الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الخبراء التي جرت في ايران، لاتزل محط اهتمام واسع داخل وخارج الجمهورية الاسلامية، خصوصا وان هذه الانتخابات قد شهدت تطورات مهمة، ربما ستسهم بتغير المعادلة الحالية في ايران التي تحررت اليوم الى حدا ما من هيمنة لتيار المتشدد كما يقول بعض المراقبين، حيث اسفرت هذه الانتخابات عن فقدان المحافظين للاغلبية التي كانوا يحظون بها. وبحسب بعض المصادر فان النتائج الحالية تظهر أن تغييرا حصل في صفوف الناخبين إذ تحولوا من التصويت لصالح المرشحين المتشددين إلى المرشحين المعتدلين، الأمر الذي يشير إلى بداية عهد جديد. ويضيف هؤلاء أن موقف الرئيس الإصلاحي حسن روحاني تعزز بشكل كبير وهو ما قد يمكنه من تنفيذ خططه الاصلاحية وخصوصا تلك المتعلقة بالحورمع الغرب.
وحقق أنصار روحاني نصرا ساحقا في أول انتخابات تجري في البلاد منذ توقيع اتفاقية البرنامج النووي مع القوى الكبرى. وشارك الملايين في انتخاب المتنافسين على 290 مقعدا برلمانيا بالإضافة إلى مجلس الخبراء الذي يعد أعلى هيئة دينية في إيران، ويختار أهم مسؤول رسمي في البلاد وهو المرشد الأعلى. وتمتد فترة المجلس لثماني سنوات، ولذلك سيكون له تأثير قوي وعلى مدى سنوات على السياسات الإيرانية.
ويرى بعض الخبراء ان قدرة التيار الاصلاحي وعلى الرغم من النتائج المهمة التي حققها في هذه الانتخابات، ربما ستكون محدودة وخصوصا فيما يتعلق بالسياسية الخارجية التي يحددها المرشد الأعلى يضاف الى ذلك قوة وتأثير التيار المحافظ المناهض للغرب والذي يسيطر وبشكل مطلق على بعض اهم المؤسسات في ايران، ومنها مؤسسة الحرس الثوري، التي تستمد مشروعيتها من قدسية منصب الولي الفقيه حيث تشير الإحصائيات أن الحرس الثوري يسيطر على 70% من ثروات البلاد. فهذه الثروات والإمكانيات الهائلة مكنت الحرس الثوري أن يتمدد ويؤثر في صناعة القرار في داخل وخارج إيران.
مكاسب كبيرة
وفي هذا الشأن حقق الرئيس الإيراني حسن روحاني وحلفاؤه مكاسب كبيرة في الانتخابات التي قد تزيد من انفتاح إيران على العالم بعد أن أنهت حكومته عقوبات استمرت عدة سنوات بموافقتها على تقليص برنامجها النووي. ومثلت أحدث النتائج الصادرة صفعة للمؤسسة الإسلامية المحافظة لكنها أبقت على نفوذ حاسم بسبب النظام المزدوج الفريد من نوعه في إيران المعتمد على حكم ديني وجمهوري. وأغلب المشرعين الذين لم ينجحوا في الاحتفاظ بمقاعدهم في البرلمان الجديد كانوا يعارضون بشدة الاتفاق النووي ومنهم مهدي كوجاك زاده الذي وصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف بأنه "خائن" وروح الله حسينيان الذي هدد بدفن المفاوضين تحت الاسمنت لموافقتهم على تقديم تنازلات للقوى العالمية.
وقالت صحيفة ماردوم سالاري التي فاز مدير تحريرها مصطفى كواكبيان بمقعد برلماني في طهران وفقا للنتائج الأولية في افتتاحيتها "هذه الانتخابات قد تكون نقطة تحول في تاريخ الجمهورية الإسلامية." وقال "الإنجاز الأكبر لهذه الانتخابات هو عودة الإصلاحيين إلى النظام الحاكم... حتى لا يصفهم أحد بعد الآن بأنهم من دعاة الفتنة أو متسللون" مشيرا إلى المتشددين الذين يتهمون الإصلاحيين بأن لهم صلات بالغرب.
وحصل روحاني وحلفاؤه الوسطيون والإصلاحيون على 15 من مقاعد طهران وعددها 16 مقعدا في مجلس الخبراء الذي يضم 88 مقعدا وفقا للنتائج النهائية في طهران. وخرج اثنان من المحافظين البارزين أحدهما رئيس المجلس. وتشير النتائج التي أعلنها وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فاضلي إلى فوز حلفاء الرئيس حسن روحاني بكل المقاعد الثلاثين المخصصة للعاصمة طهران في البرلمان. لكن مكاسبهم خارج العاصمة جاءت محدودة إذ أبقى المحافظون على العديد من المقاعد في المجلسين.
