مسألة بقاء او خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي اعلنت عنها الحكومة من خلال اجراء استفتاء شعبي لتحديد المصير، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وانها قد دخلت وكما يرى بعض المراقبين منعطفا جديدا قد يسهم بتغير الكثير من وخطط الحكومة البريطانية، فبعد ان استطاع رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون وكما تنقل بعض المصادر، الحصول على بعض المكاسب والتنزلات المهمة من الاتحاد الأوروبي، لا سيما التي تتعلق بالسيادة والهجرة وبعض الحقوق المالية والمجتمعية المتعلقة بغير البريطانيين، ورجّحت هذه الاتفاقية الجديدة بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، بعد أن كان الرأي العام في بريطانيا ينجرف باتجاه الخروج من المنظومة الأوروبية كلياً. لكن وعلى الرغم من هذه المكاسب المهمة فقد يواجه رئيس الوزراء البريطانى، الذي تعهد بشن حملة لا هوادة فيها للحفاظ على بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبى، تحديات داخلية كبيرة بسبب وجود اطراف معارضة تطالب وبشكل جاد الى الخروج من الاتحاد الأوروبى، ولا يقتصر هذا الامر على الخصوم السياسيين فحسب، بل يلقى دعما أيضا بين وزراء من حكومة كاميرون من بينهم وزير العدل مايكل جون وعمدة لندن بوريس جونسون. وقد أعلن جوف عن انضمامه لحملة تدعو للخروج من الاتحاد.
وبينما كانت تصب استطلاعات الرأى فى صالح البقاء لكن الأشهر الأخيرة الماضية أظهرت أن الاستفتاء يمكن أن يذهب فى أى من الاتجاهين. ويضع الزعماء الأوروبيون فى اعتبارهم أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى يمكن أن يكون بداية لتفكك أوسع، إذ أن هذا من شأنه تشجيع بعض المتشككين على المغادرة. وبعد ساعات قلائل من إبرام الاتفاق أعلن واحد من أقرب حلفائه هو وزير العدل مايكل جوف وخمسة وزراء آخرين أنهم سيشنون حملة دعاية ضده في الاستفتاء الذي يجري يوم 23 يونيو حزيران على بقاء بريطانيا في الاتحاد أو خروجها منه.
وكانت تلك هي الضربة الأولى فيما قد يصبح حربا أهلية جديدة في حزب المحافظين الذي يتزعمه كاميرون بسبب أوروبا. كما اكد رئيس بلدية لندن بوريس جونسون موقفه المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، محذرا من تخلي البلاد "عن مسالة التحكم بمصيرها". وكان جونسون، السياسي صاحب الشخصية القوية والذي يتمتع بشعبية واسعة، أشعل الجدل حول استفتاء يونيو المقبل باعلانه انه يؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، واضعا نفسه في مواجهة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون. وفي مقابلتين صحافيتين، هاجم جونسون رئيس الوزراء، خصمه منذ أمد طويل داخل حزب المحافظين. واستبعد ان تؤدي الاصلاحات الاخيرة التي توصل اليها كاميرون في مفاوضاته مع الاتحاد الاوروبي والمتعلقة خصوصا بالحد من المساعدات الاجتماعية التي يحصل عليها العمال المتحدرون من الاتحاد الاوروبي خلال عملهم في دول الاتحاد، الى خفض عدد الوافدين الى الاتحاد، كما يقول رئيس الوزراء.
ويتمتع جونسون يتمتع بقدرة كبيرة على التأثير على الناخبين من خارج حزبه. وقال لصحيفة "ذا تايمز"، "سأبذل افضل جهد لاستبعاد مشروع التخويف، الذي اعتقد انه كلام فارغ. بريطانيا يمكن ان تحصل على مستقبل عظيم حقا، مع اقتصاد بدينامية اكبر وشعب اكثر سعادة" في حال خروجها من الاتحاد. ودان كاميرون فكرة تروج لان التصويت على الخروج من الاتحاد الاوروبي لن يكون نهائيا، بل قد يكون تكتيكا للتفاوض للحصول على المزيد من التنازلات. غير ان جونسون شدد على ان "الخروج يعني الخروج"، مضيفا "هذا امر يحصل مرة في العمر. لن يعود ثانية". واضاف ان "المشكلة الاساسية هي اننا تخلينا عن التحكم بمصيرنا في العديد من المجالات".
