لا يتكلم لغة النخبة السياسية ويقول ما هو مقتنع به دوما ولا يبتعد في حديثه عن لغة القانون، هذا ما يعرفه الجميع عن قيس سعيّد رجل القانون، الذي أعلن فوزه برئاسة تونس، فمن هو سعيد؟ وهل يستطيع إصلاح ما أفسدته النخبة السياسية؟...
بدأ الناخبون التونسيون الإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للبلاد في الجولة الثانية التي يتنافس فيها رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي، والقانوني الأكاديمي قيس سعيد. حيث دعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس وبحسب بعض المصادر، أكثر من 7 ملايين ناخب للعودة إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة على التوالي خلال أقل من شهر لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
ويتنافس القروي وسعيد في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية، بعد أن حلا في الترتيبين الأول والثاني في الجولة الأولى من الاقتراع، رغم أنه لم يسبق لأي منهما تولي منصب سياسي. وكانت عملية انتخابهما غريبة بعض الشيء. فالقروي (56 عاما) كان مسجونا منذ 23 أغسطس الماضي، وقد قادت زوجته حملته الانتخابية أثناء سجنه. وأفرجت السلطات القضائية التونسية عن القروي قبل 3 أيام فقط، بعد أن أوقفته على ذمة التحقيق بتهم تتعلق بغسل أموال وتهرب ضريبي، إلا أنه نفى التهم الموجهة إليه.
وكان تصدر سعيد لنتائج انتخابات الجولة الأولى مفاجئا للكثيرين، لكن –على ما يبدو- تلقى دعما قويا من الناخبين الشباب الذين فقدوا الأمل في غالبية الأحزاب السياسية على الساحة التونسية. وكان سعيد -وهو أستاذ جامعي ومرشح مستقل (61 عاما)- حصل على 18.4% من الأصوات في الدور الأول، الذي أجري في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، في حين حصل القروي -وهو رجل أعمال (56 عاما)- على 15.5%، وهو مرشح حزب "قلب تونس". يشار إلى أن صلاحيات رئاسة الجمهورية في تونس أصبحت أقل من صلاحيات رئيس الحكومة في ظل الدستور الجديد الذي اعتمد عام 2014، ومن أبرز صلاحيات رئيس البلاد ضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي، كما يتولى التعيينات في الوظائف العسكرية والدبلوماسية.
من جانب اخر بدأت تتشكل في تونس بوادر أزمة سياسية بعد أن أظهرت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات البرلمانية عدم فوز أي حزب بأغلبية مريحة تتيح له تشكيل حكومة بمفرده وأن الطريق لتشكيل حكومة جديدة سيكون وعرا. ويتعين على الحكومة الجديدة في تونس أن تعالج على وجه السرعة مشكلات اقتصادية ومالية مزمنة.
فقد أظهرت استطلاعات آراء الناخبين حصول حزب النهضة الإسلامي على أعلى الأصوات لكن بفارق طفيف بما يعني أنه سيحتاج إلى العديد من الأحزاب الأخرى حتى يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية. وقالت القيادية بحركة النهضة يامينة الزغلامي ”نحن نعي جيدا أن مهمة تكوين حكومة ستكون صعبة ومُعقدة“. وقال عدة منافسين لحزب النهضة إنهم لن ينضموا لحكومة يقودها، ويواجه التونسيون احتمال إجراء مفاوضات مطولة وإمكانية إجراء انتخابات أخرى إذا لم يتسن الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية.
وبعد ثماني سنوات على تخليص البلاد من الحكم الاستبدادي، يشعر كثير من التونسيين بخيبة أمل من فشل حكومات ائتلافية متعاقبة في معالجة المشاكل الاقتصادية، كما ينذر رفضهم للأحزاب الكبرى بفترة اضطرابات جديدة. وتشكيل حكومة ائتلافية يتطلب أغلبية 109 مقاعد مؤيدة في البرلمان. ويترتب على أي شلل سياسي مخاطر جديدة لاقتصاد هش لم يتعاف أبدا من صدمة ثورة 2011 التي أنهت عقودا من الاستبداد وفتحت الباب أمام الديمقراطية وفجرت ثورات ”الربيع العربي“.
