تدهور العلاقات الأمريكية السعودية بشكل كبير في الفترة الاخيرة، التي اعقبت مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، بسبب الخلافات بين ادارة البيت الأبيض وبعض القادة المطالبين بضرورة تحميل ولي العهد محمد بن سلمان المسؤولية ومحاسبته. ووضعت حادثة مقتل جمال خاشقجي الرئيس الأمريكي في دائرة الضوء...
تدهور العلاقات الأمريكية السعودية بشكل كبير في الفترة الاخيرة، التي اعقبت مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، بسبب الخلافات بين ادارة البيت الأبيض وبعض القادة المطالبين بضرورة تحميل ولي العهد محمد بن سلمان المسؤولية ومحاسبته. ووضعت حادثة مقتل جمال خاشقجي الرئيس الأمريكي في دائرة الضوء أمام معارضيه من الحزب الديموقراطي نظرا للدعم "غير المحدود" الذي تمتع به ولي العهد منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستمرار محاولاته بالدفاع عنه حتى بعد أن خلصت وكالة المخابرات المركزية إلى مسؤولية ولي العهد مباشرة عن مقتل خاشقجي في ما ينظر إليه على أنه ابتعاد من الرئيس الأمريكي عن القيم التقليدية للولايات المتحدة والتزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم.
وتنظر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكما نقلت بعض المصادر، إلى أن المزيد من الإجراءات لإضعاف ولي العهد السعودي، الشريك في مواجهة تهديدات إيران، يمكن أن تساهم في تقويض الاستراتيجيات الأمريكية، بما فيها العقوبات، للحد من نفوذ إيران التي لا خلاف على أنه يزداد اتساعا في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفي المنطقة عموما.
إلا أن الولايات المتحدة، وفريق ترامب تحديدا، معنية بمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة وفي مضيقي هرمز وباب المندب وستظل حاجتها للسعودية قائمة في شراكة إستراتيجية تبدو في العقل السياسي الأمريكي أكبر من تخريبها لمقتل صحفي سعودي بأوامر من ولي العهد أو من دونها. وكانت حادثة مقتل جمال خاشقجي قد أدت إلى تحول سريع في موقف الولايات المتحدة من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، دفع وزيري الخارجية والدفاع نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2018 للدعوة إلى إجراء مفاوضات بين جماعة الحوثي وممثلي الحكومة الشرعية التي استضافتها السويد بإشراف الأمم المتحدة وتمخضت عن توقيع اتفاق بين الطرفين لوقف القتال في مدينة الحديدة.
مجرم عتيد
وفي هذا الشأن دافع الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، مرشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتولي منصب سفير الولايات المتحدة لدى السعودية، عن العلاقات بين البلدين، في الوقت الذي اتهم فيه أعضاء بمجلس الشيوخ المملكة بارتكاب سلسلة من الأخطاء وانتقد اثنان ولي العهد قائلين إنه أصبح ”مجرما عتيدا“. وخلال جلسة للتصديق على ترشيح أبي زيد، ندد أعضاء المجلس وبينهم جمهوريون من حزب ترامب، بتصرفات المملكة في الحرب الأهلية في اليمن ودبلوماسيتها الفظة وانتهاكها لحقوق الإنسان بما في ذلك تعذيب ناشطات ومواطن أمريكي وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ودعا أبي زيد إلى محاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة ومن المدافعين عن حقوق الإنسان، لكنه شدد مرارا على أهمية العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. ورغم زيادة التوتر في العلاقات بين البلدين، لم تعين الولايات المتحدة سفيرا في المملكة منذ تولى ترامب الرئاسة في يناير كانون الثاني 2017. وقال أبي زيد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ”على الأمد البعيد، نحتاج شراكة قوية وناضجة مع السعودية“. وأضاف ”من مصلحتنا ضمان قوة العلاقة“.
