس الدولة الأمر الذي سيسمح له بحشد حلفائه في واحدة من أهم المؤسسات القانونية في البلاد. وقال نقيب المحامين الأتراك متين فايز أوغلو في بيان "سيضع هذا كل السلطات في يد رجل واحد" واصفا التغييرات المقررة بأنها خطيرة. وسيقلص الإصلاح إلى أقل من النصف عدد القضاة في مجلس الدولة والمحكمة العليا وسيجري البت في معظم القضايا في محاكم الاستئناف.
صلاحيات الرئيس
الى جانب ذلك قال مسؤول تركي يشرف على خطط تعديل الدستور إن بلاده لن تجري استفتاء على توسيع صلاحيات الرئاسة التي يسعى إليها الرئيس رجب طيب إردوغان قبل نهاية العام الجاري على أقرب تقدير وقد يؤجل الأمر إلى عام 2019 إذا لم يحظ بالدعم الكافي البرلمان. ويريد إردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه استبدال النظام البرلماني الديمقراطي المطبق حاليا في تركيا بنظام رئاسة تنفيذي على غرار أنظمة الحكم في الولايات المتحدة أو فرنسا.
ويرى مؤيدوه أن مثل هذا التغيير هو ضمانة ضد تشكل الحكومات الائتلافية الهشة التي أعاقت تقدم تركيا في التسعينات من القرن الماضي بينما يرى المعارضون أن الأمر مدفوع بطموح شخصي من إردوغان ويخشون استئثاره بالسلطة. ويشعر المستثمرون بالتوتر من أن تجر مساعي تنفيذ هذا التغيير تركيا لثالث انتخابات برلمانية في غضون ما يزيد قليلا عن عام واحد إذا ما حاول حزب العدالة والتنمية توسيع أغلبيته لتأمين عدد المقاعد التي يحتاجها لإجراء استفتاء.
لكن مصطفى شنتوب وهو مسؤول بارز في حزب العدالة والتنمية ويرأس لجنة برلمانية معنية بالتعديلات الدستورية قال إنه ليس هناك خطط من هذا القبيل وإن التعديلات يمكن إن لزم الأمر أن تنتظر لما بعد الانتخابات التالية في 2019. وقال "نرى الدستور الجديد أمرا تاريخيا حتميا لتركيا. إذا لم يتم الآن فسيكون على رأس الأولويات في الانتخابات القادمة." وتابع "بصراحة نحن لا نعدل الدستور الحالي بل نصوغ دستورا جديدا ولذلك فإن هذا الاقتراح سيحتاج تصويت الشعب عليه في استفتاء."
وقال مسؤول بارز في مكتب إردوغان أيضا إن الاستفتاء قد يؤجل إلى 2019 إذا اقتضت الحاجة معترفا بأن من غير المؤكد أن يتمكن حزب العدالة والتنمية من كسب تأييد كاف من المعارضة لإجراء استفتاء قبل هذا الموعد. ولحزب العدالة والتنمية 317 نائبا في البرلمان المؤلف من 550 مقعدا ويحتاج على الأقل إلى 330 صوتا للدعوة لإجراء استفتاء. وتتفق أحزاب المعارضة على أن تركيا تحتاج تغيير الدستور الحالي الذي كتب بعد انقلاب 1980 وما زال يحمل أفكار كتابه المنتمين للمؤسسة العسكرية لكن المعارضة لا تؤيد التحول لنظام رئاسي كما يتصوره إردوغان.
وقال شنتوب إنه على ثقة بأن حزب العدالة والتنمية يمكنه أن يقنع العدد الكافي من نواب المعارضة بتأييد إجراء استفتاء وإذا ما تمكن من ذلك فقد يجرى التصويت في نوفمبر تشرين الثاني أو ديسمبر كانون الأول أو في أوائل الربيع المقبل. وأضاف أن مسودة مقترحة للدستور الجديد جاهزة تقريبا وستطرح على البرلمان في أكتوبر تشرين الأول بعد عودة جلساته للانعقاد بعد عطلة الصيف. بحسب رويترز.
