اختتمت في الأرجنتين قمة مجموعة العشرين التي عُقدت بين زعماء العالم، دون تحقيق نتائج جديدة كما يقول بعض المراقبين الذين اكدوا ان اجواء القمة قد اثبتت عمق الخلافات بين بعض الدول وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى الى فرض قراراتها بشتى الطرق. وتضمنت القمة...
اختتمت في الأرجنتين قمة مجموعة العشرين التي عُقدت بين زعماء العالم، دون تحقيق نتائج جديدة كما يقول بعض المراقبين الذين اكدوا ان اجواء القمة قد اثبتت عمق الخلافات بين بعض الدول وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية التي تسعى الى فرض قراراتها بشتى الطرق. وتضمنت القمة ايضا كما نقلت بعض المصادر عقد لقاءات ثنائية رفيعة المستوى. ومن بين الموضوعات التي برزت إلى الواجهة في القمة الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وكذلك الخلافات الروسيه والتطورات الاخيرة مع اوكرانيا، ووضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المشتبه به في توجيه تعليمات قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية العامة في إسطنبول.
و خلال تواجه في الأرجنتين لحضور قمة العشرين فَضَّل بن سلمان الإقامة في السفارة السعودية في بوينس آيرس بدلاً عن الفندق. و مما لفت الأنظار هو رفع شكوى قضائية في الأرجنتين ضد الأمير بن سلمان بشأن جريمة قتل خاشقجي و قبول هذه الشكوى من قبل المحاكم الأرجنتينية. و خلال قمة مجموعة العشرين حرص الكثير من زعماء العالم على عدم التواجد في صورة واحدة مع بن سلمان الذي لم يعقد على هامش القمة سوى لقاءات ثنائية قليلة. اما الموضوع الاخر لقمة مجموعة العشرين، فكانت الحرب الاقتصادية المستمرة بين الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية الصين الشعبية. اذ ان وجود اختلال كبير في التوازن بين الصادرات والواردات في التجارة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، أزعج الادارة الامريكية واتخذ الرئيس الامريكي دونالد ترامب قرار فرض عقوبات ضد الصين بدلا من اللجوء الى تغييرات بنيوية. وردا على العقوبات التي قرر الرئيس الامريكي فرضها على الصين فرضت الاخيرة عقوبات على المنتجات الامريكية وإتخذت الحرب الاقتصادية بين البلدين طابعاً رسمياً. وتحول الاقتصاد الصيني الذي يحقق نموا بارقام كبيرة جدا، الى وضع يهدد فيه وضع الولايات المتحدة الامريكية في العالم ينطوي على الأهمية في هذا السياق. و إن توجه العديد من الشركات الامريكية إلى ممارسة نشاطها الإنتاجي في الصين، عزز قوة التنافس بين البلدين.
إجراءات امنية
وفي هذا الشأن احتشد آلاف المتظاهرين في بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين احتجاجا على السياسات الاقتصادية لمجموعة العشرين فيما بدأ قادة المجموعة أعمال قمتهم السنوية في المدينة. لكن موقع الاحتجاجات لم يكن قريبا من أي مكان قد يوجد فيه زعماء الدول الأعضاء مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها. ومن المتوقع هيمنة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة على جدول أعمال الاجتماعات.
وطوقت الشرطة وخفر السواحل وحرس الحدود منطقة تبلغ مساحتها 12 كيلومترا حول موقع الاجتماعات وأوقفت السلطات حركة المرور في بعض المناطق في إطار إجراءات تأمين القمة. ونظم الاحتجاجات تحالف من نقابات العمال والجماعات المعنية بحقوق الإنسان على بعد نحو خمسة كيلومترات من موقع انعقاد القمة.
وأسفرت تلك الإجراءات عن إغلاق بوينس أيرس إلى حد كبير. وتوقفت حركة النقل العام وأغلقت المئات من التقاطعات للسيطرة على المرور والحشود. كما أعلنت السلطات عطلة للبنوك على مستوى البلاد واقترحت الحكومة المنتمية ليمين الوسط أن يغادر السكان المدينة وقت القمة. وزادت تلك الإجراءات من صعوبة وصول النشطاء لموقع الاحتجاج. وتنظيم احتجاجات أثناء مثل تلك القمم أمر شائع إذ تجد جماعات مختلفة عادة الكثير من الأسباب المشتركة للاحتجاج معا على ما يعتبرونه إهمالا من عالم الأغنياء للفقراء والمهمشين. وقالت وزيرة الأمن باتريسيا بولريتس إن البلاد لم تشهد دخول جماعات عنيفة للمشاركة في الاحتجاجات.
