عندما أسقطت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ما اشتُبه في كونه منطاد استطلاع ومراقبة تجسسي صيني قبالة ساحل كارولاينا الجنوبية في الرابع من فبراير الماضي، تسبب ذلك في تصاعد التوتر الجيوسياسي بين البلدين، ودفع مسؤولين أمريكيين إلى تدشين عمليات بحث راداري أكثر صرامة، تمشيطًا عن أجسام أخرى مجهولة المصدر...
بقلم: نيكولاس جونز
أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية أربعة أجسام طائرة تخوفًا من أن تكون مناطيد استطلاع تجسسية، لكن ما الاستخدامات الأخرى للمناطيد التي تحلق على ارتفاعات عالية؟ عندما أسقطت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ما اشتُبه في كونه منطاد استطلاع ومراقبة تجسسي صيني قبالة ساحل كارولاينا الجنوبية في الرابع من فبراير الماضي، تسبب ذلك في تصاعد التوتر الجيوسياسي بين البلدين، ودفع مسؤولين أمريكيين إلى تدشين عمليات بحث راداري أكثر صرامة، تمشيطًا عن أجسام أخرى مجهولة المصدر تحلق على ارتفاعات كبيرة في سماء الولايات المتحدة.
ومنذ تلك الواقعة، أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة أجسام طائرة أخرى. واتضح الآن أنها لم تكن على الأرجح مناطيد تجسس. فكم عدد المناطيد في سماء عالمنا؟ وفيم تُستَخدم؟ وما تداعيات هذه الأحداث الأخيرة ومدلولها لجهات استخدام المناطيد؟
حلَّق المنطاد الذي اشتُبه في أنه تجسسي على ارتفاع 60 مترًا، وحمل أوزانًا تقدر بنحو طن. وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن حمولته حوت أجهزة لتعطيل واعتراض اتصالات لتبادل معلومات ذات طبيعة سرية وحساسة. غير أن الصين صرحت بأنه كان منطادًا لأغراض بحثية مدنية، شرد عن مساره.
أما الأجسام الطائرة الأخرى، فكانت أصغر حجمًا، ولم يقدم المسؤولون الأمريكيون المعنيون وصفًا دقيقًا لها، فأحدها كان "بحجم سيارة صغيرة تقريبًا"، ورُصد فوق ولاية ألاسكا الأمريكية. أما الثاني، فكان ذو هيئة أسطوانية صغيرة، وحلق فوق إقليم يوكون في كندا. والثالث، كان ثماني الأضلاع ذا أسلاك. وقد سقط فوق بحيرة هورون في ولاية ميشيجِن الأمريكية. وحلقت هذه الأجسام جميعها عبر المجال الجوي التجاري على ارتفاع يتراوح بين 6 إلى 12 كيلومتر. وحاليًا، تصرح الحكومة الأمريكية إن "التفسير الأرجَّح" لذلك أن هذه الأجسام ربما كانت "مجرد مناطيد لأغراض تجارية أو غيرها من الأغراض المحمودة".
وقد شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في التحري بمزيد من الجِد في عدد من "الظواهر الشاذة الغامضة" (UAP)، بما فيها الأجسام الطائرة. على سبيل المثال، في العام الماضي، شكَّلت وكالة «ناسا» فريقًا من العلماء والخبراء في مجالات التكنولوجيا والطيران والفضاء لدراسة هذه الظواهر، معللة لهذه الخطوة بأنها لدواعي أمنية وطنية وجوية. وفي يناير الماضي، كشف مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكي عن زيادة كبيرة في حجم البلاغات بهذه الظواهر. فعلى مدى سبعة عشر عامًا قبل شهر مارس من عام 2021، سجل المكتب وأحصى 263 بلاغًا بتلك الظواهر. ومنذ ذلك الحين، قُدِّمَ 247 بلاغًا بتلك الفئة من الظواهر خلال أقل من عامين. ومن بين 366 بلاغًا، صُنِّف 163 جسمًا على أنه منطاد، و26 جسمًا آخر على أنه طائرات مسيَّرة دون طيار و6 أجسام على أنها أجسام طائرة الغرض منها التشويش على اتصالات.
أغراض استطلاعية
تعد المناطيد من الأدوات الثمينة للحصول على مشاهدات جيدة للمرتفعات أو المنخفضات، من على ارتفاعات تربو على تلك التي تستطيع الطائرات المُسيرة دون طيار أو غيرها من الطائرات الوصول إليها، وبتكلفة أقل من الأقمار الاصطناعية.
