إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف والتطرف. وإذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها حماس في غزة ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد تؤدي نزعة أصولية متطرفة بين السكان الغاضبين إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة...
قال مسؤولون أمريكيون وعرب ودبلوماسيون ومحللون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة تمرد طويل ودموي إذا ألحقت الهزيمة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) واحتلت قطاع غزة بدون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدما نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أمريكيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات أن كل الأفكار، التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع، فيما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يُستنزف في عملية أمنية طويلة الأمد.
ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز عن رئيس إسرائيل إسحق هرتسوج القول إن إسرائيل لا يمكنها ترك فراغ في قطاع غزة وسيتعين عليها الإبقاء على قوة قوية هناك في المستقبل القريب لمنع حماس من العودة للظهور في القطاع.
وقال هرتسوج في مقابلة مع الصحيفة "إذا انسحبنا فمن سيتولى المسؤولية؟ لا يمكننا أن نترك فراغا. علينا أن نفكر في ما الذي ستكون عليه الآلية. هناك أفكار كثيرة مطروحة".
وتابع "لكن لا يوجد أحد يرغب في تحول هذا المكان، غزة، إلى قاعدة للإرهاب مرة أخرى".
وفي الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمحطة إيه.بي.سي نيوز إن إسرائيل "ولفترة غير محددة" ستتولى المسؤولية الأمنية في القطاع بعد الحرب لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك وقالت إن الفلسطينيين يجب أن يحكموا القطاع بمجرد إنهاء إسرائيل الحرب على حماس.
وأضاف هرتسوج للصحيفة أن الحكومة الإسرائيلية تناقش العديد من الأفكار بشأن سبل إدارة قطاع غزة بمجرد انتهاء الحرب، مشيرا إلى أنه يفترض أن الولايات المتحدة و"جيراننا في المنطقة" سيكون لهم بعض المشاركة في النظام الذي سيفرض بعد فترة الصراع.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الأربعاء إنه أوضح لنتنياهو أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإن احتلال قطاع غزة سيكون "خطأ كبيرا".
بدوره قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه أوضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن احتلال غزة سيكون "خطأ كبيرا".
وتابع بايدن للصحفيين أنه يبذل كل ما في وسعه لتحرير المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، لكن هذا لا يعني إرسال الجيش الأمريكي.
وسبق أن قال بايدن للصحفيين هذا الأسبوع إن رسالته إلى الرهائن هي "انتظروا، نحن قادمون"، مما أثار تساؤلات حول ما الذي كان يقصده.
وعندما طُلب منه توضيح التصريح، قال بايدن في مؤتمر صحفي "ما قصدته هو أنني أفعل كل ما في وسعي لإخراجكم. قادم لمساعدتكم، لإخراجكم. لا أقصد إرسال عسكريين إلى هناك... لم أكن أتحدث عن الجيش".
وقال بايدن إنه يواصل العمل على هذه القضية ولن يتوقف حتى يتم إطلاق سراح المحتجزين، ومن بينهم طفل أمريكي يبلغ من العمر ثلاث سنوات.
جيل جديد من المسلحين
وبينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال غزة، يرى بعض المسؤولين في واشنطن والعواصم العربية أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة سنوات من العنف والتطرف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها حماس في غزة ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد تؤدي نزعة أصولية متطرفة بين السكان الغاضبين إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية على ضرورة الإطاحة بحماس بعد هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز حوالي 240 رهينة. لكن لا يوجد إجماع على بديل يحل محلها.
وقالت الدول العربية وحلفاؤها في الغرب إن السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية، هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاما)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على غزة لصالح حماس في صراع عام 2007، وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطلع الأسبوع إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة. وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون عقب تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وقال محمد دحلان، الذي كان مسؤولا أمنيا في غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لصالح حماس واقتُرح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك، إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على غزة من شأنه أن ينهي الصراع.
وأضاف دحلان من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش الآن أن إسرائيل "هي قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال".
وأضاف أن قادة حماس ومقاتليها لن يستسلموا بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون عرب إن الإمارات تؤيد تولي دحلان إدارة غزة في فترة ما بعد الحرب. لكنه قال إنه لا يوجد أحد، ولا حتى هو نفسه، يرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة بدون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل وأمريكا والمجتمع الدولي، داعيا إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية حول حل الدولتين.
وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن نتنياهو يوم الأربعاء من أن احتلال غزة سيكون "خطأ كبيرا". ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خريطة طريق واضحة المعالم من إسرائيل بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حماس. ويضغط المسؤولون الأمريكيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلبات للتعليق على خطتها لما بعد الحرب في غزة. وتقول الأمم المتحدة والهلال الأحمر إن العملية التي شنتها إسرائيل في غزة ردا على هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول أدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون.
وبينما يصر بعض المسؤولين الأمريكيين على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يؤدي إلى تطرف المزيد من الفلسطينيين ويدفع مقاتلين جددا إلى أحضان حماس أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقا لمصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأمريكية.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت رويترز مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلا جديدا من المسلحين.
وذكر أبو محمد (37 عاما)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي.