وترزح الأرجنتين تحت وطأة تضخم وبطالة بسبب أزمة اقتصادية حصلت في أعقابها من صندوق النقد الدولي على خطة إنقاذ لا تحظى بتأييد شعبي. وتوعدت الحكومة بعدم التساهل مع أعمال العنف خلال استضافتها أكبر تجمع دولي، وتقول إنها حصلت على وعود من منظمي التظاهرات بالحفاظ على الهدوء في الشارع.
البيان الختامي
على صعيد متصل اختتمت قمة دول مجموعة العشرين في الأرجنتين أعمالها دون التوصل إلى اتفاق ملموس مع الولايات المتحدة حول قضايا جوهرية أبرزها المناخ والاقتصاد العالمي. وبضغط من ترامب، تفادى البيان الختامي للقمة استخدام عبارة مكافحة "الحمائية" مقرا برفض أمريكي لإستراتيجية عالمية لمكافحة التغير المناخي. وتعهد قادة دول مجموعة العشرين، الموقعة على اتفاق باريس بشأن المناخ وهي دول المجموعة باستثناء الولايات المتحدة، بالتنفيذ الكامل لهذا الاتفاق الذي قالوا إنه "لا عودة عنه".
كما أخذوا علما، بدون أي تعهد إضافي، بالدعوة التي أطلقها علماء الأمم المتحدة بأن يضعوا نصب أعينهم هدفا أكثر طموحا يتمثل بخفض الاحترار بمقدار 1,5 درجة مئوية بالمقارنة مع ما كانت عليه حرارة الأرض قبل الثورة الصناعية. لكن الولايات المتحدة التي ذكرت بأنها انسحبت من اتفاق باريس أكدت "التزامها القوي النمو الاقتصادي، والوصول إلى الطاقة، والأمن". وفي انحياز لموقف إدارة ترامب قالت مجموعة العشرين إن التجارة المتعددة الأطراف "لم تتمكن من تحقيق أهدافها" بتعزيز النمو وخلق فرص عمل.
ودعت المجموعة إلى إصلاح منظمة التجارة العالمية "من أجل تحسين عملها"، مشيرة إلى أنها ستستعرض خلال قمتها المقبلة المقرر عقدها العام المقبل في اليابان التقدم الذي سيتم إحرازه على هذا الصعيد. كما أكدت مجموعة العشرين أن صندوق النقد الدولي يمثل العمود الفقري لشبكة الأمان العالمية، ودعت إلى توفير التمويل الكافي له وإلى الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على الحصص الوطنية الجديدة وذلك قبل الاجتماع السنوي للمؤسسة المالية الدولية المقرّر في ربيع 2019. وتحدد الحصص الوطنية حقوق التصويت التي يتمتع بها كل من أعضاء الصندوق. وتضغط الاقتصادات الناشئة الرئيسية في مجموعة العشرين مثل الصين والهند لتعزيز موقعها في صندوق النقد الدولي.
أكدت مجموعة العشرين "التزامها درء الفساد ومكافحته والقيادة بالقدوة" ، واعدة بالعمل من عام 2019 وحتى عام 2021 لتطهير المؤسسات الحكومية من الفساد. كما جددت مجموعة العشرين التزامها تحقيق هدف عمره أربع سنوات يتمثل بتقليص الفجوة بين الجنسين في القوى العاملة بنسبة 25 في المئة بحلول عام 2025. كما دعت إلى بذل مزيد من الجهود على هذا الصعيد بما في ذلك الجهود الرامية لتوفير التعليم للفتيات.
وأعلنت مجموعة العشرين أنها وإذ تلاحظ أن التقنيّات الجديدة ستغير من طبيعة العمل، فإنها تدعو إلى مستقبل عمل "شامل وعادل ومستدام"، مع ما قد يتطلب ذلك من إعادة تدريب العمال عند الاقتضاء. من جهة أخرى، شددت مجموعة العشرين على أن البنى التحتية تمثل محركا رئيسيا للنمو العالمي، ودعت إلى بذل جهود إضافية لتوحيد صيغ العقود وذلك بهدف تشجيع الرساميل الخاصة على الاستثمار في مشاريع ضخمة.
قضية خاشقجي
من جانب اخر وقبل أيام من حضوره قمة العشرين بالأرجنتين، وبحسب مانقل موقع الجزيرة مهد ولي العهد السعودي لقبول قادة الدول المشاركة في القمة بتواجده بينهم، سيما أن 16 دولة منهم تستورد النفط، ومن بينهم الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، والهند ثالث أكبر المستوردين، بالإضافة إلى كل الدول الأوربية الأعضاء في المجموعة. وأغرق بن سلمان سوق النفط وحرق الأسعار، كهدية لضمان عدم اعتراض الزعماء على مشاركته. وشكر ترمب السعودية، وقال في تغريدته: "أسعار النفط تنخفض. رائع، هذا شبيه بخفض ضريبي كبير لأميركا والعالم. هنيئا، 54 دولارا، كانت للتو 82 دولارا. شكرا للسعودية، لكن لنخفض أكثر".
