يخشى العديد من الخبراء من تفاقم الأزمة الحالية في تركيا، التي تعيش في وضع امني وسياسي صعب بسبب السياسات والقرارات الفاشلة، التي يتخذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسعى الى إحكام سيطرته المطلقة على البلاد، خصوصا بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية الذي فشل في تحقيق أغلبية مريحة في الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، هو ما دفع أردوغان الى خلق أزمات جديدة مع معارضيه ومنتقديه في سبيل قلب الموازين وتصيح الأوضاع الحالية، وقد عد البعض من المراقبين قرار استئناف العمليات العسكرية حزب العمال الكردستاني وإعلان أنقرة انخراطها في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، في هذا الوقت بذات بأنه خطة مدروسة وعمل دعائي من قبل الرئيس بهدف تحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات المبكرة، التي تعد وبحسب بعض المصادر فرصة جديدة لأردوغان من أجل الحصول على أغلبية تتيح لحزبه تعديل الدستور لمنح الرئيس مزيدا من الصلاحيات بما يحول النظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي.
وفي الوقت الذي تشتد فيه المعارك بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني في جبهات القتال جنوب شرق تركيا، تزاد حده التوتر بين السياسيين الأتراك والأكراد في الأروقة السياسية في العاصمة أنقرة هو ما قد يسهم بتفاقم الخطر، الذي قد يؤدي وكما يقول البعض الى اندلاع حرب أهلية في تركيا خصوصا مع وجود أطراف وجهات وتنظيمات تسعى الى إثارة الفوضى وتأجيج الأزمات.
حرب أهلية
وفي هذا الشأن حذر حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد من انزلاق تركيا إلى "حرب أهلية"، إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان رد بعنف متهما زعيم الحزب صلاح الدين دمرتاش "بالتحدث بلغة الإرهاب". وقال زعيم الحزب صلاح الدين دمرتاش "خلال اليومين الأخيرين كان هناك أكثر من 400 هجوم (ضد حزب الشعوب الديمقراطي والأكراد) إننا نتعرض لحملة من التعديات والهجمات". وصرح دمرتاش قائلا إن "حملات الهجمات هذه تديرها يد واحدة هي يد الدولة (...) إنهم يريدون إشعال حرب أهلية وما يجري منذ يومين تكرار لها".
واتهم دمرتاش نظام أردوغان بتأجيج النزاع الكردي لأهداف سياسية. وقال "لسنا نحن من قرر إغراق هذا البلد في الحرب وتكثيفها. لم نساند يوما مثل هذا القرار، إنه قرار اتخذه الرئيس (رجب طيب أردوغان) والحكومة". وأضاف "يريدون أن يقولوا لنا إذا لم نحصل على 400 نائب ستدفعون الثمن".
ورد الرئيس الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان بعنف على هذه التصريحات متهما مرة جديدة حزب "الشعوب الديمقراطي" بالتحدث بلغة الإرهاب. وقال "هناك رئيس حزب يتحدث عن حرب أهلية هذا لا معنى له"، داعيا قادة حزب الشعوب الديمقراطي إلى "الاختيار بين الإرهاب والديمقراطية". وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، متوجها إلى دمرتاش "إذا وقفت إلى جانب الإرهاب فستواجه عواقب ذلك". من جهته، أعرب تاسك عن القلق حيال أعمال العنف في تركيا بشكل عام، لكنه ندد "بهجمات استهدفت مقر حزب الشعوب الديمقراطي في أنقرة"، داعيا تركيا وحزب العمال الكردستاني للعودة إلى المفاوضات.
ونزل آلاف المتظاهرين إلى الشارع في عدة مدن تركية للتنديد بـ"إرهابيي" حزب العمال الكردستاني، وهاجموا مكاتب لحزب "الشعوب الديمقراطي" الذي يتهمه نظام الرئيس رجب طيب أردوغان بدعم حركة التمرد. وتظاهر حوالى سبعة آلاف شخص في وقت سابق في وسط أنقرة تنديدا بـ"إرهاب" حزب العمال الكردستاني، وقامت مجموعة من حوالى مئة شخص بمهاجمة مكاتب حزب الشعوب الديمقراطي في حي كافاكليديري وأحرقت قاعة المحفوظات. كما أحرق مقر الحزب بالكامل في منطقة ألانيا (جنوب).