ويرى المحللون أن الانتخابات المتزامنة للبرلمان والمجلس تمثل لحظة حاسمة لإيران بعد سنوات من العزلة كما تمثل تصويتا بالثقة على حكومة روحاني وسياسة الوفاق التي يتبعها مع الغرب. وقال فاضلي "كانت انتخابات صحية وقانونية وجيدة جدا." وأضاف أن نسبة الإقبال بلغت 62 بالمئة ولم تحدث مخالفات تذكر. وأشاد الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي المناهض للغرب بشدة في أول تعليق له على الانتخابات بالإقبال الكبير. ولم يعلق بشكل مباشر على النتائج لكنه أشار إلى أن المجلسين المنتخبين حديثا يجب ألا يتأثرا بنفوذ الغرب.
وفقد محمد يزدي رئيس مجلس الخبراء المتشدد مقعده. وكذلك محمد تقي مصباح يزدي المحافظ البارز الذي كان ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره المرشد الروحي للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وكان الاستثناء القوي هو أحمد جنتي الذي جاء في المرتبة السادسة عشر. ويرأس جنتي كذلك مجلس صيانة الدستور وهو هيئة التدقيق الدينية التي قضت بعدم تأهل غالبية المرشحين الإصلاحيين لخوض الانتخابات.
وأظهرت النتائج النهائية كذلك أن النواب المحافظين الذين عارضوا عقود إيران الجديدة في قطاع النفط والغاز التي تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي وعارضوا كذلك الإصلاحات الاقتصادية التي اقترحتها حكومة روحاني خسروا مقاعدهم. ويقول محللون إن ذلك سيفتح الطريق أمام تغيير السياسات الاقتصادية مما سيشجع الاستثمار الأجنبي والتجارة مع الغرب ورجال الأعمال. وكان البرلمان كابحا لخطط روحاني لتقوية القطاع الخاص ومعالجة الفساد والترحيب بالاستثمار الأجنبي.
وقال الاقتصادي سعيد ليلاز الذي كان مستشارا للرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي "في الشؤون الاقتصادية سيكون البرلمان القادم أفضل بكثير من البرلمان الحالي." وأصدر خاتمي بيانا أشاد فيه بالإيرانيين لتحقيق هذه النتائج وطلب من المشرعين الجدد الدفع باتجاه التنمية الاقتصادية والمزيد من الحريات السياسية. واتهم حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان المقربة من خامنئي الإصلاحيين بمحاولة خلق ما وصفه بأنه "وهم النصر". وكتب يقول "هيكل نظام إيران الحاكم يضمن ألا يغير فصيل سياسي السياسات الأساسية المتجذرة في جوهر مبادئه. تصويت الشعب يقتصر على المسؤوليات المكفولة له بالدستور." بحسب رويترز.
ويضع النظام السياسي الإيراني نفوذا كبيرا في يد المؤسسة الإسلامية المحافظة ومنها مجلس صيانة الدستور الذي يدقق جميع القوانين التي يقرها البرلمان. ويشير إحصاء أداء قوي لمعسكر روحاني والمستقلين بحصول الإصلاحيين على 30 بالمئة من المقاعد والمحافظين على 40 بالمئة والمستقلين على 17 بالمئة وتجرى انتخابات الإعادة على 13 بالمئة من المقاعد. ومثل المشرعون الموالون للإصلاح أقل من عشرة بالمئة من الذين خرجوا من البرلمان. ويقول المحللون إن الأعداد الكبيرة للمستقلين قد تكون مؤثرة إذ أنهم قد يتعاونون مع حكومة روحاني. وستجرى انتخابات إعادة على 34 مقعدا في أواخر ابريل نيسان.
بين النصر والهزيمة
الى جانب ذلك وجه السياسي الإيراني البارز المؤيد للإصلاحيين أكبر هاشمي رفسنجاني رسالة على حسابه على تويتر شدّد فيها على أن أحدا لا يمكنه مقاومة إرادة الشعب. وقال رفسنجاني "لا أحد يمكنه مقاومة إرادة غالبية الشعب وعلى من لا يريده الشعب أيا كان أن يتنحى جانبا" في إشارة إلى المنافسة على الفوز بمقاعد مجلس النواب البالغة 290 ومجلس الخبراء البالغة 88.
