زادت إدارة ترامب من انتقاداتها لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين التقليديين. واجتمع قادة الدول الأوروبية في باريس لمناقشة استراتيجيتهم بشأن أوكرانيا، إلا أنهم عبّروا عن انقسامات أيضا في شأن إرسال قوات حفظ سلام. وأعلنت الولايات المتّحدة أنّها وروسيا ستسمّيان فريقين تفاوضيين رفيعي المستوى من أجل رسم مسار لإنهاء النزاع...

قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا يوم الثلاثاء على عودة عمل بعثتيهما الدبلوماسيتين بصورة طبيعية وذلك بعد اجتماع حضره مسؤولون كبار من الولايات المتحدة وروسيا في السعودية.

وتشير هذه الخطوة على ما يبدو إلى تخفيف كبير في القيود التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على البعثة الدبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة بسبب غزو موسكو لأوكرانيا وغيرها من الإجراءات الروسية.

وتهدف محادثات الرياض إلى إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا وذلك بعد أن أمر الرئيس دونالد ترامب الذي تولى منصبه الشهر الماضي كبار المسؤولين ببدء المفاوضات.

وقال روبيو إن الجانبين اتفقا بصورة أولية على تشكيل فرق من المسؤولين "للعمل بسرعة كبيرة على استئناف عمل البعثتين".

وطردت الدولتان دبلوماسيين وفرضتا قيودا على تعيين موظفين جدد في بعثتي كل منهما في سلسلة من الإجراءات المتبادلة على مدى السنوات العشرة الماضية، مما أدى إلى انخفاض عدد الموظفين في سفارتيهما.

وقال روبيو إن هذه الإجراءات "قللت بالفعل من قدرتنا على العمل في موسكو" وإن روسيا ستقول الشيء نفسه عن بعثتها في واشنطن.

وأضاف روبيو لوكالة أسوشيتد برس "سوف نحتاج إلى بعثات دبلوماسية فعالة وقادرة على العمل بشكل طبيعي حتى نتمكن من مواصلة هذه القنوات".

وذكر أنه لن يتفاوض علنا بشأن كيفية استئناف البعثتين عملهما.

ولم ترد وزارة الخارجية الأمريكية حتى الآن على طلب للحصول على تفاصيل حول العمليات الحالية للبعثة الأمريكية في روسيا.

وأعلنت الولايات المتّحدة أنّها وروسيا ستسمّيان فريقين تفاوضيين رفيعي المستوى من أجل رسم مسار لإنهاء النزاع في أوكرانيا، وذلك عقب اجتماع بين وفدين من القوتين العظميين في الرياض الثلاثاء.

وعقد هذا الاجتماع على مستوى وزيري الخارجية، وكان الأبرز بين الطرفين منذ بدء بدء الغزو الروسي لأوكرانيا مطلع عام 2022، وغابت عنه أطراف أساسية معنية مثل كييف والأوروبيين.

واجتماع الرياض انتقده الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي طالب بمحادثات “عادلة” تشمل أطرافا آخرين، في حين يخشى قادة دول في الاتحاد الأوروبي من أن تؤدي إعادة رسم السياسة الأميركية حيال روسيا في عهد الرئيس دونالد ترامب إلى تقديم تنازلات كبيرة لموسكو وإعادة صياغة الترتيبات الأمنية في القارة.

وعلّق ترامب على الموقف الأوكراني بالقول “خاب أملي، سمعتُ أنّهم انزعجوا لأنهم لم يحصلوا على مقعد” إلى طاولة المحادثات، وأضاف “كان لديهم مقعد مدى ثلاث سنوات وقبل ذلك بأمد طويل”.

كما قال سيّد البيت الأبيض إنه “من المحتمل” أن يلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية الشهر الحالي.

من جهته، رحب الرئيس الروسي باستئناف الحوار الروسي الأميركي.

وفي حديثه للتلفزيون الروسي، قال بوتين إنه “قيم بشكل إيجابي” هذه المناقشات، مرحبا “بخطوة أولى”.

وأضاف “من دون تعزيز الثقة بين روسيا والولايات المتحدة، يستحيل حلّ مشكلات عدة، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية”.