كما هاجم أنصار للحكومة مقر صحيفة "حرييت" في إسطنبول للمرة الثانية لاتهام الصحيفة بأنها معادية للرئيس الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان. وحاول حوالى مئة متظاهر اقتحام المبنى مرددين "الله اكبر". وندد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بهذه التظاهرات داعيا إلى الهدوء. وكتب على موقع تويتر "إن هدف الإرهاب هو النيل من روابطنا الأخوية الثابتة. مهاجمة الصحافة وأملاك الأحزاب السياسية أمر غير مقبول (...) لا يمكن لأحد أن يحل محل القانون".
وبدأ نواب من حزب "الشعوب الديمقراطي" مسيرة باتجاه مدينة جزرة التي تخضع لحظر تجول منذ أيام، وسط مخاوف بشأن الوضع الإنساني في تلك المدينة. وأراد زعيم الحزب صلاح الدين دمرتاش وعلي حيدر كونكا ومسلم دوغان اللذان يمثلان الحزب في حكومة تصريف الأعمال التركية، الوصول إلى جزرة في محافظة سيرناك جنوب شرق البلاد، بسياراتهم. بحسب فرانس برس.
إلا أن الشرطة رفضت السماح لهم بالمرور بسياراتهم بعد بلدة ميديات. وقال دمرتاش إن الوفد الذي يضم نوابا آخرين ومدنيين، سيقطع مسافة التسعين كلم المتبقية سيرا على الأقدام. وأدان أردوغان هذه المبادرة قائلا "أنتم مرغمون على طاعة القوانين هذا كل شيء". ويأتي هذا التصعيد قبل أقل من شهرين على الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر. وصرح سنجيز أختار، الأستاذ في العلوم السياسية في جامعة سليمان شاه في إسطنبول "إنها الفوضى وإصرار أردوغان على جعل النظام في تركيا بيد الرئيس مسؤول عن ذلك". وأضاف "إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو ستغرق تركيا في حرب أهلية".
وقال غارو بايلان، محام وعضو بحزب الشعوب الديمقراطي، إن الشرطة لم تحرك ساكنا أثناء الهجوم على مقر الحزب، "وكانوا واقفين يشاهدون ما يحدث. وما كُسر هنا هو أملنا في التعايش". ورغم أنه لم يُقتل أحد في الاحتجاجات، إلا أن العشرات من أفراد قوات الأمن والمسلحين قد قتلوا مؤخرا. وقُتل 14 شرطيا في انفجار قنبلة في حافلة صغيرة قرب الحدود الشرقية للبلاد وذلك بعد يوم من مقتل 16 جنديا في تفجير نظمة مسلحو حزب العمال الكردستاني. وشنت الطائرات الحربية التركية مجموعة من الهجمات على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وعبرت قوات برية الحدود بحثا عن مسلحين أكراد لأول مرة منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار منذ عامين.
اندلعت المواجهات بين الجيش التركي وحركة الأكراد المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني بعد إنهاء وقف إطلاق النار في يوليو/تموز الماضي. وفي مدينة سيزر الواقعة في جنوب شرق البلاد، قال أحد السكان إن فرض حظر التجوال بعد المواجهات الدامية تعني أن يقع الناس تحت حصار قوات الأمن. وبسبب الحظر، احتفظت أسرة بجثة طفل قتل في الاشتباكات داخل الثلاجة، إذ لم يستطيعوا أخده إلى المدافن.
وقُتل أكثر من أربعين ألف شخص منذ إطلاق حزب العمال الكردستاني لحملته المسلحة عام 1984، مناديا بالانفصال عن تركيا وتأسيس دولة كردية. وكان وقف إطلاق النار قد بدأ عام 2013، وانتهى في يوليو/تموز الماضي بعد قيام انتحاري يشتبه في انتمائه لتنظيم داعش بتفجير نفسه قرب الحدود مع سوريا. وأدى الهجوم إلى تأجج الصراع بين تركيا والمجموعات الكردية.