حرب مستمرة
فيما يخص بعض تطورات هذا الملف فقد كانت الانقسامات حول وضع بريطانيا في أوروبا عاملا أسهم في سقوط اثنين من رؤساء الوزراء السابقين هما جون ميجر ومارجريت ثاتشر. وهي حرب حاول كاميرون جاهدا أن يتحاشاها عندما تولى السلطة عام 2010. وفي العام التالي أمر حزبه بأشد العبارات الممكنة أن يسقط مشروع قانون يتضمن اقتراحا لإجراء استفتاء على عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي وقال إنه يمثل "الرد الخطأ من جانب بريطانيا". غير أنه غير رأيه في غضون عامين ومهد الطريق للاستفتاء على العضوية معلنا "أؤمن بالتصدي لهذه المشكلة - وصياغتها وقيادة النقاش بشأنها. ألا نأمل ببساطة أن ينتهي الموقف الصعب." والآن يجد كاميرون (49 عاما) نفسه يخوض استفتاء سيحدد مستقبل بريطانيا في الشؤون العالمية ويصوغ مستقبل الاتحاد الأوروبي. وبريطانيا هي ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد وإحدى القوتين العسكريتين الرئيسيتين فيه.
ومن غرائب النظام السياسي في بريطانيا أن رئيس الوزراء أصبح في وضع غريب يجعله أكثر ثقة في تأييد حزب العمال المعارض له من ثقته في تأييد حزبه. وقال دوجلاس كارزويل الذي كان عضوا في حزب المحافظين إلى أن انشق عليه وانضم لحزب استقلال بريطانيا المتشكك في الوحدة الأوروبية عام 2014 "لم يكن يريد استفتاء بل دفع دفعا إليه. فهو الممثل في هذا العمل وليس كاتب السيناريو أو المخرج أو المنتج." ولأن كارزويل من المتشككين في الوحدة فله مآرب خاصة غير أن بعض حلفاء كاميرون وأنصاره وكذلك منتقدين آخرين له يشاركونه رأيه أن رئيس الوزراء سار في طريق الاستفتاء كمن يسير وهو نائم. وقال جوناثان بورتس الزميل الباحث في المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والمتخصص في شؤون الهجرة "أعتقد أن من الواضح تماما ... أنه لا توجد خطة."
جاء الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أعقاب أسابيع من المفاوضات في مختلف أنحاء أوروبا حاول فيها كاميرون الفوز بشروط أفضل لبريطانيا إذا بقيت ضمن الاتحاد على أمل الفوز بأصوات المتشككين ومن بينهم كثيرون من حزبه. فقد قال إنه فاز لبلاده "بوضع خاص" من خلال الاتفاق يستبعد فيه بريطانيا من هدف توثيق الوحدة ويمنح حكومته إمكانية فرض قيود لمحاولة الحد من المخاوف من ارتفاع معدلات الهجرة. وقال متحدث باسم كاميرون إن رئيس الوزراء ركز دوما على الفوز "بأفضل صفقة للشعب البريطاني" ونفى أن المفاوضات كانت تتعلق "بإدارة أمور حزبية".
لكن المسار الذي سلكه كاميرون إلى الاستفتاء يوضح أنه حساس بشكل جلي لآراء حزبه. فقد تجنب من البداية مناقشة الاتحاد الأوروبي مع المتشككين في الوحدة الأوروبية من أعضاء الحزب بعد أن وصل للسلطة وتجنب لقاءهم وللتقليل من نفوذهم صورهم على أنهم "أقلية مخبولة تحدث جلبة بشأن أوروبا." ويقول حلفاء كاميرون إنه أدرك أن عليه التصدي لخطر التمرد وجازف مجازفة محسوبة بالدعوة للاستفتاء الذي يتوقع الفوز فيه. لكن في الوقت الذي حاول فيه رئيس الوزراء تجاهل القضية كانت الصحافة البريطانية التي يتشكك قسم كبير منها في الوحدة الأوروبية تنفخ في نارها لتظل مشتعلة. فعلى مدى عشرات السنين ظلت الصحافة البريطانية تغذي الارتياب في الاتحاد الذي يكيل له كثير من الأوروبيين المديح باعتباره ضمن السلام بعد الحرب العالمية الثانية لكنه ظل موضع سخرية في بريطانيا بسبب مطالب مثل حظر الموز المقوس وتغيير اسم النقانق.