وقتل خاشقجي، كاتب مقالات الرأي في صحيفة واشنطن بوست والمنتقد البارز للحكومة السعودية، في قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر تشرين الأول. وأشعل موته موجة استياء في واشنطن من سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين في حرب اليمن حيث يقاتل تحالف تقوده السعودية حركة الحوثي المدعومة من إيران.
ووافق مجلسا الشيوخ والنواب على مشروعات قوانين من شأنها أن تنهي المساندة الأمريكية للتحالف بقيادة السعودية. لكن أبي زيد قال إن إدارة ترامب على قناعة كبيرة بأن التأييد الأمريكي يجب أن يستمر. وأضاف أن استمرار الدعم ”يعزز قدرات الدفاع عن النفس لدى شركائنا ويقلل خطر إلحاق الضرر بالمدنيين“. وتناولت الجلسة أيضا التصديق على ترشيح ماثيو تويلر سفيرا لدى العراق. ودافع تويلر، وهو سفير واشنطن لدى صنعاء حاليا، عن المساندة الأمريكية للتحالف.
ووجه أعضاء بمجلس الشيوخ نقدا شديدا إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يحمله البعض مسؤولية قتل خاشقجي وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان. ووجهت السعودية اتهامات إلى 11 شخصا فيما يتعلق بمقتل خاشقجي ونفت أن يكون ولي العهد قد وجه أمرا بالقتل. وقال السناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية ”شاركت السعودية في أفعال غير مقبولة“. وعقد ريش اجتماعين مغلقين للجنة خلال الأسبوعين الأخيرين لبحث العلاقات مع السعودية.
وأقر السناتور بوب منينديز العضو الديمقراطي البارز في اللجنة بالأهمية الاستراتيجية للعلاقات مع السعودية وسط تهديدات من إيران لكنه أضاف ”لا يمكن أن ندع هذه المصالح تعمينا عن قيمنا أو عن مصالحنا في الاستقرار على الأمد الطويل“. ولم يذكر منينديز بالاسم جاريد كوشنر زوج ابنة ترامب الذي التقي بقادة سعوديين مما أغضب البعض في الكونجرس. لكنه سأل أبي زيد إن كان سيصر على الاطلاع على كل تفاصيل اتصالات البيت الأبيض مع السعودية وهو ما رد عليه أبي زيد بالإيجاب. بحسب رويترز.
وأثناء الجلسة قال السناتور الديمقراطي ماركو روبيو إن الأمير محمد أصبح ”مجرما عتيدا“، وهو ما كرره أيضا سناتور جمهوري آخر هو رون جونسون. وقال روبيو ”إنه متهور عديم الرحمة، ولديه نزوع للتصعيد والمخاطرة ويميل للمواجهات في سياسته الخارجية وأعتقد أنه يريد على نحو متزايد اختبار حدود ما يمكن أن يفلت به مع الولايات المتحدة“. من جهة أخرى قال أبي زيد في تصريحات معدة سلفا إن تنظيم داعش ”دُحر تقريبا على الأرض“ لكنه لا يزال يمثل ”تهديدا قويا“ لواشنطن وحلفائها.
الضغط على ترامب
الى جانب ذلك قال أعضاء جمهوريون وديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي إنهم يشعرون بخيبة أمل من تقاعس إدارة الرئيس دونالد ترامب عن تقديم مزيد من المعلومات عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتعهدوا بالضغط من أجل رد أقوى. وقدم مسؤولو وزارتي الخارجية والخزانة إفادة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وقال أعضاء في المجلس إنهم لم يطلعوا على أي شيء جديد.
وقال السناتور الجمهوري لينزي جراهام، وهو حليف مقرب من ترامب في كثير من القضايا، للصحفيين ”لقد كانت مضيعة للوقت تماما. أعرف أكثر مما يعرفون“. وأضاف جراهام أن الوقت قد حان لاتخاذ المزيد من الإجراءات، لكنه لم يخض في تفاصيل. وقال السناتور الجمهوري ميت رومني ”لم يكن الأمر مفيدا على الإطلاق. وكان مخيبا للآمال بالنسبة لنا ألا نحرز أي تقدم يذكر“.