وتحاول تونس، بتشجيع من صندوق النقد الدولي، كبح جماح الدّين العام الذي يتضخم بينما يسعى الزعماء السياسيون لكسب الناخبين من خلال تشغيلهم في الوظائف الحكومية. ومع ذلك، تصل معدلات البطالة إلى 15 بالمئة على مستوى البلاد و30 بالمئة في بعض المدن، ولا يزال معدل التضخم مرتفعا عند 6.8 في المئة، وبدأت السياحة تسترد عافيتها هذا العام فقط بعد هجومين لمتشددين عام 2015 دفعا العديد من الدول لتحذير مواطنيها من زيارة تونس.
الأستاذ المحافظ ورجل الصرامة
يعتبر كثير من التونسيين أن المرشح قيس سعيّد الذي شكل مفاجأة الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، هو "رجل الصرامة والنظافة"، القادر على قيادة تونس في المرحلة المقبلة، وتحقيق تطلعات الشباب وخاصة الطلبة وجل أنصاره منهم، وذلك برغم افتقار أستاذ القانون الدستوري للخبرة في مجال العمل السياسي.
يمثل الرئيس التونسي الجديد، أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، لدى شريحة واسعة من التونسيين رجل الصرامة و"النظافة" والذي يقدم نفسه كمستقل، متبنيا بعض الأفكار المحافظة، وقد ولد سعيّد في 22 فبراير/شباط 1958 لعائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وأم ماكثة في البيت. درس بالجامعة التونسية وتخرج منها ليدرس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل التقاعد في 2018.
وحصل سعيّد على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس، ثم باشر تدريس القانون في جامعة (سوسة) وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل إثرها ومنذ 1999 وحتى 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.
ولسعيّد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل التي ظهرت لأول مر برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية بشعرها القصيرة ونظاراتها الشمسية، ولم يتحصل سعيّد الذي يلقبه أنصاره بـ"الأستاذ" احتراما لشخصه، على شهادة الدكتوراه وكانت كتاباته ومنشوراته نادرة. ويلقبه طلبته بالشخصية التي تكرس حياتها لمهنتها وهي التدريس ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم والذي نادرا ما يبتسم.
وجل أنصاره هم طلبة، إلى جانب شخصيات كان حضورها بارزا خلال احتجاجات "القصبة 1" عام 2011 والتي كانت منعرجا في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. كما عرف شهرة واستحسانا خلال ظهوره المتعدد منذ 2011 في وسائل الإعلام، يقدم التفسيرات والتوضيحات وتبسيط المسائل الدستورية المعقدة خلال كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014.
وأثار سعيّد الجدل في البلاد منذ إعلان ترشحه للانتخابات لقلة المعلومات حوله ولقربه من شخصيات سياسية محافظة. واعتبره البعض يساريا وصنفه آخرون بالإسلامي المحافظ. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض التوجهات والأفكار للرجل الذي يدافع بشدة على لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على الجهات.
ويدعو سعيّد لانتخاب مجالس جهوية تعين بدورها ممثلين لها "من أجل أن تصل إرادة الشعب للسلطة المركزية ومقاومة الفساد". وظهر في نوايا التصويت في استطلاعات الرأي في الربيع الفائت وذلك لكونه شخصية خارج نظام الحكم والسياسيين وقريبة من التونسيين الذين ملوا من نظام الحكم وممثليه.
كما ينظر لسعيّد "كرجل نظيف" ويقطن منزلا في منطقة اجتماعية متوسطة وتمركزت حملته الانتخابية في مكتب متواضع وسط العاصمة. وانتقد سعيّد لمواقفه المحافظة في بعض المسائل الاجتماعية لكنه وفي خطاباته لا يستند إلى مرجعيات دينية وعقائدية إطلاقا.
وقال عنه خبير القانون الدستوري وأستاذه السابق عياض بن عاشور في تصريح لصحيفة "لاكروا" الفرنسية "هو بالفعل محافظ جدا وليس إسلاميا ولا يقدم قناعاته الشخصية في خصوص المسائل الأولوية".
