تطورات جديدة تشهدها الساحة السياسية في بريطانيا جاءت بعد الفوز الكبير وغير المتوقع لليساري جيرمي كوربن بزعامة حزب العمال، وهو ما سيشكل ضغطاً إضافياً على استراتيجية وخطط رئيس الوزراء البريطاني دايفد كاميرون فيما يخص بعض القضايا الداخلية والخارجية، ففوز اليساري جيرمي كوربن الكاسح بزعامة "حزب العمال" وكما تنقل بعض المصادر، أحدث هزة سياسية في بريطانيا خصوصا وان الكثير عده مرشحا هامشيا في المنافسة، التي اشترك فيها أندي بيرنام، وأيفيت كوبر وليز كندال. وكوربن الذي قضى نحو 32 سنة في البرلمان، معروف بمواقفه اليسارية، ومناهضته، ليس لحكومة حزب المحافظين فحسب، بل حتى لحزبه عندما كان في السلطة، حيث صوت ضد قرارات الحزب أكثر من 500 مرة.
ويرى بعض الخبراء ان هذه التطورات ربما قد تسهم بتعقيد المشهد السياسي في بريطانيا، وقد تكون سببا في بروز بعض المشكلات والانقسامات في بريطانيا او في داخل صفوف حزب العمال، ففي الوقت الذي عبر فيه أنصار كوربن بصخب عن فرحهم، استقبل اعلان فوزه بالخيبة لدى جزء من المشاركين في مركز كوين اليزابيث الثانية للمؤتمرات في لندن حيث انعقد المؤتمر الاستثنائي لحزب العمال. ولا يخفي أعضاء في حزب العمال البريطاني مخاوفهم من أن يؤدي وجود كوربين على رأس الحزب، إلى تصدع داخلي قد يقود في النهاية إلى اضعاف الحزب اليساري أمام حزب المحافظين الخصم التقليدي والممسك حاليا بزمام الحكم في بريطانيا والحريص على أن لا يسقط مجددا. وحذرت الوزيرة السابقة في إدارة بلير مارغريت بيكيت قائلة "حزبا مقسوما حزب لا يفوز" منتقدة ضمنيا اسلوب كوربن "المتمرد".
وكوربن يمثل اليوم وبحسب بعض المصادر الاعلامية عقبة كبيرة أمام سياسة كاميرون فيما يخص العديد من القضايا الحساسة واهمها خياراته العسكرية في سوريا، ولا سيما في مسعاه المتواصل للحصول على تفويض برلماني بشأن توسيع مشاركة بْريطانيا في ائتلاف ضد داعش يشمل سوريا، إلى جانب العراق. ولا شك في أن التغييرات الداخلية التي تشهدها بْريطانيا سترسم ملامح مرحلة جديدة. لكنْ تبقى لغة المصالح هي المحرك الاساسي للسياسة الخارجية البْريطانية. فشعار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل يبقى دائماً سيد السياسة البْريطانية في أي زمان ليس لبْريطانيا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون.
فوز كبير
وفي هذا الشأن انتخب جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال البريطاني المعارض في خطوة قد تجعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أكثر ترجيحا وقال عنها رئيس وزراء عمالي سابق إنها قد تنفر الناخبين من الحزب. وقوبل فوز كوربين المعجب بآراء كارل ماركس بالهتاف من مؤيديه داخل القاعة وأشاد به راديكاليون في مناطق مختلفة من أوروبا.
وبعد فوزه الذي لم يكن متوقعا منذ دخوله مضمار المنافسة قال كوربين البالغ من العمر 66 عاما "الأشياء يمكن أن تتغير .. وستتغير." وحصل كوربين على 251417 صوتا تمثل 59.5 في المئة من الأصوات من الجولة الأولى مسجلا فوزا أكبر مما تصوره أحد. وقال "أقول لكم شكرا مقدما على عملنا جميعا معا لتحقيق انتصارات كبرى.. ليس فقط انتصارات انتخابية للعمال.. ولكن انتصارات معنوية لمجتمعنا بأسره كي نظهر أننا لسنا مضطرين لأن نكون غير متساوين ولسنا مضطرين لتقبل عدم الإنصاف وأن الفقر ليس أمرا حتميا."
