من المنتظَر صدور البيانات الخاصة بجُرعة «فايزر» المخصَّصة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات بحلول نهاية العام، وفقًا لتصريح أدلى به الرئيس التنفيذي للشركة في فعالية نظَّمتها مجلة «ذي أتلانتِك» في شهر سبتمبر الماضي. وجدير بالذكر أن شركة «موديرنا»، هي الأخرى، تُجري تجربة على أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر....
بقلم: ماكس كوزلوف
أجازت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تطعيم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا، والبالغ عددهم نحو 28 مليون طفل في الولايات المتحدة، ضد مرض «كوفيد-19». يأتي القرار بعد أيام من مراجعة لجنة استشارية تابعة للإدارة البيانات الخاصة بتجربة إكلينيكية تختبر تأثير نُسخة منخفضة الجرعة من لقاح «فايزر-بيونتِك» Pfizer-BioNTech المضاد للمرض على أطفال تلك الفئة العمرية، وصوَّتت بالإجماع تقريبًا لصالح توصية إدارة الغذاء والدواء بإصدار الموافقة الطارئة.
حتى موعد نشر هذا المقال، لم تكن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) قد منحَتْ اللقاح موافقتها النهائية؛ وهي الخطوة الأخيرة المطلوبة قبل الشروع في تطعيم أطفال الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة. غير أن الباحثين يتوقعون خروج هذه الموافقة قريبًا، وشرعوا بالفعل في تقدير تأثير إعطاء اللقاح لأطفال هذه الشريحة العمرية على مسار الجائحة؛ علمًا بأنها تمثل الآن أكبر شريحة من سكان الولايات المتحدة غير مصرَّح بتطعيمها.
تقول إيما ماكبرايد، مصمِّمة نماذج الأمراض المعدية في المعهد الأسترالي للصحة الاستوائية والطب في تاونسفيل: "التطعيم سينقذ الأطفال الواقعين في هذه الفئة العمرية". بل ربما يكون له تأثير أوسع من ذلك، بالنظر إلى أن أعدادًا كبيرة من أطفال هذه الشريحة العمرية في الولايات المتحدة قد عادوا إلى مدارسهم دون تطعيم أثناء الأشهر القليلة الماضية. وهم يمثلون الآن نسبةً معتبرة من الإصابات الجديدة بالمرض، القادرة على نقل فيروس «سارس-كوف-2» SARS-CoV-2 للآخرين. وتقول ماكبرايد: "مع كل طفل تنقذه من المرض، ربما تنقذ كثيرًا من البالغين كذلك".
صوتت اللجنة الاستشارية التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية لصالح الموافقة على تطعيم الأطفال في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، استنادًا إلى بيانات التجربة الإكلينيكية التي أظهرت أن لقاح «فايزر-بيونتِك» فعَّال بنسبة 91% في الوقاية من أعراض عدوى «كوفيد» بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا. شارك في التجربة حوالي 4650 طفلًا، تلقى ثلثاهم – على وجه التقريب – جرعة من اللقاح تعادل ثلث جرعة لقاح الشخص البالغ (بينما تلقى الآخرون علاجًا وهميًا). وكما هو متَّبَع في تطعيم البالغين بلقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) في الولايات المتحدة، تلقى الأطفال جرعتين من اللقاح، يفصل بينهما ثلاثة أسابيع.
أثبتت البيانات أمان اللقاح على الأطفال المشاركين في التجربة. كان قد أُشيعَ عن اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال أنها ترتبط بخطر الإصابة بالتهاب في عضلة القلب، والتهاب التامور، وهو التهاب يحدث في البطانة المحيطة بالقلب، وخاصة بين صغار السن (وإنْ تكن احتمالات التعرُّض لهذه الأضرار من جرَّاء تلقِّي هذه اللقاحات بالغة الضآلة). إلا أنه لم تسجَّل إصابات بأيٍّ من الحالتين المرضيتين المذكورتين بين الأطفال الذين خضعوا للتجربة. وهذا مؤشر يبعث على كثير من التفاؤل، كما يقول أندرو بافيا، رئيس قسم الأمراض المُعدية للأطفال في جامعة يوتا هيلث في سولت ليك سيتي، الذي استدرك قائلًا: "ومع ذلك، ففي حال صدرت الموافقة على تطعيم أعداد أكبر، فسوف يكون على أعضاء الكونجرس مراقبة أي إشارات على حدوث آثار جانبية".
قبل اجتماع اللجنة الاستشارية، أجرَتْ إدارة الغذاء والدواء تحليلًا مستقلًا لبيانات شركة «فايزر» Pfizer، لتقييم ستة سيناريوهات متخيَّلة للوضع الوبائي في الولايات المتحدة، بمستويات متفاوتة من التفشي الفيروسي في المجتمع. خلُصت الإدارة إلى أن فوائد اللقاح، في غالب الأحوال، "تفوق المخاطر على نحوٍ لا لبس فيه". وعلى أثر ذلك، قرر المسؤولون أنه حتى في حال كانت مستويات التفشي الفيروسي شديدة الانخفاض في جميع أنحاء البلاد، فأكبر الظن أن الفوائد الإجمالية للتطعيم ستفُوق المخاطر المحتملة، المرتبطة بمشاكل القلب؛ لأن هذه المشاكل عادة ما تُعالَج في غضون أيام قليلة من التطعيم، على عكس مرض «كوفيد-19»، الذي يمكن أن يودي بحياة المصاب به.
نظرة إلى المستقبل
أصبح من المستقر أن نسبة الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس «سارس-كوف-2» بين الفئات العمرية الأصغر لا تُقارَن بهذه النسبة بين الفئات العمرية الأكبر؛ فقد بلغ عدد حالات الوفاة بين المصابين بالمرض ممن تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و18 عامًا في الولايات المتحدة حوالي 440 شخصًا، من إجمالي عدد الوفيات من جميع الفئات العمرية، الذي يبلغ 724 ألف شخص، وفقًا لبيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها. ومع ذلك، ترتَّب على عودة الأطفال إلى المدارس، تزامنًا مع القفزة في أعداد المصابين بالسلالة «دلتا» المتحورة من الفيروس، التي تمتاز بقدرتها العالية على الانتشار، إلى ارتفاع حاد في الإصابات بين الأطفال بدايةً من أواخر يوليو الماضي. فمن بين 6.3 مليون طفل في الولايات المتحدة ثبتت إصابتهم بمرض «كوفيد-19» منذ بدء الجائحة، اكتُشف ما يقرب من ثلث هذا العدد خلال الأسابيع الأحد عشر السابقة على يوم الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي، وفقًا لتقرير الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (انظر: go.nature.com/3w3rdbm).
يقول بافيا: "أرى، من وجهة نظري، أن تأثير المتحور «دلتا» على الأطفال الواقعين في هذه الفئة العمرية يجعل خطورة الوضع عنصرًا حاسمًا في المعادلة. لا أعتقد أن قرار الموافقة على اللقاح سيكون بالقرار الصعب".
تشهد أعداد الإصابات بمرض «كوفيد-19» في الولايات المتحدة انخفاضًا مطَّردًا منذ شهر سبتمبر، بعد القفزة التي تسبب فيها المتحور «دلتا». يتوقع معظم اختصاصيي النماذج أن يستمر منحنى الإصابات في الانخفاض حتى أوائل عام 2022، بغض النظر عما إذا كان لقاح «فايزر» سوف يُصرَّح بإعطائه للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا، أم لا. تقول كاتريونا شيا، الباحثة في مجال الإيكولوجيا النظرية التطبيقية، المعنية بتتبُّع مسار الجائحة، وتعمل بجامعة ولاية بنسلفانيا في يونيفرسيتي بارك، إن الوضع سيبقى على ما هو عليه، ما لم يظهر متحور آخر مثير للقلق. وأضافت: "إذا ظهر متحور جديد، فسوف يكون بمثابة صفعة لمنظومة التعامل مع الجائحة".
تشارك شيا في قيادة «مركز نمذجة سيناريوهات كوفيد-19»، الذي أصدر في شهر سبتمبر نشرة توقعاته التاسعة لمسار الجائحة، موضحًا تأثير تطعيم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا على أعداد الإصابات والوفيات الجديدة داخل الولايات المتحدة (انظر: go.nature.com/3cycjpk). تشير هذه التوقعات، التي تقوم على حساب متوسط التنبؤات التي خرج بها تسعة فرق أخرى متخصصة في إعداد النماذج، إلى أنه على الرغم من أن لقاحات الأطفال ستؤدي إلى انخفاض عدد الحالات، "فقد لا تُحدث فرقًا كبيرًا على مستوى السكان، هذا في حال كنَّا من حُسن الحظ بحيث اقتصر الأمر على المتحور «دلتا»"، كما تقول شيا. لكن البيانات تظهر أنه إذا ظهر متحور مثير للقلق بحلول منتصف شهر نوفمبر، فإن تطعيم الأطفال يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مسار الجائحة في الولايات المتحدة (انظر الشكل: تأثير تطعيم الأطفال).
ولكن حتى إذا تمت الموافقة نهائيًا على إعطاء جرعة من لقاح «فايزر-بيونتك» للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا، تحت بند الاستخدام الطوارئ، لا يزال من غير المعروف كيف سيكون موقف أطفال هذه الفئة العمرية من التطعيم، وما إذا كان أولياء أمورهم سيسمحون لهم بذلك. وفي هذا الصدد، أقدمَتْ مينا فاضل، وهي طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، بمعاونة زملائها، على استطلاع آراء ما يقرب من 28 ألف تلميذ، تتراوح أعمارهم بين 9 أعوام و18 عامًا في 180 مدرسة بريطانية، ووجدوا أن الأطفال الأصغر سنًا كانوا أكثر ترددًا في تلقِّي اللقاح من نظرائهم الأكبر سنًا (M. Fazel, et al. EClinicalMedicine 40, 101144; 2021).
أوضح الاستطلاع أيضًا أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا لا يُستهان به؛ فالتلاميذ الذين يقضون أكثر من أربع ساعات يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي كانوا أقل استعدادًا لتلقي اللقاح من أولئك الذين يقضون عليها وقتًا أقل. تقول فاضل: "أمامنا جيل من الأطفال والمراهقين يتفاعلون مع المعلومات، ويمارسون التعلم، على نطاقٍ لا مثيل له"، مضيفةً أن تصميم حملات الصحة العامة الموجَّهة للأطفال يكتسب الآن أهميةً أكبر من أي وقتٍ مضى.
تداعيات عالمية
على أن دلالة التصريح بتطعيم الأطفال الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و11 عامًا على مستوى العالم لم تتضح بعد. هناك 70 دولة تقريبًا تقلُّ نسبة المطعَّمين تطعيمًا كاملًا من سكانها عن الخُمس، وربما لن تتمكن من تطعيم الأطفال الأصغر سنًا لأشهر أو حتى سنوات قادمة. لكن بعض البدان، ومنها إسرائيل، تنتظر معرفة قرار الجهات الرقابية الأمريكية قبل التصديق على تطعيم الأطفال لديها.
ومع ذلك، فإن دولًا أخرى تعكف بالفعل على تطعيم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا. على سبيل المثال، بدأت تشيلي، والصين، وكوبا، والإمارات العربية المتحدة في تطعيم الأطفال بمختلف لقاحات «كوفيد-19» خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
تقول ماكبرايد إنه في الأماكن التي تنخفض فيها المناعة الطبيعية لدى السكان، نتيجةً لانخفاض مستوى التفشِّي المجتمعي طوال فترة الجائحة، سيكون تطعيم الأطفال ضروريًا. تعتزم أستراليا، على سبيل المثال، إعادة فتح حدودها الدولية هذا الشهر، مما يسمح للمواطنين والمقيمين الدائمين بمغادرة البلاد ودخولها إذا بلغت نسبة التطعيم في دولة إقامتهم 80%. تقول ماكبرايد إن هذه الخطوة هي بمثابة "دعوة للفيروس" إلى دخول البلاد، لذا سيكون من الضروري العمل، قدر الإمكان، على "تفادي وقوع صدمة عنيفة"، وذلك من خلال تعزيز مناعة الأشخاص – ومنهم الأطفال - ضد الفيروس من خلال التطعيم. يُذكَر أن مقترح تطعيم الأطفال دون سن الثانية عشرة لم يُقدَّم حتى الآن للموافقة عليه من قِبل المجلس التشريعي في أستراليا.
في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، أعلنت شركة تصنيع اللقاحات «موديرنا» Moderna، ومقرها مدينة كيمبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، أن جرعة مخفَّضة من لقاحها القائم على الحمض النووي الريبي المرسال تُعتبر آمنةً وفعَّالة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و11 عامًا، لكنها لم تتقدم بعد بطلب الحصول على تصريح من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
من المنتظَر صدور البيانات الخاصة بجُرعة «فايزر» المخصَّصة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات بحلول نهاية العام، وفقًا لتصريح أدلى به الرئيس التنفيذي للشركة في فعالية نظَّمتها مجلة «ذي أتلانتِك» The Atlantic في شهر سبتمبر الماضي. وجدير بالذكر أن شركة «موديرنا»، هي الأخرى، تُجري تجربة على أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر.
اضف تعليق