طرح فريق من علماء البيئة مقترحًا لنزع فتيل النزاع الممتد بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبي، وهو أكبر السدود الكهرومائية في قارة إفريقيا، يهدف هذا السد المقام على نهر النيل، المسمَّى سد النهضة الإثيوبي الكبير، والذي تقترب تكلفة إنشائه من 5 مليارات دولار أمريكي...
بقلم: ميريام نداف
طرح فريق من علماء البيئة مقترحًا لنزع فتيل النزاع الممتد بين مصر وإثيوبيا والسودان حول «سد النهضة» الإثيوبي، وهو أكبر السدود الكهرومائية في قارة إفريقيا، يهدف هذا السد المقام على نهر النيل، المسمَّى «سد النهضة الإثيوبي الكبير»، والذي تقترب تكلفة إنشائه من 5 مليارات دولار أمريكي، إلى توليد الطاقة الكهربية في دولةٍ يعاني ثلثا سكانها الحرمانَ من الكهرباء. وعلى الرغم من أن اكتمال بناء السد سوف يستغرق من إثيوبيا سنواتٍ عدة، لا تني الحكومة المصرية تؤكد على أن بناء سدٍّ عملاق على نهر النيل، الذي يؤمِّن نحو 90% من احتياجات مصر المائية، سوف يتسبب في شحٍّ مائيٍّ لديها، سيُفضي بدوره إلى نقصٍ في المواد الغذائية، وقطع أرزاق العاملين في القطاع الزراعي.
تقوم فكرة الدراسة على "تبنِّي الدول الثلاث نهجًا تعاونيًا"، حسبما أفاد محمد بشير، عالم الاقتصاد المتخصص في دراسة الموارد المائية، وأحد المشاركين في وضع الدراسة المذكورة، التي نُشرت الشهر الماضي في دورية «نيتشر كلايمِت تشينج» Nature Climate Change، المتخصصة في نشر الدراسات ذات الصلة بالتغير المناخي. وأضاف بشير، الذي كان يعمل بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة ويتجه حاليًا للالتحاق بجامعة هومبولت في العاصمة الألمانية، برلين، قائلًا إن الدراسة تُظهر كيف يمكن لكل دولة أن "تساعد الأخرى، وترعى مصالحها، وتمتنع عن الإضرار بها".
منذ بدء العمل على بناء السد، في عام 2011، والدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) تسعى إلى التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا محل الخلاف، التي تشمل وتيرة إنجاز المشروع، ومقدار ما يُصرَف من الماء المحتجَز خلف السد لتشغيل توربينات توليد الكهرباء؛ إلا أن أيًّا من هذه المساعي لم يُكلَّل بالنجاح. تطالب مصر بتقليص كمية المياه المخصصة لتشغيل التوربينات، وإطالة مدة ملء خزان السد قبل الشروع في تشغيله. لكنَّ هذه المطالبات لا تجد أذنًا صاغية في إثيوبيا، التي تسابق الزمن من أجل إنفاذ خطتها.
ومن هنا، عمد بشير وفريقه إلى وضع نماذج لتأثير التغير المناخي في الطبيعة الهيدرولوجية لحوض النيل، وما قد يترتَّب على ذلك من آثار على اقتصاد كل دولة من دول الحوض. وتأسيسًا على هذه البيانات، استعان الباحثون بالذكاء الاصطناعي للخروج بتصوُّرات (أو سيناريوهات) لكيفية تشغيل السد على النحو الذي يعظِّم منافعه الاقتصادية من ناحية، ويجعله قادرًا على التكيُّف مع آثار التغيُّر المناخي من جهةٍ أخرى. خلُص الفريق إلى أنه إذا جرى تشغيل السد لمصلحة دولةٍ بعينها من الدول الثلاث، فسوف يكون ذلك على حساب مصالح الدولتين الأُخريَيْن.
إذا نظرنا في السيناريو الذي تحصد فيه إثيوبيا أكبر قدرٍ ممكن من الطاقة الكهرومائية، على سبيل المثال، سنجد أن ذلك سوف يخصم من كمية المياه التي تصل إلى مصر لري أراضيها. وبالمثل، إذا سعت مصر إلى زيادة حجم إمداداتها من الطاقة الكهرومائية، فسوف يعني ذلك خصمًا من كمية الطاقة المتاحة لإثيوبيا.
أما السيناريو الذي يقترحه الباحثون، فيقوم على التسوية أو الحل الوسط؛ وفيه تمدُّ كل دولة من الدول الثلاث يد العون إلى الدولتين الأُخريَيْن، دون أن تتخلَّى عن حقها في الانتفاع. في سنوات الجفاف مثلًا، يُنتظر من إثيوبيا أن تزيد كميات المياه المتدفقة إلى مصر، ولها بعد ذلك أن تقتطع من هذه المياه في سنوات الأمطار الكثيفة. لقد غلب على المفاوضات خطابٌ يركِّز على حصص المياه، في حين أن المتفاوضين، على حد قول بشير، "بحاجة إلى التركيز على تقاسُم المنافع".
يأمل الباحثون في أن يُستفاد من دراستهم في توجيه مسار المفاوضات الجارية، التي تضم الاتحاد الإفريقي، والولايات المتحدة، والبنك الدولي. فهذه الدراسة، بحسب وصف بشير، "لا تحوي حلولًا مفردة، وإنما تطرح حزمةً من الحلول المتكاملة، التي يمكن التفاوُض استنادًا إليها".
التحدي الحقيقي، كما يراه كيفن ويلر، باحث جامعة أوكسفورد المتخصص في دراسة سدود نهر النيل، يكمُن في حمل الدول الثلاث على القبول بالتسوية. يتساءل ويلر: "كيف لك أن تُقنع أطرافًا متصارعة على الأخذ بمخرجات جهاز كمبيوتر؟"، ويتابع: "هذه هي المشكلة الأساسية".
وفي تعليقٍ أدلى به شرف الدين بنّاجة، الباحث المتخصص في الهندسة المدنية بكلية المدينة للعلوم والتكنولوجيا بالعاصمة السودانية، الخرطوم، ووزير البنى التحتية والمواصلات السوداني الأسبق، ذكر أن الخطة التي يطرحها الباحثون في دراستهم تمثل "حلًا مُرضيًا للدول الثلاث، شريطة أن تتعاون هذه الدول فيما بينها".
اضف تعليق