وكوربين معارض قوي للضربات العسكرية في سوريا مما يعني أنه سيصعب على رئيس الوزراء ديفيد كاميرون كسب تأييد برلماني لقصف أهداف تابعة لتنظيم داعش هناك يعتبرها خطرا على الأمن البريطاني. وقال أمام حشد تجمع لتأييد اللاجئين السوريين بعد ساعات من فوزه "في أوقات يكثر فيها اللغط وتشتد فيها الحماسة تتخذ قرارات: إذهب هناك.. اغز هنا.. إقصف هناك.. إفعل هذا.. إفعل ذاك. "هناك الكثير من النصائح العسكرية وهناك أيضا الكثير من الحلول البسيطة السهلة. الحروب المأساوية لا تنتهي بإطلاق آخر رصاصة أو إلقاء آخر قنبلة." بحسب رويترز.
ويعكس فوز كوربين تأييدا متناميا لحركات اليسار في أنحاء أوروبا إذ فاز ائتلاف اليسار الراديكالي (سيريزا) بانتخابات اليونان في يناير كانون الثاني ويبدي حزب بوديموس (قادرون) الأسباني المناهض لسياسات التقشف أداء جيدا في استطلاعات الرأي. وأشاد الحزبان بفوز كوربين. وفوز كوربين كان مستبعدا ولم ينل تأييد المشرعين من حزب العمال لدخول المنافسة على زعامة الحزب إلا لإثراء النقاش السياسي. واقترح كوربين فرض ضرائب على الثروات وشاب الغموض موقفه إزاء عضوية الاتحاد الأوروبي.
كوربن يهاجم الحكومة
على صعيد متصل بدأ جيريمي كوربن معركته ضد حكومة المحافظين بادانة خطتها للحد من الحق في الاضراب التي سيناقشها البرلمان وتثير استياء النقابات. وقال كوربن في مقال في صحيفة ديلي ميرور الاقرب الى اليسار ان المحافظين "يهاجمون العمال بمشروع قانون سيجعل من الصعب على الموظفين تشكيل نقابة وعلى النقابيين القيام باضرابات دفاعا عن وظائفهم واجورهم وتقاعدهم".
ووجد كوربن في مشروع القانون الذي قدمته حكومة ديفيد كاميرون مادة مثالية لفرض خطه واسلوبه ليؤكد انه يساري ومحارب وخصوصا بشأن موضوع يلقى اجماعا داخل حزب يحاول تجميعه من جديد. وقال زعيم اكبر احزاب المعارضة البريطانية ان "بريطانيا لديها اصلا القوانين النقابية الاكثر تقييدا في اوروبا الغربية"، وذهب الى حد الحديث بشكل غير مباشر عن شبح "دكتاتورية فاشية".
ويتضمن مشروع القانون حول النقابات اصلاحات عدة بينها مراقبة الاموال التي تدفع لها. لكنه يشدد خصوصا الشروط المسبقة لوقف العمل وذلك بعد اسابيع على اضرابين اديا الى شلل حركة قطارات الانفاق. وينص المشروع على ضرورة ان يسبق اي اضراب تصويت تشارك فيه غالبية العمال المعنيين بينما لا يوجد اي نصاب لذلك حاليا. وفي بعض القطاعات التي تعتبر استراتيجية بما فيها النقل، يجب ان يعبر اربعون بالمئة على الاقل من الموظفين عن تأييدهم للاضراب قبل القيام به.
