حملة مكافحة الفساد في السعودية التي يقودها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي بدأت في 2 نوفمبر الماضي. حققت وبحسب بعض المراقبين أهم أهدافها بعد ان استطاعت السلطات السعودية إنجاز تسويات تقدر قيمتها بـ107 مليار دولار، وهو ما سيدر دخلاً سنوياً على خزينة المملكة العربية السعودية يقدر بـ30 مليار ريال سنويا، بحسب شركة الراجحي كابيتال المالية.
والمليارات العائدة إلى خزينة الدولة من هذه التسوية أسهمت بتعزيز سلطة الأمير الشاب، الذي استطاع ان يعيد رسم خارطة الحكم في البلاد بما يخدم مصالحة. وجرىفي الفترة السابقة توقيف عشرات من الامراء والمسؤولين ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون الفخم بالعاصمة الرياض. وسيمثل هذا المبلغ الضخم كما نقلت المصادر، دفعة مالية مهمة للحكومة التي تواجه مشكلات مالية بسبب تراجع أسعار النفط. ومن المتوقع أن يصل عجز ميزانية الدولة في العام الحالي إلى 195 مليار ريال. وفي مؤشر آخر على قرب انتهاء التحقيق، قال مسؤول سعودي إن السلطات في المملكة أطلقت سراح جميع الموقوفين الباقين في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وقال الفندق إنه سيعيد فتح أبوابه أمام الجمهور. ومن المعتقد أنه جرى نقل البعض من فندق ريتز إلى السجن بعد أن رفضوا الاعتراف بارتكاب أخطاء والتوصل لتسويات مالية مع السلطات. وربما يمثلون للمحاكمة.
ويقول مصرفيون في منطقة الخليج إن السرية التي أحاطت بالحملة زعزعت استقرار مجتمع الأعمال وقد تؤثر على رغبة الشركات المحلية والأجنبية في الاستثمار.وقال جيسون توفي وهو خبير اقتصادي في شؤون الشرق الأوسط بشركة كابيتال إيكونوميكس في لندن إن عملية التطهير زادت من الإحساس بالغموض بين المستثمرين الأجانب المحتملين في السعودية لأنها لم تكن واضحة بشأن الطريقة التي سيعاملون بها إذا تورطوا في مزاعم بالفساد. وقال ”إطلاق سراح الأمير الوليد بن طلال وعدد من الشخصيات البارزة الأخرى قد يهدئ بعض المخاوف لكن ليس لدينا أي تفاصيل حتى الآن عن نوع الاتفاق الذي توصلوا إليه مع السلطات. يزيد هذا من الغموض المحيط بالعملية برمتها“. وأضاف أن أحد المخاوف المحتملة بالنسبة للمستثمرين هو أن التطهير قد يؤدي يوما ما إلى رد فعل عنيف ضد الأمير محمد الذي دشن حملة التطهير ويقود إصلاحات طموحة. وقال توفي ”المستثمرون على الأرجح بحاجة إلى بعض الاطمئنان بشأن الإجراءات المحددة في التعامل مع مزاعم الفساد. لكنني أعتقد أن الغموض السياسي سيظل خطرا أساسيا يحيط باقتصاد المملكة لسنوات مقبلة“.
107 مليار دولار
وفي هذا الشأن أعلن النائب العام السعودي ان 56 شخصا من بين 381 أوقفوا في تشرين الثاني/نوفمبر على خلفية اتهامات بالفساد، سيبقون قيد التوقيف مع انتهاء مرحلة "التفاوض"، مشيرا الى ان قيمة التسويات التي تم التوصل اليها بلغت نحو 107 مليارات دولار. وقال النائب العام سعود المعجب، وفق ما نقلت وكالة الانباء السعودية الرسمية، انه تمت إحالة جميع الموقوفين إلى النيابة العامة "لاستكمال الإجراءات النظامية التي اتخذت بحقهم".
واوضح ان السلطات تقوم بالإفراج تباعاً عمن لم تثبت عليهم تهمة الفساد، وبالإفراج تباعاً عمن تمت التسوية معهم "بعد إقرارهم بما نسب إليهم من تهم فساد"، وأخيرا التحفظ على 56 شخصا ممن رفض النائب العام التسوية معهم "لوجود قضايا جنائية أخرى". وتابع ان "القيمة المقدرة لمبالغ التسويات" التي تمت مع أشخاص تم الافراج عنهم، "تجاوزت 400 مليار ريال (107 مليار دولار) متمثلة في عدة أصول" من عقارات وشركات وأوراق مالية ونقد وغير ذلك.