كذلك، اتفق روبيو ولافروف على التفاوض بشأن أوكرانيا، بدون دعوة كييف أو الأوروبيين الذين يخشون التوصل إلى اتفاق خلف ظهورهم وضد مصالحهم.

ورأى بوتين أن الفريق الذي أرسله دونالد ترامب كان “منفتحا على عملية التفاوض” واتهم الأوكرانيين والأوروبيين بمعارضة المحادثات.

وأضاف “سأكون سعيدا بلقاء دونالد (ترامب) (…) وأعتقد أنه سيكون كذلك أيضا”، لكنه أوضح أنه لا يستطيع تحديد متى يمكن تنظيم اجتماع مماثل.

وقرّر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف بعد اجتماعهما في الرياض، تعيين فرق للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا، بحسب الخارجية الأميركية.

وقالت المتحدثة باسمها تامي بروس إن روبيو ولافروف اتفقا على “تعيين فرق رفيعة المستوى للبدء في العمل على مسار لإنهاء الصراع في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن بطريقة دائمة ومستدامة ومقبولة من جميع الأطراف”.

وقال روبيو للصحافيين بعد الاجتماع إن “الهدف هو إنهاء هذا الصراع بطريقة عادلة ودائمة ومقبولة لجميع الأطراف المعنية”، لافتا إلى أنّه على الاتحاد الأوروبي “الجلوس إلى طاولة” المحادثات بشأن أوكرانيا.

وأعرب الوزير الأميركي عن “قناعته” بأنّ روسيا راغبة في الانخراط في “عملية جادّة” لإنهاء الحرب.

من جهته، قال لافروف “أعتقد أنّ المحادثة كانت مفيدة للغاية. لم نستمع فقط بل أنصتنا لبعضنا بعضا، ولديّ سبب للاعتقاد بأنّ الجانب الأميركي فهم موقفنا بشكل أفضل”.

وحدّدت روسيا بعضا من شروطها لوضع حد للحرب التي تقترب من دخول عامها الثالث، مؤكدة أن وقف القتال غير ممكن من دون البحث في قضايا أمنية أوسع نطاقا على مستوى أوروبا.

وجدّد لافروف معارضة بلاده نشر دول حلف شمال الأطلسي الحليفة لأوكرانيا أيّ قوات على أراضيها.

وقال للصحافيين إنّ “ظهور قوات من القوات المسلحة من دول حلف شمال الأطلسي، ولكن تحت علم أجنبي أو علم الاتحاد الأوروبي أو تحت أعلام وطنية، لا يغيّر شيئا في هذا الصدد. هذا أمر غير مقبول بالنسبة إلينا بالطبع”.

بدوره، شدد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على أنّ “حلا مستداما وطويل الأمد مستحيل من دون أخذ القضايا الأمنية في القارة في الاعتبار بشكل شامل”.

وأقرّ بأن لأوكرانيا “الحق” في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، لكن ليس لحلف شمال الأطلسي.

وأوضح أنّ “الأمر مختلف تماما عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية والتحالفات العسكرية. مقاربتنا مختلفة هنا ومعروفة جيدا”.

ولاحقا، قال ترامب في دارته في مارالاغو إنه “يؤيّد بالكامل” نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا إذا أبرم صفقة مع روسيا تنهي حربها هناك، مشيرا إلى أنه لن يتعين على الولايات المتحدة المساهمة بأي قوات “لأننا، كما تعلمون، نحن بعيدون للغاية”.

وترغب روسيا منذ مدة في إعادة تنظيم البنية الأمنية في القارة الأوروبية وهي تدعو الناتو إلى سحب قواته من بلدان شرق أوروبا. ويرى الكرملين أن غزو أوكرانيا كان هدفه صدّ التهديد الوجودي الذي يمثله الحلف.

الفخاخ الروسية 

وأكدت الخارجية الأميركية أنّ الوزيرين اتفقا على وضع “آلية تشاور” لحلّ خلافات وتشكيل فرق “رفيعة المستوى” للتفاوض على إنهاء حرب أوكرانيا.

وانتقد الرئيس الأوكراني خلال زيارة لتركيا الثلاثاء اجتماع الرياض.