وبدا على نحو متزايد أن كاميرون المعروف عنه ولعه الشديد بأوروبا إن لم يكن عشقه لها يناقض الكثيرين في حزبه وهم يعارضون التحركات الرامية إلى تعزيز التكامل في أوروبا ويرون أن الاستفتاء هو الخطوة المنطقية التالية. وفي عام 2011 عندما أمر كاميرون أعضاء حزب المحافظين في البرلمان بإسقاط مشروع القانون الذي يقترح فيه أصحابه إجراء استفتاء على العضوية تمرد نحو 80 عضوا عليه. وكان أحد المتمردين هو جون بيرون الذي قال عقب ذلك إنه قام هو وثمانية آخرون بحشد أكثر من 100 عضو في البرلمان لإرغام كاميرون على التخلي عن سياسة رفض الاستفتاء وإنه غير رأيه وقبل الفكرة بعد أكثر من عام وذلك بعد أن كتبت هذه المجموعة الرسائل ومارست ضغوطا شديدة.
ثم كان أن جعل كاميرون الاستفتاء ركيزة أساسية في سياسته. وقال بيرون إن كاميرون "تمت مواجهته في النهاية بالمنطق وكذلك بإدراك أننا أولا لن نختفي وثانيا أننا أكبر حجما بكثير من الطريقة التي صورنا بها." ويحرص بيرون على نسبة الفضل للدور الذي لعبه في إرغام رئيس الوزراء على قبول إجراء الاستفتاء. وقالت المصادر إن كاميرون اضطر لتعديل سياسته على عجل.
وقال بورتس الموظف العمومي الذي ساعد في التفاوض على خروج بريطانيا من معاهدة ماستريخت التي وضعت أساس العملة الأوروبية الموحدة إن قرار كاميرون التركيز على الفوز بتنازلات فيما يتعلق بما يحصل عليه العمال من ذوي الأجور المنخفضة من مدفوعات اجتماعية سلط الضوء على غياب الإستراتيجية. وأصاب التركيز على عنصر محدد لا يعرف عنه شيء تقريبا في نظام الرعاية الاجتماعية البريطاني بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي بالجنون إذ رأوا فيه هجوما مباشرا على المبادئ الأساسية للاتحاد كما رأوا فيه تمييزا. وكاد هذا الموضوع أن يفسد المفاوضات.
وقال بات مكفادن وزير حزب العمال السابق لشؤون أوروبا إن ذلك يرجع إلى ضعف فهم كاميرون للاتحاد الأوروبي. ويقول مساعدو كاميرون إن رئيس الوزراء لديه الكثير من الخبرة في شؤون الاتحاد الأوروبي وإنه زار 20 دولة من الدول الأعضاء لإجراء محادثات بشأن الاتحاد منذ إعادة انتخابه في العام الماضي. واضطر كاميرون للتركيز على الامتيازات الممنوحة للعمال أثناء العمل بعد تزايد المخاوف بشأن طوفان اللاجئين الوافدين من الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية. كذلك كانت هذه الخطوة تهدف في جانب منها للتصدي لتنامي شعبية حزب استقلال بريطانيا. وفي عام 2014 قال "لن أقبل الرفض إجابة. وعندما يتعلق الأمر بحرية الانتقال سأحصل على ما تحتاج إليه بريطانيا." لكن مسؤولي الاتحاد سارعوا إلى توضيح أنهم لن يسمحوا بذلك وقالوا إن ذلك سيهدم واحدا من المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي.
وجاهد كاميرون لإيجاد سبيل لإدراج الهجرة في إعادة التفاوض ووقعت عيناه على تقرير أعدته مؤسسة أوروبا المفتوحة للأبحاث وأشارت فيه إلى أن الحد من امتيازات عمال الاتحاد الأوروبي سيقلل الهجرة ويؤدي إلى تفادي تغيير مزعج في المعاهدات التأسيسية للاتحاد. وقال بورتس إنهم "رفعوها دون اختبارها ودون أي تحليل جاد على الإطلاق سواء قانوني أو اقتصادي." وقال ستيفن بوث المدير المشارك لمؤسسة أوروبا المفتوحة إن الحكومة سارعت إلى تبني هذه الدراسة ولم يطرح مستشاروها أسئلة قانونية. ويقول مسؤولون يعملون مع كاميرون إن رئيس الوزراء صاغ سياسته ردا على المخاوف الشعبية بشأن زيادة الهجرة.