إلا أن سعيّد أكد إثر صدور نتائج الدورة الأولى وفي مؤتمر صحفي على أنه "لا رجوع عن المكتسبات في ما يتعلق بالحريات وحقوق المرأة"، رافضا مقترح المساواة في الميراث، وسيكون الرئيس التونس الجديد أمام تحدي توسيع دائرة مناصريه الذين يقفون إلى جانبه الآن تطوعا.
تحدياته: برلمان جديد ومنقسم
من جانب اخر أظهرت النتائج الرسمية الأولية أن حزب النهضة الإسلامي سيكون أكبر حزب في البرلمان التونسي الجديد، لكن مع حصوله على 52 مقعدا فحسب من أصل 217 مقعدا، فقد يجد الحزب صعوبة من أجل بناء ائتلاف حكومي. ويبدو أن تلك النتائج، إلى جانب نتائج الجولة الأولى من انتخابات رئاسية منفصلة أجريت الشهر الماضي، تؤكد عدم الرضا عن الأحزاب الرئيسية.
وعلى الرغم من أن حزب النهضة احتل المركز الأول، إلا أنه حصل على مقاعد أقل بواقع 17 مقعدا مقارنة مع الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2014، عندما جاء في المركز الثاني في تحالف علماني انهار منذ ذلك الحين. وكان حزب النهضة عضوا في العديد من الائتلافات الحاكمة منذ ثورة تونس عام 2011 والتي فشلت في تحسين مستويات المعيشة أو الخدمات العامة في الديمقراطية الفتية. بحسب رويترز.
وأي مأزق سياسي ناتج عن البرلمان المنقسم سيعقد جهود تونس لمعالجة المشاكل الاقتصادية المزمنة بما في ذلك الدين العام الكبير والبطالة التي وصلت نسبتها إلى 15 في المئة. واحتل حزب قلب تونس، الذي يتزعمه المرشح الرئاسي نبيل القروي، المركز الثاني بحصوله على 38 مقعدا، بينما حصل حزب التيار الديمقراطي على 22 مقعدا وحزب ائتلاف الكرامة على 21 مقعدا. وشغلت أربعة أحزاب أخرى ما بين أربعة و 17 مقعدا لكل منها. ولا يزال بالإمكان الطعن على النتائج، التي أعلن عنها في بيان لهيئة الانتخابات بثه التلفزيون.
ولفترة طويلة ظلت الانتخابات البرلمانية محور اهتمام حزب النهضة لأن الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد يملك أفضل فرصة لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة في حين أن صلاحيات الرئيس محدودة نسبيا. وكان حزب النهضة محظورا قبل انتفاضة 2011 وبرز بعدها كأقوى الأحزاب وكان خصومه يعتبرونه حزبا رجعيا وخطيرا وأنصاره يرون فيه صوت الثورة. غير أن نصره الانتخابي في ذلك العام بعدد 1.5 مليون صوت تمثل 37 في المئة من مجموع الأصوات دفع العلمانيين في تونس للتصدي له إذ أقلقتهم هجمات متطرفين إسلاميين وما حدث في مصر عندما تولى الإخوان المسلمون الحكم.
ومع استقطاب ينذر بالخطر في البلاد ومواجهة أزمة اقتصادية تبنى حزب النهضة مواقف اجتماعية معتدلة وانضم لأحزاب علمانية في سلسلة من الائتلافات التي حاولت معالجة الدين العام. وتعتقد قيادات الحزب أن تلك القرارات ساعدت في تحاشي اضطرابات مماثلة لما صاحب صعود نجم الإخوان المسلمين وسقوطهم في مصر وفي تفادي كارثة اقتصادية. غير أنه أضعف هوية الحزب وربطه بسياسات حكومية لا تحظى بالقبول الشعبي. بحسب رويترز.
وبحلول 2014 كان نصيب حزب النهضة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية قد انخفض إلى 28 في المئة بإجمالي 947 ألف صوت. وفي انتخابات الرئاسة الشهر الماضي حصل مرشحه على 12 في المئة فقط بمجموع 434 ألف صوت. ولا يزال النهضة رغم كل متاعبه أفضل الحركات السياسية في تونس تنظيما إذ يقف في مواجهة مجموعة من المنافسين دائمي التحول ولا يمكن الاعتماد عليهم.