وقال زيلينسكي إنّ المحادثات “تجري بين ممثلين لروسيا وممثلين للولايات المتحدة، بشأن أوكرانيا، بشأن أوكرانيا مجددا، ومن دون أوكرانيا”.

ودعا إلى إجراء محادثات “عادلة” تشمل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وتركيا، بينما أرجأ زيارته التي كانت مقررة الى السعودية الأربعاء.

وناشدت وزيرة خارجية الاتّحاد الأوروبي كايا كالاس الثلاثاء الولايات المتّحدة “عدم الوقوع في الفخاخ الروسية”، محذّرة من أنّ موسكو قد تحاول زرع الشقاق بين الغربيين.

والمباحثات التي عقدت في الرياض كانت الأولى على هذا المستوى بين واشنطن وموسكو منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022.

وأتى الاجتماع بعد ثلاث سنوات من التجميد شبه الكامل للعلاقات، وقبل أسبوع من الذكرى الثالثة لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في وقت شغلت مكالمة ترامب الهاتفية مع بوتين الأسبوع الماضي الوسط الدبلوماسي.

وأعلن ترامب الأربعاء أنه سيعقد اجتماعه الأول مع بوتين في السعودية.

وأعربت الصين عن أملها في “مشاركة جميع الأطراف والجهات المعنية” في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا “عندما يحين الأوان”.

وفي الفترة الأخيرة، زادت إدارة ترامب من انتقاداتها لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين التقليديين.

واجتمع قادة الدول الأوروبية في باريس الاثنين لمناقشة استراتيجيتهم بشأن أوكرانيا، إلا أنهم عبّروا عن انقسامات أيضا في شأن إرسال قوات حفظ سلام.

من جهته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء أنّه سينظّم الاربعاء اجتماعا جديدا “مع دول عدة أوروبية وغير أوروبية” حول أوكرانيا.

ورغم المخاوف الأوروبية من استئناف حوار مباشر بين الرئيسين الأميركي الروسي خصوصا حول أوكرانيا، اعتبر ماكرون في مقابلة أن ترامب “يستطيع إعادة إطلاق حوار مفيد” مع بوتين، لافتا الى ان الرئيس الاميركي “يعيد إحداث التباس استراتيجي بالنسبة الى الرئيس بوتين” عبر استخدام “كلمات حازمة جدا”، الأمر الذي “يمكن أن يساعد في ممارسة ضغط” عليه.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الثلاثاء بعد اجتماع مع المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا كيث كيلوغ، إن الاتحاد الأوروبي يريد “التعاون” مع واشنطن من أجل سلام “عادل ودائم” في أوكرانيا.

جانب اقتصادي

وتطرّقت المباحثات الأميركية الروسية الى الجانب الاقتصادي، علما بأن واشنطن والأطراف الغربية تفرض عقوبات واسعة على موسكو على خلفية الغزو.

وأكد روبيو أنّ العلاقات بين واشنطن وموسكو يمكن أن تزدهر إذا انتهت الحرب في أوكرانيا. وقال للصحافيين “هناك فرص استثنائية للشراكة” مع روسيا، مضيفا أن “المفتاح لفتح تلك الفرص هو إنهاء هذا الصراع”.

وقال لافروف إنّ الوفدين أبديا “اهتماما كبيرا” برفع “الحواجز” الاقتصادية خلال محادثاتهما الثلاثاء، في إشارة إلى العقوبات الغربية.

وأوضح “كان هناك اهتمام كبير بإزالة الحواجز المصطنعة التي تعوق تطوير التعاون الاقتصادي ذي المنفعة المتبادلة” بين البلدين.

بدوره قال رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي كيريل دميترييف يوم الأربعاء إن الصندوق يتوقع عودة عدد من الشركات الأمريكية إلى روسيا في الربع الثاني من العام الجاري، وذلك بعد اجتماع أمريكي روسي بشأن حرب أوكرانيا.

وغادرت العديد من الشركات الغربية روسيا بعد غزوها لأوكرانيا في 2022، مما تسبب في تكبدها خسائر هائلة بعد بيع أصولها بخصومات كبيرة.

ووجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإجراء محادثات مع روسيا دون مشاركة أوكرانيا أو قوى أوروبية، ومناقشة خفض أسعار النفط الذي تعد روسيا من كبار مصدريه.

ونقلت وكالة تاس عن دميترييف قوله إن صندوق الاستثمار المباشر الروسي "يتوقع عودة عدد من الشركات الأمريكية إلى السوق الروسية في الربع الثاني من 2025".

وأضاف "لكن عودة الشركات الأمريكية لن تكون سهلة إذ تم بالفعل شغل الكثير من الفرص المتاحة".

وبعد أن فرض الغرب أقسى العقوبات على الإطلاق على واحدة من الاقتصادات الكبرى، تحركت روسيا سريعا للتحايل على القيود ونجح المنتجون المحليون في الاستحواذ على حصة في السوق كانت تسيطر عليها في السابق بعض الشركات العالمية الكبرى.

ووفقا لتقيرات دميترييف الذي عمل في جولدمان ساكس وماكنزي، خسرت الشركات الأمريكية 324 مليار دولار بسبب مغادرتها لروسيا التي تملك أكبر احتياطيات من الموارد الطبيعية في العالم.

وأطلع دميترييف رويترز على حسابات تظهر أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والإعلام في الولايات المتحدة خسر 123 مليار دولار بينما خسر قطاع المستهلكين والرعاية الصحية 94 مليار دولار، وخسر قطاع التمويل 71 مليار دولار.

وقال دميترييف لرويترز يوم الثلاثاء في الرياض "بيعت الكثير من الأصول بتقييمات ضئيلة للغاية، بخصم كبير".

وأقرت شركات غربية بخسائر بلغت 107 مليارات دولار بسبب خفض قيمة الأصول وفقدان إيرادات محتملة، وفقا لتحليل أجرته رويترز في مارس آذار 2024. وقالت أوكرانيا إن أي شركة لم تغادر روسيا تدعم المجهود الحربي لموسكو.

وقال دميترييف إن شركات النفط الأمريكية الكبيرة التي كان لها "أعمال ناجحة للغاية في روسيا" ستعود "في مرحلة ما".

وذكر ترامب عدة مرات أنه يرغب في أن تكون أسعار النفط أقل، ولتحقيق ذلك سيحتاج إلى مساعدة السعودية وروسيا، أكبر دولتين مصدرتين للنفط في العالم.

وقال كيريل دميترييف للصحفيين في الرياض "نرى حقا أن الرئيس ترامب وفريقه قادرون على حل المشكلات، أشخاص تعاملوا بالفعل مع عدد من التحديات الهائلة بسرعة كبيرة وكفاءة عالية ونجاح باهر".

ودميترييف مصرفي سابق في جولدمان ساكس تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، ولعب دورا في الاتصالات المبكرة بين موسكو وواشنطن خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى من 2016 إلى 2020.

وقال دميترييف "من المهم للغاية أن نفهم أن الشركات الأمريكية خسرت نحو 300 مليار دولار بسبب مغادرة روسيا. لذا فإن هناك خسائر اقتصادية ضخمة على العديد من البلدان بسبب ما يحدث الآن، ونعتقد أن الطريق إلى الأمام هو من خلال الحلول".

ضمانات أمنية لأوكرانيا

من جهته قال الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب إن الولايات المتحدة سألت العواصم الأوروبية عما يمكن أن تساهم به لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، وذلك وسط تصاعد الجهود الدبلوماسية لإيجاد سبل لإنهاء الحرب الأوكرانية مع روسيا الدائرة منذ ثلاث سنوات.

كانت أربعة مصادر أوروبية قد قالت في وقت سابق من يوم السبت إن واشنطن أرسلت وثيقة دبلوماسية توجه فيها أسئلة تشمل نشر قوات في المستقبل، وقال مصدران منهما إن الوثيقة أرسلت قبل أيام.

وقال ستوب لرويترز في مؤتمر ميونيخ للأمن "قدم الأمريكيون للأوروبيين الاستبيان بشأن ما يمكن فعله".

وأضاف "هذا سوف يجبر الأوروبيين على التفكير، وبعد ذلك يعود الأمر للأوروبيين لاتخاذ قرار ما إذا كانوا سيجيبون فعليا على الاستبيان".