حكومة تضم المعارضة
في السياق ذاته عين رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو سياسيا قوميا واثنين من ساسة المعارضة المؤيدة للأكراد في مناصب بحكومة مؤقتة لتقاسم السلطة لكنه أبقى على وزيريه للمالية والاقتصاد دون تغيير في تشكيل هيمن عليه الموالون للحزب الحاكم. واضطر داود أوغلو لتشكيل الحكومة المؤقتة بعد فشل حزبه العدالة والتنمية في العثور على شريك لتكوين ائتلاف حكومي إثر خسارته للأغلبية البرلمانية في انتخابات يونيو حزيران الماضي التي أنهت اكثر من عشر سنوات من حكم الحزب الواحد.
وسبب الغموض السياسي توترا لدى المستثمرين في تركيا التي يبلغ حجم اقتصادها 870 مليار دولار وتزامن مع معارك تخوضها أنقرة في الداخل مع المتمردين الأكراد وعلى الحدود مع متشددي تنظيم داعش ودفع الليرة التركية لهبوط قياسي. وستقود الحكومة المؤقتة البلد العضو في حلف شمال الأطلسي الذي يتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى إجراء الانتخابات الجديدة.
وأصبح فريدون سينيرلي أوغلو وكيل وزارة الخارجية منذ عام 2009 وزيرا جديدا للخارجية وهو منصب مهم بينما تستعد المقاتلات التركية لتكثيف غاراتها الجوية مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا. وقالت مصادر حكومية إن وزير التنمية التركي السابق جودت يلمظ سيشغل منصب نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الاقتصاد في حكومة تقاسم السلطة المؤقتة الجديدة خلفا لعلي باباجان الذي يقدره المستثمرون الأجانب لدوره في إدارة اقتصاد البلاد.
ويترك باباجان منصبه بسبب قيود يفرضها الحزب الحاكم على عدد الدورات البرلمانية المسموح للأعضاء بها. واحتفظ وزيرا المالية محمد شيمشك والاقتصاد نهاد زيبكجي بمنصبيهما الحاليين. وتلا داود أوغلو قائمة بالتعيينات دون تعليق وفيها اختار توجرول توركيش وهو ابن مؤسس حزب الحركة القومية اليميني المعارض ليكون واحدا من أربعة نواب لرئيس الوزراء. وقد يواجه توركيش الفصل من حزبه الذي سبق وأعلن رفضه الانضمام للحكومة المؤقتة. واختير علي حيدر كونجا ومسلم دوجان العضوان بحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد لمنصبي وزير شؤون الاتحاد الأوروبي ووزير التنمية. وقد يثير ضمهما غضب القوميين خاصة مع تصاعد الاشتباكات بين الجيش والمسلحين الأكراد.
وأصبح سيلامي ألتينوك قائد شرطة اسطنبول وزيرا جديدا للداخلية وكان قد أشرف على تطبيق إجراءات أمنية صارمة في أكبر مدينة تركية لمنع تكرار المظاهرات المناهضة للحكومة التي انتشرت على نطاق واسع في 2013. وخلال حديثه في وقت سابق قبل تصديق الرئيس رجب طيب إردوغان على التشكيل الحكومي رفض داود أوغلو فكرة أن تكون حكومته مجرد حكومة تسيير أعمال قبل الانتخابات الجديدة. وقال داود أوغلو "حتى الأول من نوفمبر سنعمل كحكومة منتخبة لأربع سنوات. يجب أن تشعر أمتنا بالاطمئنان بالنسبة لهذا الأمر. لن نعمل بروح الحكومة المؤقتة."