أبن الطبقة الوسطى
ولد سعيّد في 22 شباط/فبراير 1958 في عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى من أب موظف وأم ربة بيت، ودرس بالجامعة التونسية وتخرج فيها ليدرس فيها لاحقا القانون الدستوري قبل التقاعد بسنة. حصل على دبلوم في سن 28 عاما من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون في جامعة (سوسة) وأشرف لفترة وجيزة على قسم القانون العام لينتقل إثرها ومنذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.
ولسعيّد بنتان وولد وهو متزوج من القاضية إشراف شبيل التي ظهرت لأول مرّة برفقته خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية بشعرها القصيرة ونظارتها الشمسية.
ماذا يقال عنه؟
يعتبره طلابه شخصية تكرس حياتها لمهنتها وهي التدريس ويظهر في صورة الإنسان المستقيم والصارم ونادرا ما يبتسم. أطلقت عليه تسمية "روبوكوب" من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لأنه دائما ما يتحدث اللغة العربية بطلاقة وبدون توقف. قال عنه أحد طلابه في تغريدة على تويتر "يمكن أن يمضي ساعات خارج حصص الدرس مع الطلبة لتوضيح بعض النقاط بخصوص امتحان".
وصفه أحد طلبته نسيم بن غربية وهو صحافي كان تابع دروسه بين 2011 و2012 "بالأستاذ الجديّ والمسرحي أحيانا، لكنه دائم الإصغاء لطلبته". يتذكر صحافي من فرانس برس أن سعيّد وحين يدخل صباحا الكلية يبدأ بإلقاء التحية على كل من يصادفه من زملائه الذين يدرسون معه وعمّال النظافة والموظفين بالإدارة والطلبة، ويسأل عن أحوالهم وأحوال عائلتهم فردا فردا.
من هم أنصاره؟
تضم شبكة أنصاره بالأساس طلبة متطوعين، إلى جانب شخصيات كان حضورها بارزا خلال احتجاجات "القصبة 1" عام 2011 والتي كانت منعطفا في مسار الانتقال الديموقراطي في البلاد إثر سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
عرف شهرة واستحسانا من قبل التونسيين خلال ظهوره المتعدد منذ 2011 في وسائل الإعلام التونسية، يقدم التفسيرات والتوضيحات ويبسط المسائل الدستورية المعقدة خلال كتابة الدستور الجديد للبلاد عام 2014. أثار سعيّد الجدل منذ إعلان ترشحه للرئاسة لقلة المعلومات عنه ولقربه من شخصيات سياسية محافظة. واعتبره البعض يساريا فيما صنفه آخرون بالإسلامي المحافظ.
مشروعه السياسي
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بعض التوجهات والأفكار للرجل الذي يدافع بشدة على لامركزية القرار السياسي وضرورة توزيع السلطة على الجهات. يدعو سعيّد لانتخاب مجالس جهوية تعين بدورها ممثلين لها "من أجل أن تصل إرادة الشعب للسلطة المركزية ومقاومة الفساد".
ظهر في نوايا التصويت في استطلاعات الرأي في الربيع الفائت لكونه شخصية خارج نظام الحكم والسياسيين وقريبة من التونسيين الذين ملّوا نظام الحكم وممثليه. ينظر إليه "كرجل نظيف" ويقطن منزلا في منطقة اجتماعية متوسطة ومقر حملته الانتخابية مكتب متواضع وسط العاصمة.
انتقد سعيّد لمواقفه المحافظة في بعض القضايا الاجتماعية لكنه وفي خطاباته لا يستند إلى مرجعيات دينية وعقائدية. قال عنه خبير القانون الدستوري وأستاذه السابق عياض بن عاشور في تصريح لصحيفة "لاكروا" الفرنسية "هو بالفعل محافظ جدا وليس إسلاميا ولا يقدم قناعاته الشخصية في خصوص المسائل ذات الأولوية".
اضف تعليق