كانت صحيفة فايننشال تايمز أول من ذكر أن واشنطن طلبت من حلفائها الأوروبيين تقديم معلومات عن الأسلحة وقوات حفظ السلام والترتيبات الأمنية التي يمكنهم تقديمها لأوكرانيا.

وقال دبلوماسي أوروبي اطلع على الوثيقة "من الواضح أن الفكرة هي معرفة كيف يرى الحلفاء الأوروبيون الإطار المحتمل للمفاوضات لإنهاء الصراع، والمشاركة المحتملة لأوروبا والولايات المتحدة".

وقال أحد الدبلوماسيين إن الوثيقة تتضمن ستة أسئلة، أحدها موجه خصيصا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد دعا في وقت سابق من يوم السبت إلى بناء جيش أوروبي، قائلا إن القارة لم تعد قادرة على ضمان الحماية من الولايات المتحدة ولن تحصل على احترام واشنطن إلا من خلال جيش قوي.

وأدى احتمال التوصل إلى تسوية سريعة للأزمة الأوكرانية إلى تركيز الأذهان في كييف وأوروبا على الحاجة الملحة إلى توفير ضمانات أمنية وعلى الدور الذي قد تلعبه أوروبا إذا تراجعت الولايات المتحدة عن دعمها لأوكرانيا وللقارة ككل.

وقال دبلوماسي ثالث إن "الأمريكيين يتواصلون مع العواصم الأوروبية ويسألون عن عدد الجنود التي يمكن أن تنشرها تلك الدول".

عقوبات اوربية

في المقابل وافق سفراء دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين الأربعاء على مجموعة جديدة من العقوبات ضد روسيا هي السادسة عشرة، وتتضمن حظر واردات الألمنيوم الروسي، وفق ما ذكر دبلوماسيون في بروكسل.

وقالت المصادر إن الحزمة تشمل أيضا تدابير جديدة تهدف الى الحد من صادرات النفط الروسية، ومن المقرر أن يعتمدها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي رسميا الإثنين الذي يصادف الذكرى الثالثة لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتأتي الحزمة الجديدة في وقت بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تواصلا مباشرا مع روسيا يشمل البحث عن سبل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، من دون إشراك أطراف أساسيين معنيين بها، خصوصا كييف والأوروبيين.

وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على منصة إكس “الاتحاد الأوروبي يضيّق الخناق بشكل أكبر على الالتفاف على العقوبات من خلال استهداف المزيد من السفن في أسطول الظل العائد (للرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وفرض حظر جديد على الواردات والصادرات”.

وتابعت “نحن مصمّمون على مواصلة الضغط على الكرملين”.

بدورها، رحبت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس بالحزمة الجديدة من العقوبات.

وأضافت عبر إكس “مع قيود أشد صرامة على الالتفاف (على العقوبات) وحظر جديد على الواردات والصادرات، وعقوبات على أسطول الظل لبوتين، نقوم بإغلاق الأبواب الخلفية التي تعمل على تشغيل آلة الحرب الروسية”، مشددة على أن “الكرملين لن يكسر عزيمتنا”.

وتطال العقوبات الأوروبية الجديدة قطاع الألمنيوم الروسي، إضافة الى تقييد إضافي على ما يعرف بـ”أسطول الظل”، عبر فرض عقوبات على 73 ناقلة إضافية تستخدم لنقل النفط الروسي الخاضع بدوره للعقوبات الغربية.

وسيقوم الاتحاد الأوروبي بفصل 13 مصرفا روسيا إضافيا عن نظام “سويفت” الدولي للتحويلات المالية، وإضافة ثماني وسائل إعلام روسية الى قائمة الوسائل التي يحظر عليها البث في أوروبا.

وتسعى أوروبا الى التحرك في مواجهة خطوة الجمهوري ترامب بالانفتاح على روسيا، على عكس السياسة الصارمة التي اتبعها سلفه الديموقراطي جو بايدن حيال موسكو منذ بدء غزو أوكرانيا.

وعقد مسؤولون روس وأميركيون يتقدمهم وزيرا خارجية البلدين، اجتماعا في الرياض الثلاثاء، كان الأول على هذا المستوى منذ بدء حرب أوكرانيا.