ورغم أنه تم التوصل للاتفاق فما زال قرار منح بريطانيا بعض التنازلات فيما يتعلق بإصلاح نظم الرعاية الاجتماعية يعتمل في النفوس في عواصم الاتحاد الأوروبي. وقال دبلوماسي شارك في المحادثات إن شركاء بريطانيا في الاتحاد "استاءوا ... أننا نتعامل مع بعض المسائل الغامضة ... في حين أن لدينا قضايا كبرى يجب أن نهتم بها بدلا من ذلك." وبالنسبة للمتشككين في الوحدة الأوروبية فإن القيود على ما يحصل عليه العمال من مدفوعات اجتماعية أثناء العمل والقيود المفروضة على ما يحصل عليه المهاجرون للاتحاد ممن لهم دخل سنوي يقل عن حد معين من أجل أولادهم الذين يبقون في الخارج ليست كافية ويتهم هؤلاء كاميرون بالتراجع تحت ضغط من التكتل. بحسب رويترز.
وقال دانييل هانان العضو المحافظ في البرلمان الأوروبي في تغريدة على تويتر "بريطانيا خبطت المائدة وطالبت بكل جرأة بالأمر الواقع. ووافق الاتحاد الأوروبي بعد شيء من العنت الإلزامي." وقال بيرون "هو يشغل نفسه بغير طائل لأنه يعلم أنه لا يمكنه التشكيك في واحد من المبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي ألا وهو حرية الانتقال." وأضاف أن نتيجة الاستفتاء ستكون متقاربة وستحل المشكلة في الحزب دفعة واحدة. لكن آخرين يختلفون في الرأي معه ولا يرون فرصة تذكر أن تختفي قضية أوروبا وهو أمر سيضر بكاميرون أيا كانت نتيجة الاستفتاء.
كاميرون ورهان القرن
في السياق ذاته دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون انصار خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الى الاقرار ب "مخاطر" هذا الخروج الذي بات موضع جدل كبير في المملكة. وفي مقال في صحيفة ديلي تليغراف المحافظة وصف كاميرون احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بانه "رهان القرن". واضاف "حين نطلب ممن يروجون لخروج (بريطانيا من الاتحاد) ان يقدموا مشروعا (للبلاد) خارج الاتحاد الاوروبي، تصبح (اجوبتهم) مبهمة جدا". واضاف "ان ما يطرحونه اليوم هو قفزة في ظلمات (المجهول)". وشدد "لا يكفي ببساطة ان نؤكد ان كل شيء سيكون على ما يرام، حين تكون وظائف ومستقبل بلادنا في الميزان".
ورد رئيس الحكومة البريطانية الحجة القائلة بان بريطانيا ستتمكن حتى بعد مغادرة الاتحاد من الوصول الى سوق الاتحاد الاوروبي. وقال "ما من شك لدي في ان الامر الاكيد الوحيد في حال الخروج (من الاتحاد) هو هيمنة الشك (..) هناك العديد من المخاطر في مغادرة اوروبا". وتشتد الحملة بين مؤيدي ورافضي بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي منذ ان حصل كاميرون على تنازلات من شركائه الاوروبيين. بحسب فرانس برس.
وحصل كاميرون على دعم كامل من مجموعة العشرين في اجتماع وزراء ماليتها في شنغهاي. واكد الاجتماع "صدمة خروج محتمل للمملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي" من ضمن باقي المخاطر التي تتهدد الانتعاش الاقتصادي العالمي. لكن على كاميرون اولا ان يقنع انصار خروج بريطانيا داخل حزبه حيث ان ستة من وزراء حكومته والعديد من نواب حزب المحافظين يؤيدون خروج المملكة من الاتحاد. واتهم بوريس جونسون رئيس بلدية لندن الداعي لخروج بريطانيا معارضيه ب "تضخيم المخاطر". وقال لصحيفة تايمز "يمكن ان يكون للمملكة المتحدة مستقبل كبير جدا مع اقتصاد اكثر حيوية وشعب اسعد" خارج الاتحاد الاوروبي.