وقال بوب مينينديز، وهو أكبر عضو ديمقراطي في اللجنة، إن ثمة حاجة لفرض عقوبات جديدة، ربما عن طريق تشريع شارك في رعايته مع جراهام. وتابع قائلا ”أعتقد أن على مجلس الشيوخ أن يتحرك ما لم يكن مستعدا لتقبل مقتل صحفي مقيم في الولايات المتحدة كعمل مقبول بسبب علاقة أوسع. أنا لا أقبل ذلك“. وتخلفت إدارة ترامب عن موعد نهائي في فبراير شباط لتقديم تقرير إلى الكونجرس بشأن المسؤول عن مقتل خاشقجي. وفي السعودية، تم توجيه الاتهام إلى 11 شخصا في جريمة القتل، ورفض المسؤولون الاتهامات بأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمر بارتكاب الجريمة. بحسب رويترز.
وكان التقرير مطلوبا بعد أن قام نواب العام الماضي بتفعيل بند من قانون (جلوبال ماجنيتسكي) المتعلق بالمحاسبة في مجال حقوق الإنسان لعام 2016 والذي يلزم إدارة ترامب بتحديد ما إذا كان شخص أجنبي مسؤولا عن انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. وقال مينينديز ”على مجلس الشيوخ أن يتحرك. وإلا فإن قانون جلوبال ماجنيتسكي لن يكون له أي عواقب ويمكن لأي إدارة، هذه أو غيرها، أن تتجاهله فحسب“. ولم ينضم السناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس اللجنة، إلى انتقاد الإدارة، لكنه سعى للحصول على مزيد من المعلومات. وقال ريش في بيان مكتوب بعد الإفادة ”هذا عمل مستمر“.
ابتزاز بيزوس
في السياق ذاته قالت جوليت كايم، محللة شؤون الأمن القومي، إن المزاعم التي لفت إليها جيف بيزوس، حول ابتزازه من قبل صحيفة "ناشونال انكويرر" بنشر مواد عنه وعن عشيقته، قد يكون ردا سعوديا على الطريقة التي تعاملت بها صحيفة واشنطن بوست (التي يملكها بيزوس) لقضية مقتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي. وأوضحت كايم: "من جهة بيزوس، يمكنه التكهن بأن المملكة العربية السعودية لها أسبابها الخاصة للنيل منه، وجمع هذه المعلومات عبر أجهزتها الاستخباراتية المعقدة وبعهدها تمريرها إلى ناشونال انكويرر للنشر".
ولفتت كايم إلى أن بيزوس وهو أغنى رجل في العالم "أحاط نفسه بعدد من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين سواء من وكالة الاستخبارات الأمريكية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي"، لافتا إلى تصريحه بأنه سيجري تحقيقا مستقلا في كيفية وصول الرسائل والصور بينه وبين عشيقته إلى الصحيفة. وأضافت: "يشير (بيزوس) إلى زاوية السعودية، ومن وجهة نظري هي فقط تكهنات، هل يمكنه إثبات ذلك؟ لا أعلم، ولكن من الطبيعي أن يركز على السعودية والعائلة الحاكمة هناك نظرا لطريقة تعامل واشنطن بوست مع قضية خاشقجي".
وكتب بيزوس بيانا، كاشفا فيه تعرضه لهذه الابتزازات، ذاكرا فيها أن طريقة تغطية صحيفة واشنطن بوست لقضية مقتل خاشقجي "غير محبوبة بلا شك لدى بعض الدوائر" على حد تعبيره، لافتا إلى أن العلاقة بين "أميريكان ميديا" والسعودية لا يزال غير مفهوم بشكل كامل للآن. بيزوس لفت إلى صلة بين الشركة الأم "ناشونال انكويرر" والتي تدعى "أميريكان ميديا" وبين المملكة العربية السعودية، معترفا أن صحيفة واشنطن بوست التي يملكها كسبت عداء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بعد انتقاداتها المستمرة لسياساته وخصوصا نشر تقارير عن الصلة المقربة لترامب وعائلته مع القادة بالسعودية ورفضه إدانة المملكة أو فرض عقوبات حقيقية ضد المملكة.
قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير إن المملكة ليس لها ”علاقة مطلقا“ بتقرير صحيفة ناشونال إنكوايرر الذي كشفت فيه عن وجود علاقة للرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس خارج نطاق الزوجية. وحينما سئل الجبير إن كانت السعودية ضالعة في تسريبات صحيفة إنكوايرر قال لمحطة (سي.بي.إس) ”هذا أمر بين الطرفين وليس لنا علاقة به“. وأضاف ”يبدو الأمر بالنسبة لي مثل مسلسل تلفزيوني اجتماعي“. وقال الجبير إنه لا يعلم بوجود أي صلات بين الحكومة السعودية وشركة أمريكان ميدياأو رئيسها التنفيذي ديفيد بيكر. ووصفت شركة أمريكان ميديا معة تقريرها بشأن بيزوس بأنه قانوني وقالت إنها ستحقق في ادعاءاته.
أمريكا أسوأ
الى جانب ذلك حاول رجل الأعمال الأمريكي توم باراك، صديق الرئيس دونالد ترامب وأحد كبار المتبرعين لحملته الانتخابية، تبرير مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، بحجة أن الولايات المتحدة لا تملك "السلطة الأخلاقية" لانتقاد المملكة العربية السعودية بسبب سجلها الخاص في "الأعمال الوحشية". وبسؤاله عما إذا كان مقتل خاشقجي أضر بسمعة السعودية على الساحة الدولية، خلال ندوة في قمة معهد "ميلكن" الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أبوظبي، بدأ باراك إجابته ساخرا بقوله: "طالما أنك لن تجعلني ضيفا في فندق الريتز"، في إشارة إلى فندق ريتز كارلتون بالرياض، الذي كان مقرا لاحتجاز أمراء ومسؤولين ورجال أعمال سعوديين متهمين بالفساد.
وأضاف باراك: "أعتقد أن مشكلة ما حدث مع حادثة خاشقجي هي نفس المشاكل التي يواجهها الغرب في سوء فهم الشرق الذي كان موجودا منذ سايكس - بيكو. لذلك، فإن الغرب مرتبك ولا يفهم ما هي سيادة القانون في المملكة". وتابع باراك بالقول: "مهما حدث في المملكة العربية السعودية، فإن الأعمال الوحشية في أمريكا متساوية أو أسوأ من الأعمال الوحشية في المملكة العربية السعودية. الفظائع في أي بلد أوتوقراطي تمليها سيادة القانون... لذلك، بالنسبة لنا أن نفرض ما نعتقد أنه القانون الأخلاقي هناك عندما يكون لدينا شاب في نظام يحاول دفع نفسه إلى 2030، أعتقد أنه خطأ".
وبعدها، أصدر باراك بيانا، اعتذر فيه عن عدم التوضيح في كلمته أنه يعتبر أن القتل يستحق الإدانة. لكنه قال: "أشعر بقوة أن الأعمال السيئة للقلة يجب ألا تفسر على أنها فشل مملكة ذات سيادة كاملة. بعد أن أمضيت أكثر من 40 عامًا في المنطقة". وأضاف: "أستطيع أن أشهد بأن حكم القانون والملكيات في الشرق الأوسط يربك الغرب، وأن دعم التغيير وسيادة القانون أمر ضروري بينما تحدث أخطاء خلال التغيير الكبير".
وتابع بالقول: "أنا أحب أمريكا وأنا نتاج للحرية الأمريكية والقيادة الأمريكية والحلم الأمريكي. لقد كنت دائماً أؤمن وأستمر في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي أعظم بلد في العالم، ولكن تاريخنا وسياساتنا في الشرق الأوسط كانت مربكة في بعض الأحيان، وأعتقد أننا كأمة نعمل باستمرار على أن نكون مثالاً يحتذى به، وأعتقد أننا ما زلنا نفعل".
اضف تعليق