وعلى خلفية الموقف الأميركي الجديد من مسألة الحرب في أوكرانيا، عقد بعض قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعا في باريس الاثنين طبعته الانقسامات التقليدية بينهم رغم بعض التقاطعات.

وأكد مسؤولون أميركيون أن الاتحاد الأوروبي سيؤدي دورا في المباحثات الهادفة الى رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على موسكو.

ديكتاتور بلا انتخابات 

بدوره شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء جولة ثانية من الهجمات على نظيره فولوديمير زيلينسكي قائلا إنه “ديكتاتور بلا انتخابات” بعدما اتهمه الرئيس الأوكراني بالعيش “في مساحة من التضليل” الروسي، وهي انتقادات تثير مخاوف من حدوث قطيعة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا.

من جهته، رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء بالطبيعة “الإيجابية” للمباحثات الروسية-الأميركية التي جرت الثلاثاء في السعودية، وهي الأولى على مستوى وزارتي الخارجية الأميركية والروسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022.

ومن فلوريدا، كرر الرئيس الأميركي الأربعاء انتقاداته العنيفة التي وجهها في اليوم السابق، متهما زيلينسكي بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات” في تكرار لخطاب الكرملين، إذ لم تنظم أوكرانيا انتخابات رئاسية عام 2024 بسبب الحرب.

وكان زيلينسكي اعتبر قبل تصريحات ترامب أن الرئيس الأميركي “يعيش في مساحة من التضليل” إذ إنه يكرر تساؤلات الكرملين حول شرعية زيلينسكي والحرب.

من جهته، أكد فلاديمير بوتين الأربعاء، أن دونالد ترامب تلقى “معلومات موضوعية” منذ عودته إلى السلطة.

واتهم الرئيس الأميركي في تصريحاته التي أثارت صدمة في أوكرانيا، زيلينسكي بأنه لا يحظى بشعبية وانتقد عدم تنظيم الانتخابات وأكد “اختلاس” جزء من المساعدات الأميركية.

لكنّ فولوديمير زيلينسكي يحظى بثقة 57 % من الأوكرانيين، وفق ما أظهر استطلاع أجراه المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف مطلع شباط/فبراير ونُشر الأربعاء، وليس 4 % كما قال ترامب.

وانتهت ولاية الرئيس الأوكراني في أيار/مايو 2024، لكن أوكرانيا لم تنظم انتخابات بسبب الحرب والأحكام العرفية، بالإضافة إلى أن ملايين الأوكرانيين فروا إلى خارج البلاد فيما أصبحت 20% من الأراضي خاضعة للاحتلال الروسي.

وفي حين أكد ترامب أن واشنطن “قدّمت 350 مليار دولار” لأوكرانيا واتهم زيلينسكي بعدم معرفة “أين ذهبت نصف الأموال”، قدّر معهد كيل الاقتصادي المساعدات الأميركية ب114,2 مليار دولار منذ العام 2022.

وقال إيفان بانياس، وهو جندي يبلغ 51 عاما لوكالة فرانس برس في كييف الأربعاء “لدي انطباع بأن ترامب يخاف من بوتين”.

بدورها، قالت سفيتلانا أولكساندريفنا (65 عاما) التي تعيش أيضا في العاصمة الأوكرانية، إنها “فوجئت” بتصريحات دونالد ترامب وأضافت “إنه قوي جدا، رئيس بلد غني جدا وقوي جدا وما يقوله مماثل لما تقوله موسكو، كما لو أن الكرملين يكتب له كل شيء”.

ويأتي ذلك مع وصول المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا كيث كيلوغ إلى كييف.

وقال كيلوغ من العاصمة الأوكرانية “نتفهّم الحاجة إلى ضمانات أمنية. نحن واضحون للغاية بشأن أهمية ذلك في إطار سيادة” أوكرانيا.

معادن أوكرانيا أمام الاستثمار الأمريكي

بدورها نقلت وسائل إعلام تركية عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القول يوم الأربعاء إن الاقتراح الأمريكي بشأن صفقة معادن مهمة غير منصف لأنه لا يشمل ضمانات أمنية، مشيرا إلى أنه لا يريد أن تصبح أوكرانيا مركزا للمواد الخام.

