ان الساحة الجزائرية ربما ستشهد تطورات جديدة في الايام القادمة، خصوصا وان أحزاب المعارضة وشخصيات وطنية جزائرية، أعلنت رفضها قرارات الرئيس، واعتبارها تمديدا للعهدة الرابعة. واعتبرت في بيان خاص أن السلطة لا يمكن أن تستمر خارج أي ترتيب دستوري وضد الإرادة الشعبية، وهي غير مؤهلة لقيادة...
منذ إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة في رسالة وجهها إلى الشعب، وكانت بمنزلة برنامج انتخابي، شهدت الجزائر احتجاجات شعبية، أخذت تنتظم بداية من 22 شباط/ فبراير 2019، بهدف الضغط على النظام لسحب ترشيح الرئيس لتدهور متواصل في قدرته على قيادة البلاد التي اصبحت وبحسب بعض المراقبين، من قبل شخصيات متنفذة مقربة من بوتفليقة، هذا الاحتجاجات اجبرت السلطات على تقديم تنازلات في سعي منها لاحتواء الازمة التي تستمر وتتسع للضغط على أحزاب النظام، حيث رضخ بوتفليقة (82 عاما) وبحسب بعض المصادر، للمظاهرات الضخمة التي تواصلت ضد حكمه المستمر منذ 20 عاما ووعد بالانتقال إلى قيادة جديدة.
ولكنه أرجأ الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل نيسان مما يعني أنه سيظل على الأرجح في السلطة لبعض الوقت. وتزايد شعور الجزائريين بالضجر من الرئيس المريض وغيره من قدامى المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال عن فرنسا بين عامي 1954 و1962 والذين يسيطرون على بلد يعاني من ارتفاع معدل البطالة وسوء الخدمات وتفشي الفساد.
ويرى بعض المراقبين ان الساحة الجزائرية ربما ستشهد تطورات جديدة في الايام القادمة، خصوصا وان أحزاب المعارضة وشخصيات وطنية جزائرية، أعلنت رفضها قرارات الرئيس، واعتبارها تمديدا للعهدة الرابعة. واعتبرت في بيان خاص أن السلطة لا يمكن أن تستمر خارج أي ترتيب دستوري وضد الإرادة الشعبية، وهي غير مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية، كما رفض إقحام الجيش في التجاذبات السياسية. ونقلت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عن المؤرخ الفرنسي المختص في الشأن المغاربي بيير فيرميرين أن الجزائر تدخل مرحلة ملتبسة وغير مسبوقة من تاريخها، مليئة بالتحديات، ولكنها أيضا مليئة بآمال الديمقراطية.
وقالت الصحيفة إن المتظاهرين الجزائريين الذين حصلوا للتو على نصرهم الأول، يعتبرون ورثة لمقاومة طويلة، سماها فيرميرين "بالانشقاق" تعبيرا عن مفهوم كان يطلق على معارضي الأنظمة الشيوعية الشمولية التي لا يسمح فيها بأي وجهة نظر مخالفة. ويقول المؤرخ الفرنسي -تحليلا لتنازل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لفترة خامسة- إن الضغط القوي الناتج عن إجماع الشعب الجزائري في الشوارع، ودعم العديد من النخب، جعلا هذا التنازل أمرا لا مفر منه، إلا بالنسبة لمن يريد إثارة عنف خطير وغير ضروري. وأشار إلى أن الحكومة تحاول التراجع مع التحكم في الوضع، ولكنها ضعيفة للغاية وليست لديها أوراق كثيرة، منبها إلى أنه لا ينبغي الخلط بين السلطة الحالية ومؤسسات الدولة الجزائرية كالجيش.