وأشار استطلاعان للرأي الى أنه من غير المرجح أن يحصل حزب العدالة والتنمية على أغلبية في نوفمبر تشرين الثاني ليثير هذا احتمال القيام بجهود جديدة لتشكيل ائتلاف في وقت لاحق هذا العام. وأشار استطلاع ثالث لمؤسسة أو.آر.سي لاستطلاعات الرأي التي سبق أن بالغت في تقدير حجم التأييد الذي يحظى به العدالة والتنمية الى أن الحزب سيحصل على 43.7 بالمئة من الأصوات في زيادة عن 40.7 حصل عليها في يونيو حزيران. لكن هذا لن يكون كافيا بالضرورة لضمان الحكم منفردا.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تعليق "على الرغم من تفاوت استطلاعات الرأي فإنه لا يبدو في الوقت الحالي أن هناك أي حزب قادر على الفوز بأغلبية بسيطة في الانتخابات المقبلة وهو ما يشير الى جولة أخرى من مفاوضات الائتلاف العنيدة ستسفر عن تشكيل حكومة أقلية أو ائتلاف متعدد الأحزاب." وأضافت موديز "مثل هذه الحكومة سترث على الأرجح حالة من الاضطراب ونتوقع أن يكون احتمال إجراء انتخابات أخرى قبل أن تنتهي ولاية البرلمان في 2019 كبيرا." بحسب رويترز.
ودعا داود أوغلو أعضاء من المعارضة لشغل 11 منصبا في الحكومة المؤقتة التي تضم 26 وزيرا تنفيذا لما ينص عليه الدستور وهو تقاسم السلطة على أساس عدد المقاعد التي يشغلها كل حزب في البرلمان. لكن معظم المعارضة رفضت. ومنحت المناصب التي رفضتها أحزاب المعارضة إلى مرشحين "مستقلين" من خارج البرلمان وكثير منهم مثل سينيرلي أوغلو وألتينوك مسؤولون كبار عملوا لسنوات عديدة تحت حكم حزب العدالة والتنمية.
هشاشة الديمقراطية
من جانب آخر قال المخرج السينمائي التركي أمين ألبير إن فيلمه (أبلوكا) الذي يصور اسطنبول على أنها في خضم حملة تفجيرات إرهابية يهدف إلى التحذير من هشاشة الديمقراطية. وقال ألبير "أعتقد أن الفيلم يتحدث بصفة أساسية عن الكيفية التي يمكن بها للمناخ السياسي أن يقود الناس نحو جنون العظمة والهوس وأن يؤدي إلى دمار المجتمع." وأضاف "يمكن للاستقطاب السياسي والتوترات السياسية وفكرة مجتمع مستقطب بين العدو والاصدقاء تدمير هويتنا وثقتنا."
وعلى الرغم من أن الفيلم تجري أحداثه في اسطنبول قال ألبير إن الصراع الإنساني الذي صوره سمة لكثير من الأماكن في القرن العشرين. ويعني اسم الفيلم بالانجليزية (نوبة جنون) ويبين التفكك الاجتماعي من خلال عيون شقيقين هما قدير الذي افرج عنه من السجن بعفو بعد سنوات أمضاها خلف القضبان وشقيقه الأصغر أحمد الذي هجرته زوجته للتو. جسد دور قدير الممثل محمد أوزجور بينما لعب دور أحمد الممثل بيركاي أتيش. ولهما شقيق ثالث لم يشاهداه لسنوات عديدة وربما يكون أو لا يكون زعيم شبكة تبث الرعب في الاحياء بالتفجيرات في منتصف الليل وهو الأمر الذي دفع الشرطة للقيام بحملة صارمة. بحسب رويترز.
ويستطلع الفيلم جنون العظمة ويعكس الشكل غير التقليدي للفيلم الارتباك الناجم عن الحرب أو التهديد بالعنف. ويأتي الفيلم في وقت تتصاعد فيه التوترات في تركيا. وقال ألبير "عندما كنا نصور الفيلم كنا نعيش في فترة هادئة نسبيا واعتقدنا عندما كنا نقوم بالتصوير أن الفيلم يشير أكثر إلى الماضي." وأضاف "لكن فجأة في يوليو بعد هجوم سروج انتهى وقف إطلاق النار بين المقاتلين الأكراد والحكومة. وبدأ الفيلم فجأة يشير إلى الحاضر." وعلى الرغم من أن أحداث الفيلم جرت في اسطنبول قال ألبير إن ما صوره الفيلم يمكن أن يحدث في أي مكان. وقال "تاريخ القرن العشرين مليء بمثل هذه الصراعات السياسية ويمكنك أن ترى مثل هذا المناخ السياسي في أي مكان".
اضف تعليق