وأوقفت السلطات في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2017 أمراء ومسؤولين حاليين وسابقين ورجال اعمل وشخصيات معروفة ونقلتهم الى فندق "ريتز كارلتون" في العاصمة السعودية، والى مواقع اخرى. وقالت السلطات ان التوقيفات جرت في اطار حملة لمكافحة الفساد نفذتها لجنة يرأسها ولي العهد الامير الشاب محمد بن سلمان (32 عاما). وأثار توقيف هؤلاء قلقا لدى المستثمرين وخشية من ان يسارعوا الى سحب رؤوس الاموال ما قد يؤدي ايضا الى إبطاء الاصلاحات في المملكة الباحثة عن تنويع اقتصادها لوقف ارتهانه للنفط.
وفي الاسابيع الماضية، أطلقت السلطات سراح أبرز الموقوفين وبينهم الامير متعب بن عبد الله الذي كان يعتبر من المرشحين لتولي العرش. ودفع الامير متعب مليار دولار لقاء الافراج عنه، حسبما افاد مصدر مقرب من الحكومة. وافرجت السلطات السبت عن الملياردير الامير الوليد بن طلال. وأكد مصدر حكومي سعودي رفيع المستوى ان رجل الاعمال الثري توصل الى "تسوية" مع السلطات في مقابل الافراج عنه، من دون ان يحدد طبيعة هذه التسوية. ويصنف رجل الاعمال الوليد بن طلال (62 عاما) بين أثرى أثرياء العالم، وهو حفيد شخصيتين معروفتين: الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس العربية السعودية، ورياض الصلح رئيس أول حكومة لبنانية بعد الاستقلال. وتقدر مجلة فوربس ثروته ب 18،7 مليار دولار، ما يضعه في المرتبة 45 بين أثرى أثرياء العالم.
وجاء اطلاق سراحه بعد ساعات من الافراج عن موقوفين بارزين آخرين بينهم مالك مجموعة "ام بي سي" وليد آل ابراهيم ومسؤولان سابقان هما خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق والامير تركي بن ناصر رئيس هيئة الارصاد السابق. وأبلغ مصدر مقرب من الحكومة ان التويجري والامير تركي توصلا الى تسويات مالية مع السلطات. ولم يتضح ما اذا كان مالك "ام بي سي"، احدى اكبر شبكات التلفزيون العربية، قد توصل الى تسوية مع السلطات لدفع مبالغ مالية لقاء الافراج عنه.
وكانت صحيفة "فاينانشال تايمز" ذكرت في مقال نشرته قبل ساعات من اطلاق سراحه ان المفاوضين طلبوا منه التخلي عن "ام بي سي". واعلن فندق "ريتز كارلتون" في وقت سابق قبول الحجوزات واستضافة الزبائن ابتداء من 14 شباط/فبراير 2018. ولم يرد الفندق على أسئلة حول ما اذا كان قد أخلي من الموقوفين. ومنذ دخول الموقوفين اليه، أغلق الفندق أبوابه أمام الزبائن وتوقف موقعه عن قبول الحجوزات. ويرى مراقبون ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طوى صفحة أعراف في ممارسة الحكم تعود إلى عقود خلت تبناها أسلافه عبر قيامه بحملة التطهير غير المسبوقة التي استهدفت أمراء ومسؤولين. بحسب فرانس برس.
ويقول هؤلاء ان الأمير الشاب الذي يتولى مناصب رفيعة المستوى عديدة في المملكة يعمل على ترسيخ موقعه وتشديد قبضته على السياسة والاقتصاد والمجتمع، قبل تتويجه ملكا خلفا لوالده. وسبقت حملته ضد الفساد خطوات جريئة أخرى أقدم عليها بينها توقيف رجال دين معروفين، وتأدية دور كبير في اصدار مرسوم ملكي يسمح للنساء بقيادة السيارات اعتبارا من حزيران/يونيو المقبل، وتقليص سلطات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقل قسوة
من جانب اخر أثبتت الحملة بشكل ما أنها أقل حدة مما كان يخشاه الناس حينما بدأت في نوفمبر تشرين الثاني. ففي ذلك الوقت، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد الحملة، إن 95 في المئة من المحتجزين وافقوا على تسويات مالية، بينما تبين براءة واحد في المئة منهم، ومن المرجح أن يحاكم الباقون. وعلى الرغم من أنه كانت هناك تكهنات في الأيام الأولى للحملة بمصادرة شركات بأكملها وتصفيات ضخمة لأصول لدفع الأموال للدولة لم تحدث هذه الأمور على ما يبدو.
وقال مسؤولون إنه بينما وافق الأمير الوليد بن طلال ورجال أعمال بارزون آخرون على تسويات مالية بعدما أقروا ”بانتهاكات“ غير محددة، فيمكنهم استئناف أنشطة أعمالهم بشكل كبير كما كان الحال من قبل. وسيحتفظ الأمير الوليد بسيطرته على المملكة القابضة، بينما لن يتخلى وليد الإبراهيم مالك شبكة قنوات إم.بي.سي التلفزيونية عن سهم واحد فيها، بحسب المسؤولين. ومن الممكن أن تكون السلطات اتفقت مع بعض المحتجزين على تمكينهم من السيطرة على أصولهم من وراء الستار.