وقال لرويترز رافضا الكشف عن اسمه بالكامل خوفا من الانتقام "أنا لست (عضوا في) حماس لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل... قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبدا بالأمان، ولا ليوم واحد".
محادثات بقيادة الولايات المتحدة
قال مسؤولان أمريكيان تحدثا شريطة عدم نشر اسميهما إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر عن خطة لما بعد الحرب في غزة لا تزال في مراحلها المبكرة.
وذكر مسؤول أمريكي كبير "من المؤكد أننا لم نصل بعد إلى مرحلة بذل أي جهد لترويج هذه الرؤية لشركائنا الإقليميين الذين سيتعايشون معها في النهاية وينفذونها.
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب "برؤية" لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات هو أمر بعيد المنال، لأسباب من بينها على وجه الخصوص الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين بعد الفظائع التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول، وكذلك الحالة المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في غزة.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات الأمريكية متخصص في شؤون الشرق الأوسط ويعمل حاليا في مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية "من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس أنه قوض القضية الفلسطينية بشكل أساسي وتسبب في انتكاسة (فيما يتعلق بمسعى) إقامة دولة مستقلة ذات سيادة".
ووفقا لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قرارا بشأن مبادرة أكثر تواضعا يمكن أن تشمل مسارا لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف. ويدرك مساعدو بايدن أن نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، ليس لديهما رغبة كبيرة في استئناف المحادثات.
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيسا العام المقبل، قد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في طوكيو خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلا إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع، أو أي تقليص لمساحته، أو احتلاله أو فرض إسرائيل حصارا عليه. وقال أيضا إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مرارا أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية "بعد تنشيطها" تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بشكل موحد مع الضفة الغربية.
وتضاءلت مصداقية السلطة الفلسطينية في عهد عباس، الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير. وصرح بعض الدبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكنا مع بقاء عباس في منصب شرفي. وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دورا رئيسيا في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في غزة لإحياء شرعيتها.
وردا على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة إلى غزة هي السيناريو الوحيد المقبول وسيُناقَش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. ورفض التعليق على اقتراح تولى دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال بعض من كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء محمد أشتية، إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، خوفا من الانجرار إلى ما تعتبره مستنقع غزة.
وتخشى القوى الإقليمية من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أمريكي إن واشنطن سيكون لديها بعض الشكوك بشأن عودته إلى السلطة. فهناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار حماس أيضا.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات والقمع ضد كبار قادة حماس في عام 1996 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل.
وقال مسؤول إماراتي إن أبوظبي ستدعم أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار وتحقيق حل الدولتين.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة فتح المسجون في إسرائيل منذ عام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحا غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق سراح شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء".
وقال مسؤول أمريكي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقدا لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية "من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب للغاية".
وقال إن الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز حماس، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات على الأرجح.
وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى خارج إسرائيل.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول مساعدوه إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع، ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها الإقليميون المصالح الأمنية الأمريكية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض للصحفيين هذا الشهر "لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أمريكية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل".
من سيقبل الحكم غزة بدبابة إسرائيلية؟
من جانبه، قال نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة الذي وصل بدعم من حركة حماس لوكالة الأنباء الفرنسية إن الأمور بعد نهاية الحرب في غزة ستكون على شكل "إدارة مدنيّة وحكم عسكري بوجود مجتمع دولي، والسلطة الفلسطينيّة ستكون جزءا من الإدارة المدنيّة لمنطقة محترقة".
لكنه يضيف "لا أعتقد أن أحدا يقبل بأن يذهب في هذه الظروف لإدارة غزة، ولا يوجد فلسطينيّ، ولا يوجد عاقل، يقبل بأن يعود على دبابة أمريكية أو ميركافا إسرائيلية".
ومن جهته، أعلن القيادي في حركة حماس في لبنان أسامة حمدان أن الحركة لن تقبل بـ"وصاية" على قطاع غزة، رافضا خطط "عزل" حماس.
وقال حمدان في مؤتمر صحفي "للذين يظنون أن حماس ذاهبة، ستبقى حماس ضمير شعبنا وتطلعاته ولن تستطيع قوة في الأرض انتزاعها أو تهميشها"، مضيفا أن "مخططات أمريكا والاحتلال أحلام وجزء من حرب نفسيّة نرجو ألا يتورط بها أحد".
هذا، وصرح حمدان الذي يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قائلا "نعرف أن هناك من يبحث مع قادة في السلطة ومع قادة في المنطقة مرحلة ما بعد حماس، هذه حرب معنوية يخوضها الاحتلال تكمّل الحرب على الأرض في غزة وفي الضفة وفي كل مكان".
وأضاف "إذا أردتم التحدث في مرحلة ما بعد حماس، فهذا (يعني التحدث بمرحلة) ما بعد الشعب الفلسطيني، يعني ما بعد فلسطين".
أما حركة الجهاد الإسلامي التي تساند حماس في قطاع غزة، فرفضت بدورها أي سلطة مستقبلية ستفرض هناك.