وتُستخدم الغالبية العُظمى من هذه المناطيد في رصد الأحوال الجوية. ووفقًا لهيئة خدمات الطقس الوطنية الأمريكية تُطلَق مناطيد رصد الأحوال الجوية مرتين يوميًا من نحو 900 موقع حول العالم، لترسل بيانات حول درجة الحرارة والرطوبة والضغط والموقع، وهي قابلة للتخلص منها. أما المناطيد الرقيقة، المصنوعة من اللاتكس القابل للتحلل الحيوي، فتتمدد في الجو، إلى أن يصل قطرها إلى نحو 6 أمتار. وهي مصممة لتصعد عموديًا إلى ارتفاع يصل إلى 30 كيلومترًا، ولا تبقى في الهواء سوى لبضع ساعات.
ويستخدم بعض الباحثين مناطيد أكبر حجمًا، يستمر بقاؤها في الهواء لفترات أطول، للحصول، على سبيل المثال، على مشاهدة أفضل للفضاء أو لتجربة معدات مصممة للعمل على ارتفاعات عالية. على سبيل المثال، تدير «منشأة والوبس للطيران» الواقعة في ولاية فيرجينيا، والتابعة لوكالة «ناسا» ما يتراوح بين 10 مناطيد إلى 15 منطاد بحثي سنويًا على مستوى العالم. وتستطيع هذه المناطيد حمل نحو ثلاثة آلاف كيلوجرام، والتمدد إلى حجم يجاوز حجم استاد كرة قدم، والتحليق إلى ارتفاع يبلغ 37 كيلومترا.
ومن بين الجهات الأخرى المُستخدِمة للمناطيد، طلاب العلوم والشركات والهواة. حول ذلك، يقول جاسون كروجر إن شركته »ستراتو ستارز Strato Stars «في فيشرز بولاية إنديانا الأمريكية، قد ساعدت منذ عام 2006 طلاب وشركات في إطلاق أكثر من 1000 منطاد من تلك التي تحلق على ارتفاعات عالية. وتضمنت مشروعات الطلاب دراسات حول ما إذا كانت بطاقات الملاحظات اللاصقة، تحتفظ بقدرتها على الالتصاق بالأسطح بعد التحليق على ارتفاع قريب من الفضاء. وتناولت دراسة أخرى تأثيرات الإشعاعات في الارتفاعات الكبيرة على عينات الدم.
كذلك يستخدم عدد من الشركات المناطيد في توفير خدمات الاتصال اللاسلكي في المناطق النائية، كما يطلق بعض الهواة مناطيد دقيقة، يصفها كروجر بأنها مناطيد فضية اللون من مادة الميلار البلاستيكية، يقل قطرها عادة عن متر، وهي غير ضارة، ويستخدمها الهواة في حمل أجهزتهم الراديوية، وأحمال أخرى لا يتجاوز وزنها بضعة جرامات. غير أن هذه المناطيد "تنبه الأجهزة الرادارية على الفور" وعادة ما تحلق على ارتفاع 12 كيلومترا.
لعبة إلقاء اللوم على الآخر
يمكن القول إن قائمة المناطيد التي جرى إسقاطها لا تشتمل على أنواع عديدة من المناطيد. على سبيل المثال، مناطيد رصد الأحوال الجوية تكون رحلاتها قصيرة ولا تحلق على ارتفاع يبلغ 12 كيلومترًا. مع ذلك، يترك هذا التصوُر في القائمة أنواعًا عديدة من المناطيد التي تُستخدم على مستوى العالم. وفي ذلك الصدد، يقول روبرت رودي، وهو عالم بالمنظمة البيئية غير الربحية «بيركلي إيرث» Berkeley Earth، يقيم في مدينة زيورخ السويسرية إن "هناك مناطيد تحلق يوميًا لأغراض بحثية، أو تجارية أو لأغراض الهواة صانعيها. وأظن أن المناطيد التي جرى إسقاطها تنتمي إلى إحدى هذه الفئات".
ولا تشترط إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية استخدام أجهزة تتبع للأجسام الطائرة التي تقل حمولاتها عن 5.4 كيلوجرام، أو تطلب الإفصاح عن عمليات إطلاق تلك الحمولات أو مسارات رحلاتها. غير أن حتى هذه الحمولات الصغيرة قد تستخدم مناطيد كبيرة. ويرى رودي أنه إذا كانت هذه الأجسام تسترعي الاهتمام على الصعيد العسكري، فربما من الأفضل مراقبتها بدورها. إلا أنه يضيف قائلًا: "لا أرى ضرورة لذلك على صعيد السلامة، لكن إذا أصبحت المناطيد الصغيرة من الدول الأخرى مثار قلق مشروع ومنطقي، فربما ينبغي لنا أن نحرص على التعرُف على مصدرها"، غير أنه يستدرك أنه لا يرى هذا ضروريًا، وأن على الحكومة الأمريكية "أن تقيم ما يُشكل تهديدًا على نحو أفضل".
اضف تعليق