ويرى فيرميرين أن الجزائر تدخل مرحلة ملتبسة وغير مسبوقة من تاريخها، مليئة بالتحديات، ولكنها أيضا مليئة بآمال الديمقراطية، وليس من المنطقي بالنسبة له أن يتراجع الشعب بشبابه المميز في هذه اللحظة، خاصة أن الجزائر تغيرت في غضون أسابيع قليلة. ورأى فيرميرين أن إعادة بناء طبقة سياسية كاملة عملية طويلة الأجل، خاصة أن الجزائر محكومة منذ عام 2003 من قبل قوة مجهولة الهوية، يسميها جميع الجزائريين اسم "السلطة" أو "النظام"، وكان بوتفليقة رمزا لها، وله شرعية ممتدة منذ حرب التحرير الجزائرية، ولكنه آخر ذلك الجيل الذي يسامحه الجزائريون في كل شيء حتى الاستبداد، واعتبر المؤرخ أن الجزائر بعد بوتفليقة داخلة إلى المجهول، ولكن مطالب الديمقراطية فيها ستكون بالضرورة أعلى. وعلل فيرميرين عدم تدخل الشرطة بأن لدى الجزائر قوات شرطة كافية لاحتواء الحركة عندما يكون حجمها طبيعيا، أما عندما يتعلق الأمر بشعب بأكمله فذلك شيء آخر، حسب تعبيره.
إرادة الشعب
وفي هذا الشأن أعلنت الحكومة الجزائرية عن استعدادها لإجراء محادثات مع المحتجين الذين يتوقون إلى تغيير سياسي سريع، قائلة إنها تستهدف نظام حكم يستند إلى ”إرادة الشعب“ بعدما رفضت جماعات المعارضة مقترحات الإصلاح ووصفتها بأنها غير كافية. وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد عدل عن قرار بالترشح لولاية خامسة تحت وطأة مظاهرات حاشدة ينظمها منذ أسابيع محتجون ضاقوا ذرعا بالحكم الشمولي وعقود من الركود السياسي والاقتصادي.
وكان رئيس أركان القوات المسلحة ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح أبلغ قناة النهار في وقت سابق بأن الجيش سيحافظ على أمن الجزائر ”مهما كانت الظروف والأحوال“. وتظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص من كل طبقات المجتمع على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ضد الفساد والبطالة وطبقة حاكمة يهيمن عليها الجيش وقدامى المحاربين في حرب الاستقلال عن فرنسا التي دارت رحاها بين عامي 1954 و1962.
وحركت الاحتجاجات المشهد السياسي الراكد منذ فترة طويلة والذي اتسم بصعوبات اجتماعية واقتصادية على مدى عقود وبسيطرة المؤسسة العسكرية النافذة على السلطة من وراء الكواليس. وفي علامة غير معتادة على خلاف داخل النخبة السياسية، وصفت المناضلة جميلة بوحيرد إحدى بطلات حرب الاستقلال خطة بوتفليقة للإصلاح والانتقال السياسي بأنها ”انقلاب“. وقالت بوحيرد إن حكومات ما بعد الاستقلال في الجزائر استمرت في الخضوع لما وصفته بالوصاية الفرنسية، والتي قالت إن دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمبادرة بوتفليقة عبر عنها بجلاء.
وكتبت في رسالة لصحيفة الوطن ”أحدث العلامات الكاشفة عن هذه الروابط السيئة بالهيمنة الاستعمارية الجديدة، وهي دعم الرئيس الفرنسي للانقلاب الذي خطط له نظيره الجزائري، إنما هي عدوان على الشعب الجزائري...“. ولا صلة للشباب الجزائري بحرب الاستقلال سوى من خلال أجدادهم. وتنصب أولوياتهم على البحث عن وظائف والتماس خدمات أفضل لا توفرها البلاد على الرغم من ثروتها من النفط والغاز.
وفيما يسلط الضوء على الانفصال بين بوتفليقة المتقدم في العمر والشبان الجزائريين، أعلن الرئيس عن خطته الانتقالية في رسالة إلى الأمة التي يعبر مواطنوها عن خيبة أملهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقال قادر عبد الرحيم المحلل بجامعة ساينس بو في فرنسا ”عندما تدقق في قراءة الرسالة تجدها ماكرة للغاية. ويقول: أنا أتقاعد لكن عندما تواصل القراءة يصبح أكثر وضوحا أنها حيلة وأنه يتهرب ويتحوط“. وأضاف ”الأمر يتعلق بتمديد فترته الرابعة لأجل غير مسمى. لم يستغرق الأمر من الجزائريين سوى ساعات قليلة لإدراك ما يدور وفهم ما يرمي إليه“. بحسب رويترز.