وقال نائب الأمين العام للحركة محمد الهندي من بيروت "يتحدثون عن قوات دولية أو قوات عربية لتحكم غزة، هل يستطيع أحد أن يحكم مدينة بكل هذا الوجع وكل هذا الدمار؟ ثم أن تأتي قوات دوليّة لتحكم غزة لصالح الاحتلال، سيعتبرها الشعب الفلسطيني قوات احتلال بلا أدنى شكّ وسيُقاتلها".
وأضاف "يتحدثون عن السلطة الفلسطينيّة. تأتي سلطة فلسطينيّة على ظهر دبّابة إسرائيليّة بعد كلّ هذه المجازر لتحكم قطاع غزة؟ كيف؟ من سيبني هذه المدن التي دُمّرت؟ (خطة) مارشال جديد لا تستطيع أن تبنيها"، في إشارة إلى الخطة الأمريكية التي وضعت لمساعدة أوروبا الغربية عقب الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية.
ومن جانبه، يطرح رئيس الحكومة الفلسطيني السابق سلام فياض حلا يقوم على إدراج حركتي حماس والجهاد الاسلامي في منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم تشكيل حكومة تُوافق عليها منظمة التحرير الموسّعة، بحيث تتحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة والضفة الغربية خلال فترة انتقالية، ومن خلال "تفاهمات أمنية صارمة" مع إسرائيل.
غباء سياسي
ويقول أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة غزة جمال الفاضي "أعتقد أن الحديث اليوم وربما الحراك الدبلوماسي الكبير الذي يقوده وزير الخارجية الأمريكي حول ما بعد حماس في قطاع غزة، هو محاولة لاستطلاع مواقف كل أطراف دول المنطقة والسلطة الفلسطينية، وهو ناتج عن خشية الولايات المتحدة من عدم وجود خطة استراتيجية وتصوّر ما لإسرائيل حول غزة".
ويشير إلى أن "السلطة الفلسطينية تريد حلا تكون حماس جزءا منه أو على الأقلّ تُوافق عليه، وغير ذلك سيكون تورطا في حرب أهلية أو صراع داخلي جديد".
أما مدير الهيئة الأهليّة الفلسطينية لاستقلال القضاء ماجد العاروي فيرى أنه من "الغباء أن يَقع أيّ فلسطيني في شرك البحث في شكل حُكم غزة بعد الحرب".
ويضيف "كلّنا نعلم كيف بدأت الحرب، لكن لا أحد يعلم كيف ستنتهي، ولا متى ستنتهي، ولا على أي أرض سوف تنتهي".
ويتابع "الحديث الآن عن اقتسام الكعكة، خصوصا من جانب الفلسطينيّين، أمر فيه درجة من الغباء السياسي وخوض في أمور افتراضيّة غير معلومة النتائج".
مقترحات اوربية
من جهته قدم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مقترحات تتعلق بإدارة قطاع غزة في فترة ما بعد الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ودعا الدول العربية إلى لعب دور أكبر في الإدارة الفلسطينية للقطاع في المستقبل.
وقال بوريل، الذي يتوجه إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية ودول أخرى مجاورة هذا الأسبوع، إنه يتعين التفكير فيما سيحدث بعد الحرب، حتى مع احتدام القتال.
وأضاف أن المجتمع الدولي أخفق "سياسيا وأخلاقيا" في التوصل إلى تسوية دائمة للصراع الممتد منذ فترة طويلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأن الوقت قد حان لتعزيز الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل الدولتين.
وفي حديثه للصحفيين بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، قدم بوريل مقترحاته المتمثلة في الاعتراض على ثلاثة أشياء والموافقة على ثلاثة أخرى.
اعترض بوريل على أي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة أو عودة الجيش الإسرائيلي لاحتلال القطاع بصورة دائمة أو تغيير مساحته، إلى جانب الاعتراض على عودة حماس.
وقال إنه ينبغي أن تكون هناك "سلطة فلسطينية"، والتي اقترح أن تكون نسخة "معززة" من السلطة الفلسطينية الحالية التي تدير الضفة الغربية، "مع شرعية يحددها ويقررها مجلس الأمن (التابع للأمم المتحدة)".
وطالب بوريل الدول العربية بالمشاركة بقوة في دعم هذه السلطة الفلسطينية، كما شدد على ضرورة أن يشارك الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر في المنطقة، خاصة في إقامة دولة فلسطينية.
وقال بوريل "لن يكون هناك حل دون التزام قوي من الدول العربية، ولا يمكن أن يقتصر ذلك على المال. لا يمكنهم فقط دفع... تكاليف إعادة الإعمار المادي".
وتابع "يجب أن تكون هناك مساهمة سياسية في بناء دولة فلسطينية".
ولا يلعب الاتحاد الأوروبي دورا دبلوماسيا بارزا في الأزمة الحالية، لكنه يتمتع ببعض النفوذ في المنطقة، ولا سيما باعتباره أكبر جهة تمنح مساعدات للفلسطينيين.
وقال بوريل "لقد كنا غائبين لفترة طويلة. لقد فوضنا حل هذه المشكلة إلى الولايات المتحدة... لكن يجب على أوروبا أن تشارك بصورة أكبر".
اضف تعليق