وفي أول تعليق لآية الله علي خامنئي الزعيم الأعلى في إيران أشاد بالإقبال المرتفع على التصويت في انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء من دون الإدلاء بتصريح مباشر على النتائج. لكنه بدا في البيان كأنه يضع مبادئ يود أن تلتزم بها المؤسستان المنتخبتان.. وهو ما قد يعني أنه يتوجب عليهما ألا تتأثرا بالغرب. وقال خامنئي في بيان "التطور لا يعني الانجذاب نحو الاستكبار العالمي" وهو التعبير المستخدم في الإشارة إلى الولايات المتحدة.
وصدر تصريح أشد نبرة عن رئيس السلطة القضائية الإيرانية المحافظ آية الله صادق لاريجاني الذي اتهم الإصلاحيين بالعمل مع "وسائل إعلام أمريكية وبريطانية" لمنع من وصفهم بأنهم بعض من خدم الشعب من دخول المجلس المنوط به مهمة انتخاب الزعيم الأعلى للجمهورية الإسلامية. وسأل لاريجاني في بيانه الذي نشرته عدد من وكالات الأنباء "هل هذا النوع من التنسيق مع الأجانب والرامي لإبعاد هذه الشخصيات عن مجلس الخبراء يصب في صالح النظام؟"
وقال المتحدث باسم الحكومة نائب الرئيس محمد باقر نوبخت "لا يوجد لدينا أي شيء يدعى قائمة بريطانية، وإذا أراد أي شخص الحديث عن قائمة مماثلة، فهو في الحقيقة يهين مجلس صيانة الدستور". وكان مجلس صيانة الدستور أبدى موافقته على أهلية جميع المرشحين لانتخابات مجلسي الشورى والخبراء.
وأصدر الحرس الثوري الإيراني وهو مؤسسة عسكرية محافظة مقربة من خامنئي بيانا أشاد بحجم الإقبال على الانتخابات وقبل بنتيجتها ضمنا لكنه شدّد في الوقت عينه على الموقف المناهض للولايات المتحدة الذي يفضل مراعاته في السياسة المتبعة. وجاء في البيان "سيبذل الفائزون في الانتخابات أقصى جهودهم للدفاع عن كرامة إيران وقوتها واستقلالها وحل القضايا الأساسية للمجتمع والشعب وإلحاق الهزيمة بالاستكبار العالمي عبر وعيهم وحكمتهم" في إشارة إلى الولايات المتحدة. بحسب رويترز.
وقال روحاني "أظهر الشعب قوته من جديد ومنح حكومته المنتخبة مصداقية وقوة أكبر." وأضاف أنه سيعمل مع كل الفائزين في الانتخابات لبناء مستقبل البلد المصدر للنفط. ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن رفسنجاني حليف روحاني قوله "انتهت المنافسة وبدأت مرحلة الوحدة والتعاون .. مرحلة ما بعد الانتخابات هي مرحلة العمل الشاق لبناء البلاد." وقال فؤاد إزادي وهو أستاذ مساعد في كلية الدراسات الدولية بجامعة طهران إن تقدم الإصلاحيين بفارق كبير يرجع إلى نجاح روحاني في التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية ورفع معظم العقوبات التي كبلت اقتصاد البلاد طول العقد الماضي وكذلك نجاحه في إعادة العلاقات مع الغرب. وأضاف "إنه فوز ساحق في طهران ولكن بالنسبة للمدن الأخرى فإنه ليس واضحا بعد. إنه يفوق التوقعات."
اهتمام عربي
على صعيد متصل أبرزت صحف عربية بنسختيها الورقية والإلكترونية المكاسب التي حققها المعتدلون والإصلاحيون في انتخابات مجلس الخبراء الإيراني الذي يعين المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. ويرى بعض الكتاب أن سيطرة المعتدلين والإصلاحيين يمكن أن تسهم في تحسين العلاقات العربية-الإيرانية، بينما كتب آخرون عن إمكانية تقارب إيران مع الغرب على نحو يمكن أن يحدث خللاً في توازن القوى في المنطقة. وقال مازن حماد في الوطن القطرية إنه لا "يظن أن المرشد الأعلى علي خامنئي راض عن نتائج الانتخابات التشريعية التي جاءت بمجلس تشريعي إصلاحي".
وأضاف حماد: " لا يملك خامنئي إلا أن يبارك إرادة الشعب الذي دعم روحاني بقوة تكشف رفض الإيرانيين الانزلاق إلى متاهات الحروب الطائفية في المنطقة، ونحن على ثقة بأن الرئيس حسن روحاني لا يريد الحرب، فهو إصلاحي لا يقل اعتدالاً وعلماً عن خاتمي". وقال "نحن على ثقة بأن روحاني والمتبنين لرؤيته لا يقبلون بتأجيج العلاقات مع الجوار العربي السُني الذي دفعت إليه الإجراءات الإيرانية الطائفية الدامية في العراق وسوريا واليمن".