ولا هوادة في الضغوط التي يواجهها بوتفليقة، الذي يحكم الجزائر منذ 20 عاما ولم يظهر في مناسبات عامة إلا نادرا منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013. وثمة خطط لتنظيم احتجاج حاشد في العاصمة الجزائرية يوم الجمعة. ونظم معلمو المدارس إضرابا اليوم الأربعاء في عدة مدن وانضم إليهم جزائريون آخرون. وقال طالب يدعى مسعود مكي (25 عاما) ”نريد استئصال النظام“.
انتصار وشكوك
الى جانب ذلك تباينت ردود فعل الجزائريين غداة إعلان الرئيس بوتفليقة في رسالة منسوبة إليه عن مجموعة من القرارات السياسية، أبرزها تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان المقبل وعدم الترشح لعهدة رئاسية خامسة، فضلا عن تعيين كل من نور الدين بدوي رئيسا للوزراء ورمطان لعمامرة نائبا له لتسيير المرحلة الانتقالية.
وبعد نشوة الانتصار، عاد الشك في نية إصلاح النظام الجزائري لينتاب العديد من المواطنين بعد أن قرأوا "بين السطور" وتمعنوا في مضمون رسالة عبد العزيز بوتفليقة. وفي هذا الشأن، قال سمير يحياوي، منسق حركة "ابتكار" التي تهتم بالشأن السياسي الجزائري:" شعرت بخيبة أمل كبيرة عندما قرأت رسالة بوتفليقة بتأني. في الحقيقة ما قام به هو تمديد عهدته الرئاسية بسنة ونصف على الأقل وبتعيين رجال من النظام لتسيير المرحلة الانتقالية". وأضاف بنبرة فيها شيء من الغضب:" لو كان يرغب في تحقيق التغيير في الجزائر، لعيّن مسؤولين من المعارضة، خاصة وأن هناك أسماء كثيرة تتمتع بمصداقية عند الشعب الجزائري وبإمكانها لعب أدوار بارزة في هذه المرحلة الصعبة ".
وتابع يحياوي: " المواطنون لن يقبلوا بهذا الأمر. لقد تحدثت عبر الهاتف مع أصدقاء في الجزائر وقالوا لي إن التعبئة مستمرة وإن التحضيرات جارية لمسيرات ضخمة في العديد من مدن البلاد. وحول الوضع الأمني الذي يمكن أن يفلت في الشارع، أكد سمير يحياوي أن "المسيرات ستكون سلمية ومتحضرة كما السابقات، إلا في حال عمد النظام إلى اللجوء إلى العنف"، مضيفا أنه بـ "صدد تنظيم حفل غنائي يضم مغنيين ملتزمين وشخصيات من المجتمع المدني في 3 أبريل/نيسان المقبل بباريس تضامنا مع المتظاهرين في الجزائر".
وفي شريط فيديو بثه عبر يوتيوب، دعا من جهته كريم طابو، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي الجزائريين إلى "مواصلة الاحتجاج وعدم الاستسلام للخيارات المطروحة من قبل النظام". وقال: "نحن أمام محاولة من النظام للتآمر على الحراك الشعبي، يعني على حراككم". وتابع مخاطبا الجزائريين:" أنتم أسستم لجزائر جديدة وديمقراطية ولجمهورية الحريات. لكن هذا النظام يتعنت ويتمسك ويحاول المراوغة بمصيركم ومصيرنا". وأضاف:" أناشدكم من أعماق قلبي وبكل جهدي وقناعتي السياسية بأن ننزل بالآلاف وبالملايين إلى كل شوارع الجزائر لإفشال هذه المناورة وهذا الانقلاب الذي تريد أن تقوم به العصابة ضد الحراك الشعبي".