وقال وزير العمل نيك بولز ان "الناس الذي يعملون يحتاجون لمعرفة ما اذا كانوا يستطيعون العيش بشكل طبيعي بدون اي اضطرابات غير مبررة". واضاف ان "هذه الاصلاحات التحديثية ستضمن عدم قيام اضرابات بدون قرار واضح ومؤيد وجديد" للموظفين. ورأى براين بيل استاذ الاقتصاد في اوكسفورد ان عرض هذا القانون مرتبط بفرصة سياسية. وقال ان "المحافظين يؤيدون تاريخيا تقليص سلطة النقابات لكنهم لم يتمكنوا من التحرك بين 2010 و2015 لانهم كانوا يحكمون في اطار تحالف مع الليبراليين الديموقراطيين الذين لم يكونوا يرغبون في ذلك".
واضاف انهم يحكمون بمفردهم الآن منذ فوزهم الساحق في ايار/مايو الماضي "ويتمتعون بكامل الحرية". لكنه رأى ان القانون "لن يكون له تأثير اقتصادي كبير"، مؤكدا ان عدد ايام الاضراب في البلاد اقل بكثير من تلك التي سجلت في سبعينات القرن الماضي. اما النقابات واكبرها قريبة من حزب العمال، فقد اعلنت حالة استنفار ضد هذه التغييرات. ورأت الامينة العام لمؤتمر الاتحادات النقابية (تي يو سي) فرنسيس اوغريدي في هذا المشروع اسوأ هجوم على الحركة النقابية منذ ثمانينات القرن الماضي والسياسة اليمينية لرئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر. بحسب فرانس برس.
وقالت اوغريدي ان "مشروع القانون يهدد حق الاضراب وسيسمح للشركات بتوظيفات مؤقتة لكسر الاضرابات وسيفرض قيودا كبيرة على الاضرابات والتظاهرات". ويأتي ذلك بينما يعقد هذا الاتحاد النقابي مؤتمره وسط اجواء حماسية بعد فوز كوربن. وادى فوز كوربن الى زلزال حقيقي في عالم السياسة. وقد تطرقت الصحف بشكل واسع الى التعيينات التي قررها لحكومة "الظل" التي يرئسها. وفي مؤشر الى بقائه وفيا لموقفه ضد التقشف، عين كوربن احد المقربين منه جون ماكدونل في منصب وزير المال في حكومة الظل. وبما انه يسعى الى لم شمل حزب العمال حيث يشعر ورثة رئيس الوزراء الاسبق توني بلير بخيبة الامل، عين كوربن احد خصومه في السباق لقيادة الحزب اندي بورنام وزيرا للداخلية في حكومة الظل.
انقسامات داخلية
الى جانب ذلك قال توم واتسون نائب رئيس حزب العمال البريطاني المعارض إن الحزب يجب أن يتحد خلف رئيسه الجديد جيريمي كوربين فيما كشف عن اختلافه في الرأي مع كوربين في السياستين الدفاعية والخارجية. وقال واتسون -الذي انتخب نائبا لكوربين- لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "أتفهم قلق زملائي في البرلمان. هذا تغيير كبير في الحزب وليست هناك جدوى من انكار أن هذه إعادة ترتيب سياسية ضخمة أيضا ولكن جيريمي كوربين يتمتع بتفويض كبير من أعضاء حزبنا. "اقول لزملائي... احترموا التفويض الذي حصل عليه من أعضائنا وحاولوا التوحد."
وتابع أنه ليست هناك فرصة مطلقا للانقلاب على كوربين ولكنه اعترف بأنه ستكون هناك خلافات يجب تجاوزها بشأن السياسة والتي قال إنها ستطرح لكي يصوت عليها أعضاء الحزب. ويعارض كوربين اليساري المناهض للحروب تجديد برنامج الغواصات النووية البريطانية المزودة بصواريخ ترايدنت كما يدعو للانسحاب من حلف شمال الأطلسي. وقال واتسون "أريد أن أكون واضحا في موقفي بشأن هذه الأمور. أعتقد أن حلف شمال الأطلسي حافظ على السلام في اوروبا لنصف قرن."