لكن بعض المحللين قالوا إن السلطات ربما تكون وجدت أنه من الصعب بشكل أكبر مما كان متوقعا إقامة دعاوى قانونية محكمة ضد المحتجزين، وهو ما قد يصب في صالح أشخاص ذوي إرادة قوية مثل الأمير الوليد، الذي استمر يصر علانية على أنه برئ تماما. وقال مصرفي خليجي يتعامل مع السعودية إن السلطات حريصة على ما يبدو على انتهاء التحقيقات وذلك إلى حد ما بسبب تخوف المستثمرين الأجانب من استهداف أصولهم أو شركاء الأعمال المحليين في الحملة الواسعة النطاق.
وأضاف المصرفي أن احتجاز الأمير الوليد مقلق على وجه الخصوص للأجانب بسبب شهرته على الساحة العالمية كأحد المستثمرين في شركات غربية كبرى مثل تويتر وسيتي جروب، وله استثمارات في فنادق كبرى مثل جورج الخامس في باريس وبلازا في نيويورك. وأردف قائلا ”الحكومة تعطي إشارة إلى أنها تريد الانتقال إلى مرحلة جديدة الآن بعيدا عن الحملة وصوب إصلاحات اقتصادية أخرى“. ووصف الأمير الوليد توقيفه بأنه سوء فهم وقال إنه يؤيد مساعي الإصلاح التي يبذلها ولي العهد. وقال في المقابلة ”لا توجد اتهامات. هناك فقط مناقشات بيني وبين الحكومة“.
مكاسب اخرى
على صعيد متصل قالت مصادر إن رجل الأعمال السعودي البارز خالد بن عبد الله الملحم أُطلق سراحه بعد توقيفه لأكثر من شهرين. وكان الملحم، وهو نائب رئيس البنك السعودي البريطاني بين عشرات من الأمراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال البارزين الذين جرى توقيفهم في أوائل نوفمبر تشرين الثاني في إطار ما وصفه مسؤولون سعوديون بأنه حملة على الفساد. وتحدثت المصادر طالبة عدم نشر أسمائها نظرا لحساسية الأمر. ولم تتضح شروط إخلاء سبيل الملحم أو المزاعم التي كان يواجهها.
قالت مصادر إن السعودية تتولى السيطرة الإدارية على مجموعة بن لادن وتناقش انتقالا محتملا لبعض أصول مجموعة التشييد العملاقة إلى الدولة، بينما رئيس مجلس إدارتها وأعضاء أخرون من العائلة قيد الاحتجاز. ومجموعة بن لادن، التي كان يعمل بها أكثر من 100 ألف موظف في ذروة نشاطها، هي أكبر شركة للبناء في المملكة ومهمة لخطط الرياض لاقامة مشاريع عقارية وصناعية وسياحية كبرى للمساعدة في تنويع الاقتصاد بعيدا عن صادرات النفط.
لكن المجموعة تضررت ماليا في العامين الماضيين من ركود في قطاع التشييد واستبعاد مؤقت من عقود جديدة للدولة بعد حادث سقوط رافعة عملاقة قتل فيه 107 أشخاص في الحرم المكي في 2015. وإضطرت للاستغناء عن آلاف الموظفين. وقالت مصادر بالقطاعين المصرفي والصناعي، طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب الحساسية السياسية والتجارية للموضوع، إنه يبدو أن تحرك الرياض للسيطرة يهدف إلى ضمان أن تتمكن المجموعة من أن تواصل خدمة خطط السعودية للتنمية.
وقالت المصادر إن بكر بن لادن رئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن وبضعة أعضاء في العائلة بين المحتجزين. ومنذ احتجاز أعضاء من عائلة بن لادن، شكلت وزارة المالية لجنة من خمسة أعضاء من بينهم ثلاثة ممثلين للحكومة للاشراف على أنشطة المجموعة ومعالجة العلاقات مع الموردين والمقاولين. وقالت المصادر إنه رغم أن ملكية بن لادن حاليا تبقى للعائلة، إلا أن المجموعة تجري مفاوضات مع الحكومة بشأن الانتقال المحتمل لبعض اصولها إلى الدولة، أو ربما تخفيض أو إلغاء القروض الحكومية القائمة لدى المجموعة. وقال مصدر مصرفي على دراية مفصلة بالمجموعة إن إجمالي الديون ربما يبلغ حوالي 30 مليار دولار، وهي ميراث فترة استمرت حوالي 18 شهرا عندما أحجمت الحكومة عن تسوية الكثير من ديونها مع تضرر ماليتها من ضعف أسعار النفط.
اضف تعليق