الى جانب ذلك أظهر مسح أجرته شركة (أو.آر.بي) عبر الإنترنت ونشرت نتائجه صحيفة إندبندنت أن الحملة الداعية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء المزمع في 23 يونيو حزيران المقبل تتقدم بأربع نقاط على حملة تؤيد البقاء في الاتحاد. ويبين الاستطلاع أن التأييد لحملة الانسحاب زاد إلى 52 بالمئة مقابل 48 بالمئة قبل شهر بينما تراجع الدعم لحملة البقاء إلى 48 بالمئة مقابل 52 بالمئة منذ شهر.
وتحدى رئيس بلدية لندن بوريس جونسون رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في وقت سابق وقال إنه سيدعم دعوات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لكن 60 بالمئة ممن شاركوا في الاستطلاع قالوا إن قرار جونسون لم يكن عاملا مؤثرا في رغبتهم بالتصويت لصالح الانسحاب. وقال 26 بالمئة إن قرار جونسون لعب دورا في تأييدهم للانسحاب. ووافق نصف المشاركين على أن الاقتصاد لعب دورا أكبر من أزمة المهاجرين في تحديد قرارهم عند التصويت في الاستفتاء مقابل 37 بالمئة قالوا عكس ذلك. وشارك في الاستطلاع الذي أجري عبر الإنترنت عينة قوامها 2014 شخصا. وهبطت قيمة الجنيه الاسترليني لأدنى مستوى منذ سبع سنوات أمام الدولار الأمريكي متأثرا بمخاوف من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبتوقعات متضاربة للنمو الاقتصادي في بريطانيا والولايات المتحدة.
صدمة اقتصادية
من جهة اخرى قال وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، إن الاستفتاء المزمع على خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي من عدمه مسألة "في غاية الخطورة". جاء ذلك في تصريحات أدلى بها أوزبورن، في ختام مشاركته في اجتماعات وزراء مالية دول مجموعة العشرين، التي جرت في الصين. لكن نايجل فراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني، قال إن إعلان مجموعة العشرين، الذي حذر من أن خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد سيشكل صدمة للاقتصاد العالمي، "لم يكن مفاجئا"، لأن "الأصدقاء يساعدون بعضهم بعضا". وأضاف: "لم أندهش من أن تجتمع حكومات كبيرة لتأييد ديفيد كاميرون". وأردف: "هناك بنوك وشركات كبرى وحكومات تساند بعضها البعض. لا اعتقد أن ذلك سيؤثر على الناخبين".
وقال مسؤولون رافقوا أوزبورن إلى الصين إن الإشارة إلى الاستفتاء، الذي سيجرى في بريطانيا ، في البيان الختامي لاجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين أمر غير معتاد. ونفى أوزبورن أن يكون قد دفع باتجاه خروج البيان متضمنا تلك الإشارة. وقال أوزبورن "وزراء مالية الدول التي تشكل كبرى الاقتصادات في العالم أعلنوا قرارهم بالإجماع، وهم يعتبرون أن خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد سيشكل صدمة للاقتصاد العالمي". وأضاف: "وإذا كان صدمة للاقتصاد العالمي، فتخيل كيف سيكون بالنسبة إلى بريطانيا". وأردف: "إنها ليست رحلة محفوفة بالمخاطر نحو المجهول، مع كل ما ارتبط بها من سخرية، إنه أمر في غاية الخطورة".
وردا على سؤال، حول ما إذا كان هو شخصيا أو مسؤولون يعملون تحت قيادته قد طلبوا تضمين بيان مجموعة العشرين هذا التحذير، قال أوزبورن: "لدينا دول في الاجتماع مثل الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والصين، وهؤلاء بصراحة لا يفعلون ما يطلب منهم آخرون فعله". وقال مسؤولون بوزارة المالية البريطانية إن وزير الخزانة الأمريكي أثار الموضوع خلال الاجتماع، كما فعل آخرون من بينهم مسؤولون صينيون ومديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. بحسب بي بي سي.