وكتب عبدالله بن بخيت في الرياض السعودية عن "ثورة الشعب الإيراني الحتمية القادمة". وأضاف أن هذه "الثورة ستكون النهائية لأنها ستوقظ الشعب الإيراني على حقيقته البشرية فيضطر أن ينضم إلى عصر العقل والأنوار كما فعل الشعب الفرنسي في قرن سابق". وقال الكاتب: "يمتلك الشعب الإيراني كل الأسباب التي ترشحه لأن يكون شعباً متقدماً مساهماً في الحضارة الحديثة، وماض عريق وموقع جيوسياسي مهم وثروات طبيعية، لا ينقصه إلا قيادة بشرية".
أما محمد خروب في الرأي الأردنية فقد تحدث عن محاولات "تشويه لسُمعة المُعتدلين". وقال خروب إن "اللافت هو مسارعة المحافظين برموزهم المعروفة التي تتبنى خطاباً متشدداً وتدّعي حرص أكبر على البلاد يقترب من احتكار الوطنية والحقيقة، الى تخوين الآخرين ونعتهم بأوصاف مُهينة وغير اخلاقية". وأضاف الكاتب أن ما يجري الأن من محاولات "تشويه لسُمعة المُعتدلين، فقط لأنهم فازوا ببعض المقاعد وربما بنسبة وازنة عندما تظهر النتائج ليس سوى مقدمة لهدر دمائهم وتصفيتهم واعطاء المبررات المُسْبَقة لما ينوون القيام به".
وقال فهمى هويدي في الشروق المصرية إن الانتخابات التي جرت في إيران تشى بتغييرات مهمة في موازين القوى، ولا مصلحة للعرب في أن يقفوا منها موقف المتفرجين". ويرى هويدي أن "رياح الاتجاه إلى الغرب تهب قوية" على إيران، وقال إنه وفقاً لاستطلاعات الرأي فإن "٨٠ في المائة من الإيرانيين يؤيدون ذلك الاتجاه". وأضاف هويدي: "في الوقت الراهن، فإن نتائج الانتخابات سيظل تأثيرها محصوراً في السياسات الداخلية، لأن السياسات الخارجية يقررها المرشد بمعنى أننا لا ينبغي أن نتوقع تغييرا يذكر في السياسة الخارجية الإيرانية في الأجل المنظور، إلا أن التغيير في موازين القوى إذا ظل يرجح كفة الإصلاحيين فإن تأثيره سيكون أوضح في الأجل البعيد".
وفى المقابل قال أمين قمورية في النهار اللبنانية إن دخول المزيد من النواب الإصلاحيين إلى البرلمان "لا يعني بالضرورة تعبيد الطريق للتغيير الفعلي". وكتب قمورية: "التقدم الذي أحرزه الإصلاحيون والمعتدلون في مجلس الشورى لم يفقد المحافظين مواقعهم النافذة لا في التشريع ولا في السلطة، وجميع النواب الفائزين اخضعوا قبل ترشحهم لفحص الأهلية "الثورية" و"الدينية" في ممر التفتيش الإلزامي للمحافظين في مجلس الرقابة على الدستور، وتالياً فإن خضوعهم للنظام مضمون وولاءهم له هو اولاً، والحكومة الحالية التي يقودها أبرز رموزهم، حسن روحاني، لم ترفع المنسوب المتدني للحريات ولم تحسّن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في البلاد ولم تتمكن من الإفراج عن زعماء "الحركة الخضراء" بعد مرور أكثر من أربع سنوات على وضعهم في الإقامة الجبرية". بحسب بي بي سي.
وأشاد عزيز الوالي في جريدة الوفاق الإيرانية - الصادرة بالعربية- "بالمشاركة الجماهيرية" في الانتخابات "التي فاقت حتى توقعات المسؤولين الإيرانيين". وقال إن "نعمة الأمان التي يعيشها الإيرانيون، والتي تجلت في يوم الانتخابات بشكل أكثر وضوحاً، كانت تستحق أن يتوقف امامها الصحفيون، ليكون رصدهم للمشهد السياسي الإيراني أكثر دقة وموضوعية، فلولا الأمن الذي يظلل المشهد السياسي الإيراني، لما امكن اجراء الانتخابات بتلك السلاسة التي جرت فيها".
اضف تعليق