وكان رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان قد أثار جدلا في أبريل نيسان بقوله إن تركيا تحتاج لدستور ديني وهو اقتراح يتعارض مع مبادئ الدولة الحديثة التي تأسست عليها البلاد. وأثارت تصريحاته إدانة المعارضة وتسببت في احتجاج قصير في الشوارع مما أبرز انقساما في المجتمع التركي يعود لفترة العشرينيات عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك جمهورية علمانية وأقصى الإسلام عن الحياة العامة. وقال شنتوب "مقترحنا للدستور الجديد يشتمل على مفهوم العلمانية وليس لدينا أي مشكلة مع ذلك." لكنه أضاف أن نص الدستور سيحفظ أيضا الحريات في الاعتقاد الديني والتعليم. وحاول إردوغان وحزب العدالة والتنمية إعادة دور الدين في الحياة العامة ووسعوا نطاق التعليم الديني وسمحوا بارتداء الحجاب في الكليات والبرلمان بعد أن كان ممنوعا من قبل في الإدارات الحكومية.
الدعاية للإرهاب
من جانب اخر حكمت محكمة تركية على ثلاثة أشخاص ينشطون من أجل حرية الصحافة، بينهم ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود"، بتهمة "الدعاية الإرهابية". وأصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق إيرول أوندرأوغلو ممثل منظمة "مراسلون بلا حدود"، ومحمد ناسين وسبنم كورور فنجانجي. وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن الحكم "صفعة غير معقولة لحرية الصحافة في تركيا".
وجاء الحكم بالرغم من ضغوط يمارسها الاتحاد الأوروبي على أوروبا من أجل التوقف عن محاكمة الأكاديميين والصحفيين. وتفيد تقارير أن الناشطين الثلاثة شاركوا في حملة لدعم صحيفة "أوزغور غونديم"، وهي صحيفة موالية للأكراد. وقالت وسائل الإعلام التركية إن كل واحد من الناشطين الثلاثة اضطلع بمهام رئيس تحرير الصحيفة ليوم واحد.
وقال جوهان بهر، المدير الإقليمي لمنظمة "مراسلة بلا حدود" ، قسم أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، "هذا يوم أسود لحرية الصحافة في تركيا". وقد اعتقل أوندرأوغلو بسبب عمله على ثلاثة مقالات حول العمليات الأمنية في شمال شرقي تركيا حيث تسكن أغلبية كردية، حسب بهر. ووصف بهر أوندرأوغلو بأنه وقع ضحية الإجراءلات التي كان يدينها. أما الأكاديمية فنجانجي فهي مديرة مؤسسة حقوق الإنسان التركية، وأحمد ناسين هو صحفي معروف. بحسب بي بي سي.
وحذر نشطاء حرية الصحافة أن مستوى حرية التعبير قد تدنى كثيرا في تركيا، وأن محاكمات الأكاديميين والصحفيين والشخصيات العامة أصبحت شيئا معتادا. وكانت محكمة تركية قد حكمت بسجن صحفيين مرموقين في شهر مايو/أيار الماضي، في قضية أدانها المراقبون الدوليون. ويذكر أن تركيا تشن حملات عسكرية على حزب العمال الكردستاني جنوب شرقي البلاد، وتحظر التغطية الإعلامية لتلك العمليات. وقد اعتقل عدد من الصحفيين الأجانب وجرى ترحيلهم من البلاد بسبب تغطيتهم العمليات العسكرية. ويطالب الاتحاد الأوروبي تركيا بتغيير قوانين "مكافحة الإرهاب"، وجعل ذلك شرطا للاتفاقية التي تمنح المواطنين الأتراك حق دخول دول الاتحاد بدون تأشيرة.
اضف تعليق