وأضاف "سأكون متفاجئا للغاية إذا كان التفويض الذي منحه معظم أعضاء (الحزب) لكوربين هو ببساطة بشأن مستقبل حلف شمال الأطلسي" مشيرا إلى أن اتخاذ قرار بشأن مثل هذه السياسات يجب أن يوضع بيد أعضاء حزب العمال. وقال "سأقنعه بمزايا حلف شمال الأطلسي.. يجب حل هذه الأمور." بحسب رويترز.
وعبر واتسون الذي يدعم تجديد برنامج ترايدنت إنه يدعم أيضا بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي سيجري بهذا الشأن بنهاية عام 2017. وسعى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون سريعا لاستغلال آراء كوربين المتعلقة بالسياسة الخارجية قائلا إن كوربين يمثل خطرا على أمن بريطانيا مسلطا الضوء على اجتماعاته في الماضي مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله اللبناني الشيعي وهي أمور دافع عنها كوربين قائلا إنها ترمي إلى جمع عدد كبير من وجهات النظر.
أسرار كاميرون
من جانب اخر يسلط كتاب "سيرة غير مرخص لها" للملياردير "لورد آشكروفت" والذي يصدر في تشرين الأول/أكتوبر، الضوء على حياة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال دراسته الجامعية، ويتهمه بتعاطي المخدرات والمشاركة بحفلات جنسية في تلك الفترة. ونشرت مقتطفات أولى من الكتاب الذي وضعه الملياردير "لورد آشكروفت"، النائب السابق لزعيم حزب المحافظين، في صحيفة "ديلي ميل" وقد أثارت ضجة كبيرة على شبكة الإنترنت.
وفي الكتاب إشارة إلى أن كاميرون "أدخل عضوه الجنسي" في فم خنزير نافق خلال سهرة أقامتها جمعية سرية في أوكسفورد، تعرف باسم "بيرس غافيستون" المتخصصة في "الطقوس الغريبة والخلاعة الجنسية". ورفضت رئاسة الحكومة البريطانية التعليق على محتويات هذا الكتاب. وذكرت "ديلي ميل" أن "السيرة السياسية هذه هي الأكثر إثارة في العقد الحالي" وستخلف ضجة. واعتبرت صحيفة "ذي غادريان" في المقابل أنها لا تستحق هذه التسمية وستكون "مجرد إزعاج لكاميرون" إذ أن "غالبية المعلومات السلبية المنشورة معروفة من الآن وهي لا تحمل أي مفاجأة أو عواقب فعلية".
ويقر لورد آشكروفت، وهو رجل أعمال ثري ومقرب جدا من المحافظين، أنه كتب "كال مي دايف" ، انتقاما لأنه "لم يحصل على المنصب المهم الذي وعده به" كاميرون بعد انتخابه العام 2010. وهو يعزز شهادة زميل دراسة سابق لرئيس الوزراء الذي أكد أنه تناول الحشيشة معه. وقال هذا المصدر إن كاميرون كان من ضمن مجموعة من مدخني الحشيشة تدعى "فلام كلوب" في أوكسفورد. بحسب فرانس برس.
واكتفى رئيس الوزراء البريطاني ردا على أسئلة كثيرة حول المسألة في الماضي بالقول، إنه مر "بالتجارب التقليدية لأي طالب". وجاء في الكتاب الجديد أن ديفيد كاميرون كان يتمتع "بشعبية كبيرة في أوساط النساء عندما كان طالبا في أوكسفورد، وكان عضوا في نادي "بولينغدون" المخصص للنخبة الثرية والمعروف عن أعضائه إفراطهم في استهلاك الكحول. ويؤكد "لورد آشكروفت" أيضا، أن كاميرون كان علم اعتبارا من 2009 بأنه غير مقيم ضريبيا في بريطانيا، في حين يؤكد رئيس الوزراء أنه لم يطلع على الأمر إلا في 2010 بعد انتخابه للمرة الأولى رئيسا للوزراء. ويعتبر آشكروفت أحد كبار المتبرعين للحزب المحافظ الذي كان أمينا لخزينته ونائبا سابقا لرئيسه.
اضف تعليق