وأنهى طابو خطابه الذي قام بمشاركته العديد من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي:" هذا النظام (يعني النظام الجزائري) لا يريد أن يقرأ الرسائل الموجهة إليه ويريد أن يناور ويبقى. لذا أطلب منكم أن ننزل إلى الشارع بالملايين لكي نحرر هذه البلاد من هذه المنظومة الفاشلة". وبث كريم طابو أيضارسالتهفي خطاب باللغة الفرنسية ثم بالأمازيغية. هذا، ورأى حزب "حركة مجتمع السلم" (حمس) الذي يقوده عبد الرزاق مقري أن هناك نوع من الخدعة في الخطة التي اقترحها عبد العزيز بوتفليقة للخروج من المأزق السياسي. ففي بيان نشره موقع " كل شيء عن الجزائر" ، وصف الحزب عملية تأجيل الانتخابات في الجزائر على" أنها التفاف على إرادة الشعب"، موضحا في الوقت نفسه أن" ما اقترحه الرئيس بوتفليقة لا يتطابق مع المبادرة التي اقترحها سابقا للمعارضة".
نفس التحليل تقريبا توصلت إليه الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي أكدت أن "خارطة الطريق التي كشفتها الرئاسة الجزائرية، استجابة للتظاهرات الشعبية، لا تعكس إرادة الشعب الجزائري"، مشيرة حسب بيان أصدرته إلى "أن النظام الذي أصبح الآن غير شرعي، لا يمكن أن يقود التغيير ويتحكم في هذه العملية". في المقابل، وصف حزب تجمع أمل الجزائر (تاج) الذي يرأسه وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول، القرارات التي اتخذها عبد العزيز بـ"الحكيمة".
من جانبه، تمنى عمارة بن يونس، زعيم حزب الحركة الشعبية الجزائرية أن تهدئ قرارات الرئيس بوتفليقة الأوضاع وتشارك في تعزيز المسار الديمقراطي في الجزائر". وتأتي هذه التصريحات في وقت تجددت فيه الاحتجاجات الشعبية، ولا سيما في الجزائر العاصمة"، ضد مضمون الرسالة التي بعثها بوتفليقة والتي يبدو أنها لم ترق إلى مستوى مطالب بعض الجزائريين الذين يدعون النظام إلى الرحيل "عاجلا" وليس آجلا. بحسب فرانس برس.
وتظهر بعض الصور والفيديوهات التي بثت على مواقع التواصل الاجتماعي تجمعات احتجاجية أمام البريد المركزي بالعاصمة وعلى مستوى ساحة "أودان" وشارع ديدوش مراد،إضافة إلى مظاهرات خرجت في مدن أخرى. هذا وتوالت الدعوات إلى تنظيم مظاهرة حاشدة وسلمية الجمعة المقبل لرفض خارطة الطريق التي اقترحها الرئيس الجزائري المنتهية ولايته في 18 أبريل/نيسان المقبل.
مستقبل الجزائر
من جانب اخر صرح مصدر حكومي بأن من المتوقع أن ينضم الدبلوماسي الجزائري المحنك الأخضر الإبراهيمي وممثلون للمحتجين إلى مؤتمر يهدف للتخطيط لمستقبل البلاد بعد أن أذعن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لاحتجاجات حاشدة ووافق على عدم خوض الانتخابات. ومن المتوقع أن يرأس الإبراهيمي، وهو وزير خارجية سابق ومبعوث خاص سابق لدى الأمم المتحدة، المؤتمر الذي سيشرف على انتقال السلطة وصياغة دستور جديد وتحديد موعد الانتخابات.
وأضاف المصدر أن المؤتمر سيضم ممثلين عن المتظاهرين بالإضافة إلى شخصيات لعبت دورا بارزا في حرب الاستقلال التي استمرت من عام 1954 إلى عام 1962. وأشاد الإبراهيمي، بعد اجتماعه مع بوتفليقة، بسلوك المحتجين قائلا على التلفزيون ”الشباب الذين خرجوا في شوارع بلدنا تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج“ داعيا إلى ”الاستمرار في التعامل مع بعضنا البعض بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل وأن نحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد“.
من جهة أخرى قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن قرار بوتفليقة التراجع عن الترشح لعهدة خامسة يفتح فصلا جديدا في تاريخ الجزائر ودعا إلى فترة انتقالية ”لمدة معقولة“. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ”إن فرنسا تعبر عن أملها في أن يبدأ الحراك الجديد الذي استجاب لتطلعات الشعب الجزائري عمله سريعا“.
اضف تعليق