وأرسلت كييف الأسبوع الماضي إلى واشنطن مسودة منقحة لاتفاق من شأنه أن يفتح موارد أوكرانيا الضخمة من المعادن الحيوية أمام الاستثمار الأمريكي من أجل المساعدة في كسب دعم الولايات المتحدة، وسط مخاوف في كييف إزاء المسودة التي قدمتها واشنطن قبل ذلك.

ونقلت وسائل إعلام تركية عن زيلينسكي القول بعد محادثات في أنقرة يوم الثلاثاء "قلت إن هذه الوثيقة ليست جاهزة، ولن نوقع عليها. استمروا في العمل على هذه الوثيقة".

وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن زيلينسكي قال "أنا منفتح دائما على استثماركم في بلدنا، وفي مواردنا الطبيعية... ولكن إذا كان علينا أن نعطي شيئا، فيجب أن نتلقى شيئا".

وأضاف "لا نريد أن نصبح مركزا للمواد الخام لأي قارة".

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يلتزم بمواصلة المساعدات العسكرية الحيوية لأوكرانيا، إنه يريد الحصول على معادن أرضية نادرة بقيمة 500 مليار دولار من كييف وإن دعم واشنطن لأوكرانيا يحتاج إلى "ضمان".

وتزامنت زيارة زيلينسكي إلى أنقرة مع اجتماع بين مسؤولين أمريكيين وروس في الرياض، دون مشاركة كييف، بشأن الحرب في أوكرانيا.

وكان زيلينسكي قد حدد الخطوط العريضة للاتفاق بشأن المعادن في مقابلة مع رويترز هذا الشهر. ويتعلق الاتفاق بأنواع نادرة من المعادن، فضلا عن التيتانيوم واليورانيوم والليثيوم وغيرها.

كما دعا زيلينسكي إلى بناء جيش أوروبي، قائلا إن القارة لم تعد قادرة على ضمان الحماية من الولايات المتحدة ولن تحصل على احترام واشنطن إلا من خلال جيش قوي.

وفي خطاب حماسي أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، قال زيلينسكي إن خطاب نائب الرئيس الأمريكي جيه.دي فانس في اليوم السابق أوضح أن العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة تتغير.

ومع اقتراب الحرب التي أشعلتها روسيا بغزوها لبلاده من دخول عامها الرابع، قال زيلينسكي "لنكن صادقين، الآن لا يمكننا استبعاد احتمال أن تقول أمريكا لا لأوروبا في القضايا التي تهددها".

وأوضح أن بناء جيش أوروبي، والذي سيشمل أوكرانيا، ضروري حتى "يعتمد مستقبل القارة على الأوروبيين فقط، ويتم اتخاذ القرارات المتعلقة بالأوروبيين في أوروبا".

وتتعاون الدول الأوروبية عسكريا في المقام الأول ضمن حلف شمال الأطلسي، لكن حكومات القارة ترفض منذ سنوات دعوات مختلفة لبناء جيش أوروبي موحد قائلة إن الدفاع مسألة سيادة وطنية.

وقال زيلينسكي إن كييف لن تقبل أبدا أي اتفاقات سلام يجري التوصل إليها دون علمها أو مشاركتها، وتوقع أن يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحضور عرض الذكرى السنوية لانتصار الحرب العالمية الثانية في موسكو في التاسع من مايو أيار "ليس كزعيم يحظى باحترام ولكن لمصدر دعم على أدائه الخاص".

وقال عدد من صناع السياسات الأوروبيين في ميونيخ إنهم يشعرون بأن إدارة ترامب لا تزال تشكل رأيها حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة الأوكرانية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن على أوروبا بكل الأحوال اتخاذ خيارات صعبة نظرا للمخاوف المتعلقة بزيادة انخراط الولايات المتحدة في أمن القارة.

وأضاف بارو للصحفيين "علينا الاستعداد. سيتعين علينا مواجهة أيام صعبة واتخاذ قرارات معقدة، بل وبذل تضحيات لم نكن نتوقعها من قبل للحفاظ على هذا الأمن".

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق