بعد أشهر عديدة من العزل ولإجراءات الاحترازية المتشددة التي اتخذتها الكثير من دول العالم، للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، بدأت بعض الدول الاوروبية التي تأثرت بشكل كبير بسبب هذا الوباء، في التخفيف من إجراءات العزل وتدابير الإغلاق بشكل تدريجي لكن هل هي مستعدة لمواجهة موجة ثانية محتملة...
بعد أشهر عديدة من العزل ولإجراءات الاحترازية المتشددة التي اتخذتها الكثير من دول العالم، للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي اصاب نحو 6.2 مليون انسان حول العالم، واودى بحياة أكثر من 372 ألف شخص، بدأت بعض الدول الاوروبية التي تأثرت بشكل كبير بسبب هذا الوباء، في التخفيف من إجراءات العزل وتدابير الإغلاق بشكل تدريجي، حيث تحاول حكومات هذه الدول مواجهة التداعيات الاقتصادية الكارثية التي اثرت سلباً على حياة الملاين من البشر في القارة العجوز.
وأوصت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، في أبريل نيسان بتخفيف القيود على السفر أولا بين المناطق ذات المخاطر المنخفضة مما شجع بعض الحكومات على فتح الحدود بشكل انتقائي مع دول تعتبرها آمنة. وقد أعادت إيطاليا وكما نقلت بعض المصادر، فتح برج بيزا الذي يعد أحد أبرز المقاصد السياحية في البلاد، أمام الزوار، كما عاد الفرنسيون إلى الحدائق والمتنزهات بعد شهرين من الإغلاق.
وسمحت الحكومة البريطانية، باستئناف المنافسات الرياضية لكن دون جمهور، فيما أصبح من الممكن لأندية بطولة كرة القدم في إسبانيا، العودة إلى التدريب الجماعي الكامل، قبل أن تستأنف المنافسات في 11 يونيو. وفي فيينا، أعادت سينما أدميرال كينو، وهي واحدة من أقدم قاعات السينما في العاصمة النمساوية، فتح أبواب مقرها الوحيد مع فرض بعض القيود، ووضع بعض الرواد كمامات، بينما أبقي على بعض المقاعد فارغة.
تخفيف الاجراءات الاحترازية وفي ظل عدم وجود دواء أو لقاح ضد هذا الفيروس القاتل المستمر بالانتشار، اثارت قلق ومخاف بعض الجهات والمنظمات ، حيث قال هانز كلوغ المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، إن فيروس كورونا ما زال يشكل خطرا في القارة. وأضاف كلوغ أن دولا منها إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ما زالت تسجل أعدادا كبيرة من الحالات المؤكدة. وقال أيضا إن المنطقة الأوروبية تمثل حاليا 63% من الوفيات على مستوى العالم، مؤكدا أنها لا تزال في قبضة هذا الوباء. ودافع وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، عن التخفيف الحذر للقيود، مشيراً إلى أنّ ذلك يعد الخطوة الصحيحة التي يجب اتخاذها في هذا التوقيت. وقال راب: نحن واثقون من أن هذه هي الخطوة الصحيحة التي يجب اتخاذها في هذا التوقيت، نحن نتخذ هذه الخطوات بحذر بالغ استناداً إلى العلم، وإلى قدرتنا الحالية على مراقبة وضع الفيروس.
ويرى بعض المراقبين ان الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها دول الاتحاد الاوروبي، قد دفعت تلك الحكومات ورغم معرفتها بالمخاطر الصحية لهذا الوباء، الى تخفيف اجراءات العزل الصحي في سبيل انعاش الاقتصاد من جديد، ودخلت الدول الأوروبية مرحلة انكماش قاسية، وسط هبوط المؤشرات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة. وتفيد التقارير الدولية والأوروبية أن العديد من القطاعات تأثرت سلباً، وقد كشفت المفوضية الأوروبية، النقاب عن خطة انتعاش استثنائية بقيمة 750 مليار يورو من أجل النهوض بالاقتصادات الأوروبية التي شلتها جائحة فيروس كورونا "كوفيد-19" .
انتهاء الوباء
وفي هذا الشأن أعلن رئيس وزراء الجبل الأسود أن بلاده أصبحت خالية من فيروس كورونا المستجد في خطوة بالغة الأهمية لصناعة السياحة وتأتي بعد 69 يوما من الإعلان عن أول إصابة وبعد مرور 20 يوما بدون اكتشاف أي حالات جديدة. وتأكدت 324 حالة إصابة بمرض كوفيد-19 في الجبل الأسود مع تسع وفيات. وقال رئيس الوزراء دوسكو ماركوفيتش في مؤتمر صحفي عقب اجتماعه مع هيئة مكلفة بمكافحة المرض ”انتصرنا في المعركة مع هذا الفيروس الخبيث وأصبح الجبل الأسود الآن أول دولة خالية من فيروس كورونا في أوروبا“.
وابتدأ ماركوفيتش المؤتمر الصحفي بخلع الكمامة. وفى أوائل مارس آذار أغلقت الجمهورية الواقعة بمنطقة البلقان التي يبلغ عدد سكانها 620 ألف نسمة وتعتمد على عائدات السياحة الحدود والمطارات والموانئ والمدارس وحظرت التجمعات العامة والأنشطة في الأماكن المفتوحة للحد من انتشار الفيروس. وجرى تخفيف القيود تدريجيا منذ 30 مارس آذار. وقال ماركوفيتش إن الجبل الأسود سيفتح حدوده أمام المسافرين من الدول التي لا تبلغ عن أكثر من 25 إصابة لكل 100 ألف شخص بما فيها كرواتيا وألبانيا وسلوفينيا وألمانيا واليونان. وللحد من انتشار الفيروس، نشر الجبل الأسود أيضا قوائم بأسماء وعناوين الأشخاص المعزولين ذاتيا، وهو ما أثار انتقادات منظمات حقوقية وعزل بلدية بأكملها لأسابيع. كما فرضت سلطات الجبل الأسود غرامات على مئات الأشخاص بتهمة عدم الالتزام بإجراءات العزل.
كما أعلنت حكومة سلوفينيا انتهاء وباء فيروس كورونا رسميا في البلاد، بعدما أكدت السلطات أقل من سبع إصابات جديدة يوميا بالفيروس على مدى الأسبوعين الماضيين. وقالت الحكومة في بيان إن الوافدين إلى سلوفينيا الآن من دول الاتحاد الأوروبي لم يعودوا ملزمين بدخول الحجر الصحي سبعة أيام على الأقل كما كان عليه الحال منذ مطلع أبريل نيسان.
وسجلت الدولة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، والمتاخمة لكل من إيطاليا والنمسا والمجر وكرواتيا، 1464 إصابة بفيروس كورونا و103 وفيات. كانت السلطات قد أعلنت انتشار الفيروس وباء في 12 من مارس آذار. وقالت الحكومة إن الأجانب الذين تظهر عليهم أعراض عدوى كورونا لن يسمح لهم بالدخول. وسيظل الحجر الصحي 14 يوما على الأقل قائما للقادمين من خارج الاتحاد الأوروبي، فيما عدا بعض الاستثناءات التي تشمل الدبلوماسيين ومن ينقلون الشحنات. وقالت الحكومة إنه سيظل يتعين على المواطنين اتباع قواعد أساسية لمنع الانتشار المحتمل للعدوى. ولم تذكر تفاصيل.
خلافات في المانيا
على صعيد متصل نشب خلاف بين الحكومة الاتحادية الألمانية وحكومات محلية حول موعد وكيفية تخفيف قواعد الاتصال عن بعد، مع تحذير أنصار المستشارة أنجيلا ميركل من أن إلغاء هذه القواعد قد يؤدي إلى إطلاق العنان لموجة جديدة من العدوى بفيروس كورونا. واندلع الخلاف بعد أن قال بودو راميلو رئيس وزراء ولاية تورنجن الشرقية إنه سيلغي قواعد ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي، معتمدا بدلا من ذلك على إجراءات محلية. وتحدد الولايات معظم القواعد التي تؤثر على الحياة اليومية في ألمانيا.
وعلى الرغم من أن اقتراحه يتماشى مع سياسة الحكومة الاتحادية، التي تتوخى الحذر في إعادة فتح الاقتصاد تدريجيا بينما تستجيب بسرعة لمواجهة تفشي العدوى وتتبع المخالطين لمن تثبت إصابتهم، يخشى المسؤولون من أن تقوض رسالته الانضباط العام. وقال وزير الصحة ينس سبان لصحيفة بيلد ”لا ينبغي بأي حال من الأحوال إعطاء الانطباع بأن الوباء قد انتهى“، مشيرا إلى أن الرسالة الواضحة بشأن التباعد الاجتماعي والنظافة وارتداء الكمامات ستحد من انتشار الفيروس. بحسب رويترز.
وانخفضت أعداد الإصابات الجديدة بالفيروس بشكل كبير وأعيد فتح المتاجر والحانات والمطاعم والمتاحف والكنائس، على الرغم من أن العديد من الألمان يواصلون العمل من المنزل ولا تزال وسائل النقل العام أقل ازدحاما من المعتاد. وشهدت ألمانيا أيضا احتجاجات تطالب برفع قيود كورونا بشكل أسرع. وكانت مسودة وثيقة منسوبة لهيلج براون رئيس مكتب المستشارة أنجيلا ميركل أوصت بتنظيم التجمعات الخاصة لما لا يزيد على 20 شخصا اعتبارا من السادس من يونيو حزيران، على أن يكون التجمع بقدر الإمكان في الهواء الطلق. لكن السلطات تعلم أنها يجب أن تحافظ على سلامة الألمان بينما تعيد تدريجيا الحياة إلى طبيعتها.
بلجيكا وإيطاليا
من جانب اخر قال وزير الداخلية البلجيكي إن بلاده لن تفرض مرة أخرى الإجراءات الصارمة التي استمرت شهرين لمكافحة تفشي فيروس كورونا حتى إذا حدثت موجة ثانية من حالات الإصابة بمرض كوفيد-19. وأوقفت بلجيكا التي يبلغ عدد سكانها 11.5 مليون الأنشطة والأعمال في منتصف مارس آذار باستثناء متاجر الأغذية والصيدليات، لكنها استأنفت تدريجيا بعض الأنشطة في مايو أيار بما في ذلك إعادة فتح متاجر السلع الأخرى.
وقال بيتر دي كريم لمحطة (في.تي.إم) التلفزيونية”الإغلاق الأول تعامل مع الوضع الذي وصلنا إليه. كانت هذه ظروفا استثنائية لكن لم نكن أبدا في وضع إيطاليا أو إسبانيا“. وأضاف أن إجراءات الإغلاق الصارمة كانت تشمل عدم رفض المستشفيات تقديم الرعاية الطبية للمواطنين. وقال ”إذا حدثت موجة ثانية، أعتقد أننا سنجد أنفسنا في وضع مختلف، خاصة فيما يتعلق بالفحص وتتبع الحالات المشتبه بها. لكن أعتقد أنه يمكننا استبعاد اللجوء مرة أخرى إلى الإجراءات المشددة“. وكانت بلجيكا التي تستضيف مقرات الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من أكثر دول أوروبا تضررا، لكن عدد الحالات والوفيات انخفض منذ بلوغ الذروة في مطلع أبريل نيسان.
الى جانب ذلك ذكرت مسودة مرسوم أن إيطاليا بصدد السماح بحرية السفر في أنحاء البلاد بدءا من الثالث من يونيو حزيران فيما تتجه الحكومة صوب رفع إجراءات العزل العام التي فرضتها لمكافحة فيروس كورونا وإنعاش الاقتصاد الذي تضرر بشدة. وكانت إيطاليا أول بلد أوروبي يفرض عزلا عاما مشددا في كافة أنحاء البلاد في مارس آذار في محاولة للحد من انتشار المرض وبدأت تخفف القيود المفروضة تدريجيا مع تراجع عدد الحالات الجديدة. بحسب رويترز.
ويمثل إنهاء القيود على السفر إنجازا كبيرا في طريق إيطاليا نحو التعافي من الجائحة في الوقت الذي تأمل فيه الحكومة في إنقاذ موسم العطلة المرتقب حيث يغادر الإيطاليون المدن عادة في العطلة الصيفية. واستأنفت المصانع الإيطالية عملها في الرابع من مايو أيار ومن المقرر أن تفتح المتاجر أبوابها مجددا. وذكرت المسودة أن المناطق يمكنها إعادة تشغيل كافة قطاعات الاقتصاد التي لا تزال مغلقة طالما تم اتباع بروتوكولات الوقاية. وستراقب السلطات الصحية المحلية الوضع للتأكد من بقاء العدوى تحت السيطرة. وأضافت أن رؤساء البلديات يمكنهم التدخل وإغلاق الأماكن العامة إذا تبين أن التباعد الاجتماعي مستحيل.
اسبانيا وفرنسا
في السياق ذاته حثت إسبانيا السائحين الأجانب على العودة اعتبارا من يوليو تموز مع تخفيف إحدى أكثر عمليات الإغلاق صرامة في أوروبا إذا بدأت الحركة تعود تدريجيا للشوارع وعاد بعض التلاميذ إلى المدارس. وأغلقت إسبانيا التي تعد ثاني مقصد سياحي بالعالم أبوابها وشواطئها في مارس آذار للتصدي لجائحة كوفيد-19 لكنها تجاوزت المرحلة الأصعب وتخطط لإنهاء الحجر الصحي لمدة 14 يوما المفروض على القادمين من خارج البلاد خلال أسابيع.
وقالت وزيرة السياحة رييس ماروتو لمحطة الإذاعة المحلية أوندا ثيرو ”من المناسب تماما التخطيط للعطلات الصيفية في إسبانيا في يوليو“ وذلك في الوقت الذي تستعد إسبانيا لإنقاذ صناعة السياحة التي تجذب عادة 80 مليون شخص كل عام. وبدأت العاصمة مدريد التي كانت أكثر المناطق تضررا في استعادة مظاهر الحياة مع السماح للمواطنين بالعودة إلى متنزه ريتيرو الرئيسي وإعادة فتح بعض الحانات والمطاعم ذات المساحات المفتوحة.
ورغم السماح للحانات والمطاعم بإعادة تشغيل مساحاتها المفتوحة بكثافة 50 بالمئة لكنها لا تستطيع استقبال الزبائن بالداخل، وعاد القليل منها في مدريد للعمل. وبينما يلتزم أغلب التلاميذ في إسبانيا بالبقاء في المنزل ومتابعة دروسهم عبر الإنترنت أعادت بعض المدارس فتح أبوابها في إقليم الباسك بشمال البلاد. وكان رئيس الوزراء بيدرو سانتشيث أعلن في وقت سابق أن إسبانيا ستعيد فتح حدودها أمام السياحة الدولية وتمثل السياحة ما يزيد على 12 بالمئة من الناتج الاقتصادي لهذا البلد.
على صعيد متصل فتحت السلطات الفرنسية شواطئ الريفيرا للمرة الأولى منذ إجراءات العزل العام لمكافحة فيروس كورونا في منتصف مارس آذار حيث تمكن المصطافون من السباحة بالبحر وظهر كثيرون وهم يرتدون الكمامات. وتمكن السكان المقيمون في المناطق ذات الإصابات المنخفضة التي تسمى بالمناطق الخضراء من زيارة الشاطئ بعد تخفيف القيود. وأعادت السلطات المحلية فتح شواطئ محددة في شمال فرنسا والشواطئ المطلة على البحر المتوسط.
وفرضت السلطات إجراءات مصاحبة لفتح الشواطئ شملت السماح بالأنشطة الفردية كالسباحة والصيد شرط الالتزام بالتباعد بين الأفراد لكنها حظرت حمامات الشمس والجلوس على الشواطئ لساعات. وقال أحد المصطافين المحليين ”أشعر بضيق بعض الشيء. استطعنا السباحة هذا الصباح والاستمتاع بالبحر الذي لم نره قرابة شهرين. (لكن) لا يمكننا مع ذلك أخذ حمام شمس.. نحن شبه أحرار“.
وقال وزير الداخلية كريستوف كاستنيه الذي قام بجولة في أحد الشواطئ بمنطقة نورمادي في شمال البلاد ”الفيروس لا يزال موجودا. ينبغي أن نتعلم التعايش معه...نحن جميعا مسؤولون عن محاربة كوفيد-19“ في إشارة إلى المرض الناتج عن الإصابة بالفيروس. كما حذر الوزير من أن عدم احترام القواعد سيدفع السلطات ”للتراجع عن قرارتها“.
اضف تعليق