ووصفت المديرة العامة لاتحاد الصناعات البريطاني، كارولين فيربيرن، الآثار المتوقعة لخروج بريطانيا من الاتحاد بأنها "خطر محقق". في غضون ذلك، أعلن بوريس جونسون، عمدة لندن، موقفه من فكرة أن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد قد يجبره على إعطاء بريطانيا اتفاقا أفضل، على العضوية، ويؤدي لاستفتاء ثان. وكان جونسون قد أشار في وقت سابق إلى أن التصويت لصالح الخروج وحده سيعطي بريطانيا "التغيير الذي تحتاجه". لكن جونسون أعلن موقفه صراحة لصحيفة التايمز قائلا: "الخروج يعني الخروج".
اسكتلندا والخطة البديلة
في السياق ذاته قالت الزعيمة القومية في اسكتلندا إن الضغط سيتزايد لإجراء استفتاء ثان على الاستقلال إذا صوتت بريطانيا لصالح ترك الاتحاد الأوروبي على خلاف رغبة اسكتلندا. وقالت نيكولا ستيرجون الرئيسة الحالية للحزب القومي الاسكتلندي ورئيسة وزراء اسكتلندا إنها تدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي كما تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الاسكتلنديين البالغ عددهم خمسة ملايين يؤيدون أيضا هذا الرأي. لكن تصويت اسكتلندا سيجبه تصويت انجلترا التي بها 53 مليون نسمة يمثلون 84 بالمئة من سكان المملكة المتحدة. وقالت ستيرجون "في أنحاء المملكة المتحدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذه الحملة على المحك ولهذا أعتقد أن من المهم لحملة تأييد البقاء في الاتحاد أن تكون إيجابية." "إذا ما وصلنا لموقف صوتت فيه اسكتلندا على البقاء في الاتحاد بينما صوتت باقي أجزاء المملكة المتحدة للخروج منه فإن الناس في اسكتلندا سيكون لديهم أسئلة كبرى وسيريدون النظر مجددا في ما إذا كان على اسكتلندا أن تستقل." بحسب رويترز.
ورفض الاسكتلنديون الاستقلال عن المملكة المتحدة في استفتاء عام 2014 بنسبة 55 بالمئة مقابل موافقة 45 بالمئة لكن منذ ذلك الحين اكتسب الحزب القومي الاسكتلندي المزيد من القوة بحصوله في انتخابات مايو أيار على 56 مقعدا من أصل 59 مقعدا تمثل اسكتلندا في البرلمان في لندن. وقال أليكس سالموند رئيس الحزب القومي الاسكتلندي السابق إنه لا يقيم الاتفاق الذي أبرمه كاميرون. وقال "إذا تم إجبارنا على ترك الاتحاد الأوروبي ضد رغبتنا بأصوات انجلترا الأكثر عددا بكثير (في الاقتراع) فإن الضغط لإجراء استفتاء آخر على الاستقلال في اسكتلندا سيكون فكرة لا تقاوم وأعتقد أنه سينفذ بسرعة كبيرة."
من جانب اخر قال المفوض المالي للاتحاد الأوروبي بيير موسكوفيتشي إن المفوضية الأوروبية ليس لديها خطة بديلة إذا اختار الناخبون البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي مشيرا إلى أن المفوضية ستظل على هامش حملة الاستفتاء. وقال موسكوفيتشي "اليوم الذي نبدأ فيه الحديث عن خطة بديلة هو اليوم الذي نفقد فيه الثقة في خطتنا الأصلية. لدي خطة واحدة فقط. المملكة المتحدة في أوروبا متحدة." وأضاف موسكوفيتشي أن مفوضية الاتحاد الأوروبي لن تشارك في حملة الاستفتاء قائلا إن أي تدخل قد يأتي بنتائج عكسية.
وتابع "بالنسبة لي فإن من الحكمة عدم القيام بحملة ومحاولة فرض خيار على شعب له سيادة. الاستفتاءات (عملية) خطيرة خاصة بالنسبة لأوروبا." وحينما سئل عن الحملة التي بدأت بانضمام رئيس بلدية لندن بوريس جونسون إلى الأصوات المطالبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قال موسكوفيتشي إن هذه الخطوة قد تضر بصورة جونسون. وقال موسكوفيتشي إن أوروبا تواجه تحديات خطيرة مثل أزمة الديون اليونانية وأزمة اللاجئين الحالية لكن أوضح أن الحلول يجب أن تكون على المستوى الأوروبي.
اضف تعليق