وفضحت وكالة بلومبرغ الاقتصادية اللعبة، وربطت بين انخفاض السعر ومقتل خاشقجي، وقالت: "أن سعر برميل الخام الأمريكي كان عند مستوى الـ 82 دولارا في مطلع أكتوبر، وهو تاريخ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، ومنذ مطلع الشهر الماضي تراجع سعر برميل خام "غرب تكساس الوسيط" ليتم تداوله اليوم عند مستوى الـ 54 دولارا" بانخفاض قدره 34%!.
في أول تعليق له على قضية اختفاء جمال خاشقجي، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "الأحداث خطيرة، وخطيرة للغاية"، وقال في حواره مع إذاعة فرنسا الدولية على هامش القمة 17 للفرانكفونية في يريفان بأرمينيا، إنه: "ينتظر كشف الحقائق والوضوح التام في القضية". ولما سُئل عن العلاقات الفرنسية-السعودية، قال: إن السياسة تعلو دائما على المصالح الاقتصادية، وإنه "من الخطأ اعتبار السعودية زبونا كبيرا بالنسبة لفرنسا"، وإنه "لم يدرج أبدا الدبلوماسية الفرنسية وفق معايير تجارية".
مثالية ماكرون السياسية اختفت في مقابلته مع بن سلمان على هامش قمة مجموعة العشرين بالأرجنتين، ووعده بتقديم المساعدة في أزمته وقال له: "لا بأس بإمكاني التعامل مع الأمر، أنا رجل يحترم كلمته"! ولم يكن هذا النفاق حبًا في ولي العهد ولكن طمعًا في انفاذ صفقات الأسلحة الفرنسية العالقة بين البلدين والتي تجاوزت الـ 20 مليار دولار، والتي تعارضها الجمعيات الحقوقية الفرنسية وتتهم ماكرون بمنح تراخيص تصدير الأسلحة للسعودية ويستخدمها ولي العهد في قتل الأطفال والمدنيين في اليمن، وقد زادت المطالبة بوقفها منذ مقتل خاشقجي ولكن دون جدوى.
وبعد وقوع الجريمة، دانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، مقتل جمال خاشقجي "بأشد العبارات"، وحثت ماي في كلمة أمام نواب مجلس العموم، البرلمان على مشاركتها في إدانة الحادثة. وقالت: "أنا متأكدة أن جميع نواب مجلس العموم سيشاركونني في إدانة قتل جمال خاشقجي بأشد العبارات الممكنة، ويجب علينا الوصول إلى حقيقة ما حدث". وقبل انعقاد قمة العشرين أعلنت ماي عن لقاء بن سلمان في القمة، وهو موقف سلبي في حد ذاته، وتراجع عن موقفها المتشدد من القضية، ولكنها أعلنت قبل الاجتماع إنها ستمارس ضغوطاً على الأمير في قضيتي مقتل خاشقجي والحرب في اليمن. ثم أظهرت ماي الوجه الدبلوماسي المناقض لموقفها المبدئي من الجريمة، وطالبت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باتخاذ إجراءات لمنع تكرار حوادث مثل حادثة مقتل جمال خاشقجي.
في مارس الماضي وقع ولي العهد السعودي مذكرة تفاهم لشراء 48 مقاتلة بريطانية من طراز تايفون بقيمة 14 مليار دولار، وهي صفقة يتباحث بشأنها الجانبان منذ سنوات، واستغلت ماي الوقت المناسب للتنفيذ، سيما وأن بريطانيا ستخسر جراء الخروج من الاتحاد الأوربي "بريكست" ما يعادل 100 مليار يورو سنويًا. وعلى الرغم من رفض حزب العمال المعارض الصفقة، ومطالبة منظمات غير حكومية ماي بتعليق تصدير الأسلحة للسعودية حتى تتوقف حربها على اليمن، لكن ماي تستثمر في الحدث ولن تضيع الفرصة.
الى جانب ذلك قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، كانت حاضرة بقوة في لقاءاته الثنائية التي عقدها خلال تواجده في الأرجنتين لحضور قمة مجموعة الدول العشرين الصناعية. وأوضح أردوغان بحسب بعض المصادر، أن ملف مقتل خاشقجي تمت مناقشته في اجتماع لزعماء قمة مجموعة الدول العشرين الصناعية. وأضاف أنه أدلى بتصريحات وافية عن قضية خاشقجي في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام أعمال قمة مجموعة العشرين، مبينا أنه زوّد وسائل الإعلام العالمية بآخر التطورات المتعلقة بالقضية.
اضف تعليق